تصميم: أحمد بلال - المنصة

قوانين الانتخاب.. البرلمان يتجاهل دعوة الرئيس لتشكيل "كتلة صلبة"

منشور الأحد 25 مايو 2025

بعد أربعة أيام من أدائه اليمين الدستورية لفترة ولايته الرئاسية الثالثة، تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2024 بدعم حالة الانفتاح والإصلاح السياسي التي بدأت مع إطلاقه دعوة الحوار الوطني عام 2022، مشيدًا بـ"سعة صدر" كل الأطراف المشاركة في الحوار، وبتعدد الموضوعات التي ناقشتها الجلسات.

وخلال حفل إفطار الأسرة المصرية الذي دعا إليه الرئيس عددًا من نخبة المجتمع المصري، شدد على ضرورة استمرار الحوار الوطني؛ لأننا لن نتمكن من مجابهة أي تحدٍّ خارجي وتجاوز مخاطره دون أن تكون هناك كتلةٌ متماسكةٌ تشمل كل شرائح المجتمع "نحن نمر بمرحلة فيها تطور كبير.. وأكيد سيكون لها تأثير.. وكل ما تكون كتلتنا صلبة وصامدة وداعمة سنتمكن من مجابهة أي تحد أو أي مخاطر".

كان الرئيس يشير في معرض حديثه إلى ما يجري في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية تخوضها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وتداعياتها على مصر وأمنها القومي، الذي لا يمكن الدفاع عنه دون أن تكون هناك جبهة داخلية "صلبة" متماسكة، قادرة على تحمل التبعات ومقاومة الضغوط والمشاركة في أي مواجهة محتملة إن اقتضت الأمور.

قبل ثلاث سنوات، دعا السيسي التيارات السياسية والحزبية والشبابية كافة "دون استثناء أو تمييز" للمشاركة في حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني، وعقب إطلاق تلك الدعوة دارت مناقشات داخل أروقة الأحزاب والكيانات السياسية حول أجندة الحوار ونتائجه المنتظرة.

ووفق ما تابع كاتب تلك السطور من خلال المشاركة المباشرة في بعض الجلسات، أو مطالعة بيانات ومخرجات المناقشات التي عقدتها الأحزاب التي شاركت أو حتى التي أعلنت مقاطعتها لاحقًا؛ كان هناك اتفاق عام على تحريك ملفين أساسيين من خلال المشاركة في جلسات الحوار الوطني. الأول الإفراج عن أكبر عدد من المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، والثاني تعديل النظام الانتخابي بما يسمح بتمثيل معقول لكل القوى السياسية التي قبلت بالعمل تحت مظلة الدستور، وأقرت بشرعية النظام القائم أيًا كان خلافها معه، على قاعدة أن الخلاف في الرأي لا يفسد في الوطن قضية.

إصرار الموالاة على الإبقاء على النظام الانتخابي كما هو يسعى إلى تكرار ما جرى في انتخابات برلمان 2020

تسلم المشاركون في الاجتماعات التمهيدية التي سبقت جلسات الحوار العلنية رسالة مفادها أن البلاد في تلك المرحلة بحاجة إلى حوار ينهي حالة الاحتقان السياسي ويضع أجندة تتضمن إجراءات وتعديلات تشريعية تساهم في فتح المجال العام، بما يسمح بالشروع في عملية تحول ديمقراطي تأخرت كثيرًا بسبب انشغال البلاد بالحرب على الإرهاب.

وفي الوقت الذي شكك فيه البعض في أن ينتهي الحوار المنتظر بأي مخرجات تضع البلاد على أول طريق الإصلاح السياسي، حسم البعض الآخر أمره واختار المشاركة على سبيل اختبار نوايا السلطة التي وعد ممثلوها في الاجتماعات المعلقة بأنهم جادون في وضع قواعد مرحلة جديدة تترسخ فيها مبادئ التعددية.

وما إن انطلق الحوار، حتى تشكلت محاور، انبثقت عنها لجان انبثقت عنها لجان فرعية، وطُرحت للمناقشة ملفات أقلها سياسي وأكثرها عن "كل شيء"، وهو ما أضاع أهداف الحوار الأساسية في متاهة "مطلقة مغلقة".

بالتوازي وُضعت البلاد أمام اختبار صعب، يحتاج إلى كل الأطراف؛ المعارضين قبل المؤيديين، فالخلاف في الرؤى والتصورات وطرح البدائل، يزيد من مناعة المجتمع ويجعله أكثر تماسكًا وقدرةً على المواجهة، أما الاستئثار بالرأي وتهميش المخالفين وإهدار أصوات المعارضين، فيصعِّد الاحتقان ويضع الدول على حافة الهاوية، وهو ما لا يَلزمنا في وقت نواجه فيه جميعًا تحديات جسامًا.

شهدت جلسات المحور السياسي للحوار الوطني خلافًا بشأن النظام الانتخابي الذي من المفترض أن يطبق خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ففي حين طالبت المعارضة بتطبيق نظام القائمة النسبية، باعتباره النظام الذي يضمن تمثيل كل القوى السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، تمسكت أحزاب الموالاة بنظام القائمة المغلقة التي تغلق باب التمثيل النيابي أمام كتل وأحزاب تسعى إلى المشاركة السياسية لكنها لم تتمكن من الحصول على نصف أصوات الناخبين.

وفي أغسطس/آب 2023 رفع مجلس أمناء الحوار الوطني توصيات المحور السياسي للرئيس متضمنًا ثلاث توصيات بعد فشل الاجتماعات المصغرة في التوافق على توصية محددة؛ تضمنت استمرار النظام الحالي، أو تطبيق القائمة النسبية بالكامل أو نظام مختلط يجمع بين الثلاثة أنظمة (الفردي، والقائمة المغلقة، والقائمة النسبية) بنسبة ثلث المقاعد لكل منهم.

ومع اقتراب انتهاء دور انعقاد مجلس النواب، تقدمت أحزاب الموالاة النيابية ممثلة في أحزاب مستقبل وطن والشعب الجمهوري وحماة الوطن وعدد من نواب تنسيقية الأحزاب والسياسيين، بتعديلات تتعلق بإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، لم تتطرق إلى النظام الانتخابي كما هو، متجاهلةً ما خرج عن الحوار الوطني من توصيات ومقترحات، بدعوى صعوبة تطبيق النظام المختلط في ظل وجود نص دستوري يضمن تمثيل الفئات التي نص عليها الدستور ضمن القائمة النسبية.

تبرير الموالاة والحكومة، لا محل له من الإعراب، فإن وجدت إرادة سياسية لفتح الباب أمام تعددية سياسية تسمح بمشاركة وتمثيل كل الأطراف والأحزاب وعدم احتكار السلطة التشريعية لصالح أحزاب "الوطن" التي أثبتت التجربة أنها ليست أكثر من ذراع برلمانية للسلطة، لوجدت حلولًا تشريعية ودستورية لتجاوز مسألة تمثيل الفئات التي أشار إليها البعض، خلال مناقشات اللجنة التشريعية بالبرلمان الأسبوع الماضي.

يبدو أن الموالاة البرلمانية التي تصر على الإبقاء على النظام الانتخابي كما هو دون أي تعديل، تسعى إلى تكرار ما جرى في انتخابات برلمان 2020، فالاحتكار والإقصاء هما عقيدة هؤلاء، ولا عزاء للدعوات التي أطلقها الرئيس لتشكيل "كتلة صلبة داعمة وصامدة وداعمة لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد".

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.