صفحة وزارة الداخلية - فيسبوك
غرفة عمليات لمتابعة الانتخابات الرئاسية من وزارة الداخلية بتاريخ 9 ديسمبر 2023

قوانين الانتخابات.. "النظام المضمون" على حساب المستقبل

منشور الخميس 29 مايو 2025

العمل السياسي في مصر حبيس منذ عشرة أعوام. هذه حقيقة يؤكدها مجال عام مغلق، وأحزاب محاصرة، ووجوه لا تتجدد. السياسة في مصر تعيش في المساحة الرمادية، لا تتحرر ولا تموت! عناوين مكررة، وتفاصيل معادة، ومشهد ثابت على شاشات انفض من حولها المتابعون.

خلال اليومين الماضيين تفجر جدل ساخن، يبدو قانونيًا لكنه يخرج من قلب السياسة. خلافات طاغية ومتواصلة بين الحكومة وأحزاب الموالاة من جانب، وأحزاب المعارضة من جانب آخر، على قوانين الانتخابات التي وافق عليها مجلس النواب بشكل نهائي يوم الأحد الماضي، ليقر نظامًا انتخابيًا يمزج بين القائمة المغلقة المطلقة والنظام الفردي.

على خلفية الأسئلة التي سبقت صدور القوانين بشكل نهائي، كان الأمل يتجدد في عودة السياسة إلى وضعها الطبيعي، بعد أن تسمح القوانين بنظام يقر القائمة النسبية ويحافظ على تنوع سياسي مهم ومطلوب، لتغدو الانتخابات خطوةً على طريق طويلة تأخرت كثيرًا.

فرصة جديدة ضائعة

بإصدار قوانين الانتخابات بصيغتها الحالية، ضاعت على البلد فرصةٌ جديدةٌ لخلق انفراجة جادة وحقيقية في ملف السياسة والتنوع والمشاركة الحزبية في المشهد العام.

تعاملت السلطة وأحزاب الموالاة مع الانتخابات البرلمانية المقبلة باعتبارها مجرد تنافس انتخابي، بينما كان من الممكن جعلها مدخلًا لانفراجة سياسية مطلوبة. 

وضع البلد في مسار جديد كان أسلم من الإصرار على قوانين منتهية الصلاحية

كان بالإمكان كسر الجمود السياسي الذي عاشته مصر طوال سنوات في بضعة أشهر من التنافس السياسي والحيوية التي يحتاجها المجال العام. 

بحسابات السياسة واللحظة، فإن الفيصل في الانتخابات المقبلة ليس عدد المقاعد التي يحصل عليها كل حزب، بل إدراك ما يمكن أن تمثله من انتقال سياسي من مرحلة لأخرى. من الجمود إلى الحركة، ومن الحصار إلى مشهد سياسي أرحب يضم الجميع.

بكل الحسابات الجادة، فإن البلد كان يحتاج رؤية أشمل، لا تسعى لمكاسب لحظية بل ترسم طريقًا للقادم، يُحسِّن المشهد العام، ويمنح الأمل في حياة سياسية جادة وذات تعدد في الأصوات والأفكار.

كان مفيدًا أكثر للسلطة إخراج الانتخابات المقبلة في مشهد جاد لا تجميليٍّ، وبداية لحركة سياسية تجمع شمل المجتمع وتفتح ملفاته الرئيسية وتطلق السياسة من سجنها الضيق، وتمنح مساحات من الحرية تسمح بالتنافس وطرح الأفكار والرؤى والبرامج لصالح البلد.

كان يمكن أن تحضر ملفات المستقبل من خلال التنافس الانتخابي في بلد تحاصره أزمات كبيرة اقتصادية وسياسية، وتهدده أخطار تحيط بأمنه القومي. 

احتكار السياسة خَصْمٌ مؤكد من قدرة مصر على التعافي، وتحجيمٌ لقدرتها على مواجهة مشكلاتها الكبرى. وبديهيًا تكون بقوانين تضمن مساحة جيدة من التنوع السياسي المفقود، بعد أن نغلق ملف سجناء الرأي للأبد بإطلاق سراحهم جميعًا. 

السلطة، أي سلطة، كانت دائمًا تختار النظام الانتخابي الذي يمثلها هي لا الناس

"الانتخابات فرصة لانتقال سياسي" هذا الشعار الذي يجب أن يسود الآن وليس غدًا. وكان بيد السلطة، قبل إقرار القوانين، أن تثبِت رغبتها في وضع مصر أمام بداية جديدة لطريق سياسي مختلف.

تجاهل الجميع أن وضع البلد في مسار جديد يُمكِّنها من الانتقال خطوات مهمة للأمام، وهو أسلم لمستقبلها من الهدر في مزيد من حصار السياسة، والتمسك بأصحاب الولاء فقط دون غيرهم، والإصرار على قوانين انتخابية منتهية الصلاحية لم يعد لها مكان في عالم اليوم، بعد أن ثبت للجميع أنها تكرس الاستبداد، وتهدر أصوات ملايين الناخبين، وتُقزِّم الحياة السياسية بعد أن تحاصر التنوع والتعددية التي غابت عن مصر منذ أعوام.

استغلال اللحظة والتعامل معها بالجدية المطلوبة هو الإنقاذ المطلوب للحاضر والمستقبل معًا، لكن جاءت الرياح بالقائمة المغلقة لتضيف مزيدًا من "الإغلاق" لمجال عام ذهب مع الريح!

القوانين.. معركة قديمة جديدة

معارك قوانين الانتخابات ليست جديدةً على مصر. الخلاف والشد والجذب حول شكل قوانين الانتخابات حاد حتى قبل ثورة 25 يناير 2011. والسلطة، أي سلطة، دائمًا تختار النظام الانتخابي الذي يمثلها هي لا الناس. وظل هاجسها الأعظم جمع أكبر عدد من الأصوات، والاستحواذ على أكبر عدد من المقاعد النيابية لرجالها.  

في الثمانينيات أبطلت المحكمة الدستورية العليا قوانين الانتخابات أكثر من مرة، فاضطرت السلطة لتعديلها. ففي عام 1987 حلَّت البرلمان لعدم دستورية نظام القائمة المغلقة المطلقة، ثم عادت وحلَّته ثانيةً في 1990 بعد الطعن على دستورية نظام القائمة النسبية.

حينها قالت المحكمة الأرفع مقامًا في مصر إن نصوص قوانين الانتخابات "المصنوعة" تخالف الدستور وتجافي المساواة المطلوبة.

تنقلت مصر مرات عدة بين نظام القائمة المغلقة المطلقة، والقائمة النسبية، والنظام الفردي. وفي كل مرة كان النظام السياسي يتحايل لصالح السيطرة على سلطة التشريع، وللحزب الوطني المنحل ميراث طويل من التزوير والتلاعب بالانتخابات. 

ثورة يناير نفسها، تزوير مقاعد البرلمان عام 2010 والعبث بالإرادة الشعبية أحد أسبابها المهمة. القوانين دائمًا جزء من لعبة السياسة، ورغبة التسلط والاستبداد.  

بنظرة سريعة وعابرة تستطيع الحكم على النتيجة قبل أن تبدأ العملية الانتخابية. يكفي أن ترى النظام الانتخابي، وتقسيم الدوائر، لتعرف النتيجة قبل أن ينزل اللاعبون إلى أرض الملعب. 

والآن يبدو الجدل حول القوانين طبيعيًا وصحيًا. فقد كان ممكنًا أن يحمل الأمل. لكنه اختار أن يبشر باليأس. الأمور كلها في يد السلطة والبرلمان، لكنهما اختارا الطريق الوحيد الذي يبقى السياسة على سيرتها الأولى، التي بدأت منذ نحو عشرة أعوام!

الحوار الوطني والانتخابات

الجلسة النقاشية اﻷولى للمحور السياسي ضمن فعاليات الحوار الوطني، 14 مايو 2023

في نقاشات الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية عام 2022، حضر ملف الانتخابات بقوة. 

منذ بدأ الحوار جلساته حول الانتخابات البرلمانية، تصاعد الخلاف بين أحزاب السلطة والموالاة على شكل النظام الانتخابي وبات ساخنًا وحادًا.

تمسكت أحزاب المعارضة بالقائمة النسبية، واعتبرت أنه نظام انتخابي يحافظ على التنوع ويضمن تمثيلًا عادلًا للجميع، ويبشر برغبة حقيقية في انفتاح مطلوب على مجال عام مغلق.

فيما رفضت أحزاب الموالاة التنازل عن نظام القوائم المغلقة، وقالت إنه نظام جيد يضمن الاستقرار السياسي، ثم خرجت القوانين لتؤكد أنه لا تغيير يلوح في الأفق ينقذ البلد من نظام القائمة المغلقة ويعيدها إلى وجه السياسة التنافسي والمتنوع.

أهدرت السلطة الحالية كل ما جاء في الحوار الوطني وبرهنت على أنها أكثر ميلًا إلى نظام انتخابي "مضمون"، يحافط على أغلبية مريحة في المجلس التشريعي. في الانتخابات الماضية التي جرت في 2020 وبنفس النظام الانتخابي، سيطرت الأحزاب القريبة من السلطة على مجلس النواب بشكل شبه كامل.

بعد نحو شهرين من الآن تنتهي الدورة البرلمانية الحالية استعدادًا لإجراء الانتخابات، والواقع يشهد أن شيئًا لم يتغير، وأن السير في المكان هو الأصل في واقع سياسي مأزوم ومحاصر.

كل الشواهد لا تطمئن بأن هناك رغبة في تغيير أو خلق مسار مختلف. وكل المواقف تشي برغبة في بعض التعديلات الشكلية التي لا يمكن أن تصل لجوهر النظام السياسي.

كانت العملية الانتخابية أملًا في جديد يمكن أن يحدث، لكنه تبدد في الرغبة التي لا تنتهي في التسلط على كل شيء وأي شيء.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.