Adi Goldstein- آنسبلاش برخصة المشاع الإبداعي
بالونات

موسم الشائعات و"بالونات" الاختبار

منشور الاثنين 29 مايو 2023

مع حالة "الحراك" السياسي النسبي التي بدأت في مصر خلال الشهرين الماضيين بانطلاق جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، ثم إعلان أحمد الطنطاوي النائب البرلماني السابق نيته الترشح للانتخابات الرئاسية العام المقبل، وما صاحبه من زيادة الحديث عنها وعن ضمانات إجرائها بنزاهة وشفافية؛ ارتفعت درجة حرارة المشهد السياسي، وبدأ موسم الشائعات و"بالونات" الاختبار.

هذه البالونات التي تأتي في صورة أخبار مرسلة دون دليل، مدت خيوطها على المشهد السياسي والاقتصادي، لقياس ردود أفعال معينة للغالبية من الناس، بما يكشف عن تجهيز الأطراف المختلفة لنفسها، ومحاولات إعداد المناخ العام لما هو آت.

الملفت أن هذا "الحراك" النسبي يأتي بينما في خلفية المشهد السياسي أزمة اقتصادية كبيرة وضاغطة على أعصاب غالبية المصريين، الذين باتوا يعانون بشكل كبير من انفلات غير مسبوق في الأسعار، وانهيار لم يحدث من قبل في قيمة العملة.

رئيس مبكر

أولى الشائعات أو بالونات الاختبار كان انتشار الخبر  الذي يؤكد أن السلطة الحالية تفكر في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ورغم أن كل ما نُشر حول تلك الانتخابات المبكرة هو موعدها فقط، فإن أحدًا لم يجب عن السؤال: لماذا فكرت السلطة في هذا الأمر، ولماذا تدعو لانتخابات مبكرة بينما ستأتي في موعدها الدستوري بعد عدة أشهر فقط من أكتوبر (مارس 2024)؟

في عدم الإجابة عن السؤال ما يوحي بأن حديث "التبكير" لم يكن أكثر من "بالونة" يراد منها قياس ردود أفعال فئات أو قوى بعينها. في حسابات السياسة تلجأ الدول للانتخابات الرئاسية المبكرة في حالة وجود أزمات سياسية أو اقتصادية كبرى تستلزم إما إجراء تغييرات سياسية على رأس هرم السلطة، أو تجديد شرعية النظام القائم، وهو ما يعني أن اللجوء لذلك الخيار في مصر يمثل اعترافًا من الحكم الحالي بوجود أزمة تستلزم مشاركة شعبية في تحديد المسار القادم ورسم خريطة المستقبل.

هذا الأمر لا تؤكده المؤشرات حتى اللحظة الحالية على الأقل، فعلى الرغم من أن هناك اعترافًا رسميًا بوجود أزمة اقتصادية كبيرة، فإن الأحداث لا تنم عن وجود رغبة لدى أهل الحكم في تغيير الوجوه أو السياسات.

عودة مبارك

الشائعة أو "بالونة" الاختبار الثانية كانت حول ترشح الدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عام للحزب الوطني المنحل، لرئاسة الجمهورية، ورغم نفي بدراوي للأمر بشكل كامل وتأكيده أنه لا يفكر في خوض انتخابات الرئاسة، فإن القصة انتشرت بشكل كبير، وتداولتها الصحافة بشكل واسع، ربما لأنها تلامست مع حديث لا ينقطع في الأوساط السياسية حول إمكانية ترشح جمال مبارك، ابن الرئيس الأسبق حسني مبارك للانتخابات المقبلة، فعلاقة بدراوي بمبارك الابن معروفة، والحديث عن رغبة رموز "دولة مبارك" في وصول أحد رجالهم للحكم متواصل، والتركيز الدائم على احتمالية ترشح أحدهم للانتخابات مستمر ومتجدد.

في قصة جمال مبارك والترشح للانتخابات "بالون" اختبار لا يقل إثارة عن القصص "والبالونات" الأخرى، فالابن الممنوع من الترشح بنص واضح في قانون الانتخابات الرئاسية الصادر عام 2014؛ لا يزال محل نقاش كبير في الأوساط السياسية حول احتمالية خوضه الانتخابات بدعم من دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات.

على خلفية الجدل الذي دار خلال "الحوار الوطني" عن النظام الانتخابي الأمثل، والخلاف بين الأحزاب حول القائمة المطلقة والقائمة النسبية؛ انتشر الحديث مؤخرًا بين القوى السياسية عن نية السلطة القبول بتغيير النظام الانتخابي إلى القائمة النسبية، وحل البرلمان الحالي وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في التوقيت نفسه نهاية 2023، بالون اختبار يثير خيال المتابعين مستغلًا النموذج التركي الذي أجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الوقت ذاته وتابعه العالم باهتمام بالغ.

وبمقدار ما أثارت كل تلك "البالونات" والشائعات الجدل والتفت لها المهتمون بالشأن العام، فإنها كشفت عن الكثير من الارتباك في المشهد السياسي، فضلًا عن الحيرة التي تنتاب السلطة ومعارضيها على السواء. ففي أي بلد في العالم تكشف السنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية كل التفاصيل حول من سيخوضها، ومن يملك الفرص في المنافسة، وما هي الأچندة السياسية التي تمتلكها القوى والأحزاب المختلفة.

أما ترك البلد فريسة للشائعات أو بالونات الاختبار أو الأحاديث المرسلة فهو تعبير حقيقي عن أزمة، تلك الأزمة سببها الأول والحقيقي هي السلطة التي تملك كل المفاتيح، وتستحوذ على كل المؤسسات، ومع ذلك لم تسع لتنظيم المشهد العام بما يليق بمصر وشعبها.

المؤكد أن رغبة السلطة الحالية المستمرة في السيطرة على المجال العام، والتحكم في كل صغيرة وكبيرة في كل ما يتعلق بالسياسة هو المناخ الملائم والبيئة المناسبة لتنامي الشائعات، وغياب الحقيقة، وانتشار الأحاديث المرسلة باعتبارها حقائق مؤكدة، ومع ذلك فإنه في انتشار الأخبار غير المؤكدة ما يوحي بأن هناك محاولات لجس النبض من قوى -رسمية أو غير رسمية- كلها تسعى لرسم خطواتها المقبلة، وما يشير لرغبة في تغيير ينتظره الجميع، وقلق من المقبل يخشاه الجميع.

والمؤكد أيضًا أن انتشار هذه الأخبار هو تعبير عن إحساس السلطة بأن القادم لن يجدي معه التعامل بنفس ما حدث في السنوات الماضية، فالمشهد العام اختلف، والرغبة في التغيير تتصاعد على المستوى الشعبي، ومنسوب الغضب يتواصل، والطريق نحو القادم يحتاج لكثير من التسليم بأن البلد يحتاج إلى مسار جديد، وإلى قطيعة تامة مع ما فات من سياسات، لكن الأجدى هو أن تتحول الأخبار المرسلة وبالونات الاختبار إلى معلومات مؤكدة، وحقائق راسخة تصنع حالة من السيولة السياسية في شرايين المجتمع التي تجمدت.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.