تصميم أحمد بلال- المنصة
سقف المفاجآت محدود باتساع التجارب السابقة ومعاصرة أحداثها

سباق مبكر على برلمان ملحق بالسلطة التنفيذية

منشور السبت 1 فبراير 2025

بدأ السباق على البرلمان مبكرًا، أو على سلطة تشريعية يرى كثير من المنصفين والواعين أنها بحاجة ماسّة إلى إصلاح. لكن هذا أمر لا يشغل الذين يتبارون على خطف مقاعد يجلسون عليها بعد مرورهم من نافذة السلطة أو بابها.

فالفترة الأخيرة شهدت تشكيل تحالف تحت اسم "الجبهة الوطنية"، يضم سياسيين رسميين سابقين وبرلمانيين ورجال أعمال ونقابيين وإعلاميين، وشخصيات عامة من مجالات متنوعة، ليضاف إلى 87 حزبًا تم إشهارها في مصر، منها 14 لهم أعضاء في البرلمان الحالي، وبشكل متفاوت.

على الجانب الآخر اجتمعت الحركة المدنية الديمقراطية لمناقشة الانتخابات، وهي تبدو منقسمة، على الأقل من الناحية الواقعية، بين أحزاب تسعى إلى نيل شيء مما تجود به السلطة على حلفائها، وأخرى ترى أنه من الضروري التصدي لذلك والعمل على خوض انتخابات حقيقية في سبيل إصلاح سياسي منشود.

لكن السؤال: كيف تكون الانتخابات حقيقية، ولم تُحسم بعد صيغة النظام الانتخابي الجديد في ظل توجه بتعديل قوانين الانتخابات؟ وكيف تكون هناك انتخابات حقيقية بينما هناك إصرار على استمرار الصيغة القديمة، التي تقوم على صناعة أحزاب سياسية من علٍ؟ رغم أن الأحزاب لا تسقط من السحاب، إنما تنبت في الأرض، تضرب جذورًا عميقة في التربة الاجتماعية، وتنمو فروعها عفية، وتطرح ثمارها رجال سياسة ودولة، وثقافة سياسية تدفع إلى الأمام، ومؤسسة تضيف إلى الحياة العامة.

أحزاب اللافتات

جمع توكيلات حزب الجبهة الوطنية في محافظة الاسكندرية، 4 يناير 2025

الأحزاب التي تسقط فوق الرؤوس فجأة، والتي تولد من أرحام صناعية، وتعرض نفسها كلافتة إعلانية ضخمة، لا يعول عليها في إحضار سياسة غائبة، واستعادة ثقة تزعزعت، وترميم مصداقية تآكلت. وهي لن تشكل رافعة في أي مشروع مستقبلي تفكر فيه السلطة عن ترتيب شكل نظام الحكم، أو إصلاحه.

وكيف تكون هناك منافسة بينما "الجبهة الوطنية" التي ينتظر أن تحوز أغلبية كاسحة، تطرح رؤية شمولية حين تقول في بيانها التأسيسي إن هدفها هو "لم الشمل، في فترة لا تحتمل التشتت"، وتقول إن الحزب سيعمل مع كل التيارات السياسية والفكرية كافة. أي أنها تسعى إلى بناء برلمان الصوت الواحد على غرار ما جرى في الفصلين التشريعيين الحالي والسابق عليه؟

وكيف لا يدرك الكل، حتى الآن، أنهم يستعدون للمنافسة على مؤسسة في حاجة ماسة إلى إصلاح؟ وكيف يتجاهلون أنه لا يمكن النظر إلى الإصلاح السياسي بعيدًا عن تحسين أوضاع وأحوال السلطة التشريعية في مصر؟

الإصلاح أولًا

ونقول لهؤلاء إن إصلاح السلطة التشريعية واجب، وأن هذا لا يتم على وجه دقيق إلا من خلال فهم ما تتطلبه قضية التنمية السياسية من شروط وسياسات وإجراءات، هي بالأساس عملية متكاملة لبلوغ دولة مدنية حقيقية، تقوم على المواطنة والحرية والعدالة والكفاية والمساواة في الفرص، يعرف فيها المواطنون حقوقهم غير منقوصة، وواجباتهم غير قاهرة، مؤسسة على دستور يُحترم، وقانون يسهر على مصالح الشعب، وفاتحة عقلها وذراعيها لمشاركة إيجابية، من الأفراد وهيئات المجتمع المدني، تجعل القرار رشيدًا، والإجراء صائبًا.

وتتوزع صناعة الديمقراطية النيابية على قيام السلطة التشريعية التي تمثل الشعب تمثيلًا أمينًا وصادقًا، والتعددية الحزبية، واحترام الحريات العامة، ومنع تغول السلطة التنفيذية، واستقلال القضاء، ووجود حكم محلي قادر على النهوض بالأعباء الكثيرة الملقاة على عاتقه. لكن يبقى كل ذلك معلقًا بالتمثيل الطبيعي والطوعي والحقيقي للشعب، والذي لا يكون البرلمان في قلبه.

وحتى يتم تأسيس سلطة تشريعية حقيقية، فلابد ألا تتدخل سلطة الحكم وأجهزة الإدارة وقوى المال لإجبار الناس على التصويت لمرشح فرد أو قائمة حزبية أو ائتلافية، وألا يُوظَّف الدين، وألا تُستغل النزعة الوطنية في استثارة العواطف والتلاعب بالعقول في سبيل دفع الناس إلى طريق محدد.

ويتطلب الإصلاح البرلماني ما يلي:

  • أن يكون للبرلمان الولاية العامة على بقية السلطات في الدولة.
  • تقوية دور اللجان النوعية داخل مجلسي النواب والشيوخ، وزيادة صلاحيتها، وإقرار سلطتها في استدعاء القائمين على السلطة التنفيذية، وعقد جلسات الاستماع والمواجهة.
  • بلوغ طرق أكثر نجاعة في عرض القوانين، وأساليب المداولات والمناقشات.
  • تعديل طرق تقديم الموازنة العامة للدولة بما يضمن متابعة دقيقة لأوجه الإنفاق وجدواه.
  • تعديل اللائحة بما يعطي نواب البرلمان الحق في مراجعة ميزانيته، ومساءلة رئيسه في هذا الشأن.

وإصلاح البرلمان يفتح الباب أيضًا لضرورة وجود "إصلاح تشريعي" يكون البرلمان أحد روافعه الأساسية. وهذا أعمق وأوسع من الاكتفاء بمجرد "تعديل تشريعي"، مهما بلغ حجم هذا التعديل أو الجوانب التي يمسها، إذ يعني في الحقيقة القيام بتحديث جذري يرتبط بالسياسات التشريعية، من حيث ركائزها وأهدافها ومنهجيتها. وإذا كان التعديل التشريعي ينصب على النص، فالإصلاح التشريعي يرتبط بجوهر السياسات والأهداف الرئيسة.

إننا في حاجة ماسة إلى تجاوز مشكلة مزمنة تتمثل في إجراء تعديلات جزئية وطارئة، تأتي في الغالب الأعم كرد فعل سريع على حدث أو واقعة أو توجه ما، وهو إن كان أمرًا طبيعيًا ومهمًا، إذ يجب أن تواكب التشريعات المستجدات، فإن الاكتفاء به واعتباره إصلاحًا تشريعيًا هو العيب بعينه.

عقبات على الطريق

هناك عقبتان أساسيتان تواجهان عملية الإصلاح التشريعي.

أولهما التضخم التشريعي، إذ هناك إفراط وإسهال واستسهال في سن القوانين ببلادنا. فكلما ظهرت مشكلة أو وقعت أزمة أو جرى حدث أو ظهر نقص نسارع في سن قانون لمعالجته، متهربين من مواجهة الحقيقة التي تؤكد أن حل المشكلة السياسية يكون سياسيًا، وحل المشكلة الاقتصادية يكون اقتصاديًا، وهكذا.

وأدى هذا إلى وجود غابة من التشريعات المتشابكة والمتداخلة بل والمتعارضة، حتى أن رجل القانون نفسه يجد صعوبة جمة أحيانًا في فض هذا الاشتباك، لتبين موضع قدميه من القانون، لاسيّما في ظل افتقادنا لقاعدة بيانات تشريعية موحدة ومفهرسة، وفق أساليب عصرية، حيث الربط الإلكتروني الذكي الفعال للمحاكم، القادر على استيعاب ما استجد من قوانين، واستبعاد ما تم تعديله أو تغييره أو حذفه.

ثانيًا، الجمود التشريعي، فهناك كثير من التشريعات التي ظهرت في ظل ظروف تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية معينة، وكانت وقتها تلبي الحاجة، أو تؤدي الغرض المطلوب من القانون. لكن الحياة تقدمت إلى الأمام، فتغيرت الظروف جميعًا، وبقيت التشريعات على حالها.

قوانين عاجزة

ويمكن في هذا المقام أن نضرب مثلًا ناصعًا بـ "قانون العقوبات" الذي صدر منذ عدة عقود، ولم يعد ملائمًا للسياسات الجنائية المعاصرة في التجريم والعقاب، وبات قاصرًا عن تغطية الظواهر الإجرامية الجديدة التي طرأت على مجتمعنا، والجرائم المنظمة عابرة الحدود.

وهناك عدة قوانين تحتاج إلى إصلاح عاجل، وفي مقدمتها:

  • سن قانون جديد للأحزاب، يعيد تعريف دورها ويحدد سبل تأسيسها والمهام المنوطة بها، ويعمل على تمكينها وحوكمتها ودعمها، وإنشاء مفوضية عامة لها.
  • سن قانون يفي بمتطلبات منظمات مجتمع مدني حديث وحقيقي، يسّهل تأسيسها، ويمنحها المزيد من الحرية في ممارسة نشاطها.
  • إصدار تشريع جديد وشامل يتعلق بمباشرة الحقوق السياسية، التي نص عليها الدستور، ولا يقتصر هذا على قانون الانتخاب.
  • إصدار تشريع يقضي بإنشاء مفوضية تعمل على إنهاء أشكال التمييز كافة.
  • سن قانون المجالس المحلية والتقسيم الإداري للدولة.
  • تعديل قانون الإجراءات الجنائية بما يحمي حق المواطن في العدالة القضائية، وحق المحامي في الدفاع، وحق المجتمع في حماية حريته ومكتسباته.
  • إلغاء قانون التجمهر، وتعديل قانون التظاهر، الذي يتناقض مع الحقوق التي أقرها الدستور للمواطنين في التعبير السلمي عن الرأي والموقف.
  • تغيير القوانين التي تحد من حرية الإعلام، وتقود إلى احتكار منابره ومنصاته.

إن أخطر ما تواجهه الحياة السياسية المصرية في الوقت الراهن هو إلحاق السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية لتتحول الأولى إلى مجرد هيئة استيفاء إجراءات بالنسبة للثانية، أو مجرد مادة استعمالية يتم توظيفها لإضفاء طابع مشروعي وشرعي على القرارات والقوانين التي تنفرد بها السلطة الحاكمة، ولا تلتفت كثيرًا إلى ما يحقق الصالح العام فيها، فالمهم لديها هو ما يعكس موقفها، ويلبي طلبها، ويستجيب لمنفعتها، ويخدم هدفها في القبض على زمام الأمور بيد من حديد، في سبيل استمرارها، بأي صيغة، وأي طريق.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.