طالب عدد من المحامين والحقوقيين الرئيس عبد الفتاح السيسي، في نداء وصفوه بالأخير، بعدم التصديق على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أقره مجلس النواب بصورة نهائية الأسبوع الماضي "نظرًا للخطورة التي يشكلها ذلك القانون على مستقبل الحريات في مصر".
وجاءت مطالبة الحقوقيين خلال فعالية نظمتها أمانة شباب الحركة المدنية الديمقراطية، أمس، تحت عنوان "فرصة أخيرة للتراجع عن إقرار مشروع قانون الإجراءات الجنائية"، بهدف إبراز إشكاليات المشروع وأوجه تعارضه مع الدستور وأثره على منظومة العدالة وحقوق المتهم والدفاع وضمانات المحاكمة العادلة.
وخلال أبريل/نيسان الماضي، أعلنت الحركة المدنية الديمقراطية تأسيس أمانة شباب الحركة "مكونة من مجموعة من شباب الأحزاب والمستقلين، في ظل التحديات الراهنة التي تواجه الدولة المصرية، وانطلاقًا من إيماننا العميق بأهمية الدور الذي يلعبه الشباب في صياغة المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن"، حسب بيانها آنذاك.
ونظّمت أمانة شباب الحركة المدنية الفعالية مدفوعة بـ"الإصرار المتسارع على تمرير تشريعات تضر بالمواطن مثل الإيجار القديم والإجراءات الجنائية"، حسب المتحدث باسم الحركة وليد العماري، الذي أكد أن هذه التطورات تضع مسؤولية متزايدة على عاتق أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها الحركة المدنية، لمواجهة تلك القوانين وتسليط الضوء على تأثيرها المباشر على مستقبل المواطنين، بالإضافة إلى أهمية تقديم بدائل سياسية تعكس مصالح الناس.
أسوأ ظروف
من ناحيته، قال عضو الأمانة الفنية للحوار الوطني المحامي الحقوقي نجاد البرعي إن إعداد مشروع قانون الإجراءات الجنائية تم في ظروف شديدة السوء، وقال "ما كان ينبغي أن يمر قانون بهذه الأهمية على ذلك النحو من التسرع وغياب الحوار حوله".
وأبرز البرعي عددًا من الملاحظات على مشروع القانون، والتي سبق له شخصيًا ولعدد كبير من المنظمات الحقوقية ومن بينها حملة نحو قانون عادل للإجراءات الجنائية، أخذها على مشروع القانون ومن بينها ما تضمنه من "تحايل" على حد وصفه لحل مشكلة الحبس الاحتياطي.
كما انتقد نصًا في المشروع يمنح الأحكام الغيابية حجية قانونية تسمح بالتحفظ على أموال المحكوم عليهم وأسرهم، رغم أن القاعدة القانونية المستقرة تعتبر هذه الأحكام تهديدية وتسقط فور تسليم المتهم نفسه للعدالة، ولا يُعتد بها بأي أثر قانوني دائم.
كما ندد البرعي "بما تضمنه مشروع القانون من نص يمنح القاضي الحق في تصحيح الإجراءات الباطلة التي شابت إجراءات القبض والتحقيق، في تغييب لقاعدة ما بني على باطل فهو باطل، عوضًا عن فتحه الباب لعدم وجود المحامي أو تمثيله للمتهم في مرحلة التحقيق".
هجوم على نقابة المحامين
ووجه البرعي لومًا شديدًا إلى نقيب المحامين عبد الحليم علام، منتقدًا حضوره جلسات إقرار المشروع داخل مجلس النواب، مؤكدًا أن دوره في الموافقة على القانون لم يكن مناسبًا.
وشدد على أن موافقة نقابة المحامين على مشروع قانون بهذا الشكل تؤكد أن هناك مشكلة في النقابات في مصر، متسائلًا "كيف لنقابة المحامين اللي اتشالت واتحطت على زيادة رسوم التقاضي ألا تتصدى بشكل مناسب لقانون يهدر ضمانات الدفاع، ويجعل من المحامي شيء لا قيمة له على هذا النحو".
ووافق البرعي في ذلك الرأي زميله بالأمانة الفنية للحوار الوطني ورئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات بها المحامي أحمد راغب، الذي حمّل نقابة المحامين المسؤولية جراء الدور السلبي لها في الموافقة عل القانون، مؤكدًا أن المحامين يدفعون ثمن هذا الدور الآن خلال أزمة الرسوم القضائية "لو كنا خدنا موقف واضح وقتها أو على الأقل التضامن مع نقابة الصحفيين في اعتراضاتها على القانون، كان هيبقى لده تأثير واضح دلوقتي في أزمة الرسوم".
وفي المقابل، دافع عضو مجلس نقابة المحامين عمرو الخشاب عن موقف نقابته خلال تلك الأزمة، مؤكدًا أنها ونقابة الصحفيين قامتا بدور المجتمع المدني كاملًا في رفض هذا المشروع، فضلًا عن تبنيهما مواقف لمعارضة نصوصه كان ينبغي على مجلس النواب تبنيها "إلا أنه غير منتخب بإرادة الشعب"، لافتًا إلى أن ذلك الدور جاء في ظل غياب تام لدور الأحزاب "اللي بتاخد الموافقة على مؤتمراتها بالتليفون" في تلميح للتنسيقات الأمنية.
وقال الخشاب لـ المنصة إن النقابة قامت بدورها على أكمل وجه خلال أزمة قانون الإجراءات الجنائية، لا سيما في ضوء استجابة مجلس النواب لملاحظاتها على أكثر من 20 مادة بمشروع القانون، وهو ما عارضه عضو نقابة المحامين الفرعية بحلوان أحمد أبو حنيش، الذي أدان تغييب نقابة المحامين لدور النقابات الفرعية في تلك الأزمة على عكس إشراكهم الواسع في أزمة رسوم التقاضي، مؤكدًا أن نقابة المحامين كان لديها العديد من الوسائل في مواجهة هذا المشروع والحيلولة دون صدوره.
ما الحل؟
وحول جدوى النداء الذي توجهه الحركة المدنية لوقف إصدار القانون، استبعد البرعي أن يستجيب الرئيس السيسي لمثل تلك النداءات، مؤكدًا مضيه قدمًا في التصديق على مشروع القانون، وهو ما سيتبعه في الأيام المقبلة إخلاء سبيل عدد من المحبوسين احتياطيًا أو إحالتهم للمحاكمة على نحو يتم التسويق له وكأنه حل لأزمة الحبس الاحتياطي، في حين أن توصيفه الدقيق هو التحايل على الأزمة.
ودعا البرعي المحامين إلى ترك الحديث حول ما تضمنه القانون من مشاكل، مقابل الانشغال بالنقاش حول كيفية التعامل مع "تلك الكوارث".
لكن توافق البرعي في الرأي مع راغب انتهى عند هذه النقطة، إذ يرى الأخير أملًا في تكرار سيناريو قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية، التي أصرت الحكومة في وقت سابق على تمريره في البرلمان وأصدره رئيس الجمهورية رغم الاعتراضات الشديدة التي طالته من المجتمع المدني والعاملين بالمجال الحقوقي والأهلي، وانتهى الأمر إلى وقف العمل به بعد إصداره وإصدار قانون جديد لتنظيم العمل الأهلي أفضل بدرجة ما من سابقه، داعيًا إلى استمرار مطالبة رئيس الجمهورية بعدم التصديق عليه.
وفي الأخير، تلا المحامي الحقوقي وعضو أمانة الشباب بالحركة ممدوح جمال، بيانًا، ناشدت خلاله الحركة الرئيس السيسي عدم التصديق على القانون وطرحه مجددًا للحوار المجتمعي، معلنًا إطلاقهم حملة شعبية لجمع توقيعات المواطنين الداعمة لتلك المطالب، على أن يتم توجيه هذه العريضة في نهاية المطاف إلى رئاسة الجمهورية في خطوة وصفها بأنه "تمثل صوتًا جماعيًا لمواجهة القوانين المقيدة للحريات".
ونهاية أبريل الماضي، انتقد المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة إقرار مشروع القانون "لخطورة أثره على أوضاع العدالة فى مصر"، مناشدًا السيسي عدم التوقيع عليه وإعادة طرح مواده للحوار المجتمعي لتفادي "العوار الدستوري والقانوني الذي أصابه".
وقبل موافقة مجلس النواب عليه، تعرَّض مشروع قانون الإجراءات الجنائية لانتقادات من الحقوقيين ونقابة الصحفيين التي أعدت ورقةً، وأرسلت تعليقات لمجلس النواب على النصوص التي تنتقص من حقوق المواطنين خلال مرحلة القبض والتحقيق والمحاكمات.
وخلال مناقشته بالمجلس واجهت مواده اعتراضات عدة تجاهلها البرلمان، من بينها النصوص المنظمة لإجراء المحاكمات عن بعد، وتوقيع غرامة 500 جنيه على الاستشكال الثاني على الأحكام، وضوابط التحفظ على الأموال، واعتماد الأسورة الإلكترونية كإجراء احترازي بديل للحبس الاحتياطي، ومنح المواطنين حق إقامة الدعوى الجنائية ضد الموظفين العموميين.
وسبق وأعلن محامون حقوقيون، خلال مؤتمر صحفي، استضافته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، رفضهم مشروع قانون الإجراءات الجنائية، معتبرين أنه "يهدد استقرار منظومة العدالة".