وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، اليوم، نهائيًا، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية؛ تمهيدًا لعرضه على الجلسة العامة لمجلس النواب بعد عودته مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وأكدت اللجنة في بيان سابق استجابتها لملاحظات نقابة المحامين بشأن إلغاء النص الذي كان يجيز للمحكمة إحالة المحامي للنيابة العامة حال ارتكابه أي إخلال بقواعد الجلسات. وقررت اللجنة استمرار النظام المتبع في القانون الحالي، الذي يجيز للمحكمة تحرير مذكرة ضد المحامي وإحالتها للنيابة العامة دون القبض عليه أو احتجازه.
وأكد أعضاء اللجنة، خلال جلسة اليوم، أن هذا التعديل يأتي في ضوء أهمية كفالة ضمانات حق الدفاع، والنص عليها صراحة منعًا للتخوفات التي كانت موجودةً لدى بعض المحامين، وتأكيدًا على أن اللجنة رحبت بكافة المقترحات الموضوعية الهادفة إلى التأكيد على الضمانات الدستورية المقررة للمواطنين بصفة عامة.
يأتي هذا فيما جددت نقابة الصحفيين، اليوم، مطالبها بضرورة وقف مناقشة مشروع القانون الذي وصفته بـ"الكارثي"، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، ويراعي مطالب مختلف الأطراف، ويحافظ على ثقة المواطنين في نظام العدالة، ويكرس لحقوقهم وحرياتهم، أو الاستجابة للمطالب المرفوعة.
وأكد نقيب الصحفيين خالد البلشي، خلال مؤتمر صحفي لإعلان موقف النقابة من المشروع، أن 41 من مواده تخالف أحكام الدستور، بالإضافة إلى حاجة 44 مادة لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة.
وجرى خلال المؤتمر عرض مذكرة قانونية تتضمن ملاحظات النقابة على المشروع، أكد فيها النقيب على عدم كفاية ما أدخل من تعديلات على مشروع القانون ومنها حذف المادة 267 بناء على طلب النقابة.
وشددت المذكرة على ضرورة مراجعة المشروع من قبل لجنة من خبراء القانون الدستوري والقانون الجنائي والقانون الدولي العام وعدد معتبر من القضاة والمحامين وغيرهم من أصحاب المصلحة، قبل الاستمرار في مناقشته داخل اللجنة التشريعية أو عرضه على البرلمان.
وفي هذا السياق، أكد نقيب الصحفيين خالد البلشي أن الاستجابة لمطلب النقابة بإلغاء تلك المادة أرسلت إشارة إيجابية، معقبًا "لكننا نؤكد في الوقت نفسه أننا كنا نتمنى أن يكون التعامل مع مشروع القانون والاعتراضات المثارة حوله بنفس الطريقة، بحيث لا يتحول الأمر إلى استثناء يفتح الباب لتقديرات سلبية، بل قاعدة للتعامل يتسع معها الأفق للحوار مع مختلف الأطراف".
واعتبرت المذكرة أن المشروع لا يلبي أيًا من المعايير الدستورية والقانونية الواجب توفرها فيه، على رأسها تقديم مصلحة المتهم، وتسهيل عمل المدافعين عنه، بل على العكس خالفت نصوصه الدستور بفجاجة، وغلّبت سلطة الاتهام وحقوقها على ضمانات الدفاع عن المتهم وحقوقه وضماناته، عوضًا عن عدم إتاحة التظلم أمام القضاء من قرارات النيابة العامة بشأن سير التحقيق.
وعابت مذكرة النقابة على مشروع القانون أيضًا في اعتباره الأحكام الغيابية، وهي اﻵن أحكام تهديدية تسقط بمجرد تقدم المتهم بطلب لإعادة إجراءات محاكمته، أحكامًا واجبة النفاذ يتم على أثرها منع المتهم من إدارة أمواله والتصرف فيها، فضلًا عن عدم النص في مواده على انتهاء النيابة العامة من التحقيقات في وقت مناسب، على نحو سيظل معه سيف الاتهام مرفوعًا فوق رأس المتهم لمدة غير محددة ويفتح الباب أمام استمرار خضوعه لإجراءات تحفظية لمدة غير محددة.
وحسب المذكرة التي شارك في إعدادها كلٌ من المحاميين نجاد البرعي وأحمد راغب، عضوي الأمانة الفنية للحوار الوطني، لم يقدم مشروع القانون حلولًا جذرية لمشكلة الحبس الاحتياطي على مستوى الممارسات والقانون، واكتفى بتعديلات شكلية تُبقي على الممارسات كما هي دون وجود آليات رقابة ومحاسبة ونصوص تقيد الإجراءات والصلاحيات التي أدت إلى وجود أزمة في ملف الحبس الاحتياطي.
وتحايل المشروع، وفق المذكرة، على توصيات الحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي، التي أحالها رئيس الجمهورية إلى البرلمان، حيث خلا المشروع من نصوص تحظر توجيه النيابة العامة تهمًا جديدةً للمتهم أو التحقيق معه لنفس التهم وهو محبوس احتياطيًا، وصدور قرار بحبسه احتياطيًا على ذمة القضية الجديدة عَقب إخلاء سبيله في القضية المحبوس عليها حاليًا، فيما يعرف بأزمة التدوير.
وكان مجلس أمناء الحوار الوطني أقر 5 توصيات بشأن الحبس الاحتياطي، بينها تقليل مدده وإعادة النظر في التدابير المصاحبة له في 12 أغسطس/آب الماضي، ورفعها إلى رئيس الجمهورية، الذي وجه في 21 من الشهر نفسه الحكومة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها.
وشدد البلشي أيضًا على أن إقرار أي تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي، دون اتخاذ إجراءات عاجلة لتصفية ملف المحبوسين المؤلم، سيرسل رسالة بأن التعديلات بمثابة حبر على ورق.