في اليوم الثاني من عامنا الجديد، أي الاثنين الماضي، تولت الشابة المصرية رغدة عبد السلام مقعدًا بمجلس النواب المصري، خلفًا لوالدتها النائبة الراحلة ابتسام أبو رحاب.
الاختيار تم دون انتخاب، لأن الأم لم تحصل على مقعدها بالانتخاب الفردي بل بقوائم الأحزاب، التي تحدد فيها الأسماء الاحتياطية التي ستحل محل الأعضاء الذين قد يتركون مقاعدهم قبل نهاية الفترة، لأسباب أبرزها الموت. بالتالي، بعد وفاة النائبة ابتسام في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ورثت الابنة رغدة مقعد أمها على قائمة حزب مستقبل وطن عن الوادي الجديد.
هذا ما حدث بالمثل مع ثلاث نساء أخريات ورثن مقاعد آبائهن بمجلس النواب في دورته الحالية دون انتخابهن بعد وفاة النواب الآباء، الذين وضعوا أسماء بناتهن في القائمة الاحتياطية ليخلفوهم، وهن: آية فوزي فتي، وأسماء سعد الجمال، وهالة السيد حسن موسى.
أما الأرملة التي ورثت مقعد زوجها في المجلس السابق بعد وفاته في عام 2016، لتكمل فترته وبانتخابات تكميلية، فكانت النائبة عبير محمد سمير، المشهورة بعبير الخولي نسبة إلى زوجها نائب الفيوم الراحل محمد مصطفى الخولي.
ولعل وراثة الأرملة لمقعد زوجها في البرلمان هو النادر في مصر، مقارنة بتعدد حالات وراثة الابنة لأبيها أو أمها. لكنه النموذج الأقرب للتقليد الأمريكي في وراثة الأرملة أو الزوجة لمقعد زوجها، سواء في مجلس النواب أو الشيوخ. وهو تقليد بدأ منذ مائة عام، أي بعد ثلاث سنوات فقط من نيل المرأة الأمريكية حقها في التصويت عام 1920، حين انتُخبت الأرملة مَي نولان لعضوية مجلس النواب حتى تكمل فترة عضوية زوجها عقب وفاته.
منذ ذلك الحين وصل عدد الزوجات الأرامل اللاتي ورثن مقاعد أزواجهن حتى الآن 140 عضوة بمجلس النواب الأمريكي، الذي يتطلب انتخابات تكميلية بكل مقاعده، وثماني عضوات أخذن مقاعد أزواجهن عند وفاتهم بمجلس الشيوخ، الذي لا يتطلب انتخابات للعضو البديل، بل حسب اختيار حاكم الولاية التي يمثلها العضو المتوفي.
مع استثناء زوجة واحدة لم تكن أرملة حين خلفت مقعد زوجها النائب جون دينجل الابن الذي ترك لها المقعد بالاستقالة في نصف فترته لتأخذه منه بانتخابات تكميلية، ويعاد انتخابها حتى الآن كل عامين، بينما توفي زوجها بعد تقاعده بأربع سنوات، وبعد أن ضمنت عائلة دينجل الابن وزوجته ووالده قبلهما الاحتفاظ بهذا المقعد عن ولاية ميشيجان منذ تسعين عامًا!
آخر مرة بأمريكا ورثت فيها أرملة مقعد زوجها بالكونجرس لوفاته خلال فترته كانت عام 2005
كان أسلوب وراثة الزوجة لمقعد زوجها في البرلمان من أدوات تمكين المرأة الأمريكية، ولمصلحة كل حزب بعدم خسارة المقعد لوفاة النائب ذي النفوذ الاجتماعي بترشيح زوجته، وذلك في الفترة المبكرة لدخول المرأة السياسة، متأخرة 130 سنة عن دخول الرجل الأبيض العمل السياسي بعد وضع الدستور.
لكنه تقليد بدأ يتلاشى في أمريكا مع بداية ظهوره وازدياده لدينا في مصر.
فآخر مرة ورثت فيها أرملة أمريكية مقعد زوجها بالكونجرس لوفاته خلال فترته كانت عام 2005، ولا تزال تشغله النائبة الأرملة دوريس ميتسوي محتفظة بهذا المقعد كل عامين وحتى الآن.
مع انخراط المرأة الأمريكية في العمل، وتضاؤل عدد زوجات النواب من ربات البيوت اللاتي يتفرغن لمساعدة الزوج في عمله وحضور كل المناسبات الاجتماعية والسياسية لصالح المنشغلات بأعمالهن ووظائفهن المهنية المستقلة والبعيدة عن العمل السياسي، قلت ظاهرة وراثة المرأة للمقاعد البرلمانية.
علمًا بأنه لم يحدث العكس في أمريكا، أي منذ دخول المرأة الكونجرس وعلى مدى مائة سنة لم يرث زوج مقعد أرملته العضوة في مجلس النواب أو الشيوخ.
بل لم تشعر إحدى الأرامل، اللاتي ورثن من قبل مقعد زوجها بالكونجرس، بأي حرج من اعتبار المنصب مجرد فرصة عمل كان لا بد من اقتناصها، وبدون أن ترفع شعارات حب الوطن الجوفاء وادعاء تلبية ندائه أو أنها واحدة من حُماته!
هذا ما عبّرت عنه بصراحة النائبة بيفرلي بايرون من ولاية مريلاند لصحيفة لوس أنجلوس تايمز بعد خمس سنوات من خسارة مقعدها، الذي بقيت فيه 13 سنة وورثته عقب وفاة زوجها عام 1979. إذ وصفت حالها عقب وفاته "في غضون 24 ساعة، وجدتُ نفسي أرملة، وأمًا لأطفال بلا أب، وعاطلة بلا عمل، ولكن مرشحة للكونجرس. كنت أدرك أنني بحاجة إلى وظيفة، وتلك كانت الوظيفة الوحيدة المعروضة عليَّ!".
لا يوجد بمقاعد مجلس النواب الأمريكي الـ435 أو مجلس الشيوخ الـ100 أي قوائم أو تعيين لخبرات أو حصة لنساء أو أقليات. بل كل المقاعد بالانتخاب، فكل عامين يعاد انتخاب كل مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، لأن فترة كل منهم ست سنوات.
ومع ذلك توجد مسلمتان في مجلس النواب، رشيدة طليب وإلهان عمر، وهما من بين 122 امرأة في المجلس بنسبة 27.9% نساء، وعددهن بمجلس الشيوخ 24 من مجموعه المائة.
وشهدت مصر نسبة قياسية للنساء في مجلس نوابها الحالي 2021، بـ25% بعدد 14 نائبة بالتعيين، و149 بالقائمة للأغلبية منهن، والانتخاب الفردي لبعضهن!
المعيار الحقيقي لتمكين المرأة سياسيًا، ليس بالتعيين أو القائمة، بل حتى نظام الحصة النوعية للمرأة اعتبرته المحكمة الدستورية بمصر عام 2007 غير دستوري لعدم تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين.
معضلة الديمقراطية الحقيقية أنها تعبر عن مدى التطور الحقيقي للشعب في قبول تمثيل وتمكين المرأة والأقليات سواء الدينية أو العرقية. وحين تفرض النظم السلطوية نسبًا مرتفعة بالتعيين أو التدخلات الأمنية وأساليب القوائم، فهي تفعل ذلك من أجل شكل خارجي خالٍ من المضمون.
ولا تعكس هذه النسب الكبيرة المفروضة فوقيًا تطور المجتمع أو فاعلية النساء أو الأقلية المسيحية، والدليل على ذلك عدم قدرة هؤلاء النواب، بتلك النسب العالية، على سن قوانين تحقق لهم المساواة والفرص المتكافئة في المجتمع الذي يُفترض أنهم ممثلوه ومشرعوه!
لم يعط دستور 1923 المرأة المصرية حق التصويت رغم الفترة الليبرالية وقوة البرلمان آنذاك! بينما أعطى نظام الرئيس عبد الناصر المرأة حق التصويت مع دستوره 1956. لماذا؟
لأن برلمان دستور 1923 كان حقيقيًا، ولو أعطى الرجال مكانًا للمرأة التي ساندتهم في ثورة 1919 لأحدثت تغييرات لا يحبونها، فصوت النائب كان فعالًا.
أما دستور ضباط 1952 فلا يمانع حتى من 90٪ من النساء، لو استدعى الأمر، لأن برلمان 1957 كان منزوع الفعالية والاستقلالية يحركه الحاكم من فوق.
ولعلها أيضًا مأساة ومفارقة برلمان ثورة 2011 الذي كان حرًا في رأي الشعب فلم ينتخب الشعب سوى 9 نائبات، وتدخل المجلس العسكري بتعيين ثلاث.
الخلاصة، أن مشوارنا طويل ولن يتحقق لفئة حقوقها دون الجميع، ولا تغيير بتعيين فوقي بل بتطور شعبي، فهذا هو الفارق بين التمكين والتجميل، فكلاهما تمثيل ولكن من نوع مختلف!