
القوانين وحدها لا تردع مُعنّفي النساء
رغم التوجه التشريعي خلال السنوات العشر الماضية بتشديد عقوبات بعض الجرائم الموجهة ضد النساء مثل التحرش الجنسي وختان الإناث والامتناع عن تسليم الميراث، ورغم القبول المجتمعي والمؤسسي الواسع لهذه التعديلات، ما زالت معدلات العنف ضد المرأة مرتفعة.
لا يرتبط ذلك فحسب بعدم وجود نصوص تُجرِّم بوضوح الكثير من الممارسات العنيفة التي تواجهها النساء، بل أيضًا بتمكين الجناة من استخدام مواد أخرى من قانون العقوبات للإفلات من العقاب، بخاصة إذا حدثت الجريمة داخل نطاق الأسرة، أو في ظل سياقات اجتماعية وبنية ممارسات تعوق إقرار العدالة للضحايا، وتُسهل إفلات الجناة من العقاب.
يعيد هذا السياق إلى الواجهة الأسئلةَ عن أسباب استمرار جرائم العنف ضد المرأة بمعدلات مرتفعة، ومدى فاعلية القانون في ردع الجُناة، وأهمية الدور المجتمعي في اجتثاث هذا العنف من جذوره.
تعديلات مشددة
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استجابتْ الدولة لنضالات استمرت عشرات السنوات، وأقرَّ مجلس النواب تعديلًا على قانون العقوبات يتوسع في تعريف التحرش، ويشدد العقوبات عليه. ولكن رغم ذلك ما زالت غالبية النساء اللاتي يتعرضن لهذه الجريمة، سواء في المجال العام أو الخاص، يواجهن مصاعب متعلقة بالتقدم ببلاغات رسمية لمراكز الشرطة والنيابات ضد الجناة.
ترتبط هذه المصاعب بشكل رئيسي بعدم تدريب الكوادر الشُرطية على التعامل مع ضحايا التحرش الجنسي، وعدم توفير أماكن مجهزة لاستقبالهن داخل الأقسام والمديريات، ما يجعلهن في حالات كثيرة يفضلن السكوت، بجانب تعرض ضحايا كثيرات لمحاولات ترهيب من الجناة وأقاربهم لدفعهن إلى التراجع أو التنازل عن البلاغات ووقف الإجراءات القانونية، في ظل الوصم المجتمعي الذي يستمد وقوده من تغلغل ثقافة لوم الضحية.
إقرار التشريعات وحده لا يكفي لإنهاء مناخ العداء للنساء
وقبل سنتين من تشديد العقوبات على التحرش، عدَّل البرلمان المواد الخاصة بجريمة الختان في قانون العقوبات لتشديد العقوبات عليها. ولكن تظل إشكالية آليات الإبلاغ نفسها قائمة؛ فضحايا الختان غالبًا ما يكُنَّ في سن الطفولة، إضافةً إلى خشية الضحايا ممن تجاوزن سن الطفولة من التبعات الاجتماعية في الدوائر القريبة في حال إقدامهن على السير في الإجراءات القانونية التي قد تفضي إلى سجن أحد الوالدين إذا أدانته المحكمة بارتكاب جريمة إجبار الفتاة على الختان.
ورغم أن الأرقام الرسمية التالية لتغليظ العقوبات تشير إلى انخفاض معدلات الختان من 92% عام 2014 إلى 86% عام 2021، فإن ذلك يرجع في المقام الأول لعدم الإبلاغ ولا يعكس بالضرورة انخفاضًا حقيقيًا في معدلات الجريمة، ما يجعلنا نطرح العديد من الأسئلة بشأن قدرة القانون وحده على تحقيق الردع وحماية النساء من جرائم العنف ضدهن، وهل الحبس هو الحل في حال ثبوت أن الجاني هو أحد الأفراد المسؤولين عن رعاية الضحية أم لا.
في فبراير/شباط الماضي، اختطف شاب شقيقته في عز النهار، وأودعها مصحة نفسية مدعيًا معاناتها من مرض نفسي يستدعي بقاءها فترةً تحت الملاحظة. ولكن مع انتشار فيديو الخطف على السوشيال ميديا بدأت الجهات الأمنية تحقيقات في الواقعة، انتهت إلى أن حادث الخطف وقع بسبب خلافات على الميراث.
هذه الحادثة تطرح تساؤلات بشأن استخدام بعض مواد القانون رقم 210 لسنة 2020، الخاص برعاية المريض النفسي، كسلاح ضد النساء في حالات الخلاف بشأن الميراث والعنف الأسري، وبما يمثل تفريغًا لتعديلات قانون المواريث عام 2017، التي أقرت بمعاقبة كل من امتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي أو حجب سندًا يؤكد نصيبه أو امتنع عن تسليم السند حالة طلبه من أي من الورثة الشرعيين، بالحبس أو الغرامة.
القانون وحده لا يكفي
رغم أهمية وجود بنية قانونية تحمي النساء بتفصيل الجرائم اللاتي يتعرضن لها وتشديد العقوبات المقررة عليها، فإن إقرار التشريعات وحده لا يكفي لإنهاء مناخ العداء للنساء، وهو ما نسعى دائمًا لتوضيحه في النقاشات العامة أو تلك التي تجري داخل المؤسسات المعنية بمواجهة العنف ضد النساء.
بالإضافة إلى السياقات الاجتماعية التي أشرنا إليها، لا يمكن تجاهل تغلغل الخطاب الديني المعادي للنساء وما ينتجه من تطبيع واضح للعنف ضدهن، واستخدام تأويلات دينية عفا عليها الزمن لتمرير هذه الأفعال وشرعنتها، وكذلك الخطاب الإعلامي المحافظ الذي يساهم في تعزيز ثقافة التمييز الذي كثيرًا ما يؤدي إلى العنف المبني على النوع الاجتماعي، ويقوِّض آليات المحاسبة والمراقبة إلا في بعض الحالات.
يضعنا ذلك كله أمام حاجة حقيقية للاشتباك مع مفهوم الردع العام ومبدأ التشديد في حد ذاته، ومدى جدواه في مكافحة ومناهضة العنف والتمييز ضد النساء. فهل الهدف هو الانتقام من الجاني بغض النظر عن مدى جسامة الجرم المرتكب، أم السعي لحماية النساء وجبر الضرر عن الضحايا، وإعادة تقويم الجاني وتأهليه لدمجه في المجتمع من جديد؟
إذا كان الهدف هو التأهيل والدمج، فمن الواجب علينا السعي لإدخال مفهوم العقوبات البديلة بدلًا من الحبس، خاصة في حالات العنف داخل الأسرة، وإرجاء الحبس في حالات تكرار الفعل. وللعمل على دمج الجناة من جديد في المجتمع، على الدولة توفير الأماكن ومؤسسات خاصة للتعامل مع الجناة، يتولى إدارتها من تلقوا تدريبات تساعدهم على ضمان إعادة التأهيل، لأن إنهاء سياق العنف الحالي ضد النساء بشكل جذري يبدأ من هنا.
مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.