تصميم: يوسف أيمن - المنصة

ضرورة الكوتا.. أين المرأة من مجالس النقابات؟

منشور الثلاثاء 8 أبريل 2025

مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة، يبدو مهمًا إعادة فتح النقاش الجاد بشأن دور النساء في إدارة شؤون النقابات المهنية، خصوصًا أنهن يمثلن نسبةً معتبرةً من أعضائها وإن كُنَّ مُستبعدات غالبًا من التمثيل في المجالس المنتخبة.

رغم التقدم في تمثيل المرأة بالبرلمان، وتبني قيادات مؤسسات الدولة خطابًا عن تعزيز المساواة في المجتمع؛ تغيب النساء إجمالًا عن مجالس إدارات النقابات المهنية.

ترسم لغة الأرقام صورة للواقع بلا رتوش تجميل. على سبيل المثال، نقابة المحامين التي تشكل النساء 39.5% من أعضائها وفق النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الاجتماعية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2021، لا توجد أي امرأة في مجلسها الحالي المشكَّل من نقيب و28 عضوًا. وما يلفت النظر أكثر أن ثلاث سيدات فقط استطعن الفوز في انتخابات هذه النقابة العريقة منذ تأسيسها في 1912، ما يعكس صورة حزينة لوضع المجتمع.

لا يختلف الحال كثيرًا في نقابة الأطباء التي تُمثل النساء نحو 42.7% من أعضائها، ولكنهن يغبن عن مجلسها المكوَّن من نقيب و24 عضوًا، في ردّة عن مجالس سابقة شهدت تمثيلًا نسائيًا، ولو كان ضعيفًا. وأذكر في هذا الصدد الحضور النقابي الفعال للدكتورة منى مينا، ودفاعها عن المهنة والحريات النقابية. 

أما نقابة الصحفيين، أو قلعة الحريات، فجرت العادة على وجود عضوة واحدة بالمجلس المكون من النقيب و12 عضوًا، وهو تمثيل ضعيف لا يُعبِّر عن دور المرأة الصحفية في المؤسسات، ولا عن طبيعة المهنة التي يفترض فيها الدفاع عن حقوق وحريات كل المواطنين، في مقدمتها المساواة والحق في المشاركة في إدارة المؤسسات العامة والنقابات. 

تغييب قسري يضرُّ بالجميع

قد يسوق البعض لهذا "التغييب القسري" حججًا تتمثل في ثالوث غياب نص قانوني ملزم، وعزوف النساء عن الترشح، واعتبار الكفاءة بشكل مجرّد المعيار الفصل في تمثيلهن في المجالس النقابية المنتخبة. قد تبدو هذه الأسباب منطقيةً للوهلة الأولى، لكنها في حقيقة الأمر تتجاهل الأسباب الهيكلية المتجذرة في المجتمع المصري المرتبطة بالموروث الثقافي الذكوري المهمين على نظام أبوي يقولب الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للمرأة. 

وجود المرأة في قيادات النقابات يُمكِّنها من طرح قضاياها

هذا النظام يعزز التمييز المجتمعي، ويحول دون مشاركة المرأة في الحياة العامة أو يضع أمامها الكثير من العوائق، ويرسخ تصورات أنها شخص غير مؤهل لتولي المناصب القيادية، أو يفتقر للمهارات والتدريب اللازمة لهذا النوع من قيادة العمل التطوعي، ويقلل من أهمية هذا الدور لحساب قائمة طويلة من المهام الأخرى، مثل أدوارها المنزلية تجاه أسرتها.

من جانب آخر، لم تفعل هذه المؤسسات النقابية شيئًا لتغيير هذا الوضع، فهي لا تقدم دعمًا كافيًا لعضواتها لممارسة أدوار قيادية داخلها، ولا توفر لهن التدريب والتأهيل اللازمين لخوض معترك الانتخابات. كما تغيب أي توعية لأعضاء الجمعيات العمومية بأهمية وجود المرأة والاستفادة من خبراتها في تحقيق أهداف وأدوار النقابات، وكأن هناك مَن مِن مصلحته الدائمة الاستفادة من المكاسب الأبوية التي يمنحها الرجال ويتمتعون بها، الأمر الذي يجعل من الصعوبة تنظيم الحياة اليومية بإنصاف بين الرجل والمرأة.

غياب هذه التوعية، وبالتالي غياب النساء عن مجالس النقابات، يشكِّل خسارة لأطراف عدّة على رأسها النقابات نفسها، عندما تفقد القدرة على تحقيق تمثيل جميع أعضائها، وكذلك المجتمع الذي يُحرم من كفاءات وقدرات قطاع كبير منه. فحضور المرأة ضروري من عدة نواحٍ، أولاها أنه مهم بذاته، كونه يعزز المساواة والتعددية والتمثيل العادل في مجالس النقابات، ويعكس التوازن بين دورها في ممارسة المهنة ومشاركتها في صنع القرار في الهياكل المنظمة لهذه المهنة.

يَصبُّ ذلك في تحقيق الأهداف التنموية والاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 والتزامات مصر الدولية، وجميعها تدعو إلى أهمية تمثيل النساء ومشاركتهن في مواقع اتخاذ القرار المختلفة، وزيادة نسبة الإناث في المناصب العامة من 5% إلى 17% في 2030.

كما يوفر وجود المرأة في مجالس النقابات فرصة حقيقية للدفاع عن حقوقها وضمان تحسين ظروفها المهنية وتطوير السياسات التي تعزز حقوق المرأة في المجمل.

لنعد إلى لغة الأرقام، احتلت مصر المركز 175 بين 190 دولة، ضمن مؤشر المساواة للنساء في العمل والاقتصاد، وفق تقرير البنك الدولي السنوي عن "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون"، الذي يتابع العوائق أمام النساء في سوق العمل والاقتصاد في العالم، عبر قياس المؤشر العام لمساواة النساء في ثمانية مجالات هي التنقل ومكان العمل والأجور والزواج والوضع وريادة الأعمال والملكية والمعاش التقاعدي، وذلك من خلال أسئلة حول الأطر القانونية والسياسات الداعمة وواقع الممارسة الفعلية.

واحتل مؤشر الحماية من التمييز في الأجر قائمة المؤشرات الأكثر قتامةً، سواء على مستوى المساواة بين الرجال والنساء في القوانين، أو من جانب الآليات التطبيقية اللازمة لذلك، وبما يضمن فرص النساء في الوصول للمناصب مرتفعة الأجر، حيث سجل "صفرًا" في الحالتين. وتكرر الصفر ذاته في مؤشر آخر يقيس أثر الأمومة على أمان عمل النساء وعدم تعرضها للتمييز.

في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى التعنت الذي تتعرض له النساء في الحصول على إجازات الوضع أو مراعاة ظروف رعاية الأطفال، وتأثير ذلك على الترقي الوظيفي، أو حتى فقدان العمل.

وجود المرأة في قيادات النقابات يُمكِّنها من طرح قضاياها، مثل تعزيز فرص العمل لديها وضمانات المساواة في الأجر عن العمل نفسه، ولوائح المساءلة في حالات العنف والتحرش الجنسي.

ضرورة التمييز الإيجابي

لا يمكن الاكتفاء بنقد هذا الواقع وإلقاء اللوم على المناخ الثقافي السائد، أو على المرأة نفسها، بل من الضروري البحث عن حلول عملية لتصحيح وإصلاح هذا الخلل. نظام الكوتا أو التمييز الإيجابي للفئات المهمشة إحدى طرق العلاج الناجعة وسريعة الفاعلية للقضاء على أوجه عدم المساواة وكسر هيمنة الذكور  وتحقيق التوازن في المناصب القيادية، وتعزيز الوعي الاجتماعي بأهمية هذا التوازن، وفي نهاية المطاف يصب ذلك في مسار تحقيق مصالح أعضاء النقابات.

الفجوة بين الحقوق التي كفلها الدستور والقانون الذي تغافل عنها يجب ألا تستمر

ولا يعد تطبيق الكوتا في انتخابات النقابات بدعة، بل يتفق مع صحيح الدستور، الذي ألزم الدولة في المادة 11 بأن تتخذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا في المجالس النيابية.

وخصص قانون مجلس النواب المُعدَّل برقم 140 لسنة 2020 للمرأة ما لا يقل عن 25% من إجمالي مقاعده المُنتخبة، فضلًا عن نصف نسبة الـ 5% التي يعينها الرئيس، وذلك بحد أدنى. وفي مجلس النواب الحالي، احتلت النساء 162 مقعدًا عند تشكيله عام 2020؛ بنسبة 27%.

إن الفجوة بين الحقوق التي كفلها ويحميها الدستور من ناحية، والقانون الذي تغافل عنها والتطبيق الذي يسمح بانتهاكها، من ناحية أخرى، يجب ألا تستمر، لذا من الضروري مناقشة القانون 100 لسنة 1993 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابات المهنية، وإضافة مادة واضحة للسماح بتطبيق كوتا جندرية ولو لفترة محددة، يُعاد خلالها تقييم التطور الحادث بشأن وجود النساء في مجالس إدارة النقابات المهنية.

ولحين تحقيق هذا التعديل التشريعي، على القيادات النقابية والمرشحين الدعوة لانتخاب واختيار أكثر من وجه نسائي، فهناك الكثيرات لديهن الكفاءة والاستحقاق للحصول على دور في قادة العمل النقابي. وبطبيعة الحال، علينا في الجمعية العمومية لنقابة الصحفين تقديم نموذج في الانتخابات المرتقبة، باختيار أكثر من مرشحة ضمن اختياراتنا الست لعضوية المجلس.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.