تصميم سيف الدين أحمد، المنصة، 2025
زينب في مسلسل هي والمستحيل في مقابل زينب في مسلسل الأميرة

"هي والمستحيل" و"الأميرة".. زينب تصفق الباب مجددًا

منشور الثلاثاء 29 أبريل 2025

تثورُ "نورا"، تصفقُ الباب وراءها، تغادرُ البيت تاركةً زوجهَا وأطفالهَا. تختار الحرية وترفض الاستعباد بقوانين الزواج؛ المشهد الأيقوني لـ"صفقة الباب" الشهيرة في مسرحية بيت الدمية (1879) لهنريك إبسن يعتبره النقاد رمزًا للثورة والتمرد النسوي وهي الشرارة التي أشعلت الثورة الاجتماعية على تقاليد الزواج التي كانت سائدةً لدى الطبقة البرجوازية في أوروبا كلها، وعلى فكرة اعتماد المرأة الكامل على الزوج بصفتها عنصرًا أضعف منه.

صنعت زينب/صفاء أبو السعود في مسلسل هي والمستحيل (1979) ثورتها على طريقتها واختارت أن تتحرر من زوجها بالتعليم. فيما واجهت زينب/ياسمين صبري بطلة مسلسل الأميرة (2025) السلطة الذكورية بطريقة أخرى.

زينب "هي والمستحيل" فتاة بسيطة من منطقة شعبية، تحلم بتحسين وضعها الاجتماعي والخروج من دائرة الفقر والجهل التي تحاصرها. تتعرض للقهر من زوجها الذي يحاول كبح طموحها، لكنهّا تُصر على حلمها بإكمال تعليمها والعمل لتصبح إنسانة مستقلة.

أما زينب مسلسل "الأميرة" فوضعها مختلف، هي فتاة من الطبقة الوسطى تعمل بأحد توكيلات الملابس، تتزوج من رجل أحبها وضغط عليها وعلى عائلتها من أجل إتمام زواجهما، لكنها تكتشف مدى نرجسيته ومعاملته السيئة وخداعه لها، وتتحول حياتها معه إلى جحيم، لتقرر الانتقام منه وسجنه وتحصل على كل حقوقها منه.

يتباين المسلسلان في أن التعليم في المسلسل الأقدم كان طوق النجاة من القهر الذكوري في الزواج، لكنه في "الأميرة" لم يحمِ زينب من قهر زوجها الذي حوّلها لسجينة منزله الفخم قاطعًا كل أواصر علاقتها العائلية، لتصبح مجرد تحفة جميلة اقتناها.

ويتقاطعان في نقاط عدّة؛ ففي كليهما يعاقِب الرجالُ النساء بالطلاق دون أسباب تستوجبه، وفي العملين يستخدم الأطراف الأبناء ورقة ضغط؛ زينب في "هي والمستحيل" تخفي حملها عن زوجها صلاح/محمود الحديني، وتُربِّي الطفل أثناء سفره للخارج، فهي لا تريد أن يبني قرار عودته على وجود الطفل. أما في "الأميرة" فيخفي أسامة/نيكولا معوض عن زينب طفلها انتقامًا منها بعد وقوعه في خدعة صديقتها نانسي/مها نصار.

وكما حاول صلاح قطع علاقات زينب بالآخرين وبأصدقائها الذين ساعدوها في تعلم القراءة، يتكرر الأمر نفسه من أسامة في "الأميرة"، فالاستحواذ والسيطرة وإلغاء شخصية المرأة تشكِّل أساسًا في فهم كليهما لحقوق الزوج.

مع الفارق الزمني والاختلافات الثقافية والاجتماعية، فإن الرابط الأهم المشترك بين العملين هو صراع المرأة لتحقيق ذاتها داخل مجتمع يفرض عليها أشكالًا من القيد والهيمنة، وإن تغيرتْ طبيعة هذه القيود بين الأمس واليوم، كما يتضح أن تعليم المرأة وثقافتها وعملها لم يمنعوا الرجل من لعبته الأثيرة في إخضاعها له بسيطرة المال. 

من زينب إلى زينب.. تطور صورة المرأة

لم يعد التحدي الرئيسي الذي تواجهه المرأة مرتبطًا فقط بالفرص التعليمية والاقتصادية، بل توَّلد إدراكٌ بدور ديناميكيات القوة داخل العلاقات الزوجية، حتى في الطبقات المتعلمة والمستقلة ماليًا، إذا أخذنا في الاعتبار تراجُع قيمة التعليم مع باقي القيم الأخرى أمام صعود قيمة المادة في عصرنا الحالي.

تظهر قوة المرأة في "هي والمستحيل"، حيث تجسِّد زينب المرأة الكادحة التي تبدأ من لا شيء، تضطر للعمل والتعلم رغم ظروفها الصعبة، وتُربِّي ابنها بمفردها. وفي "الأميرة" زينب امرأة قوية متعلمة تعمل وتتمتع بوعي وثقة بالنفس، وبعد أن تتعرض لخذلان زوجها، لا تنهار، بل تلجأ إلى الانتقام وتستعيد حقوقها عن طريق التعاون مع خصم زوجها، الذي يحاول مساعدتها بتمويل برنامج تليفزيوني من تقديمها، مما يعزز مكانتها الاجتماعية.

اللافت في هذه الصورة أن زينب الجديدة لم تمر بمرحلة انكسار؛ هذه النقلة تُبرز فارقًا زمنيًا واضحًا بين العملين؛ زينب في الماضي كانت تكتسب قوتها بالتدريج من خلال التعليم والعمل، أما زينب في الحاضر فهي تملك القوة والوعي من البداية مما يجعلها في موقع القوة، وهذا يعكس تحولًا كبيرًا من شخصية مهمّشة تنتزع منها الحقوق إلى شخصية فاعلة تملك القوة حتى وهي تسيء الاختيار.

تعكس النهايات قيمَ عصرها، ومكانة المرأة المتغيرة من سبعينيات القرن الماضي؛ تنتهي قصة زينب "هي والمستحيل" بالتمكين الذاتي بقدرتها على العمل والزواج من رجل مناسب، أما زينب "الأميرة"، فالانتقام هو صاحب اليد العليا بعد تمكّنها من إدخال طليقها السجن والحصول على مستحقاتها، لتكون النهاية مُرضية للمشاهد الذي جرى ترويض ذوقه، ليستمتع بالانتقام الفردي ولعبة التحايل لاستعادة الحقوق المادية. 

يتجلى تباين قيم العصر أيضًا في شخصية نانسي بمسلسل الأميرة، إذ تمثل نموذجًا آخر لواقع المرأة في ظل الضغوط الاقتصادية، فهي تبحث عن الثروة لا الحب، وتختار الزواج العرفي، الذي يلجأ له الكثيرون قفزًا فوق حاجز الأسئلة الأخلاقية والوصم المجتمعي.

كما نرى اختلاف الأثر الذي تتركه الأزمات الاقصادية على المجتمع، التي ربما لم يكن بالحدة نفسها في زمن "هي والمستحيل"، فرغم أن تحولات الانفتاح الاقتصادي بدأتْ بعد مبادرة السادات بزيارة القدس عام 1977، فإن الآثار الاقتصادية والسوسيولوجية لهذه التحولات لم تظهر إلا في مطلع الثمانينيات، مما يبرر بطريقةٍ ما صعودَ المادة، لتصبح القيمة الأهم التي يبحث عنها الأفراد.

عندما تعكس الشاشة المجتمع

يكشف العملان أشكالًا خفية من العنف المنزلي، خصوصًا وأن مسلسل الأميرة تزامن عرضه مع حادثة مقتل الفنانة التشكيلية آية عادل وظهور الاتهامات ف حق زوجها. يشيران العملان كذلك إلى أن العنف لا يقتصر على الفئات الأقل في التعليم والدخل، لكنه يظهر في أوساط المثقفين أمثال صلاح والأعلى في المستوى الاقتصادي أمثال أسامة. 

بين زينب الأمس وزينب اليوم، يتغير شكل القيد، لكن النضال يستمر. ففي زمن "هي والمستحيل"، كان القيد هو الفقر والجهل، أما في زمن "الأميرة"، فأصبح القيد مموهًا داخل علاقات أكثر حميمية.