تصميم: أحمد بلال - المنصة
لا يجرم القانون العنف المعنوي رغم أنه الأساس في العنف المنزلي

مؤسسات دعم المعنفات.. محاولات جادة ووصول متعثر

منشور الثلاثاء 21 مارس 2023

كانت سهام سعيد تسير مع شقيقتها في طريق عودتهما إلى المنزل بعد قليلٍ من غياب الشمس، عندما تحرش بها شخص على متن دراجة نارية واختفى سريعًا.

صرخت الفتاة ذات الـ22 سنة وأخذت ترتجف لساعات، إذ لم تحتمل الصدمة التي كانت تواجهها للمرة الأولى في حياتها. امتنعت لأسابيع عن المشي في الطريق نفسه، وإضافة إلى حرمانها من حقها في التمتع بالسير في أمان، باتت تتحمل عبئًا اقتصاديًا إضافيًا بسبب اضطرارها لركوب تاكسي يوميًا لتعود إلى منزلها.

لكن رغم ذلك، لم تفكر سهام في اللجوء إلى الشرطة أو حتى إخبار أخيها بما حدث. تقول إن المخاوف ساورتها من أن يمنعها من الخروج أو يمارس عليها عنفًا إضافيًا؛ فقط اكتفت بالحديث أمام والدتها وقاطعت المشي وحدها قدر الإمكان "لا أعرف ما الإجراءات الواجب إتباعها وأعتقد أنه لن ينصفني أحد أو يهتم بالأمر، خاصًة أن المكان كان مظلمًا والقضية ستبدو تافهة للجميع".

وبينما لم تحصل سهام على العدالة والإنصاف، تمكنت إيريني أكرم، التي تكبر سهام بسنة واحدة وتخرجّت لتوّها في كلية العلوم، من سلك مسار قد ينصفها بعد تعرضها للتحرش في وسيلة مواصلات عامة. 

"كنت راكبة ميكروباص، وفجأة  حد ورا طلب نطفي النور جوة العربية. بعدين حسيت بإيد بتلمسني من تحت الكرسي اللي قاعدة عليه"، وفق ما حكت. شعرت بالذعر والذهول لكنها تمكنت من الصراخ في الشخص وأوقفت السيارة في الشارع وأصرت أن تنزل بالمتحرش إلى القسم هي وبعض الشهود من السيارة نفسها، وبعدما ذهبت صرف الضابط جميع الشهود دون الاستماع إليهم، وبقيت هي والمتحرش فقط.

لاحقًا، "جرح المتحرش وشه وهددني لو ما اتنازلتش عن المحضر هيعمل محضر ضرب، وهيخرج هو بضمان وظيفته وأنا هبات في القسم"، توضّح مضيفةً أنه أخبرها أنه يعمل محاميًا وبدا له أنه يعرف جيدًا الأمر الذي يتحدث عنه. وزاد من خوفها عندما أمَّن الضابط على السيناريو الذي رسمه المتحرش، وأكد لها أنه مرجّح للغاية، ونصحها بأن التنازل "في مصلحة الكل"، خاصة وأنه "معملش حاجة كبيرة".

بعد أن صرفت إيريني النظر عن تحرير محضر ضد المحامي الذي تحرش بها، خوفًا من قضاء ليلتها محتجزة في القسم، توجهت إلى نقابة المحامين لتشكوه غير أن النقابة رفضت تلقي شكواها.

لم تعرف إيريني ما الذي عليها فعله، فخرجت في بث مباشر على فيسبوك تشارك تجربتها بحزن وغضب، وترجو من المؤسسات توعية الفتيات حتى لا يقعن في نفس موقفها. بعد هذا البث، تواصلت معها مبادرة "سند" للدعم القانوني للنساء، وحرر محامٍ من المنظمة محضرًا وبدأ يتابع القضية على نحو رسمي.

انتهاكات واسعة ومبادرات منفردة 

كانت إيريني واحدةً من الحالات التي تعاملت معها مبادرة سند، التي أسستها المحامية الحقوقية نسمة الخطيب عام 2021، بعد أن عملت لأكثر من 12 سنة في الوحدات القانونية لعدة مؤسسات حقوقية نسوية.

تقول الخطيب إنها شعرت وقتها بضرورة توسيع دائرة الدعم وأن يكون لما تقدمه مسمى واضح، خاصة وأنها كانت تولي اهتمامًا إضافيًا لقضايا "النساء المعنفات". وتضيف "تدريجيًا وبعد تكوين فريق صغير بدأنا نعمل على تدريبات وبناء القدرات، مركزين على اختيار المحامين والمحاميات، ونقدم لهم التدريب اللازم للعمل على هذا النوع من القضايا". 

ويرصد تقرير مؤسسة "براح آمن" السنوي  لعام 2021، 1002 جريمة عنف أسري ضد النساء، من بينها 712 اعتداء جسدي بنسبة 71%، يشملون 309 جرائم قتل، و543 حالة عنف نفسي، و383 حالة عنف اقتصادي تمثلت أغلبها في الامتناع عن الإنفاق والاستيلاء على ممتلكات.

وتزامن تأسيس المبادرة مع جائحة كورونا، التي سببت تزايدًا في حالات العنف ضد النساء خاصة العنف المنزلي، بسبب الحجر الصحي وزيادة أعداد العاملين من منازلهم، بسبب إجراءات الحد من الزحام التي اتخذت حينها.

ورغم أن الدستور والقوانين المصرية تتضمن مواد عدّة تتحدث عن حماية المرأة من العنف والتعذيب والتحريض على العنف ضدها أو المساس بشرفها، والاعتداءات الجنسية، فإن حقوقيات ونسويات يدفعن بأن المنظومة القانونية تتضمن أيضًا موادًا تسهّل إفلات مرتكبي جرائم العنف الأسري من العقاب، بالإضافة إلى أن غياب الحساسية الجندرية عن الإجراءات، يدفع كثيرات إلى الإحجام عن سلك المسار القانوني.

وتشير المحامية والباحثة الحقوقية النسوية هالة دومة إلى المادة 60 في قانون العقوبات المصري التي تعفي من يرتكب جريمة "استنادًا على حق له بموجب الشريعة" من العقاب، التي "تستخدم في تبرير العنف الأسري، سواء كان ضد الزوجة أو الأخت أو الابنة أو غيرها، ويصبح الحق في التعنيف مباحًا بغرض التأديب، هذا غير فكرة تخفيف العقوبة حسب رأي القاضي، خاصة في العنف المنزلي". 

وتشير دومة كذلك إلى صعوبة الإجراءات "ظاهريًا هناك العديد من القوانين التي تنصف النساء، وهناك عقوبات تشدد عندما تكون مرتكبة ضد أنثى ولكن المشكلة الحقيقية في تطبيق القانون على أرض الواقع".

وتتابع "في القانون المصري لا توجد أي اعتبارات جندرية أو حماية إجرائية تضمن أن تكون المرأة في أمان من الأخطار الحقيقية والنفسية، مثل قضايا الابتزاز، لا توجد ضباط نساء، فتضطر صاحبة القضية المرور على ضباط رجال ومشاركتهم صورها الخاصة، وهذا عبء نفسي كبير لا تضعه الدولة في الحسبان".

قدرة محدودة على الوصول

وبينما لا توجد إحصائيات رسمية أو دقيقة ترصد اتساع حالات العنف ضد النساء، فإن التقارير التي تُعدها المنظمات النسوية تعطي مؤشرات على ارتفاع المعدلات، خاصة العنف المنزلي. وهو ما ينعكس على قدرة مؤسسات دعم النساء على التعامل مع جميع الحالات التي ترد إليها.

تحكي نسمة الخطيب "في البداية كان لدينا 4 حالات لكن عندما بدأنا أولى حملاتنا استقبلنا 70 شكوى، والآن وصل عدد النساء المستفيدات من المبادرة 150 ست بنتابع قضاياهم".

هناك الكثير من التحديات التي تواجه عمل هذه المبادرات. مثلًا في سند، تشير الخطيب إلى مصاعب توفيق أوضاع المؤسسة قانونيًا ما يرتب مخاوف أمنية، إضافة إلى الاعتماد على التمويل الذاتي من فريق العمل، بجانب مواجهة تهديدات من أهالي الفتيات اللاتي يتعاملن مع حالاتهن.

وتضيف إلى هذه المشاكل أيضًا الإجراءات طويلة المدى في الأقسام و"الأسئلة المتشككة عنا ومن نحن وماذا نفعل، بشكل عام ليس هناك ترحيب بنا". 

بجانب سند تأسست كذلك مؤسسة "براح آمن" للدفاع عن الفتيات من التعنيف الأسري، التي إلى جانب عملها في توثيق هذه الحالات، تقدم خدمات دعم نفسي واستشارة قانونية وأخرى متعلقة بالتمكين الاقتصادي.

يحلمن جميعًا بغدٍ أفضل لحياتهن كنساء، في مجتمع لا تكون فيه حاجة لمبادرات هامة مثل "سند" و"براح آمن"

شيماء طنطاوي، التي ساهمت في تأسيس مؤسسة بمؤسسة براح آمن، تحكي أن البداية كانت عام 2015 عندما تواصلت معها فتاة محبوسة في المنزل وممنوعة من كل حقوقها، وطلبت مشاركة شهادتها ونشرها. 

بعدها، دشنت وبعض صديقاتها "إيفينت" أونلاين بعنوان "الحرية للمعتقلات داخل البيوت المصرية" للدفاع عن النساء المحبوسات في المنزل. عندها وصلت إليهن مئات الشهادات من فتيات محبوسات في منازلهن. 

شجع النجاح الكبير للايفنت شيماء وزميلاتها العمل على حملة مستمرة تحت عنوان "قانون لحماية الفتيات من العنف الأسري في مصر". وبعد سنتين من العمل على الحملة بدأت استراتيجيتهن تتضح أكثر، وأسسن مبادرة "براح آمن". 

"أدركنا أننا لا نعمل فقط على المناصرة بل على التوثيق وتقديم الدعم النفسي وتوصيل الفتيات بمؤسسات أخرى تقدم لهن مساعدات في مجالات مختلفة".

الصعوبات الإجرائية والبيروقراطية كانت عقبة كذلك أمام "براح آمن"، وفق طنطاوي التي تشير إلى نجاح المؤسسة، التي بدأت تتبلور منذ ثمانية أعوام، في يناير/كانون الثاني الماضي، في التسجيل لدى وزارة التضامن الاجتماعي 

الناشطة مني عزت من مؤسسة النون لرعاية الأسرة، تشير إلى أن هناك قطاعًا من النساء "أقل تعليمًا أو اقتصاديًا أو تعيش في منطقة بعيدة عن الخدمات"، تقول عزت "لنتخيل امرأة ريفية وأمية في مجتمع محافظ يقيد حركة النساء ويفرض تعتيمًا على أشكال العنف التي تتعرض لها، كيف سيكون وضعها؟" 

لذلك تشير عزت إلى أن مبادرات مثل سند وبراح آمن وغيرهما، رغم كونها مبادرات إيجابية، تواجه تحديًا في أنها لا تستطيع أن تقدم المساعدة لعدد كبير من النساء، لعدة أسباب من بينها ضعف التمويل، أو عدم القدرة على الوصول إلى النساء المعنفات "أغلب هذه المبادرات مرتبطة بالسوشيال ميديا وهذا يتيح الوصول لجمهور واسع ولكن لا يصل إلى جميع النساء الفقيرات أو البعيدات عن استخدام السوشيال ميديا".

ما زالت إيريني تتابع ما ستؤول إليه محاكمة المتهم بالتحرش بها، وتتمنى حكمًا عادلًا، بعد أن كاد يفلت من العقاب، بينما تأمل نسمة الخطيب أن تعمل في مناخ قانوني واجتماعي أكثر أمانًا يجعلها قادرة على مساعدة سهام أيضًا، التي لم تعد قادرة على التعامل مع الشارع كمكان آمن، ويحلمن جميعًا بغدٍ أفضل لحياتهن كنساء، في مجتمع لا تكون فيه حاجة لمبادرات هامة مثل "سند" و"براح آمن". 


أُنتج هذا التقرير بالشراكة مع مؤسسة مهارات بدعم مالي من أكاديمية دويتشه فيله، ضمن "مبادرة للشفافية وحرية التعبير: صمود وسائل الاعلام في الأزمات". والآراء الواردة في هذا التقرير لا تعبر بالضرورة عن آراء وموقف أكاديمية دوتشيه فيليه أو الجهات المانحة لها ومؤسسة مهارات.