طبطبة على كتف نيما منير كانت سببًا في طردها من الميكروباص، باعتبارها ارتكبت فعلًا فاضحًا في العلن. تقول "صحيت مخضوضة، الميكروباص بيفرمل جامد، والسواق بيخبط على الإزاز وركن على جنب، وبيزعق 'انتوا فاكرين نفسكوا فين، عشان راكبين في الكنبة اللي ورا محدش شايفكو؟' وأنا في الطبيعي بعرف أرد وأدافع عن نفسي، بس لاقيت إن كل الميكروباص بيتفرج عليا، والسواق بيزعق وبيقولنا انزلوا؟".
"فكرة واحدة كانت مسيطرة عليا، هل حد من الناس دي ممكن يكون يعرفني؟ نزلنا في نص الطريق وكل الناس كانت بتبص لنا من فوق لتحت، اتخضيت جدًا، أنا مكنتش فاهمة إيه اللي بيحصل".
لا يقبَل أفراد المجتمع بإجابات منطقية لتفسير الأفعال الحميمية في الشارع، يعتبرونها فعلًا فاضحًا حتى لو كانت بين رجل وزوجته، تقول نيما "في الفترة دي كنت بدأت أعاني من أعراض القلق فبدأت أترعش وأنا نايمة، فصاحبي طبطب عليا، وكانت النتيجة إننا نزلنا في نص الطريق وأنا مخضوضة أكتر وخايفة".
يكره الشارع المصري الأفعال الحميمية، وكثيرًا ما يتدخل الناس لإنهاء أي تعبير عن المشاعر، أو فضح مرتكبيه باعتباره مخالفًا لقيم المجتمع، كما حدث في الفيديو الذي صورته محامية لشاب وفتاة، والذي تداولت أخباره الصحف والمواقع والسوشيال ميديا باعتباره فعلًا فاضحًا في الطريق العام، وهو عنوان يَصِم الأفعال الحميمية ويحكم عليها.
الثقافة الأبوية
هذا الرفض وثيق الصلة بتربية البنات في مصر، حسبما توضح الطبيبة النفسية نعمات علي لـ المنصة "البنات في مصر بتتربى على إنهم مسلوبات الإرادة، وأن ملكيتهم بتنتقل من الأسرة، سواء الأب أو الأخ أو آخرين من أفراد العائلة الممتدة، إلى الشريك لاحقًا. في حين يتربَّى الابن الذكر على أن الرجولة تتمثل في عدم امتثاله للأوامر، أو أن ليست لديه واجبات".
يلجأ الشارع المصري في تعامله مع ما يتعلق بالتابوهات الثلاثة إلى استخدام بعض الحيل النفسية كي لا يصطدم بحقائقها
التربية والثقافة المبنية على الأعراف والتقاليد تُعطينا دلائل وإشارات أولية، في رأي نعمات، عن كيف يتسامح هذا المجتمع مع الرجال المتحرشين، ويصم أي مظاهر للحميمية، "يرى المجتمع في التحرش رجولية الذكر، ولكن في المشاهد الحميمية رضائية النساء، ويستنكرها".
وتعتقد نعمات أن الأمثال الشعبية تُرسّخ الثقافة الأبوية وتُشجع على الانتهاكات والعنف المبني على النوع، مثل "اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24، وهنا مقالوش الولد".
فيما ترى هبة النمر، المديرة التنفيذية بمؤسسة "براح آمن"، أن ردود الأفعال المجتمعية تنبع من القيم الأبوية بالأساس، "يتعامل الرجال مع النساء في الشارع باعتبارهنّ ملكية خاصة، فلا يصح أن يرى امرأة في الشارع تتمتع بحريتها ويقف مكتوف اليدين، عليه أن يمنعها".
"تصم هذه الأفعال الفتاة بشكل أساسي، في الفيديو المذكور، وجهت المعلقة حديثها للفتاة بقولها 'مش هيتجوزك في الآخر'، معتبرة إياها المسؤولة عن تعرضها للخداع"، تضيف هبة لـ المنصة.
يلجأ الشارع المصري في تعامله مع ما يتعلق بالتابوهات الثلاثة إلى استخدام بعض الحيل النفسية، كي لا يصطدم بحقائقها. تقول نعمات "من ضمن تلك الحيل الإنكار، لذلك نجد مع عجز الشارع عن وقف الانتهاكات التي تحدث فيه، يبدأ في توجيه اللوم إلى الضحية كما يحدث في حالات التحرش، أما في حالات الأفعال الحميمية فإنه يصم الأضعف؛ وهنّ النساء".
الشارع لا يحمي النساء
لا ينتفض الشارع لأفعال العنف بالقدر ذاته، بداية من حوادث التحرش اليومية، نهاية بجرائم القتل، فالقيم التي يتبناها المجتمع لا تنبذ العنف الموجه ضد النساء.
فما عايشته نيما يثبت أن الأمر ليست له علاقة بالتعدي على قيم المجتمع، تقول "اتعرضت للتحرش في الشارع كتير، ما قابلتش ردود فعل داعمة، بالعكس كانوا بيّهربوا المتحرش".
تفسر نيما تصرف الشارع الذي يتعامل بشكل طبيعي في حالات الاعتداء على النساء في الطريق، بأن "الناس بتكره تشوف حاجة عاطفية أو حتى فيها دعم بسيط". وتضيف "عنترية الناس في الشارع ما بتشتغلش في حالات التحرش، بتشتغل بس لما تكون الست بتعمل حاجة برضاها في موقف عاطفي أو اهتمام".
يعرِّف القانون المصري الفعل الفاضح بأنه كل فعل ينافي الآداب العامة أو يخدش الحياء، وتفسره المحامية نهى عبد الوهاب لـ المنصة "بأنه أي فعل يشمل العناق والقبلات والتلامس الحميمي بين رجل وامرأة". ويعاقَب مرتكبه بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز 300 جنيه مصري، حسب المادة 278 من قانون العقوبات.
كما ينص قانون المرور في مواده على أن الفعل الفاضح داخل سيارة من المخالفات التي لا تصالح فيها طبق المادة 76، كما نصت المادة 72 من ذات القانون بأنه في حالة ارتكاب مخالفة صارخة بعمل فاضح داخل السيارة أو على الطريق، تسحب الرخصة في حال عدم سداد مبلغ التصالح، وهو 250 جنيهًا، وقُدرت مخالفتها في حالة ثبوت المخالفة بـ300 جنيه ولا تزيد عن 1500 جنيه، والحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
من جهتها، ترى هبة النمر أن القانون يستخدم تعبيرات فضفاضة تفتح الباب أمام التأويلات، وتُستخدم لفرض مزيد من القيود على النساء، مثل استخدامه "خدش حياء الغير" و"قيم الأسرة المصرية".
"يتغاضى القانون عن الرضائية في العلاقة، حيث يرد في نص القانون جملة تلامس حميمي بين رجل وامرأة دون تحديد للعلاقة بينهما"، تضيف هبة.
ليس على الرجال حرج
ورغم ارتكاب الرجال أفعالًا فاضحة لا علاقة للنساء بها، مثل قضاء حاجتهم في الشارع، غير أنها تحولت وفق القيم إلى أفعال عادية، لا تثير لدى حماة الشارع المصري رغبة في توقيف مرتكبه أو حتى نهره، برغم أنها أفعال يعاقب عليها القانون.
يتحفز الشارع لأي أفعال تكون بطلتها امرأة، بما فيهم القائمون على تطبيق القانون، كما في حالة سارة كحلة الناشطة النسوية التي اتهمتها الشرطة بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام، لأنها كانت برفقة خطيبها في سيارته بساعة متأخرة من الليل، فأصبحت متهمة بشكل رسمي بما يُسيء لسمعتها.
تقول سارة في حديثها لـ المنصة "كل واحد من الناس اللي حواليا اتعامل بطريقة، جزء من أسرتي دعمني، وجزء تاني أصدر عليا أحكامه واتفرج من بعيد، وعيلة شريكي عملوا مجلس خرج بقرار ضد جوازنا بسبب سمعتي اللي باظت، وجزء من أصحابي وقف جنبي بكل قوته، وجزء تاني قرر يستغل الحادثة ويعايرني بأن شريكي ما كانش سوبر مان واتصرف وحل الموضوع".
كل ذلك حدث قبل أن يثبت بطلان التهمة، تكمل سارة "أخدت براءة من كل التهم اللي اتوجهت لي، واستمرت علاقتي بشريكي، وما زالت مستمرة"، ولكنها واجهت العديد من التحديات الاجتماعية، وكانت تلك أكثرها قسوة.
لا تزال نيما تعاني قلقًا يحفزه تحركها في شوارع مصر، "لسه بخاف وأنا ماشية في الشارع، رغم إني بحاول آخد احتياطاتي، زي إني أركب مواصلات آمنة، أو أتمشى أكتر، أقلل نزولي لأماكن بتبقى خطر".
صارت نيما تتجنب تمامًا التلامس مع الجنس الآخر في الشارع "أقصى حاجة ممكن أعملها إني أسلم يإيدي على حد، ويكون المكان راقي عشان ما ألفتش نظر الناس لأي حاجة ممكن تحطني في موقف سخيف"، مقرة بذلك بالتزامها بقواعد المجتمع في الفصل بين الجنسين في الشارع.
تقول نيما "مش بعرف أتعامل في الشارع بأريحية، ببذل من تفكيري ومجهودي وفلوسي عشان أقلل السخافات والخطر اللي ممكن أتعرضله"، وهذا لا يعني نهايتها، مجرد تقليل مخاطر.