مسلسل مستمر من الخلافات تخوضه الحركة المدنية الديمقراطية، التي فشلت عبر سنوات في تخطي تنوع الاتجاهات والأيديولوجيات وصياغة مواقف مشتركة، والتفاوض مع السلطة على مطالب واضحة باستخدام آليات وأدوات لا تحيد عنها أحزاب الحركة.
محطات خلاف متعددة، مرت بها الحركة، التي تأسست في 2017، منها تهديد بعض الأحزاب الليبرالية بالانسحاب منها مؤخرًا، أو تخلي المتحدث الرسمي باسمها خالد داود عن موقعه واكتفاؤه بالعضوية فقط، أو محاولات سيطرة فصيل معين على قرارات الحركة.
وليس هذا الخلاف الوحيد، فالحركة المكونة من عدة أحزاب وشخصيات عامة، مرت بعدة عقبات تحول دون استمرارها كيانًا واحدًا، وأصبح تنوع اتجاهات الأحزاب والشخصيات العامة المشاركة فيها، من أقصى اليمين وأقصى اليسار، يهدد بقاء التحالف الهش.
بشار وإسرائيل وبينهما رفح
كان لقاء حمدين صباحي، بصفته الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، بالرئيس السوري بشار الأسد، في أغسطس/آب الماضي، نقطةَ خلاف في الحركة ولكن تم احتواؤها.
في الوقت الذي شكلت تصريحات رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات لصحيفة إسرائيلية أزمةً كبيرةً في الحركة. ولم تكد الأزمة تهدأ حتى اشتعلت أخرى جديدة امتدت لقنوات التليفزيون.
كان ذلك بعد إصدار الحركة بيانًا عن الوضع في فلسطين، تضمن عبارات أغضبت بعض الأجهزة الأمنية، منها ما يتعلق "بعجز مصر عن الدفاع عن أمنها القومي"، فقررت قيادات الحركة حذف البيان ونشر آخر بدلًا منه. لكن تبعات البيان وحذفه استمرت، وامتدت إلى قنوات التليفزيون، وظهر السادات في لقاء قال فيه إنه صدر دون موافقة حزبه.
لا تزال تداعيات أزمة البيان والموقف من السادات قائمة، وهو ما دفع رئيس حزب الإصلاح والتنمية للتفكير في الانسحاب من الحركة، حسب مصادر شاركت في اجتماع ثلاثي جمع السادات برئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، ورئيس حزب المحافظين أكمل قرطام.
عقب هذا الاجتماع قرر المتحدث الرسمي للحركة خالد داود التخلي عن موقعه، مبديًا رغبته في التفرع للحياة المهنية والشخصية.
أكد مصدران في الحركة أن التيارين الناصري واليساري يسيطران على قراراتها
ورغم رفض داود الحديث مع وسائل الإعلام، لا يمكن فصل قراره عن سياق الخلافات، وآخرها أزمة البيان.
وبالحديث مع 5 مصادر تبين أن أزمة البيان متكررةٌ، وتعود إلى ما اعتبرته المصادر محاولة فرض أسلوب عمل مغاير لطبيعة الحركة وقراراتها. وأكد مصدران في الحركة لـ المنصة أن التيارين الناصري واليساري يسيطران على قراراتها، وأشارا إلى محاولة تغير آلية اتخاذ القرارات باعتماد نظام التصويت بدلًا من التوافق.
واعتبر المصدران أن اتخاذ القرارات بالأغلبية دون مراعاة الأوزان النسبية للأحزاب المشاركة، أو منح الشخصية العامة نفس وزن صوت الحزب السياسي، يمثل خللًا في آلية اتخاذ القرار، وينشئ صراعات جديدة داخل الحركة لصالح التيار الأكبر عددًا من الناصريين واليسار.
محاكم وحوار وانتخابات
غير أن تلك الأزمات مؤخرًا لم تكن الأولى، فكان الانشقاق الأول الذي أصاب الحركة متزامنًا مع الانتخابات البرلمانية في 2020، وقرار أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والإصلاح والتنمية، والعدل، بالتنسيق مع حزب مستقبل وطن، تقديم مرشحين عبر القائمة الوطنية من أجل مصر، خلال انتخابات مجلسي النواب والشيوخ.
عادت الأحزاب بعد الانتخابات لصفوف الحركة مرة أخرى، بينما لم تتمكن على مدار تلك السنوات من تحديد أطر جامعة لمواقفها سوى معارضة السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية. كما لم تنشأ خلافات جوهرية تؤدي لانشقاقات أو تهدد تماسك الحركة حتى جاءت الدعوة للحوار الوطني في أبريل/نيسان 2022.
وبعد سنوات من ابتعاد المعارضة عن الشارع واستبعادها من الشاشات والصحف التابعة للسلطة، استدعت السلطة المعارضة مرة أخرى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية. احتاجت السلطة في تلك الفترة للاعتماد على المعارضة بعد تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية واقتراب قمة المناخ COP27 التي استضافتها مصر، وما تزامن معها من ضغوط دولية.
نشأ صراع في الحركة بشأن الاستجابة للمشاركة في الحوار الوطني رغم عدم تنفيذ المطالب التي توافقت عليها الحركة مع القائمين عليه، في مقدمتها إخلاء سبيل المحبوسين على ذمة قضايا رأي.
رغم تخطي أزمة الخلاف بعد حبس قاسم لم تنج من تبعات معركة الانتخابات الرئاسية
مع تصاعد النزاع، استقال رئيس حزب الكرامة المستقيل أحمد الطنطاوي من موقعه، وبقيت المشاركة في الحوار محل خلاف، حتى قررت الحركة للمرة الأولى اتخاذ القرار بالتصويت السري والامتثال لرأي الأغلبية، بعدما كانت كل مواقفها وقراراتها بالتوافق.
نجت الحركة من الخلافات التي ضربتها بعد حبس رئيس مجلس أمناء التيار الحر هشام قاسم، عقب تقديم القيادي في الحركة كمال أبو عيطة بلاغًا ضده، يتهمه بالسب والقذف.
ورغم تخطي أزمة الخلاف بعد حبس قاسم؛ لم تنج من تبعات معركة الانتخابات الرئاسية، فاتخذ الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب العدل قرارًا بتجميد عضويتهما في الحركة، بعد ترشُّح فريد زهران في الانتخابات، وانتقاد قيادات في الحركة للعملية الانتخابية.
وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، وتجديد الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوة لاستكمال مسار الحوار الوطني؛ أعلنت الحركة تعليق مشاركتها، واعتبرت في بيان لها أن مساهمتها في الحوار انتهت. ووضعت عدة شروط للمشاركة، على رأسها إقرار تعديلات قانون الانتخابات، واعتماد نظام القائمة النسبية، وتعديل قانون الحبس الاحتياطي، والإفراج عن سجناء الرأي.
لكن يبدو أن هذا ليس كل شيء، فعضو مجلس أمناء الحوار الوطني والقيادي بحزب الكرامة كمال زايد سبق وقال لـ المنصة إن حزبه يعاني من أزمة المحبوسين على ذمة قضايا لها طابع سياسي.
وتعرض عدد من أعضاء حزب الكرامة للحبس على خلفية مشاركتهم في دعم أحمد الطنطاوي خلال فترة الانتخابات الرئاسية، ووجهت لهم اتهامات بتداول أوراق تخص الانتخابات بدون إذن السلطات.
وبحسب مصادر في الحركة المدنية، فضلت عدم نشر اسمها، كانت تصرفات السلطة تجاه الطنطاوي دافعًا لاتخاذ القيادي بالحركة حمدين صباحي موقفًا متشددًا تجاه المشاركة في الحوار الوطني والضغط بكافة السبل لمنع المشاركة في العملية السياسية لحين انتهاء أزمة الطنطاوي وأنصاره.
في مواجهة هذه الأزمات، إن لم تتحلل الحركة في وقت قريب، ستكون لديها فرصة وحيدة للنجاة والحفاظ على وجودها وفاعليتها، تنطلق من تحديد نقاط التوافق العام والبناء عليها، وإدراك القيادات قيمة وتأثير العمل المشترك مع تعدد الأيديولوجيات، لتكون الحركة قادرةً على لعب أدوار والخروج بمكتسبات لصالح الديمقراطية عبر تفاوضها المستمر مع السلطة.
دون ذلك، سيظل التنوع داخل الحركة يمثل تهديدًا مزمنًا لاستمرارها وقدرتها على لعب أدوار فاعلة، وستبقى الخلافات بوابة مرور، تستخدمها السلطة لصالحها.