صفحة التيار الحر- فيسبوك
يواجه هشام قاسم تهمًا بـ"سب وقذف وإزعاج كمال أبو عيطة، وضابط وأميني شرطة"

التطبيع والتخوين.. المعارك الآمنة للمعارضة

منشور الأربعاء 13 سبتمبر 2023 - آخر تحديث الجمعة 15 سبتمبر 2023

طالما أنك لا توجّه اتهامات التطبيع أو التآمر مع "العدو" للنظام، القادر على الإضرار فعليًا بمصلحة البلد مثلما هو قادر على حبسك ومعاقبتك، وطالما أنك مكتفٍ باتهام عدو مشترك لك وللنظام، مواطن آخر لا حول له ولا قوة من المال أو السلطة لردعك، من المعارضين والمنتقدين مثلك للاستبداد، ولكن بصوت أجرأ وأعلى منك؛ لذا لا بأس من تخوينه وإظهار مدى وطنيتك وحسك القومي المرهف، ليعلم الجميع أنك مناضل ولكن على قد حاله، في معارك آمنة، أقصى ثمن لها عتاب بعض الراشدين الذين يدركون خطورة ما تفعل، ولفائدة من!

هذا خلاصة إحساسي بالمرارة والحسرة على تبريرات بعض أنصار التيار القومي، ممن تجاهلوا الدور الذي يقوم به النظام في مصر من تعاون أمني واقتصادي واستراتيجي، بدون رقابة أو محاسبة، ولا نعرف عنه إلا النذر القليل، ومن الإعلام الإسرائيلي فقط؛ واختاروا أن يشنوا اتهامات التطبيع والتخوين في الصحافة وعلى السوشيال ميديا ضد ناشر صحفي ومعارض حر الرأي، هو هشام قاسم، بمجرد أن اختارته بعض الأحزاب ليبرالية التوجه رئيسًا للتيار الحر، الذي دشنته لمعارضة النظام الذي أوصل البلاد لحافة الهاوية!

تدوير الأكاذيب

بمجرد اختياره أمينًا عامًا للتيار الحر، لم يكتفِ البعض بتداول وإعادة نشر مجموعة قصاصات واتهامات ضده، أغلبها كاذب؛ لوقائع مضى عقدان أو أكثر على حدوثها. بل المفجع، أن يعيدوا نشرها، في مقالات، بعد حبسه وإعلانه الإضراب عن الطعام احتجاجًا منه على تلفيق قضايا ضده، بمجرد أن أكد على نزاهته، وتحديه رأس النظام "ورجاله وأجهزته"!

أول أكذوبة، أوردها في مقاله منذ أسبوع مخدوعًا بتلك القصاصات المتداولة، صحفي جاد، قومي التوجه، مستقل القلم والكرامة. لن أذكر اسمه لأنه لم يذكر اسم قاسم، ولكنه وصفه في مقاله بأنه "ناشر وحقوقي مصري اختير لترؤس الأحزاب الليبرالية..."، ثم نقل مؤكدًا "تواجدت أدلة واضحة على أنه قام بالتطبيع مع إسرائيل، وكتب مقالات مشتركة مع رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين".

لو تركنا أدلة التطبيع جانبًا حتى نفصلها، فاتهام صحفي لآخر بكتابة "مقالات مشتركة" معناه، وهو في نفس المهنة، أنه لا بد للكاتبين أن يُكَوِّنا علاقة وطيدة، وتواصلًا وتنسيقًا ومراجعة، للمشاركة ولو في مقال واحد، ناهيك عن مقالات!

الحقيقة أن هذا لم يحدث، بل كل ما حدث أن هشام دُعِي إلى ندوة علنية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في العاصمة الأمريكية في مايو/أيار 2011، لتقديم تحليله كـ"ناشر وصحفي مصري مستقل"، لتداعيات الربيع العربي في المنطقة.

وشارك في الندوة مع هشام، بجانب مدير المعهد روبرت ساتلوف، متحدثان. وهما كما تم تعريفهما؛ جيمس لاروكّو مدير مركز الشرق الأدنى الآسيوي للدراسات الاستراتيجية، وهو دبلوماسي أمريكي متقاعد، وعاموس يادلين الزميل الباحث في الأمن القومي الإسرائيلي بمقعد كاي في معهد واشنطن، وهو جنرال سابق وقتها، وأصبح مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية بعد أشهر من عودته من معهد واشنطن، ولمدة عام واحد بعدها.

يوجد تقرير عن الندوة وما تحدث به كل ضيف على حدة، شأن باقي تقارير الندوات الأخرى. ولكن لا يوجد مقال مشترك، ولا مدير مخابرات، وقتها. كل ما هنالك مشاركة في ندوة بمعهد أمريكي عن الشرق الأوسط.

إذا كنت لا تريد أن يكون في الندوة إسرائيلي أو إثيوبي، أو تريد المقاطعة، فهذا نقاش مختلف عن اتهام شخص بكتابة مقالات مشتركة مع رئيس المخابرات الإسرائيلية، التي سمّاها البعض في قصاصات الأدلة؛ الموساد!

هشام قاسم لم يزُر في حياته إسرائيل أو يتعاقد مع حكومتها أو شركاتها أو أحد مواطنيها

المفارقة، بالنسبة لمن كتبوا عن مشاركة هشام في عشاء أُقيم للمتحدثين والضيوف والصحافة المدعوة بمعهد واشنطن في نهاية المؤتمر، كما يروي هشام بعدها، كانت  أن مراسل صحيفة الأهرام كتب لقرائه بمصر عن الإسرائيليين الذين جلسوا على مائدته، موضحًا أنه، أي هشام، لا يملك اختيارًا، فهي المائدة الرئيسية لمدير المعهد المضيف. فيما الصحفي المصري نفسه، كما كتب هشام في تدوينة ساخرة، لم يكتب أنه كان جالسًا على مائدة أخرى بجوار الصحفي الإسرائيلي إيهود إيعاري!

والأكثر غرابة ونبلًا أيضًا من هشام، أنه لم يفصح، رغم ضيقه مما فعله مراسل الأهرام وقتها، عن معلومات كان يمكن أن تُفقده وظيفته، وهي أن الصحفي نفسه كان ينشر في جريدة كايرو تايمز التي أسسها هشام قاسم، تقارير من واشنطن، دون علم الصحيفة التي أوفدته مراسلًا لها فقط.

لكن النبيل في هذا الصحفي أيضًا، الذي لن أذكر اسمه هنا، أنه كتب مؤخرًا بعد حبس هشام يفصح عن هذا السر بعمله السابق من واشنطن مع هشام! سر لم يفصح عنه هشام النزيه المترفع عن تصفية الحسابات الرخيصة!

هشام قاسم لم يزُر في حياته إسرائيل، أو يتعاقد مع حكومتها أو شركاتها أو أحد مواطنيها في تجارة، أو حتى مقال أو كتاب أو بحث، لكنه حضر ندوات علنية خارج مصر شارك فيها إسرائيليون، مثلما حدث في ندوة معهد واشنطن، ومثلها مشاركة أخرى منذ عشرين سنة في اجتماعات كوبنهاجن الثانية لدعاة السلام، بمشاركة فلسطينيين وإسرائيليين وأردنيين، وهي الاجتماعات التي بدأها قبل ذلك بسنوات الكاتب اليساري لطفي الخولي مؤسس مجلة الطليعة.

وكما فعل في كوبنهاجن، تحدث هشام قاسم بعدها في الأمم المتحدة، مؤكدًا باعتزاز ودون خجل أنه يجلس أيضًا بجوار صحفي إسرائيلي "جريء مستقل" من صحيفة هاآرتس، التي تفضح دومًا ممارسات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، بل وتواطؤ حكومات عربية معها!

لا يحمل قاسم سوى الجنسية المصرية، وليس مواطنًا أمريكيًا. رغم ذلك، تقول قصاصات و"أدلة" التخوين والتطبيع الزائفة، المدسوسة في الأرشيف الإلكتروني أنه كان قريبًا، حتى في الصورة، من الرئيس بوش الابن، مدمر العراق شأن والده، عندما كان يكافئ هشام بجائزة عام 2007 باسم شعارات "الديمقراطية الزائفة"، وأن ذلك كان لتأييد قاسم للحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، فقدم له الجائزة في واشنطن اثنان من أكثر أعضاء الكونجرس دعما لإسرائيل؛ النائب توم لانتوس، والنائبة إيلينا روس ليتنين!

الحقيقة؛ فاز هشام قاسم في سبتمبر/أيلول 2007 بإحدى الجوائز الأربعة لذلك العام للديمقراطية وحقوق الإنسان من مؤسسة "الوقف القومي الأمريكي للديمقراطية"، وكان الثلاثة الآخرون الفائزون معه من دعاة الديمقراطية في تايلاند وروسيا وفنزويلا.

واللذان قدما لهما الجوائز، ليس النائبين المذكورين سابقًا، بل آخرين، لا علاقة وطيدة تجمعهما بأنصار إسرائيل؛ النائب الديمقراطي آدم شيف، والسناتور الجمهوري ريتشارد لوجار.

والحقيقة أن الرئيس بوش التقى بالفائزين الأربعة لاحقًا في حديقة البيت الأبيض، ليعطي محاضرة عن الديمقراطية أمام الإعلام!

كان اختيار هشام بسبب تجربته المهمة في تأسيس "المصري اليوم"، كصحيفة مستقلة لمنافسة الإعلام الحكومي الموجه. أما عن اهتمام بوش بالديمقراطية في مصر وقتها فقد انتهى عام 2006، ولذلك نقلت صحيفة نيويورك تايمز بعد شهر من هذا الاحتفال عن هشام قاسم قوله، في أكتوبر/تشرين الأول 2007، إن بوش كان يتحدث مع زملائه الثلاثة الآخرين باستفاضة وحماس عن نشر الديمقراطية ببلادهم، لكن حين سألته عن مصر كان مقتضبًا، وبدت أنها "الأقل بالنسبة لاهتماماته".

كما يروي المحامي ناصر أمين، رفيق هشام في العمل الحقوقي منذ التسعينيات، ومحاميه الحالي، كيف كان منزعجًا عندما اتصل به قاسم عند بدء الحرب على العراق 2003، واصفًا ما تفعله أمريكا "بجوائز حرب"، وكيف نظم وقفة احتجاجية أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة ضد الحرب، وكتب هشام لافتاتها بالإنجليزية.

أحترم وأقدِّر المقاومة المشروعة ضد الاحتلال، كما أعتز بنزاهة واستقلالية وشجاعة هشام قاسم

القصاصة الوحيدة التي يتشبث بها القوميون الذين يتهمون هشام بـ"العمالة" تتعلق بموقفه ضد حزب الله في لبنان، وما نُقل عن السفير الأمريكي بالقاهرة وقتها، عام 2006، فرانسيس ريتشاردوني في برقية لواشنطن، ضمن آلاف المراسلات التي نشرها موقع ويكيليكس عام 2012، والتي أوضح فيها أن قاسم، "متفق مع السياسة الأمريكية" في التعامل مع لبنان، خلافًا لزملائه الحقوقيين، ومنهم ناصر أمين وغادة شهبندر،  المعترضين على قصف إسرائيل لمواقع الجنوب وحزب الله لأن ذلك يضعف شعبيًا قضية نشر الديمقراطية ودعم أمريكا لها.

للإنصاف؛ كانت هناك فعلًا مقتطفات في البرقية لتلخيص آراء من سألتهم السفارة، لكن يبدو من صياغتها أنها مجتزأة خارج سياق ما قاله قاسم بالضبط، ليخلُص السفير إلى أنه معنا.

من يملك التصنيف؟

وبغض النظر عن كل ذلك، مَن يملك تصنيف أي كاتب مصري أو لبناني يعادي حزب الله أو حماس أو غيرها من المقاومة الفلسطينية لأسباب وطنية أو قُطرية أو واقعية حسب انتمائه السياسي؟ مَن يملك تصنيفه "عميلًا.. وخائنًا"، ولأي بلد؟!

كاتب هذا المقال يحترم ويُقدِّر المقاومة المشروعة ضد الاحتلال؛ سواء كان روسيًا في أوكرانيا أو إسرائيليًا في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، أو كان عراقيًا في الكويت لبضعة أسابيع!

لكنني أعتز بنزاهة واستقلالية وشجاعة الصحفي هشام قاسم قبل أن يكون صديقي أيضًا. ومقتنع بحق كل كاتب حر ومستقل أن يعبر عن رأيه في أن يرى مصلحة بلده في السلام مثلما يراها آخر في الحرب، دون تخوين. والأسوأ؛ دون نشر أكاذيب باعتبارها حقائق، وليس فقط السكوت على تصحيحها، بل إعادة نشرها وترديدها بينما خصمك في السجن!

إنها معركة آمنة، ولكن خسيسة؛ حين أنتهز انشغال رفيقي في مواجهة غول الاستبداد وأطعنه في الظهر بخناجر التخوين ووشم العمالة والتطبيع، مع تصوير مشاحناتي التاريخية الجانبية لجمهوري وكأنها القضية الأهم بدلًا من الحرية والعدالة، الأكثر إلحاحًا، لكني أجبن من خوضها بالمثل!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.