يوشك البرلمان على الانتهاء من مناقشة مشروع قانون العمل الجديد، في وقت تتصاعد موجات التسريح الجماعي لمئات العمال في العديد من شركات القطاع الخاص.
وتثير المواد المتعلقة بعقود العمل محددة وغير محددة المدة وطرق وأسباب انقضاء علاقة العمل التي وافق البرلمان عليها الأسبوع الماضي التخوفات من زيادة ممارسات التصفية والفصل التعسفي، إذ يعتقد حقوقيون ونقابيون وبرلمانيون أنها تطلق يد رجال الأعمال في تسريح العمال، فيما يعتبرون القانون برمته منحازًا لأصحاب رأس المال على حساب ملايين العمال.
جانب من إضراب عمال فينيسيا، 11 أغسطس 2024الفصل عقابًا على الإضراب
مع زيادة الضغوط التضخمية شهد القطاع الخاص العديد من الاحتجاجات العمالية؛ إضرابات وتظاهرات واعتصامات داخل مواقع العمل للمطالبة بتعديل الرواتب وتطبيق الحد الأدنى للأجور.
مارست إدارات شركات أنواعًا مختلفة من ترهيب المحتجين، منها حصار الشرطة للاحتجاجات واستدعاء عشرات العمال لمقرات الأمن الوطني لإجبارهم على فضها، والقبض على عشرات منهم، بعد بلاغات تتهمهم بـ"الشغب وتعطيل العمل".
لم تقتصر إجراءات التنكيل بالعمال على فترة الاحتجاجات، بل امتدت لما بعدها، كنوع من تصفية الحسابات مع القيادات العمالية التي كان لها دور في تلك الاحتجاجات، وترهيب بقية العمال.
في شركة وبريات سمنود، التي شهدت إضرابًا واعتصامًا بمقر الشركة لتطبيق الحد الأدنى للأجور، في أغسطس/آب الماضي، أوقفت الإدارة عقب إنهاء الإضراب العديد من العمال وأنهت عقود 7 منهم، ورغم أنها تراجعت عن قراراتها لاحقًا، أصرت على فصل القيادي العمالي هشام البنا الذي لا تزال المحكمة العمالية تنظر طلب فصله.
وتعرَّض 9 من عمال شركة T&C للملابس للفصل عقب إخلاء محكمة الخانكة الجزئية سبيلهم في 28 يناير/كانون الثاني الماضي على خلفية مشاركتهم في إضراب عن العمل للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، فيما استمرت إدارة T&C في تفريغ الكاميرات لتصفية العمال الذين كانوا فاعلين في الإضراب، وآخرهم العامل سامح توفيق الذي أنهت الإدارة عقده بعد 14 عامًا عمل بالشركة.
يصف توفيق حالته لـ المنصة "بقيت في الشارع بعد 14 سنة خدمة في الشركة دخلتها وأنا شاب في العشرين، واطردت منها بعد ما مصوا دمي، ولسه هابدأ أدور على شغل بعد ما عديت الأربعين".
تكررت حالات الفصل التعسفي عقابًا على المشاركة في الاحتجاجات، في شركات فينسيا للسيراميك، وليوني وايرينج سيستمز لتصنيع الضفائر الكهربائية للسيارات، ورؤية للمقاولات، وغيرها من الشركات.
وقفة احتجاجية لعمال سيراميكا لابوتيه للمطالبة بزيادة المرتبات، 18 يناير 2025العمال يدفعون ثمن الأزمة
لم يكن العقاب على المشاركة في الاحتجاجات السبب الوحيد لموجات التسريح والفصل التعسفي التي تعرض لها العمال. ففي قطاع صناعة السيراميك الذي يشهد أزمة لا تُعرف بعد أبعادها، وتتراكم على مصانعه مئات الملايين ديونًا للدولة، يحاول أصحاب الشركات تخفيف وطأة الأزمة بتخفيض النفقات، ويدفع العمال الثمن بقطع مصدر رزقهم وتشريدهم.
شهدت سيراميكا لابوتيه التابعة لمجموعة الأمراء لصناعة السيراميك والبورسلين استهدافًا ممنهجًا للعمال، حيث ضغطت الإدارة على مئات العمال لتقديم استقالاتهم وفصلت آخرين بحجة الأزمة المالية التي تمر بها الشركة.
وعلى مدار أكثر من عام أجبرت إدارة سيراميكا إينوفا (الفراعنة سابقًا) مئات العمال على الإجازة الإجبارية مقابل تقاضي الراتب الأساسي فقط، واضطر المئات للاستقالة بعد النقل التعسفي لمصنع الملكة اليدوي التابع للمجموعة.
ورغم تكفل صندوق إعانات الطوارئ للعمال بدفع 4 ملايين جنيه شهريًا وهي ثلث أجور العمال، بدلًا عن صاحب الشركة، اتخذت الشركة قرارًا في مارس الجاري بتسريح 350 من العمال بينهم 57 امرأة بالإضافة إلى 130 من ذوي الإعاقة.
يروي صابر عبد الفتاح أحد المفصولين من سيراميكا إينوفا لـ المنصة "بعد 24 سنة خدمة في الشركة بقيت عاطل، مين هيشغلني بعد ما عديت الـ50، اشتغلنا بضمير حتى في عز الثورة وحظر التجول كنا بنروح الشغل علشان الشركة متقفلش والآخر اترمينا في الشارع".
ومؤخرًا فصلت شركة ليبتس إيجيبت للأدوية والعاملة في مجال تصنيع وتوريد الأدوية ومنتجات العناية والمغذيات والأدوية العلاجية 300 من مندوبي الدعاية، بدعوى الأزمة المالية التي تمر بها الشركة.
حدث كل ما سبق في ظل قانون العمل الحالي 12 لسنة 2003، وكان من الطبيعي أن يعالج مشروع القانون الجديد مثالب سابقه، لكن حدث العكس.
عمال مؤقتون لعمل دائم
تنص المادة 87 من مشروع قانون العمل "يبرم عقد العمل الفردي لمدة غير محددة، أو لمدة محددة إذا كانت طبيعة العمل تقتضي ذلك كما يجوز باتفاق الطرفين تجديد العقد لمدد أخرى مماثلة".
لم تحدد المادة طبيعة الأعمال التي يمكن لصاحب العمل التعاقد مع عمال لمدة محددة من أجل القيام بها، وتركت ذلك لتقديره. ويرى مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي أن المشروع تجاهل ذلك استجابة لضغوط أصحاب شركات القطاع الخاص.
وأوضح عدلي لـ المنصة أنه كان من المفترض تحديد الأعمال التي تتيح لصاحب العمل تحرير عقود محددة المدة وهي الأعمال المؤقتة بطبيعتها أو الموسمية، التي لا يمكن اللجوء فيها إلى عقود غير محددة المدة.
يضيف "عندما يتعاقد صاحب العمل مع عامل بشكل مؤقت، فيما يستخدم العامل في عمل دائم، على ماكينة بمصنع ملابس، أو خط إنتاج بمصنع للسيراميك، أو محاسب، يستمر عمله لسنوات، فهذا التفاف هدفه التنصل من الحقوق الطبيعية للعمال لدى صاحب العمل".
أما نائب رئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية ورئيس نقابة أندية قناة السويس كرم عبد الحليم فيعتقد، في تصريح لـ المنصة، أن المادة بصياغتها هذه تهدف إلى القضاء تدريجيًا على عقد العمل غير محدد المدة "الدائم"، وأن يصبح تشغيل العمال في أعمال لها صفة الديمومة بعقود عمل مؤقتة، هو القاعدة في علاقات العمل في مصر.
وتقدمت الهيئة البرلمانية لحزب التجمع باقتراح لتعديل المادة 87، بحيث تُحدد الأعمال التي من حق صاحب العمل إبرام عقد محدد المدة لإنجازها، لكن الاقتراح لم يحصل سوى على تأييد عدد قليل من الأعضاء، وفق رئيس الهيئة النائب عاطف مغاوري لـ المنصة.
يضيف مغاوري "كان الاقتراح المقدم من التجمع يجعل من العقد غير محدد المدة هو الأساس والعقد محدد المدة استثناء في حالة الأعمال الموسمية وأنشطة أخرى محددة لها الصفة المؤقتة".
ويرى مغاوري أن المادة 87 بصيغتها التي تم الموافقة عليها تؤثر على الأمان الوظيفي للعمال، وتُعفي صاحب العمل من التزاماته تجاههم، بوصفهم يقومون بعمل مؤقت وهم في الحقيقة يقومون بعمل دائم يستمر لسنوات.
إضراب عمال سيراميكا إينوفا بمنطقة كوم أوشيم بالفيوم، 23 يناير 2025انقضاء علاقة العمل.. مزيد من التشريد
تنص المادة 156 من مشروع قانون العمل "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 165 من هذا القانون إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لأي من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابة قبل الإنهاء بثلاثة أشهر".
فيما تنص المادة 157 على أنه "مع عدم الإخلال بحكم المادة 225 من هذا القانون، ومع مراعاة أحكام المواد التالية، لا يجوز لأصحاب الأعمال والعمال إنهاء عقد العمل غير محدد المدة إلا بمبرر مشروع وكافٍ".
ويرى النائب عاطف مغاوري أن المادتين ساوتا بين العامل وصاحب العمل وكأنهما طرفان متساويان في المركز، وأغفلتا أن العامل هو الطرف الأضعف في علاقة العمل الذي يفترض أن القانون شُرع لحمايته، حيث يمتلك صاحب العمل المركز الأقوى في علاقة العمل.
ويقول مالك عدلي "بينما أعطت المادة 156 الحق لطرفي علاقة العمل في إنهاء العقد، فإن المادة 157 حظرت على الطرفين إنهاءه إلا بمبرر مشروع وكافٍ، لكنها لم تذكر تحديدًا ما هو المبرر المشروع والكافي، ما يطلق يد أصحاب الأعمال في تشريد آلاف العمال".
ويعتبر عدلي أن هذه الصياغة رِدَّةٌ قانونية عن قانون 12 لسنة 2003، ويوضح "في قانون 12 تنص المادة 110، على أنه لا يجوز لصاحب العمل أن ينهي العقد غير محدد المدة إلا في حدود ما ورد بالمادة 69 من هذا القانون أو ثبوت عدم كفاءة العامل طبقًا لما تنص عليه اللوائح المعتمدة، وعندما نعود للمادة 69 نجدها حددت 9 حالات يجوز معها لصاحب العمل إنهاء عقد العامل، وهو ما ليس موجودًا في القانون الجديد".
يترتب على ذلك، في اعتقاد عدلي، ضياع حقوق العمال "ستخلق مواد انقضاء علاقة العمل في مشروع قانون العمل الجديد أزمة كبيرة عند التقاضي، فعندما كانت تنظر المحكمة العمالية قضايا فصل العمال كانت تلجأ إلى الأسباب التسعة المحددة في المادة 69 من قانون 12، وعلى أساس ذلك تصدر حكمها، أما مع القانون الجديد سوف تتباين التفسيرات والأحكام وتضيع الحقوق".
ويتفق مالك عدلي وكرم عبد الحليم على أن القانون في مجمله تعبير عن توازنات القوى في الوقت الراهن، حيث يفرض أصحاب رأس المال تصورهم لشكل علاقة العمل، بما يخدم مصالحهم فقط، في ظل ضعف التنظيمات النقابية، وانحياز الدولة الكامل لرجال الأعمال.