صفحة خالد البلشي نقيبًا للصحفيين، فيسبوك
نقيب الصحفيين خالد البلشي خلال حملته الانتخابية للفوز بفترة ثانية، 26 أبريل 2025

رسائل إعادة انتخاب البلشي نقيبًا للصحفيين

منشور الثلاثاء 13 مايو 2025

في المرة الأولى التي خاض فيها خالد البلشي انتخابات نقابة الصحفيين على منصب النقيب قبل عامين واجه تحديًا شديدَ الصعوبة. إذ ساد تشكك واسع في أن الأجهزة الحكومية المعنية ستسمح بفوز صحفي معروف أنه معارض وله خلفية يسارية في أوساط الصحفيين ومن بينهم أنصار ما يسمى بـتيار الاستقلال. فضلًا عن التحذير من أن انتخاب البلشي سيدفع النقابة نحو الصدام مع السلطة وحرمان الصحفيين من منح حكومية على رأسها بدل التكنولوجيا والتدريب.

وجاء فوز البلشي في مارس/آذار 2023 بفارق ضئيل للغاية عن منافسه خالد ميري، رئيس التحرير السابق لصحيفة الأخبار القومية، ليؤكد مدى سخونة المعركة ويبعث رسالة عدم رضا قطاع كبير من الصحفيين عن الأوضاع التي وصلت لها المهنة وصعوبة ممارستها من الأساس، خاصة مع انضمام أجيال جديدة من الصحفيين العاملين في صحف خاصة أو تمتلكها الشركة المتحدة إلى عضوية النقابة.

أما في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في مقر النقابة، المعروف بسلمه الشهير في شارع عبد الخالق ثروت، فقد حقق خالد البلشي فوزًا مريحًا، متقدمًا على منافسه عبد المحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة الأهرام والنقيب الأسبق، بفارق كبير نسبيًا بلغ نحو 800 صوت.

تحت الاختبار

لم تكن المعركة سهلة وتطلبت من البلشي وفريقه من المتطوعين مجهودًا جبارًا مقارنة بما لديه من إمكانات محدودة لا تقترب مما أنفقه المرشح المنافس، يحيط بها التخوف من أن الأجهزة الحكومية المعنية لن تسمح بخسارة المنافسة على ذلك المنصب مرتين متتاليتين وأنها ستحشد بكافة الطرق الممكنة لضمان نجاح المرشح الأقرب لها.

غير أن نجاح تجربة البلشي ساعدت في اكتساب دعم أكبر من أعضاء النقابة، وذلك بإعادتها الحياة إلى المبنى الذي ظل سنوات يعاني الجمود تحت شعار مغلق للإصلاح والتجديد، وبعد أن تحولت النقابة إلى جثة هامدة يرأسها من يعمل في نفس الوقت متحدثًا باسم النظام.

دافع نقيب الصحفيين عن الحق في استعادة تنظيم الوقفات السلمية على سلالم النقابة

عمل البلشي منذ نجاحه على السير في مسارين متوازيين، الأول الاهتمام بأوضاع الصحفيين ومطالبهم في تحسين أوضاعهم المعيشية المتدهورة والبحث عن خدمات مميزة يقدمها لهم، والثاني التذكير دائمًا بأن نقابة الصحفيين هي قلعة للدفاع عن الحريات بحكم أن المهنة ترتبط بشكل لا ينفصم عن مطلب حرية الرأي والتعبير والحق في تداول المعلومات. فلا صحافة دون ضمان حرية الصحافة والصحفيين وإبعاد شبح الملاحقة والسجن عنهم لقيامهم بعملهم.

لم يكن قد مضى سوى شهرين من توليه منصب النقيب، حين بدأت الأجهزة الحكومية المعنية في اختباره، لقياس مدى حكمته وقدرته على تحقيق التوازن بين مواقفه وآرائه الشخصية التي سبق وكلفته ملاحقة أمنية وحجب المواقع الصحفية التي كان يرأس تحريرها، وبين موقعه الجديد نقيبًا لكل الصحفيين على اختلاف توجهاتهم. عليه أن يحقق مصالح من يضعون الدفاع عن الحريات والمهنة أولوية وأولئك ممن يرغبون في الحصول على المكاسب الخدمية والمادية في ظل الظروف المعيشية الصعبة، خاصة في الصحف القومية التي فقدت مكانتها التي تمتعت بها وقت تسيدها للمشهد الصحفي. 

وبالتالي عندما دُعي خالد البلشي للمشاركة في الجلسات الافتتاحية للحوار الوطني عند انطلاقه في مايو/أيار 2023، وافق على الفور. لكن عندما عرف قبل دخول القاعة في جلسة الافتتاح بإلقاء القبض مرة أخرى على صحفي أُخلي سبيله بعد فترة طويلة من الحبس الاحتياطي، أصر على عدم المشاركة إلا بشرط الحصول على وعد قاطع بالإفراج عن الزميل الصحفي، وهو ما تم بالفعل.

تحرير سلم النقابة

وقفة تضامنية على سلالم نقابة الصحفيين لدعم غزة ورفض العدوان الإسرائيلي، 8 أبريل 2025

كما دافع نقيب الصحفيين عن الحق في استعادة تنظيم الوقفات السلمية على سلالم النقابة، وهو الحق الذي جُمّد بالكامل نهاية عام 2017، حين أعلنت الأجهزة الأمنية إغلاق هذا المجال بالضبة والمفتاح. لكن في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على أشقائنا في غزة منذ أكتوبر 2023، واستهداف الصحفيين بشكل خاص في هذه الحرب، أصبح من الصعب تقييد تحركهم ومنعهم من العودة إلى سلم نقابتهم لإيصال رسائل التضامن ورفض الجرائم الإسرائيلية. ورغم أن هذا الحراك لم يلق ترحيبًا من الأجهزة الأمنية، خاصة مع تحوّل السلم إلى نقطة تجمع للمتضامنين مع الشعب الفلسطيني، فإن مرونة النقيب خالد البلشي وحرصه على الحفاظ على قنوات التواصل المفتوحة مع الجهات المعنية أتاحا مساحة لتنظيم تلك الوقفات، أو التفاهم على تأجيلها حين كان الظرف يتطلب ذلك.

وخلال المناقشات التي دارت حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية في البرلمان، كان البلشي في مقدمة رؤساء النقابات الذين تصدوا للتعامل مع بعض مواده التي تحجر على حرية الصحفيين في النشر والحصول على المعلومات وتوسع من احتمالات الحبس في قضايا النشر، في خطوة لاستعادة دور النقابة الذي طالما اضطلعت به حتى في ولايات نقباء معروفين بارتباطهم بالنظام. ونجحت جهود النقابة في تعديل بعض المواد استجابة لمطالب نقيب الصحفيين.

عبَّر البلشي خلال فترة ولايته الأولى، وكذلك خلال جولاته من أجل الانتخابات الأخيرة عن اقتناعه بأن النقيب يكتسب قوته ليس فقط عبر الاتصالات المفتوحة مع الأجهزة الحكومية المعنية، ولكن مما يحصل عليه من دعم الجمعية العمومية للصحفيين. كما أن النتيجة المريحة التي حققها البلشي في الانتخابات ونجاحه في توسيع قاعدة الداعمين له سيزيدان من قدرته على التفاوض من أجل تنفيذ ما ورد في برنامجه من وعود.

الملف الشائك

في المقابل، لم يتعلم الأستاذ والنقيب السابق عبد المحسن سلامة من تجربة انتخابات 2023، فاتبع أساليب تقليدية في الترويج لبرنامجه المعتمد في الأساس على الخدمات والوعود التي بدت شديدة السخاء؛ زيادات متكررة وغير مسبوقة في البدل الشهري الذي يتلقاه ما يزيد عن عشرة آلاف عضو في النقابة، وشقق سكنية وأراض زراعية، وهو ما أغرى قطاعًا كبيرًا من الصحفيين ودفعهم لمنحه أصواتهم، إلى جانب أصوات قطاع المحافظين من ممارسي المهنة المفضلين تجنب الصدام مع الأجهزة الحكومية، خاصة لو كان النقيب محسوبًا على المعارضة اليسارية.

خسارة سلامة مؤشر على تراجع نفوذ المؤسسات الصحفية القومية في انتخابات النقابة

رغم ما يحمله البرنامج الانتخابي من وعود خدمية، فإنه فشل في قراءة الواقع الصحفي الحالي وما طرأ عليه من تغيرات، ولم يكشف عن تراجع ثقة غالبية الصحفيين في مصداقية الوعود الانتخابية السخية. كما يقرأ البعض خسارة سلامة كمؤشر على تراجع نفوذ المؤسسات الصحفية القومية في انتخابات النقابة، خاصة مع وقف التعيينات الجديدة فيها منذ ما يزيد عن عشر سنوات. لكن هذه الفرضية تغفل أن صحفيي المؤسسات القومية قد يكونون الأكثر تضررًا من واقع المهنة الحالي وأثره على توزيع المطبوعات في زمن الإنترنت والسوشيال ميديا، وهو ما دفع أعدادًا منهم إلى منح أصواتهم للبلشي أسوة بالأجيال الشابة من الصحفيين العاملين في الصحف الخاصة.

أما على المستوى الشخصي، فأتمنى أن يفتح البلشي خلال ولايته الثانية الملف الشائك المتعلق بانضمام الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية للنقابة، خاصة في ظل التحذيرات التي تلقاها النقيب قبل خوض الانتخابات. إذ يرتبط هذا التوسع في عضوية النقابة بمخاوف من إلغاء اللعنة المسماة بـالبدل الشهري، وهو الدعم المالي الذي تقدمه وزارة المالية للصحفيين، والذي بات يشكل مصدر دخل وحيدًا للعديد من الصحفيين الشباب الذين يعملون في صحف هامشية  لا يعلم بها أحد وربما تصدر أحيانًا مرة في الشهر من أجل الاحتفاظ بالترخيص.

فمن غير المعقول أو المقبول اتباع السياسة ذاتها التي تقصر الصحافة على المطبوع منها فقط، التي لم يعد يقرأها أحد. الصحافة مهنة جمع المعلومات ونشرها، ولا يمكن بكل تأكيد القول إن من ينتجون بعضًا من أفضل أنواع الكتابة والتحقيقات الصحفية في المواقع الإخبارية والاستقصائية ليسوا صحفيين ولا يستحقون عضوية النقابة. هو عش دبابير بكل تأكيد لمن يشغل منصب نقيب الصحفيين، لكني أثق أن البلشي بما يملكه من دعم الآن من الجمعية العمومية قادر على التوصل إلى حل مناسب يوفي الصحفيات والصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية حقهم ويوفر لهم ما يحتاجونه من حماية.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.