قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية لضمان التقاضي على درجة ثانية في أحكام الجنايات؛ وافق مجلس النواب، أمس، نهائيًا على تعديلات جزئية على قانون الإجراءات الجنائية تكفل الاستئناف في أحكام الجنايات.
فالمادة 240 من الدستور منحت مهلة عشر سنوات فقط يبدأ بعدها التقاضي في درجات الجنايات على درجتين. ونصت على أن "تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال 10 سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك".
قدمت الحكومة مشروع القانون قبل أيام من 17 يناير/كانون الثاني، وهو موعد انتهاء المدة الدستورية، الذي يتضمن تعديلات تضمن حق المتهم والنيابة في استئناف أحكام الجنايات. وتخللت مرحلة خروج المشروع من المجلس مجموعة من المشاهدات والكواليس، كاشفة خللًا في أداء الحكومة التي انتظرت حتى الساعات الأخيرة، وكذلك تغيرًا في تعامل المجلس ورئيسه مع وزير العدل، المسؤول عن مشروع القانون.
اجتماع عاجل
على غير العادة، ودون توجيه دعوة لمحرري البرلمان المعتمدين لدى مجلس النواب، عقدت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، السبت 13 يناير/كانون الثاني، اجتماعًا لمناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة.
لم تعتد لجان البرلمان عقد اجتماعات أيام السبت، وكان هذا من الاجتماعات القليلة التي لم يُبلغ بها الصحفيون على مدار الفصل التشريعي الحالي للمجلس، وكأن وصول مشروع القانون للجنة كان مفاجأة أربكت الاستعدادات المعتادة.
شهد الاجتماع خلافًا على النص المقدم من الحكومة بشأن تطبيق القانون على المحاكم الاقتصادية وقانون الطفل، فضلًا عن تأجيل التطبيق عشرة أشهر مع بداية العام القضائي الجديد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يعني تعطيل تطبيق النص الدستوري، وتهديد منظومة محاكم الجنايات وأحكامها.
اضطرت الحكومة لاحقًا في الجلسة العامة للاستجابة لمطالب النواب وتعديل النص، ليبدأ التطبيق في اليوم التالي لنشر القانون بالجريدة الرسمية.
كما شهد الاجتماع خلافًا بشأن السماح للمحكمة بندب محامٍ في غيبة المتهم والفصل في الاستئناف، وطالب عدد من النواب المشاركين في الاجتماع بمنح مهلة للفصل في القضية لحين حضوره أو حضور وكيله. لكن اللجنة والمجلس انتهيا إلى المادة "419 مكرر/9" التي نصت على أنه "لا يترتب على استئناف الحكم الصادر من محكمة جنايات أول درجة وقف تنفيذ الحكم، إلا إذا رأت محكمة الجنايات المستأنفة وقف التنفيذ، أو كان الحكم صادرًا بالإعدام. وإذا تخلف المحكوم عليه أو وكيله بغير عذر عن الحضور في الجلسة المحددة لنظر استئنافه أو في أي جلسة تالية تندب له المحكمة محاميًا للدفاع عنه وتفصل في الاستئناف".
بيان غير عادي
بعد انتهاء اجتماع اللجنة، السبت، تلقى الصحفيون بيانًا غير معتاد من المركز الإعلامي للمجلس، يتناول تفاصيل ما جرى في اجتماع اللجنة.
حمل البيان عنوان "رد غير واضح من ممثل وزارة العدل يتسبب في إحراج الحكومة باجتماع تشريعية النواب"، وأشار إلى الجدل الذي شهده اجتماع اللجنة بين النواب وممثلي الحكومة.
وتضمن البيان، الذي نقلته بعض الصحف والمواقع الإخبارية، أن ممثل وزارة العدل، المستشار ضياء عابد، "فاجأ اللجنة بأن مشروع القانون يحتاج إلى دراسة أكبر ويحتاج إلى مراجعة الأعمال التحضيرية للجنة الخمسين التي أعدت الدستور، للوقوف على طبيعة المدة الزمنية الموجودة في المادة 240 من الدستور، وما إذا كان تطبيقها ملزمًا بعد مدة 10 سنوات من تاريخ إقرار الدستور من عدمه".
ووفق البيان؛ تمسك المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب، محمد عبد العليم كفافي، بالنص الدستوري، وأكد ضرورة الالتزام به أيًا كانت وجهة النظر حول مدة العشر سنوات، وطالب الحكومة بمراجعة النص الوارد منها بشأن تطبيق القانون في أكتوبر وليس في اليوم التالي للنشر بالجريدة الرسمية، وعقب ممثل وزارة العدل "لو المجلس عايز يضع الحكومة أمام الأمر الواقع فإن الحكومة مستعدة لذلك".
كشف البيان خيبة الحكومة المتأخرة دائمًا في تقديم مشروعات القوانين، التي يبدو أن نهاية المهلة الدستورية كانت بمثابة مفاجأة بالنسبة لها، فحاولت البحث عن طريقة تؤخر خطواتها، والبحث في أعمال لجنة الخمسين عن ثغرات تعطل تطبيق القانون بعض الوقت.
الحكومة المتأخرة تتراجع
خلال طرح مشروع القانون للمناقشة في الجلسة العامة يوم الاثنين، تراجعت الحكومة عن تمسكها بتطبيق القانون في أكتوبر، أمام مطالب عدد كبير من نواب المعارضة وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وبعض المستقلين.
فيما واجهت الحكومة انتقادات من النواب بشأن التأخر في تقديم مشروع القانون قبل ساعات من انتهاء المدة الدستورية، وتساءل النائب مصطفى بكري "ليه نعمل القانون في 48 ساعة؟ ليه دايمًا متأخر؟"، بينما قال النائب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريدي البياضي، "الحكومة جاية تقدم القانون قبل انتهاء مهلة العشر سنوات بيوم واحد"، وذكر الحكومة بوجود استحقاقات دستورية أخرى واجبة مثل قانون الإدارة المحلية، وإنشاء مفوضية مكافحة جميع أشكال التمييز.
وبعد انتهاء كلمات النواب وتحذيراتهم من تعطيل تطبيق القانون، خلال المناقشات من حيث المبدأ، أعلن وزير شؤون المجالس النيابية، المستشار علاء فؤاد قبول الحكومة بتطبيق الاستئناف في قضايا الجنايات في اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية.
تعديل مرفوض
تخلل الجلسة العامة تقديم بعض النواب تعديلات على مشروع القانون لم يوافق عليها المجلس، وكان من بينها تعديل قدمه النائب فريدي البياضي.
خلال مناقشة المادة 380 المنظمة لحق المحكمة في الحبس الاحتياطي، لفت البياضي إلى أزمة الحبس الاحتياطي في مصر والتوافق في الحوار الوطني، وبين القوى السياسية، على تعديل نص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، المنظمة للحبس الاحتياطي.
وطرح البياضي تعديلًا على المادة التي اعتبرها تنسف تقييد مدة الحبس الاحتياطي في أحكام المؤبد والإعدام، التي تصل لسنتين، وطالب بوضع نص يمنع تجاوز الحد الأقصى للحبس الاحتياطي أثناء تداول القضية في الاستئناف، لكن المجلس خلال التصويت رفض الاقتراح المقدم، وأبقى على النص كما هو وارد من الحكومة.
أزمة الإعدام
المادة 381 من مشروع القانون كانت محل جدل في الجلسة العامة، الثلاثاء، قبيل الموافقة النهائية على مشروع القانون، إذ طلبت الحكومة إعادة مناقشاتها، وهي الخاصة باستطلاع رأي المفتي في أحكام الإعدام في قضايا الاستئناف.
يتضح من مداخلة جبالي أنه ذاكر الملف جيدًا للرد على وزير العدل
حاولت الحكومة تعديل نص المادة ليكتفي باستطلاع رأي المفتي في حكم الدرجة الأولى فقط، واعتبرت الحكومة ألا داعي لاستطلاع رأي المفتي في الجريمة ذاتها في مرحلة الاستئناف.
لكن المجلس رفض تعديل الحكومة بعد رد قانوني شارح ومطول من جانب رئيس المجلس، المستشار حنفي جبالي، وأبقى على النص الذي يضمن استطلاع رأي المفتي في عقوبة الإعدام في محكمة جنايات أول درجة ومحكمة الاستئناف، وائدًا محاولة الحكومة النص على أخذ رأيه في الاستئناف في حالة طعن النيابة فقط لتشديد العقوبة.
يبدو أن جبالي تحضَّر جيدًا قبل الجلسة للرد على طلب الحكومة، فقبل طرح التعديل للتصويت، سمح لنفسه بالتدخل بالتعليق ولم يكتف بفتح المجال للنقاش وإدارة الجلسة فقط.
قال جبالي "التعديل المقترح يتعلق بمصلحة الدولة المصرية العليا في المقام الأول، وهو ما حدا بي للتدخل، نتحدث عن عقوبة الإعدام وهي ليست بالأمر الهين لا سيما على المجال الدولي"، معتبرًا أن "أخذ رأي المفتي مرتين قد ينظر إليه على أنه ضمانة للمتهم".
وتوقع رئيس مجلس النواب أن الأخذ بالمقترح قد يكون له مردود سلبي على المستوى الدولي، ووجه اللوم لوزارة العدل "المفترض أن وزارة العدل تكون الأحرص في ذلك".
يمثل وزير العدل مصر في جلسات المجلس الدولي لحقوق الإنسان، خلال المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر، وهو منوط بالرد على الانتقادات التي توجه للسلطة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، التي كان من بينها تعليقات على التوسع في تطبيق عقوبة الإعدام.
جبالي يذاكر قبل أن يتكلم
مرة أخرى، اتضح التحضير الجيد لجبالي عندما استرجع حكمًا لمحكمة النقض صادرًا في 2006، وصفه بــ"الرائع في تفصيلاته ومبرراته".
وأوضح أن الحكم انتهى إلى وجوب استطلاع رأي المفتي مرتين قبل الحكم بالإعدام، باعتباره شرطًا لازمًا لصحة الحكم أوجبه القانون، مؤكدًا أنه لا يغني عن ذلك أخذ رأيه في المحاكمة الأولى، لكون نقض الحكم يعيد الدعوى لمحكمة الإعادة بحالتها.
وذكر أن حكم النقض نص على أنه "إذا رأت محكمة الإعادة أن تقضي بالإعدام وجب عليها إرسال أوراق القضية لمفتي الجمهورية لتطمئن أن حكمها يوافق أحكام الشريعة الإسلامية واعتبارها هيئة حكم جديدة".
الحكومة تناقض نفسها
كشف جبالي في كلمته عن جانب آخر، بمراجعة مضابط اللجنة الفرعية المشكلة لصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وهي اللجنة التي شكلها مجلس النواب لإعداد مشروع متكامل للقانون، وتضم في عضويتها نوابًا وممثلين عن الحكومة والمجلس القومي لحقوق الإنسان ونقابة المحامين.
وقال جبالي إنه بمراجعة المضابط تبين أن الاقتراح المقدم من الحكومة سبق أن أثاره أحد أعضاء اللجنة، ورفضته الحكومة ممثلة في وزارتي العدل وشؤون المجالس النيابية، ما اعتبره رئيس المجلس "مفاجأة".
بعد انتهاء رئيس المجلس من كلمته التي نالت استحسان عدد كبير من النواب وحظي خلالها بالتصفيق، طرح اقتراح الحكومة للتصويت، فرفضه الأعضاء.
توبيخ الوزير
بعد التصويت بالرفض حاول وزير العدل المستشار عمر مروان التعقيب، فرفض رئيس المجلس وطالبه بالالتزام بالنظام، ثم قرر جبالي منحه الفرصة للرد بعد التصويت النهائي.
حاول الوزير تقديم مبررات لتغيير موقف الحكومة ما بين اجتماع اللجنة الفرعية والجلسة العامة، مشيرًا إلى أن القانون من العلوم الإنسانية التي تختلف عن العلوم الطبيعية، وتحتمل الخلاف في الرأي. وبشأن ملف حقوق الإنسان في الخارج، قال "لم يكن من الاعتبارات الدولية رأي المفتي، وهوّ في الخارج يعرفوا مفتي؟".
وقاطعه جبالي رافضًا "هل قرأت الدستور؟ حين يصوت النواب نهائيًا لا تقول خلافًا في الرأي"، وصفق الأعضاء لجبالي.
كواليس اجتماع اللجنة التشريعية والجلسة العامة كشفت عن وجود غضب ورفض لأداء وزارة العدل، خاصة أن جبالي سبق ولفت في بداية دور الانعقاد في أكتوبر الماضي إلى وجود مشكلات في مشروعات القوانين التي ترد من الحكومة.
اختلفت تفسيرات النواب بشأن هذا الأداء المستجد على رئيس المجلس. المعلومات حتى الآن شحيحة. لكن الشواهد كاشفة عن تغيير واضح في أداء جبالي مع وزير العدل. وسنرى ما إذا كان مجرد رفض موضوعي لأداء الحكومة، أم مقدمة لتغيير الوزير مع التعديل الوزاري المرتقب.