قبل عدة أسابيع، كان متوقعًا أن تمر انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في هدوء، مع دعم المؤسسات الرسمية لرئيس تحرير جريدة الأخبار خالد ميري، وتراجع قيادات "تيار الاستقلال" عن التقدم بمرشح منافس بحجة أن المناخ غير مناسب، ولجوئهم إلى أسموه بـ"الخيار زيرو"، حتّى دخل وكيل النقابة الأسبق خالد البلشي على الخط معلنًا ترشحه على منصب النقيب.
ومع الإعلان، تجدد أمل تيار الاستقلال داخل النقابة في لمّ شتاته، وخوض معركة استراد النقابة التي أغلقت أبوابها أمام أعضائها على مدار سنوات، فاجتمع مرشحو التيار على مقاعد العضوية مع البلشي في حملة انتخابية تبنت خطابًا ركز على وحدة الصحفيين، وضمان الحد الأدنى من الاستقلالية والحماية النقابية لهم.
وعلى الرغم من الأجواء التنافسية غير المتكافئة، تمكن التيار من اقتناص مقعد النقيب والحصول على أربعة مقاعد جديدة في مجلس النقابة ضمنت له الأغلبية، وذلك في ظل محاولات حشد استُخدِمت فيها سبل عدة خلال فترة الدعاية الانتخابية وحتى يوم الاقتراع.
الحديث عن يوم الانتخابات ومشاهداته لا يمكن نزعه عن سياق ما جرى في الأسابيع السابقة في المؤسسات الصحفية وصالات التحرير، مع تصاعد الغضب من التضييق المستمر على المهنة، وعدم تعبير أغلبية المجلس ومن بينهم "ميري" عن الصحفيين، وتجاهل مطالبهم وأوجاعهم الحقيقية.
انتهت الانتخابات بإعلان فوز البلشي على مقعد النقيب ومرشحي تيار الاستقلال محمود كامل وهشام يونس ومحمد الجارحي وجمال عبد الرحيم، ومعهم عبد الرؤوف خليفة ومحمد يحيى. ولكنَّ الساعات التي سبقت إعلان النتيجة، تخللتها كواليس ومشاهدات كان لا بد من التوقف أمامها.
كيف أدار رشوان النقابة؟
مع اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، بدأ اجتماعها في القاعة الكبرى لمناقشة جدول الأعمال، برئاسة النقيب السابق ضياء رشوان، ومن بينها "الميزانية وتقرير النشاط النقابي" والطلبات المقدمة من الأعضاء.
كشف الاجتماع عن الأسلوب الذي يتبعه رشوان، الذي اعتبره صحفيون كُثُر على مدار السنوات الأربعة الماضية "مرشح الضرورة" المناسب لمقعد النقيب القادر على التفاوض مع السلطة وعدم معاداتها. حاول "التسويف" تارة وإجهاد أعضاء الجمعية تارة أخرى لتمرير الميزانية، بقدرته على إدارة اجتماعات تمتد لـ 12 ساعة يستهلك خلالها طاقة الحاضرين، إلا أن الجمعية العمومية ردت عليه بالرفض.
حاول عدد من الصحفيين الحصول على الكلمة، فرفض رشوان مستندًا على قانون النقابة واللائحة، وأمام إصرار البعض على الحديث، قال "تحت أمركم أعطي الكلمة لكل من يريد واللي عايز يقول كلمة يقول ماعنديش مانع خالص، ورغم أنه مخالف للايحة حابين في اقتراح لفتح باب الكلام إلى أن تنتهي كل الآراء وندخل بعدها على البند سادسًا [من جدول الأعمال وهو] الانتخابات"، لاجئًا إلى الضغط على الصحفيين الراغبين في سرعة فتح باب الاقتراع، مع تذكيرهم بأن القضاة الذين سيشرفون على الانتخابات يريدون المغادرة.
مع الظهيرة وزع عدد من أنصار المرشحين، خاصة خالد ميري وجبات من مطعم أبو شقرة
استهلك رشوان نحو ساعة من زمن الجمعية العمومية في إدارة الخلاف الذي نشأ لعدم إرسال تقرير النشاط النقابي إلى الأعضاء. وأمام مطالبة الصحفيين بإرساله والإطلاع عليه قال "القانون يقول عرض ولا يقول إرسال"، وعرض قراءة 18 صفحة من التقرير وقال "أنا كاتب التقرير العام في 18 صفحة إدوني فرصة بقى"، وفي الوقت نفسه، أشار عدة مرات إلى ضغط القضاة المشرفين على الانتخابات لبدء التصويت. ليعود لاستطلاع الرأي "أقرأ 18 صفحة والا كل واحد يدخل على موقع النقابة يقرأ أسهل؟". ليتساءل صحفي "المرة اللي فاتت تم رفض الميزانية وإزاي نوافق على حاجة ما شفنهاش؟".
أزمة الميزانية
وانتقل رشوان دون عرض التقرير للبند الثاني في جدول الأعمال الخاص بالميزانية، وطالب أمينَ الصندوق حسين الزناتي بعرض الميزانية، ليهتف الصحفيون "ارفض ارفض" مطالبين الجمعية العمومية برفض الميزانية.
كان ثلاثة من أعضاء المجلس السابق، هم هشام يونس ومحمود كامل ومحمد سعد عبد الحفيظ، اعترضوا على عدم منح أعضاء المجلس فرصة كافية للاطلاع على الميزانية ودراستها قبل إقرارها.
وأمام توافد شباب الصحفيين على المنصة ومحاولة الضغط لعدم تمرير الميزانية التي لم تصل للصحفيين، وجه رشوان حديثه ممازحًا أحد الصحفيين ضاحكًا "حتى أنت يا عماد، فلما شبَّ معرفش عمل إيه، مش أنا يا عماد"، واستكمل "بعضكم أو معظمكم مش عايز أقول كلكم بيقول الميزانية ما وصلتش هذا قد يكون جزء منه صحيح".
وبعد إهدار مزيد من الوقت تدخل عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبد الحفيظ، باقتراح لإنهاء الأزمة "يؤخذ في الاعتبار عدم وصول الميزانية وأنا معكم تمامًا، أقترح نرفض الميزانية وأرفضها معكم وتحال بملاحظاتنا إلى المجلس الجديد على أن تعرض على الجمعية العمومية المقبلة"، وهو الاقتراح الذي وافقت عليه الجمعية العمومية.
ماذا جرى خارج اللجان؟
في مشهد معتاد في انتخابات نقابة الصحفيين، انتقل عدد من الصحفيين إلى النقابة في أوتوبيسات موجهة من مقرات العمل إلى مقر النقابة من عدد من المؤسسات المحسوبة على الدولة. ومع الظهيرة وزع أنصار ميري وجبات من مطعم أبو شقرة، التي وفرتها مؤسسة الأخبار، حسبما أفاد عدد من الصحفيين العاملين بالمؤسسة، خلال وجودهم يوم أمس بمقر النقابة. بخلاف الأدوات المكتبية والميداليات التي تحمل صورة ميري. بينما وزع المرشح على مقعد العضوية محمد يحيى سماعات و"ماجات حرارية".
بعدها اكتسحت صورة التصويت للبلشي بقلم دعاية يحمل اسم ميري مجموعات الصحفيين على واتس اب وفيسبوك.
ويبدو أن هذه الأمور وما سبقها من ضغوط جاءت بنتائج عكسية على اختيارات الصحفيين، الذين تخلوا عن دعم "مرشح الدولة"، وانتخبوا نقيب الصحفيين الذي يرأس تحرير موقع "درب" المحجوب، ليس بالضرورة إيمانًا به وإنما كراهية في المنظومة التي تدير المشهد في النقابة خلال السنوات الأربعة الأخيرة.
لماذا تأخر إعلان النتائج؟
مرت عملية التصويت دون مشكلات تذكر بخلاف بعض الزحام في عدد من اللجان، وانتهى في الثامنة مساء، وانتقلت الصناديق تحت عيون وأيدي المندوبين لقاعة الدور الرابع في النقابة، وبدأت متأخرة عن موعدها أمام إصرار رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات على حضور المندوبين والصحفيين الحاصلين على تصريح التغطية فقط.
مؤشرات غالبية اللجان كانت تشير لتقدم خالد البلشي. وعقب انتهاء فرز جميع الصناديق، وخلال انتظار الإعلان الرسمي من جانب اللجنة المشرفة، احتفلت حملة البلشي بانتخابه في القاعة وصعد البلشي للاحتفال مع أنصاره والمندوبين، ثم خرج وبدأت بعدها فترة من الريبة امتدت لأكثر ساعة، لم تُعلن خلالها النتيجة.
تمسك المندوبون بالبقاء بجوار الصناديق، مع انتشار أنباء عن وجود محاولات لإعلان النتيجة إعادة بين البلشي وميري، بحجة عدم حصول الأول على نسبة 50%+1 من جملة الأصوات الصحيحة، كما ينص قانون النقابة.
مشادات واتصالات وتدخلات من جانب المرشحين هشام يونس ومحمود كامل، وعضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ وآخرين، وتدخل محامو البلشي ناصر أمين ومالك عدلي وعبد الستار البلشي لدى رئيس اللجنة القضائية وضياء رشوان الذي قال "انتخابات الصحفيين لا يديرها إلا الصحفيون"، وأصر المحامون على أن تدخلهم قانوني لصالح موكلهم الرسمي.
المحامي مالك عدلي روى للمنصة كواليس ما حدث وكان حاضرًا فيه "اللي كنا حريصين من أول يوم متابعة أعداد المصوتين ولدينا مندوب في 22 لجنة يتابع، كنا حريصين أن المناديب لا يتركوا الصناديق والنتائج نجمعها أول بأول".
يوضح عدلي "على حسبتنا حصل البلشي على 2476، لكن فوجئنا بتسريب رقم من مصدر مجهول بحصوله على 2443 صوت معناه أنه اقل بصوت واحد من النسبة المطلوبة".
بدأت بعدها حملة البلشي رحلة البحث "بدأنا بحث الأمر مع ضياء ورئيس اللجنة لأن أرقامنا مختلفة، تداولنا نعمل إعادة فرز أو محاضر اللجان، حسبنا تاني في الحملة وأكدنا من مصدرين مختلفين في كل لجنة على الأرقام".
لكن استمر الرقم "المضروب"، وقف البلشي في القاعة بين أنصاره وقال "كل مرة بيعملوا معايا كده" في إشارة إلى الانتخابات السابقة في 2021 التي خسر فيها عضوية المجلس بفارق 13 صوتًا.
مع تصاعد القلق تمسك المندوبين والحملة بمحاضرهم ونتائج الفرز، إلى أن انتهت الأزمة بإعلان النتيجة الرسمية التي تؤكد فوز البلشي بـ 2450 صوتًا.
احتفل أنصار البلشي مرة أخرى بالنتيجة الرسمية بالزغاريد والرقص والهتاف لكفاح ووحدة الصحفيين والدعوة لإطلاق سراح المحبوسين، واستكملت حملة تيار الاستقلال عملها في فرز نتائج العضوية على المقاعد الستة، ليحتفل الصحفيون في الساعات الأولى من الصباح بانتزاع مقاعد العضوية لصالح أربعة من ممثلي التيار.