مع بدء تلقي اللجنة المشرفة على تقديم أوراق طلبات الترشح لانتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، أول من أمس السبت، حُسم، تقريبًا، الجدل الذي دار في الأوساط الصحفية بشأن هوية المرشحين الأبرز سواء على مقعد النقيب، إذ تنتهي الولاية الثانية والأخيرة للنقيب الحالي ضياء رشوان، أو مقاعد عضوية المجلس.
قبيل فتح باب خوض الانتخابات، شاعتْ في أوساط الجمعية العمومية لنقابة الرأي أسماء عدّة يمكن أن تنافس على مقعد النقيب، خاصة تلك التي تحظى بتأييد من الحكومة، وكان أبرزها النقيب السابق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام عبد المحسن سلامة، الذي أكد مصدران نقابيان، أحدهما قريب منه، عن تلقيه "تطمينات" سابقة من بعض الجهات الرسمية، خاصة وأنه سبق أن تولى منصب النقيب، كذلك "يمتاز بمعرفة إدارة الأمور دون الدخول في صدامات".
لكن يبدو أن التطمينات لم تكن كافية، فبإعلان وكيل النقابة ورئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية خالد ميري عن تقدمه بأوراق ترشحه لمقعد نقيب الصحفيين، نسفت التطمينات التي حصل عليها سلامة، مما اعتبره المصدران "نصرًا لميري على حساب خصم قوي يحظى أيضًا بتأييد حكومي".
وتقدم ميري بأوراق ترشحه عصر أمس في الانتخابات المقرر انعقادها في الثالث من مارس/ آذار المقبل، حال اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية، أو إرجائها أسبوعين حال عدم الاكتمال. المنصة تواصلت السبت مع ميري فور علمها بنيته للترشح، فطلب تأجيل الحديث للأحد فور التقدم بأوراق ترشحه، وعندما عاودت المنصة الاتصال به لم تتلقَّ ردًا.
وتعقد انتخابات التجديد النصفي كل عامين، وتحل هذه السنة موعد الانتخابات على مقعد النقيب ونصف أعضاء مجلس النقابة الذي يضم 12 عضوًا. وكثيرًا ما لعبت "الصحفيين" دورًا مهمًا في المجال العام وكانت ساحة لتنظيم الاعتراضات والتظاهرات الخاصة والعامة، قبل أن يتراجع ذلك الدور مع قانون تجريم التظاهر في العام 2014.
ويتألف المجلس الحالي من 12 عضوًا بجانب النقيب، 6 منهم مستمرون لعامين مقبلين هم: أيمن عبد المجيد، وحسين الزناتي، وإبراهيم أبو كيلة، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمد خراجة، ودعاء النجار، فيما تنتهي ولاية الستة الآخرين وهم خالد ميري ومحمد شبانة ومحمد يحيى يوسف وحماد الرمحي ومحمود كامل وهشام يونس، الذين أعلنوا جميعًا نيتهم خوض الانتخابات باستثناء كامل الذي قد يتقدم بعد غد الأربعاء.
احتجاج صامت
أحد المصدرين اللذين تحدثا للمنصة، وهو عضو سابق بمجلس النقابة، أكد أن التعامل مع سلامة "أسهل نسبيًا من التعامل مع النقيب الحالي ضياء رشوان، رغم أن يبان أنه الأقرب للجماعة الصحفية من كونه نقيب السلطة، لكن غالبًا ما ينجح في تمييع الأمور"، على حد قول المصدر.
الأمر ذاته يشدد عليه المصدر الثاني وهو عضو بالمجلس الحالي، متوقعًا "مجلسًا أكثر تدجينًا حال فوز ميري بمنصب النقيب"، إذ أنه "هو اللي كان بيقود المجموعة المؤيدة للنظام داخل المجلس تجاه أي صوت معارض، ويعاونه في ذلك عضو المجلس محمد شبانة واللي قرر يخوض الانتخابات هذه المرة".
في مواجهة ميري، بيّن مصدر ثالث، وهو عضو سابق بمجلس النقابة، أن التيار غير المحسوب على الحكومة، أو ما يُعرف بتيار المعارضة، لم يستقر حتى الآن على دعم مرشح ينافس رئيس تحرير الأخبار على منصب النقيب، والأميل داخل التيار اللجوء إلى ما أسموه بـ"الخيار زيرو"، أي عدم المنافسة على مقعد النقيب كـ"فعل احتجاجي ضد ما آلت إليه المهنة والنقابة معًا".
وكشف المصدر نفسه أن مشاورات جرت داخل تيار المعارضة، وناقشت أسماءً عدّة للترشح، لكن جميعها اعتذر عن عدم خوض الانتخابات، أبرزها نقيب الصحفيين الأسبق يحيى قلاش، فيما تجري مشاورات حتى ساعات متأخرة من مساء أمس الأحد، لإقناع الصحفي والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي، بخوض الانتخابات، غير أن الأخير لم يُبدِ حماسًا واعتذر عن خوض السباق وفق حديث المصدر.
وتأتي الانتخابات المقبلة في ظل سيطرة السلطات الرسمية على النقابة من خلال النقيب ضياء رشوان، الذي يتولى مناصب حكومية منها رئيس هيئة الاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، وغالبية داخل المجلس تُعرف بتأييدها للنظام السياسي.
إدارة النقابة من خارجها
يبلور الصحفي محمد الجارحي، الذي تقدم بأوراق ترشحه لعضوية المجلس، أسباب تدهور العمل النقابي في عبارة "إدارة النقابة من خارجها"، وتكاد تكون عبارة "إنقاذ النقابة" هي الشعار الأبرز لدى بعض الذين أعلنوا نيتهم للترشح أو تقدموا بأوراقهم بالفعل.
الصحفي عمرو بدر، والمرشح لعضوية المجلس تحت السنّ، يرى أن الظروف الحالية مواتية للعمل من أجل إعادة النقابة لدورها في حماية كرامة الصحفيين، والارتقاء بشأن المهنة، والدفاع عن حربات الصحفيين، خاصة المحبوسين منهم على ذمة قضايا رأي.
وتحتل مصر المركز 166 من 180 دولة لعام 2021، بينما تحتل المرتبة الثالثة عالميًا بقائمة أكثر الدول احتجازًا للصحفيين، بحسب "لجنة حماية الصحفيين الدولية"، وذلك في ظل غياب إحصائية رسمية بعدد الصحفيين المحبوسين، سبق أن قال عضو مجلس النقابة محمد سعد عبد الحفيظ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن 14 صحفيًا نقابيًا، بالإضافة إلى آخرين غير نقابيين، محبوسين على ذمة قضايا رأي. بينما صرّح ميري فور إعلانه حوض الانتخابات في بيان له أن "محاولات الإفراج عن الصحفيين لن تتوقف، والملف على وشك الإغلاق".
يعلق الجارجي هنا في حديثه للمنصة أن "الذين صنعوا الأزمة خلال السنوات الماضية يتصدرون المشهد بوصفهم منقذين"، مفسرًا ذلك بما لمسه الجارحي من "حالة غضب لدى الجماعة الصحفية، التي سمعت وعودًا كثيرة ثم رأت أداءً متراخيًا من مجلس النقابة طوال العامين السابقين".
وتعد أزمة اقتحام النقابة في عهد النقيب يحيى قلاش أحد أبرز الصدامات بين الدولة والنقابة، التي انفجرت عقب اقتحام قوات الأمن للمرة الأولى في تاريخها مقر النقابة عام 2016، للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، على خلفية قضية جزيرتي تيران وصنافير.
يستكمل الجارجي حديثه "الأمر الآن في يد الجمعية العمومية، فبيدهم اختيار 6 أعضاء ونقيب يعبر عنهم وعن قضاياهم، بعيدًا عن المتلاعبين في لجنة القيد طوال السنوات الماضية"، كاشفًا عن عن إقرار بعض كشوف القيد دون إخطار أو علم أعضاء المجلس كافة، الأمر الذي "يثير تساؤلات عمن يدير النقابة".
بدر، ورغم اتفاقه مع الجارحي، فإنه يرى أن تمرير قرارات تخص "إنقاذ النقابة" لا يستدعي أغلبية تؤمن بذلك بالضرورة، فغالبًا المدافعين عن المهنة وحريتها يمثلون أقلية داخل المجلس، بالتالي حال وقوف الأغلبية المناهضة لحرية المهنة ومصالح الجماعة الصحفية، "يمكن للأقلية الخروج ومصارحة الجمعية العمومية"، ويكشف أنه "ما فيش نية للمجلس للدفاع عن حقوقهم، وأنا متأكد أن 90% من الجمعية هيكونوا في ضهرك"، وهو الموقف ذاته الذي يؤكد عليه الجارحي أيضًا.
في المقابل، لم تشهد النقابة أزمات تذكر خلال السنوات الماضية أو أي صدامات مع الحكومة خلال فترتي رشوان، بينما حقق وعده بزيادة بدل التكنولوجيا الذي يحصل عليه الصحفيون المقيدون في جداولها مرتين بنسب تقارب الـ 20% في كل مرة، كانت آخرهما في أغسطس/ آب الماضي ليصل إلى 3000 جنيه.
خدمات نقابية
الصحفي بالمصري اليوم أبو السعود محمد، أوضح للمنصة أن مشروعه الانتخابي قائم بالأساس على إعادة إحياء مشروع الإسكان الذي يقول إنه بدأه وقتما كان عضوًا بالمجلس خلال الفترة من 2016 حتى 2020، بجانب مشروع مستشفى الصحفيين والمخصص لها قطعة أرض بمساحة نحو ألفي متر في مدينة 6 أكتوبر منذ العام 2017، و"ما اترماش فيها طوبة" حتى الآن.
محمد السيد، الصحفي بجريدة اليوم السابع، الذي تقدم بأوراق ترشحه اليوم "تحت السن"، بيّن للمنصة أن مشروعه قائم على إعادة "كرامة الصحفي" من خلال خدمة نقابية تليق بالعاملين في بلاط صاحبة الجلالة، وذلك بالتنسيق مع الوزارات المختلفة والهيئات والمؤسسات الرسمية والخاصة.
"كرامة الصحفي" هي العبارة التي رددها أيضًا كلًا من بدر والجارحي من خلال العمل على زيادة البدل الشهري وفق معدل التضخم، باعتباره جزءًا من أجر الصحفي "مش مجرد زيادة 10% سنويًا" بعبارتي المرشحين أنفسهما، ولا يفصل الجارحي بين "الأجور" وملف التدريب على استخدام التكنولوجيا الحديثة، وهو قطاع تجاهلته النقابة في السنوات الماضية، بحسب الجارحي.
غياب نسوي
على مدار 3 أيام من عمل اللجنة المشرفة، لم تتقدم سوى الصحفية وفاء بكري للترشح على مقاعد عضوية المجلس والصحفية نورا راشد على منصب النقيب.
أمر يبدو اعتياديًا في العقود الأخيرة بشأن المجلس الذي تسيطر عليه أغلبية "رجالية"، باستثناءات قليلة بوجود عضوة واحدة في بعض المجالس، كالمجلس الحالي الذي يضم عضوية الصحفية دعاء النجار مقررة لجنتي الحريات وشؤون المرأة والمشرف العام على جوائز الصحافة المصرية.
تراجع عدد المرشحات حتّى الآن، عوضته النقابة بوجود نسائي في عضوية اللجنة المشرفة على الانتخابات، التي تضم بجانب أعضاء المجلس الستة الممتدة عضويتهم، كلًا من الصحفية بالأهرام أمينة شفيق، والصحفية بجريدة الأهالي أمينة النقاش، بجانب الصحفيين عبد الله حسن ومجدى حلمي وعبد العظيم الباسل وسعيد محمد أحمد ومحمد المنايلي وثروت شلبي وسعيد جمال الدين ومحمود الشيخ.