تصوير: نورا يونس - المنصة
نقيب الصحفيين خالد البلشي في مكتبه

مع خالد البلشي| عن رسائل الصحفيين إلى السلطة.. والعكس

منشور السبت 15 أبريل 2023 - آخر تحديث السبت 15 أبريل 2023

كلُّ هذا جديد تمامًا. كرئيسة تحرير موقع محجوب منذ 6 سنوات، لم تجمعني بنقيب الصحفيين السابق سوى مكالمات تليفونية، خاصة بعدما توسط لخروجي من الحبس قبل 3 سنوات، ولكني أبدًا لم ألتقِ به كنقيب، ولم أدخل مكتبه. كان موعدنا مع النقيب الجديد في العاشرة صباحًا، وكنا هناك، أنا وزميلتي إيناس مرزوق، قبل الموعد بخمس دقائق. استقبَلنا في ساحة الدور الثالث أمام المصعد، لم نكن معتادتين على ذلك.

الغرفة كبيرة، ربما 10 في 12 مترًا، يتصدرها مكتب كبير مقوس قليلًا من الخشب البني اللامع، خلفه كرسي ضخم من الجلد الزيتي، يجاوره إلى اليمين علم كبير لمصر مثبت إلى عمود نحاسي، وآخر لنقابة الصحفيين ناحية اليسار. يقابل ذلك كله صالون كبير، وعلى الجانب طاولة اجتماعات تسع 8 أشخاص.

مكتب نقيب الصحفيين المصريين

فضّل خالد البلشي، الذي انتُخب قبل أسبوعين من إجراء هذا اللقاء نقيبًا للصحفيين، عدم الجلوس على كرسي المكتب الفاخر، قائلًا إنه لا يستخدمه تقريبًا ولا يرتاح فيه لأنه "رسمي قوي"، ولا حتى على الكرسيين المتقابلين أمامه مباشرة، بل فضَّل إجراء الحوار في الصالون المكون من كنبة كبيرة وأربعة كراسي مريحة. يقول البلشي إنه لم يغير من ديكورات المكتب سوى رفع الغبار عن خريطة منسوجة لفلسطين "نضفتها. كانت مركونة جوه في المخزن. غير كدا كل حاجة زي ما هي".

رسائل صادرة وأخرى واردة

جاء فوز البلشي، الذي ما يزال في أول العقد السادس، مفاجأة غير متوقعة، فالنقباء على مدار الـ82 سنة السابقة، كانوا إما من مؤسسات صحفية كبرى أو يحملون مناصب رسمية مقربة للسلطة. أما النقيب اليوم، فصحفي بدأ عام 1996 مع مجلة اليسار التابعة لحزب التجمع، وحاول إطلاق مشروعات لم تر النور منها جريدة الغد في 2004، يليها جريدة الصباح، ولمع اسمه مع جريدة البديل اليسارية عام 2007، وبعدها أسس مواقع منها البداية، وكاتب، ودرب التي حُجبت جميعها داخل مصر.

وفي محاولة لقراءة ما يعنيه فوزه بالمنصب، وهل يعني أن التغيير ممكن عبر صناديق الانتخابات، أو كان ذلك تغييرًا في توجهات "الجمهورية الجديدة"، كرر النقيب كلمة "رسالة" نحو 18 مرة خلال الحوار.

يفسر البلشي فوزه بأن الناس أرادت التغيير والدولة استجابت "نتيجة الانتخابات هي تعبير عن إرادة الجمعية العمومية". مضيفًا "الرسالة إن هذا الرجل الذي يحمل تلك الرسائل قررت المؤسسات إنهم عايزين لتجربته أن تنجح. ولو دا تم، دا رسالة مهمة جدًا وخطوة للأمام". وهو ما يتفق مع تصريح النقيب السابق ضياء رشوان في برنامج مع قصواء "الدولة راضية وفَرِحة بمشهد النقابة".

خالد البلشي في مقر جريدة البديل، تصوير حسام الحملاوي، برخصة المشاع الإبداعي.

ولكن ما الذي جعل الدولة راضية وفرحة؟ يُرجع البلشي ذلك لحجم الأزمة، ولوجود أذن تصغي على الضفة الأخرى "إحنا أمام حوار وطني… وفيه أزمة صحافة كبيرة. لازم نشوف الصورة على بعضها. انتخابات نقابة الصحفيين تعبر عن إرادتهم. والمرة دي الجمعية العمومية أرادت أن ترسل رسائل واضحة بإن الوضع اللي فات كان صعب، وإن إحنا غاضبين. وتقديري أن هناك من تلقَّى هذه الرسائل وقرر التعامل معها بإيجابية".

وعلى الرغم من حداثة تبادل الرسائل، بدا النقيب متفائلًا باستمرارها "تقديري أنها مستمرة". يقول إن ما استقبله "حتى الآن" يفيد بأن السلطة ستتجاوب مع تجربته وأن هناك إقرارًا ببعض الحقوق، وإن كان يتمنى أن يمتد ذلك لمساحات أوسع "أتمنى نشوف صورة مختلفة في الحوار الوطني، وتصفية لملفات صعبة، منها ملف الحبس الاحتياطي المطول الذي يعاني منه زملاؤنا".

إطلاق الحوار في يوم الصحافة

حدد القائمون على الحوار الوطني يوم 3 مايو/آيار المقبل لانطلاقه، غالبًا دون إدراك منهم أنه يوافق اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو يوم يسلط فيه العالم الضوء على القيود التي تواجه الصحفيين والمؤسسات الصحفية، سواء على مستوى التشريعات أو الممارسات.

ويتراجع موقع مصر كل عام على مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، فبعد أن احتلت المركز 158 بين 180 دولة عام 2015، كانت في المركز 166 عام 2021، ثم 168 عام 2022.

ولكن بمناسبة دعوة النقابة إلى الحوار الوطني لتقديم رؤيتها حول أوضاع الصحافة، فإن البلشي يرى في وجود النقيب السابق ضياء رشوان على رأس الحوار، فرصة يجب الاستفادة منها "هو مؤمن بقضايانا أو هيلتزم بما نقدمه من رؤية، وهيكون حريص على الدفاع عنها"، كما يرى فرصة أخرى في مشاركة عدد كبير من الصحفيين في اللجان المختلفة، ويتوقع منهم جميعا دعم الرؤية التي ستقدمها النقابة "التي ستكون واقعية ومعبرة عن مشاكلنا بشكل حقيقي".

يعوّل النقيب كثيرًا على خطوة طرح المشكلات أمام السلطة "الرسائل اللي جت بتقول ’إحنا عاوزين نخطو خطوة للأمام‘ وتقديري أن دي رسالة نستفيد بيها مش العكس".

دعا البلشي، كما سبق أن فعل رشوان، الصحفيين لتقديم مقترحاتهم للحوار الوطني، وإن كان أكثر تحديدًا في دعوته، إذ حدد 4 محاور لتلقي المقترحات: التشريعات والحريات، والأوضاع الاقتصادية، والممارسات المهنية، وأوضاع صناعة الصحافة.

البلشي يشرف على ترتيبات إعادة فتح ساحة الدور الرابع بمبنى نقابة الصحفييين قبل حفل الإفطار السنوي بمناسبة رمضان.

يرى النقيب أن مشاركة عدد كبير من الصحفيين في الحوار هي المفتاح، لأنه أيًا كانت اللجنة والمحاور، ستكون حرية الصحافة، وفق رؤية النقابة، حاضرة، "في برنامج مع قصواء كمان النقيب السابق ضياء رشوان قال إن في الحوار الوطني ممكن نطرح تعديلات تشريعية تخص الصحافة. فخلينا نستغل هذه المساحات. تقديري أنه من ممكن أن يكون هناك تقدم، ولكن المهم أن يكون هناك من يتحدث باسم الصحافة، وأن ندعو أعضاءنا المشاركين في الحوار ونقدم لهم رؤية النقابة وأن يتبنوها".

ينظر البلشي للصحفيين كسفراء للنقابة في مواقعهم الاجتماعية والسياسية المختلفة أيا كانت انتماءاتهم، وبالتالي فهو يعول عليهم في كل المؤسسات "لما يبقى عندي في مؤسسات تنظيم الإعلام صحفيين، أكيد مدركين مشاكل هذه المهنة، ولا بد من إقناعهم، أو يقدمولنا حاجة مختلفة. لما يبقى عندي نواب، حتى في وضع صعب زي اللي إحنا فيه، علينا أن نستفيد. لأنه عندما تقول الدولة إننا حريصين على نجاح التجربة فلا بد أن نرسل هذه الرسالة".

"سنتواصل كذلك مع الزملاء النواب في مجلسي الشيوخ والنواب. سوف ندعوهم لاجتماعات ونعرض عليهم الرؤية التشريعية الخاصة بنقابة الصحفيين. حتى الآن من تواصلت معهم بشكل شخصي أبدوا استعداد شديد للتعاون في كل الملفات. وبعضهم راجعنا في بعض الأمور ’نشتغل على كذا ولا منشتغلش على كذا، هل دا يبقى مفيد دالوقت ولا لأ‘. وقلنالهم تقديراتنا في الوقت الحالي"، وبالفعل، بين إجراء الحوار ونشره، التقى البلشي النواب في مقر النقابة كما كان يخطط.

يبدو إذن أن تركيز المجلس الجديد على إعادة تشغيل النقابة وعودة الصالون والمطعم والقاعات، واستطلاع آراء الجمعية العمومية، واستعادة النقابة كبيت للصحفيين، تأتي كلها في إطار استعادة الصحفيين للاستفادة من مواقعهم المختلفة، ليكون للمهنة حراس يدافعون عنها في مواقعهم.

يقول النقيب الذي درس الصحافة في جامعة القاهرة عام 1994 "في الحوار الوطني الأحزاب لهم مواقفهم السياسية، إنما النقابات عليها أن تستفيد من الجميع. علينا أن نستفيد من تنوعنا. نخلع الرداء الحزبي عندما ندخل النقابة، لكن بره النقابة بنستفيد من كل التنوع اللي يفيد المهنة ويفتح مساحات الحركة فيها".

"دا إللي أنا بفهمه في التفاوض. أن نفتح باب باب تفاوض ممتد وتعاون ممتد طالما هناك أبواب للتفاوض وأبواب للتعاون. وسائل التفاوض متعددة ومتنوعة وفي إطار القانون. بالتأكيد ستواجهنا مشاكل، وأكيد عندنا مطالب كثيرة نتيجة لتراكم المشكلات، لكن علينا إعادة التنظيم ليكون لدينا جدول أولويات حقيقي"، مستدركًا "أتمنى من جمهور جمعيتنا العمومية بس أن هو، مش يصبر علينا، أتمنى أنه يكون حاضر في الرقابة علينا، ولكن أتمنى أن يدرك أن بعض المشكلات ستمتد قليلًا لأن علاجها مش هيبقى بين يوم وليلة".

لعبة المفاوضات ووعود المائة يوم

يقدم البلشي نفسه حتى الآن كمفاوض هادئ، جامع لكل الأطراف دون خصومات، ويبدو الطريق أمامه ممهدًا. ولكن ما هي الخطوط الحمراء التي لن يقبل التنازل عنها، وهل هو مستعد كذلك للتكشير عن أنيابه إذا فشل مسار التفاوض؟

يستمر في الحديث بإيجابية عن المستقبل، وكأنه لا يريد استجلاب العاصفة بالحديث عنها "البرنامج اللي إحنا حطيناه لن نتنازل عنه، وهو برنامج تفاوضي بالمناسبة، ويشمل كل قضايا الصحفيين. لن نتنازل عنه ولكن سنتفاوض خطوة خطوة. أوضاع حرية الصحافة ممكن ناخد فيها خطوات، أوضاع الزملاء المحبوسين لا بد أن تكون من أولوياتنا الرئيسية. والرسائل اللي جاتلنا خلال الفترة اللي فاتت ’أننا لدينا إرادة لتصفية هذا الملف في إطار القانون‘".

ولكن كيف يمكن قياس التقدم في البرنامج، زمنيًا على الأقل، حتى لا تبتلعنا المفاوضات الممتدة؟ يقول البلشي "لا بد أن يتم خلال الـ100 يوم الأولى عودة النقابة بيتًا للصحفيين، والوضع الاقتصادي، وقضية البدل لأنها تشغل بال الجمعية العمومية. وكذلك قضية الأجور لا بد أن يتم فتحها على الأقل، وقضية المؤقتين في الصحف لا بد أن يتم فتحها بشكل مباشر، وعمل ضوابط عادلة للقيد في النقابة تسمح بدخول ممارسي المهنة الحقيقيين".

نقابة الصحفيين.

أما على المدى الأطول فـ"ضروري خلال السنة الأولى نعمل مؤتمر عام للمهنة، ندعو فيه كل الناس، هذا المؤتمر هو الذي سيحدد أولوياتنا ومشاكلنا. ضروري في السنة الأولى يكون عندنا مؤتمر اقتصادي للمهنة. طبعًا فيه حاجات عاجلة لا بد من التعامل معها. وفيه ملفات هي رهن تفاوض ممتد، ومنها التشريعات. علينا أن نبدأ فتح ملف التشريعات وندير نقاش واسع حول تطبيقه. موضوع الزملاء المحبوسين يحتاج لتفاوض ممتد. الأهم أن تحدث خطوات، لأن الخطوات سترسل رسائل طمأنة".

هنا سألناه، "يبدو أن الحجب وصحفيين المواقع خارج جدول الـ100 يوم؟" فأجاب دون تردد "مين قال كدا؟ الحجب دا جزء من الأجندة التشريعية ومن أجندة التفاوض مع مؤسسات تنظيم الإعلام. دا أنا موقعي كان محجوب".

ولإزالة الالتباس الذي قد تسببه كلمة "كان"، فموقع درب الصادر عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ما زال محجوبًا منذ أبريل 2020 حتى الآن، ولكنه لم يعد "موقعه". "قررت أن أكون متفرغًا للنقابة. أرسلت إخطارًا للحزب، وتم الاتفاق على أن أكون مستشار تحرير". وإلى أن يختار الحزب رئيس تحرير جديد للموقع، سيظل عليه اسم البلشي لأسباب قانونية. جاء ذلك القرار "لتحرير الموقع من أي ضغوط على السياسة التحريرية، ولتحرير النقابة من أن ما ينشر في الموقع يبقى تعبير عن نقيب الصحفيين".

وعن ترتيب الأولويات بين ضم صحفيين المواقع أم رفع الحجب، قال "الاتنين عاجلين، لأن الاتنين خطواتهم طويلة. الحجب له شق يتعلق بطريقة تنظيم الإعلام بشكل عام، ودا ممكن يتم التعامل معاه في إطار التواصل، والاتصال بدأ ومفتوح مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. لكن كمان هناك شق تشريعي. زي ما قضية ضم صحفيين المواقع فيها شق تشريعي".

يشمل قانون تنظيم الصحافة والإعلام في المادتين 6 و19 استخدام الحجب كعقوبة، ولكنه ينص على صدور الحجب بقرار، وأنه يحق لـ"ذوي الشأن الطعن على القرار الصادر بذلك أمام محكمة القضاء الإداري". غير أن المجلس نادرًا ما يصدر قرارات بالحجب، فأغلب المواقع يتم حجبها خارج إطار القانون، دون قرارات رسمية، ومن جهة لا تعلن عن نفسها، وبالتالي يستحيل عمليًا الطعن على قراراتها.

يرى البلشي ضرورة التعامل مع الشق المعلن من الحجب وضبط أو إلغاء تشريعاته، إلى جانب التواصل مع "الجهات المختلفة" من أجل الشق غير المعلن، قائلًا "في بعض الأوقات الحجب بيصدر بقرارات… وفيه قوانين علينا أن نتعامل معها. يعني قانون الجريمة الإلكترونية يعطي سلطة لجهات أخرى للحجب".

وفي هذا الملف القاتم يبدو متفائلًا "فيه جزء يتعلق بالتواصل مع جهات تنظيم الإعلام والجهات المختلفة. وفيه ضرورة أن التشريعات تكون منضبطة أو تضع قواعد واضحة، ويبقى فيه قرار قضائي. دا لو لجأنا للحجب، إما تنظيمه أو منعه. لكن دا تفاوض طويل فيما يتعلق بالتشريعات. فيه تفاوض قصير يتعلق بحالة حالة، أو بوضع وضع. عندما يقول ’أصل الموقع لم يتم تقنينه بالكامل‘. طيب نشوف إيه العقبات التي تمنع هذا التقنين".

كما يرى أن ممارسة الحجب عامل مؤثر في اقتصاديات سوق المهنة وحل أزمة بطالة الصحفيين "المواقع تصدر بترخيص، أما الصحف فتصدر بإخطار. وعلينا أن نجري هذا التوازن بين تخفيف ضوابط الإصدار بشكل عام، مع الحفاظ على ضمانات حقوق العاملين. عشان نبقى واضحين، عشان منفتحش الباب أن ناس تيجي تركب السوق وفجأة ألاقي ناس بياخدوا قرارات تهدر حقوق الزملاء فنبقى في سوق ضائع".

يسعى النقيب في مفاوضاته إقناع الطرف الآخر أن حرية تداول المعلومات هي في صالح كل الأطراف وفي مقدمتهم الدولة، لأنها تساعد على ضبط الشائعات وضبط المهنة، "السباق على الترند، وتقديم فيديوهات غير منضبطة.. دا كله. لو أتحنا حرية حركة للصحافة، وتنافس حقيقي، وقدرة، هيبقى التنافس على طبيعة المادة وعلى كسب ثقة المواطنين. لو الناس أدركوا أن الحدوتة دي كلها متكاملة، جميع الأطراف ستستفيد".

وبشكل أكثر حسمًا يقول "دي رسالة لجميع الأطراف ولا بد أن تطرح بوضوح. ربما البعض لم يكن يطرحها بوضوح. كثيرًا ما دخلنا نقاشات كنا نتكلم عن أن الصحافة لما تعبر عن الناس بشكل حقيقي ستغلق الباب أمام آخرين يستغلون غياب المعلومة، فيملؤوا الفراغات. طالما خلقت فراغ فهناك من سيملؤه. مَن الذي سيملؤه؟ وبأي طريقة؟ لو سيطرنا على الفراغات أو وضعنا ضوابط مهنية في إطار ممارسة حرية الصحافة سيكون هذا مفيدا لجميع الأطراف. لأن المخطئ سيمكن محاسبته".

ويؤكد أن النقابة ليست ضد عقاب الصحفي المخطئ، ولكنها ضد الحبس في قضايا النشر، وضد الحجب.

القوة الناعمة

يرى النقيب أن الحجب يعد "مصادرة" للمواقع الصحفية تساوي مصادرة الصحف الورقية، وهو إجراء يحظره الدستور في مادته 71، مضيفًا أن "الخطورة هي أن نتعود على حالة الحجب. إحنا أمام انتهاك لا بد من التعامل معه بشكل حقيقي، ووضع ضوابط قانونية تنظمه وتمنع استخدامه خارج الإطار، أو حتى تمنع استخدامه خالص. المهم أن ندخل هذا التفاوض وأن يكون على أولوياتنا. طالما أنت بتنظم وأنا بخضع لقواعد التنظيم بتاعتك، فخلينا نوسع قواعد التنظيم، ونوسع قواعد المحاسبة في إطار قانوني ودستوري".

يرجّح البلشي أن يساهم تفعيل المواد الدستورية في حل جزء كبير من الأزمة "سواء على مستوى الحبس أو حرية الصحافة في إطار التفاوض الممتد مع المؤسسات..، سواء حوار وطني أو مع الجهات المختلفة، ووجود صحفيين لنا في أماكن مختلفة، دي قوة لنا، قوة ناعمة لا بد من استغلالها".

ويقدر النقيب عدد صحفيي المواقع المحرومين من دخول النقابة في الوقت الحالي بين ألف وألفي صحفي، بعدما كان ذلك التقدير في وقت سابق يساوي عدد من لهم حق التصويت من أعضاء الجمعية العمومية النقابة، الذين يقدرهم بـ12 ألفًا. ويعود تراجع العدد إلى إغلاق العديد من المواقع لتراجع السوق الصحفي. وهو ما يعني أنه ليس هناك خوف على تغيير الكتلة التصويتية داخل النقابة بضمهم، وهي مخاوف كانت تتردد سابقًا.

يقول البلشي إن المواقع الضخمة ذات الميزانيات الكبيرة مثل اليوم السابع متاح لها بالفعل الحصول على عضوية النقابة. وعدا ذلك "عدد العاملين في المواقع الأخرى ذات الموازنات المحدودة قليل. خارج النقابة لا توجد مؤسسات ضخمة"، ثم يستدرك "احنا مش هنضم كل المواقع، احنا هنضم المواقع التي يتم اعتمادها من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام".

ويدلل رئيس التحرير السابق لـ"البداية" على تقديره للأعداد بأن المواقع حاليًا "تستثمر جهود صغيرة لإنتاج محتوى كبير، فنظن أن هناك أعداد كبيرة. لكن موقع درب كان بيشتغل فيه كام واحد يعني؟ لا يتجاوز 12 صحفي"، مضيفًا أن "كثير من المواقع القائمة فيها فريق أحق بالحماية. وعلينا أن ندرك أن توسع السوق الصحفي ومراعاة التطور يفيد لا يضر، لأن هناك طابور طويل من المتعطلين".

الحل لن يأتي من النقيب

يعلن البلشي صراحة أنه لن يطرح رؤيته الشخصية أو رؤية المجلس في حل أزمات الصحفيات النساء، ولا حتى قراءته وتوصيفه للمشكلات. ويؤكد أن الأمر يجب أن يأتي من النساء من الجمعية العمومية عبر لجنة المرأة، "اللجان مش كيانات مستقلة. اللجان بتضع خطط والنقابة بتبقى شريك في التنفيذ".

وعند مواجهته بغياب وضع النساء الصحفيات عن أغلب برامج المتنافسين للمنصب، قال إن "فيه حالة داخل المجتمع تقول ’اتركوا مشاكل النساء للنساء‘، حصل ولا محصلش؟ الأكثر قدرة على التعبير عن مشاكل النساء هم النساء أنفسهم. النساء هيبقوا فاعلين في وضع الأجندة بتاعتهم بشكل حقيقي. سواء على مستوى المساواة في الأجر، أو بيئة عمل آمنة، أو وضع لوائح واضحة داخل المؤسسات للتعامل مع الانتهاكات".

يقول البلشي إن ما أدى لتفاقم مشكلات النساء هو إغلاق الباب و"ترك المشاكل للتعامل الفوقي بس، بتيجي من فوق بس، أنا تقديري التفاعل لازم ييجي من الطرفين. لو أنا جيت قلت هخلي المؤسسات يعملوا واحد اتنين تلاتة.. دي هتبقى قاصرة على ما رأيته أنا فقط. إنما العمل النقابي كدا، أن نشترك جميعا في وضع رؤية عامة لكافة المشاكل".

التسجيل في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصريين في انتخابات مارس 2023.

يثمن البلشي تحركات النساء للضغط ضاربًا المثل "عندما طرحت سلطة عبد الناصر حق التصويت للنساء، غاب عن الصورة اعتصام 8 سيدات سنة 1954 داخل هذه النقابة يطالب بحق التصويت. الحالة لو مكانتش تعبير عن طرفين مفيش تطور. لو خالد البلشي وضع رؤيته بس ستظل رؤية خالد البلشي وربما لا تعبر عن أطراف ورؤى متنوعة داخل النقابة".

ويؤكد أن ذلك لن ينطبق على أوضاع المرأة فقط، ولكن فتح الباب لمشاركات الأعضاء في توصيف المشاكل وطرح الحلول ينسحب إلى باقي القضايا "تتحط الأجندة من خلال اللي بيدفعوا التمن بشكل أساسي، من خلال أصحاب المشكلة أو الأزمة. احنا كلنا أصحاب أزمة بس هم الأكثر قدرة على توصيفها، هن الأكثر قدرة على وضع أجندة عمل هتبقى ملزمة للجميع، هتبقى النقابة كلها هي اللي بتنفذها. كل قضايانا يجب أن تكون مطروحة بهذه الطريقة".

تحدي الانتخابات الرئاسية

قال البلشي في تصريحات سابقة إن النقابة لن تكون طرفًا في الانتخابات الرئاسية ولكن ستكون راعية للموضوعية. عن آلياتها وقدرتها الحقيقية على تنفيذ ذلك، يقول "وضع قواعد التغطية من دور النقابة، وممكن نصدرها بالتعاون مع كل الأطراف الراعية للإعلام. أكواد المهنة لا بد أن تكون النقابة طرفًا فيها".

يصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام "أكواد" لضبط المهنة، ويعلق البلشي على ذلك "تقديري أن ضوابط ممارسة المهنة ووضع قواعد واضحة أو مواثيق للعمل هي مسؤولية نقابة الصحفيين. والذي يحاسب عليها هو نقابة الصحفيين. المجلس الأعلى للإعلام بيحاسب المؤسسات، النقابة هي الجهة التي تحاسب الصحفي"، ولذلك يرى أن تطوير المواثيق، بما فيها ميثاق الشرف الصحفي، ليس بابا مغلقًا.

وعندما يتعلق الأمر تحديدًا بانتخابات الرئاسة ينوي البلشي إبراز قواعد التغطية المهنية "النقابة لا يمكن أن تكون طرفًا منحازًا في العمل السياسي. عشان نبقى واضحين بس. مش دورها. لكن ممكن ترعى تنظيم القواعد العامة للتغطية، مثل إتاحة مساحات متوازية للمتنافسين. وعلينا الاستفادة من هذا التنافس بعدم إغلاق الباب أو الخصومة مع طرف. نقابة الصحفيين مؤسسة مجتمع مدني، ومؤسسات المجتمع المدني دورها التفاوض مع جميع الأطراف".

أيام رسائل الغضب

في مايو عام 2016، وعقب اقتحام قوات الأمن مبنى النقابة واعتقال صحفيين من داخلها، أعلنت النقابة عدة قرارات صدامية، منها مثلًا مطالبة رئاسة الجمهورية بالاعتذار، وإقالة وزير الداخلية وقتها اللواء مجدي عبد الغفار، ومنع نشر اسمه والاكتفاء بنشر صورته "نيجاتف" فقط، وصولًا لمنع نشر كافة أخبار وزارة الداخلية حتى إقالة الوزير، وهو ما أدى بعد ذلك إلى توقف الرسائل تمامًا بين الجانبين.

يقول النقيب الجديد إن رد النقابة وقتها لم يكن "خصومة" مع الداخلية وإنما "كنا بندافع عن أنفسنا. النقابة تم اقتحامها والقبض على عضوين فيها. ربما كل شيء محتاج لإعادة قراءة، لكن كمان لو خرجناه عن سياقه، والتطورات الموضوعية، هنظلم النقابة".

ويؤكد "لم نكن في خصومة مع الداخلية. كان فيه محاولة من النقابة لتطبيق قانونها والدفاع عن أعضائها. احنا بندافع عن حقوقنا، بندافع عن أعضائنا. مراجعة شكل الدفاع دا ممكن تحصل. كلٌ ينظر له بطريقته. وللاستفادة من التجارب السابقة علينا أن ننظر لها بطريقتنا".

البدل وزيادته

تعد نقابة الصحفيين هي الوحيدة بين النقابات التي يحصل أعضاؤها على بدل نقدي لمجرد عضويتهم فيها. ولا يأتي ذلك البدل من موارد النقابة، ولا من ضرائب الإعلانات التي يدفعها المعلنون كما يشاع، ولكن من وزارة المالية، أي أنه دعم مباشر من الدولة.

يلعب البدل إذن، وهو بيد الدولة، دورًا محوريًا في كل انتخابات. ورغم وعود زيادة البدل في بداية الدورة الانتخابية التي أتت بالبلشي فإن الزيادة، من 3000 جنيه شهريًا لتصبح 3600، لم يتم صرفها حتى الآن.

ورغم غرابة ذلك الوضع، فالأغرب منه هو أن أجور بعض الصحفيين المعينين منذ سنوات في مؤسسات هامة وعريقة لا تتجاوز آلاف البدل الثلاثة. والأكثر غرابة أن بعض تلك المؤسسات تشترط الحصرية، فيتعرض الصحفيون لعملية إفقار في ظل سوق صحفي مأزوم.

"النقابة في البدل مجرد ناقل. البدل بييجي من المجلس الأعلى للإعلام، وبيوزع على الصحف القومية لصحفيين الصحف القومية، واحنا بناخد نصيب الصحف الخاصة نوزعها مبتقعدش 24 ساعة في ميزانية النقابة"، يقول البلشي "أما بدل البطالة فقيمته الشهرية 1250 جنيه، وهناك قواعد لإقراره ومدة صرفه".

وضمن التحديات الهائلة التي يواجهها البلشي "التعامل مع عدد كبير جدًا من المشاكل التي تتعلق بالفصل التعسفي، وانتهاكات لها علاقة بالأجور، والتعيينات المؤقتة في المؤسسات القومية… غير الأوضاع المالية للنقابة".

رجاء تسهيل مهمته

جوازات السفر الحمراء التي يحملها الدبلوماسيون اسمها الرسمي laissez passer، وهو فعل أمر بالفرنسية ترجمته الحرفية "دعه يمر"، والغرض منها هو تسهيل تنقلهم وضمان إمكانية القيام بعملهم.

أذكر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أن سيارة والدي الذي كان صحفيًا، حملت بادچ "صحافة"، وكان ذلك يمنحه أولوية في المرور وفي صفِّ السيارة أحيانًا. كذلك كانت له 2000 مكالمة مجانية شهريًا على تليفون المنزل لتسهيل تواصله مع المصادر، وتخفيضات على تذاكر الطيران ووسائل المواصلات العامة لتسهيل التنقل؛ يحصل عليها جميعًا بإبراز كارنيه النقابة.

لا داعي للمقارنة بأوضاع الصحفيين الآن. أعرف شخصيًا من لا يثبتون مهنتهم في البطاقة الشخصية حتى يتمكنوا من السفر داخل مصر بحرية دون أن يعرقل الأمن عملهم.

ولكن تصريح حديث للبلشي قلّب تلك المواجع حين قال "هدفنا استعادة كارنيه النقابة كتصريح وحيد لمزاولة المهنة دون الحاجة إلى تصاريح إضافية تهدر قيمة المهنة وتفقد التصريح معناه". فكيف يمكن تحقيق هذا؟

يقول إن السبب في تدهور الوضع هو فقدان القدرة على المطالبة بالتعامل بالكارنيه فقط. و"كمان فيه نص تشريعي فرض هذا. دا جزء من النصوص المهمة اللي محتاجة تعديل عاجل. لأن دستوريًا إحنا الجهة الوحيدة لإصدار تصاريح مزاولة المهنة، ودا كارنيه مكتوب عليه "يُسهل لحامله". فيه قواعد عامة مثل عدم التصوير في الأماكن الممنوع التصوير فيها زي المناطق العسكرية، دا لا بد من الاستجابة له. لكن مينفعش مغطيش في الشارع وأنا ماشي، مينفعش يبقى معايا تصريح معتمد من الجهة الوحيدة المعتمدة دستوريا، فحد يقوللي لا أنت محتاج تصريح تاني أمني عشان تغطي في الشارع. لا بد من فتح التفاوض مع الجهات الأمنية حاليًا بشكل مباشر وسريع لتخفيف الشروط دي".

القادم أفضل مما سبق

أخذنا النقيب في جولة داخل النقابة كمن يصطحب أقاربه وأصدقاءه عندما يزورونه للمرة الأولى في شقته الجديدة. صعدنا على السلم الضيق إلى الدور الرابع حيث كان يشرف على ترتيب الكراسي لاستقبال الصحفيين في اليوم التالي لإجراء الحوار، الذي أقيم فيه حفل إفطار الصحفيين بمناسبة شهر رمضان، ثم أخذنا إلى قاعة الاجتماعات الملحقة بمكتبه، والتي يتم فيها عقد اجتماعات مجلس النقابة.

كمال وخالد البلشي. من حساب خالد البلشي على فيسبوك

لا يحصل النقباء ولا أعضاء المجلس على أجر. والبلشي تحديدًا عاش سنوات طويلة من عمره في تهديد أمني ووظيفي عندما أغلقت كل الجرائد والمواقع التي عمل بها، وعندما تم القبض على زميله في موقع درب إسلام الكلحي، وعلى شقيقه كمال. ولكنه يرى كل تلك السنوات والخبرات السيئة "وكأنها إعداد للحظة اللي احنا فيها دي. لأني قدرت أرتب حياتي ودخلي بشكل مختلف، عشان في لحظة زي دي أبقى قادر على تفرغ طويل عشان النقابة تستعيد حالتها".

كان سعيدًا بما تم إنجازه خلال أسبوعين، "الوضع دلوقت غير زمان. كل يوم فيه 3 على الأقل من أعضاء المجلس موجودين. وأنا موجود كل يوم من 10 صباحًا".

الأجواء عمومًا كان يسودها التفاؤل بما هو قادم. وحتى لو توقفت الرسائل وقامت العواصف، ولم يستطع البلشي تحقيق خططه، سيظل من المؤكد أن الانتخابات القادمة ستكون مختلفة عن كل ما سبقها؛ فمرشح السلطة القادم سيكون عليه تقديم ما هو أفضل.