قال نقيب الصحفيين خالد البلشي إن الصحافة المصرية لا تزال تتعامل مع سلطة أكثر ما يخيفها هو الكلام، مؤكدًا أنه لا دليل على ذلك أكثر من استيقاف الأمن لصحفية كانت "رايحة تشوف رأس الحكمة".
كلمات البلشي جاءت خلال زيارته مقر المنصة، مساء الأحد 10 مارس/آذار الجاري، التي تزامنت مع القبض على صحفية موقع مدى مصر رنا ممدوح في كمين العلمين، أثناء توجهها في مهمة عمل لرأس الحكمة، قبل أن تخلي نيابة أمن الدولة سبيلها بكفالة.
لم يتوقف هاتف البلشي عن تلقي الرسائل والاتصالات طوال لقائه بصحفيي ومحرري المنصة، الذي جاء ضمن جولاته على مقرات الصحف والمواقع الإلكترونية بعد مرور نحو عام على انتخابه نقيبًا، طلبًا للدعم بالنقد والتقويم، كما سبق وأعلن على صفحته على فيسبوك.
في مارس 2023، فاز البلشي بمنصب نقيب الصحفيين في انتخابات التجديد النصفي، أمام منافسه خالد ميري، رئيس تحرير صحيفة الأخبار المملوكة للدولة، الذي حظي بدعم مباشر وخصصت له الشركة المتحدة حلقة على قناة إكسترا نيوز.
تطرق البلشي خلاله لقائه مع المنصة للحديث عن الصعوبات التي واجهته في بناء علاقة مع أجهزة الدولة بعد نجاحه على حساب مرشح كان مدعومًا منها، وما تعانيه المهنة من ضغوط وتدخلات، فضلًا عن أزمة حجب المواقع الصحفية، والتضييق على حرية الصحافة، والحاجة الماسة لقيد صحفيي المواقع الصحفية الإلكترونية بالنقابة. وأصر النقيب على الربط بين الأوضاع الاقتصادية للصحفيين وبين تحرير العمل الصحفي.
العلاقة مع أجهزة الدولة
استطاع البلشي بناء علاقة مع السلطات عقب انتخابه، لكنه أقر بصعوبة ذلك "طول الوقت تتكلم عن الصحافة كما تحبها وكما تراها، وفي نفس الوقت لازم تراعي مصالح كل الأطراف، وبعضها قد يؤدي بك لتقديم تنازلات تمس قناعاتك بالصحافة التي تحبها".
يجد النقيب في هذا مكاسب "على المدى الطويل أرى إننا كسبنا"، مضيفًا "بتجربة نجاحي أصلًا أنا شايف إن الجماعة الصحفية كسبت لأنها أعلنت في لحظة إنها غاضبة، والغضب تم استقباله، والرسالة تم استقبالها بالتعامل معايا. كمان الرسالة تم استقبالها بإن تعالوا نخدمهم شوية خدمات ونديهم شوية حريات صغيرة".
يتوقف البلشي أمام أثر التجربة "أنا شايف إنه دا أثره كبير على المدى الطويل، لكنه يشكل عبئًا كبيرًا"، مشيرًا إلى أمله في أن تشاركه بشكل أكبر "جماعة صحفية مهتمة تتفهم لطبيعة المرحلة".
حجب المواقع الصحفية
سجل تقرير نقابة الصحفيين رفع الحجب عن عدد من المواقع الإلكترونية خلال العام الماضي، من بينها موقع درب الذي تولى البلشي رئاسة تحريره قبل انتخابه نقيبًا للصحفيين، بينما ظل موقع المنصة ومواقع أخرى تحت الحجب.
تحدث البلشي عن أزمة الحجب غير القانوني وعدم تحقيق نتائج تنهيه، مشيرًا إلى دور النقابة "لأول مرة في الحياة، النقابة تتكلم عن حجب المواقع الصحفية منذ ست سنين"، واستطرد "لا تتكلم فقط، بل إن هناك مواقع رُفع عنها الحجب".
مجرد الكلام خطوة.. والجري في المكان أفضل من الثبات
وبشأن الوسيلة التي يُرفع بها الحجب عن المواقع، أوضح البلشي "مفيش وسيلة محددة ولكن هناك ادعاء يُرد به علينا عندما نتحدث عن تلك الأزمة بأنها مواقع غير مرخصة"، مضيفًا "في بعض الحالات يحدث تفاوض، أنا مش عارف بيحصل إزاي ويترفع الحجب، وفيه ترضيات وتوافقات في بعض المواقع".
يقر البلشي بأن هذا الوضع "ليس المثالي أو الواجب"، ولكنه ينبه إلى أن إنكار الحجب كان يحدث في الماضي من جانب الجهات المسؤولة "قصة الحجب كان بيتم إنكارها إنكارًا تامًا، دلوقتي على الأقل فيه نقابة بتروح في مؤتمر زي الحوار الوطني وتقول إن النهارده ياجماعة واحنا جايين في جلسة عن حرية تداول المعلومات اتحجب موقعين، ما اعتقدش إن ده كان بيحصل".
"أنا نقابة شغلتي الكلام والتفاوض"، يوضح البلشي ردًا على الأدوات المملوكة للنقيب والنقابة في التفاوض من أجل حرية الصحافة والصحفيين، ويضيف "مجرد الكلام أنا شايفه خطوة، والجري في المكان أفضل بكتير من إنك تبقى متثبت بمسمار. والحقيقة تم تثبيت نقابة الصحفيين بمسامير لغاية ما الدم اتجمد فيها".
وشدد البلشي "النقابة في أزمة الحجب تظل أمام معركة لن تنتهي بسهولة، وليس أمامنا فيها إلا إننا نتكلم ونضغط ونتفاوض، خصوصًا إننا أمام سلطة بتخاف جدًا جدًا من الكلام، لدرجة إن صحفية ماشية على الطريق رايحه تشوف رأس الحكمة وقفوها وقبضوا عليها".
الرقابة على المحتوى
لم ينكر البلشي تعرض المحتوى الصحفي في الصحف الورقية للتضييق والرقابة المسبقة والتعليمات التي تصدر بين الحين والآخر لرؤساء التحرير، وقال "لكني على اقتناع بأن لغة الصحافة نفسها لابد أن تختلف وطموحاتها في الحرية لازم تعلى، ودي أمور تطلب تفاوض وتغيير عقلية كل من يحكم المشهد الإعلامي".
من المهم ترسيخ القدرة على التفاوض وأن نفتح كل المساحات المغلقة حتى ولو بدأت بمواربة
يتوقف النقيب أمام التحولات التي طرأت على الصحفيين خلال السنوات السابقة "بعضهم أصبح رقيب ذاتي على نفسه، ويقلق لو غيّر في البيان الصحفي الصادر عن الجهات الحكومية، وبالتالي فتحرير هؤلاء من الرقابة الذاتية جزء من الموضوع".
يوضح البلشي"كلامي ليس معناه تبرئة لطرف من الضغط على حرية الصحافة، لأ فيه أطراف تضغط وفيه تعليمات. لكن في الآخر محاولة إن الجماعة الصحفية نفسها تبقى ضاغطة من أجل توسيع المساحات دي هي الأهم".
يؤمن النقيب بمكتسبات النقاط "لم أعد أؤمن بفكرة إن أنا هقلب الدنيا لتغيير الوضع النقابي للأفضل، ولكن شايف إن ده محتاج إننا ناخده بالنقاط، بحيث نبدأ بتأسيس تيار نقابي، ونتعامل مع كل القضايا ونفتح باب النقابة للكل، ونفتح نقاش واسع داخل النقابة حول كل القضايا المهنية".
يضيف النقيب "عارف إن الخطوات بتاعتنا هتكسب نقط طول الوقت، ولكن أهم حاجة إننا نرسخ لدى الناس تاني إنه هناك نقابة، ونرسخ إنه هناك قدرة على التفاوض، ونفتح كل المساحات المغلقة حتى ولو هتبدأ بمواربة".
يشير البلشي إلى إخلاء سبيل ثمانية من الصحفيين المحبوسين على مدار العام الماضي، بينما يظل نحو 20 صحفيًا نقابيًا وغير نقابي محبوسين حتى الآن، ويلفت إلى تقدمه بطلب زيارة للمحبوسين وهو ما لم تستجب له السلطات حتى الآن.
ويعدد النقيب بعضًا مما يعتبره إنجازات على مدار العام الماضي، مشيرًا إلى عودة الاحتجاجات على سلم النقابة، وتنظيم إضرابات في عدد من المؤسسات الصحفية من أجل حقوق الصحفيين، ورفع الحجب عن بعض المواقع، واستجابة بعض المؤسسات لزيادة الأجور.
قيد صحفيي المواقع
توقف البلشي في لقائه مع المنصة عند أزمة قيد الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية في النقابة التي صدر قانونها عام 1970، بينما لم يجر تعديل لتحديث آليات وضوابط قيد الصحفيين، فظل قاصرًا على الاعتراف بالصحف الورقية فقط وحق صحفييها في الانضمام للنقابة.
قال نقيب الصحفيين إنه يزور المواقع ضمن جولته "لأن الصحافة نفسها تتطور، يجب تغيير فكرة أن الصحافة ورقية فقط، واحنا بنغير هذه الفكرة دالوقت، وعايزين نغيرها حتى في طريقة التعامل مع القيد في النقابة بشكل أو بآخر، وفي قانون النقابة نفسه لازم يعاد تعديله".
لازم نخرّج باب الحقوق من تعديلات القانون نغير فقط نصوص الانتخاب والقيد
يتوقف نقيب الصحفيين أمام ضرورة إجراء تعديل تشريعي على القانون لمواكبة التغيرات التي طرأت على العمل الصحفي، بينما يستشعر مخاوف من أن تسفر خطوة تعديل قانون النقابة عن تشريع يقوض حقوق الصحفيين.
في الوقت نفسه، يعول البلشي على دور الجمعية العمومية، ويوضح أن البداية تكون من خلال تشكيل لجنة لتعديل قانون النقابة لإجراء تعديلات محددة على نصوص محددة دون المساس بنصوص الحقوق والحريات "لازم نخرّج باب الحقوق من حسبة التعديلات، ونحدد النصوص التي نريد تعديلها، ومنها نصوص الانتخاب والقيد لاستيعاب التغيرات المهنية".
غير أن البلشي يبحث عن أبواب جديدة تُمكن صحفيي المواقع من الانضمام للنقابة "بدأنا من اليوم النبش في موضوع الانتساب"، لافتًا إلى إدراك الجمعية العمومية لتغير سوق العمل في الصحافة، لكن "الواقع الاقتصادي يميل إلى تعطيل اتساع الجمعية العمومية لأسباب مرتبطة بصرف الدولة لبدل التدريب والتكنولوجيا".
أزمة البدل والأجور
يصر نقيب الصحفيين على الربط بين حرية الصحافة والصحفيين، وبين الأوضاع الاقتصادية وبيئة العمل التي يعملون خلالها، يشير إلى وجود عدد ضخم من المتعطلين، ويشدد على ضرورة فتح السوق الصحفية.
يستشعر البلشي وجود "إرادة لتغيير الوضع" لكن في الوقت نفسه يقول إنها "إرادة غير مكتملة لوجود سوق مفتوح لكل الناس ومتنوع يستوعب الجميع، لأن عقلية المنع مازالت قائمة".
يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية الحالية جعلت بدل التدريب والتكنولوجيا مصدر دخل أساسيًا للصحفيين، وينفي ممارسة الدولة أي ضغوط عليه طوال العام الماضي لفرض سياسات مقابل البدل.
يتمسك البلشي بحق الصحفيين في الحصول على البدل "عندنا قطاع كبير من الصحفيين المتعطلين بفعل فاعل نتيجة غلق الصحف لأسباب مختلفة، البدل أصبح مصدر دخلهم الوحيد".
نوه البلشي إلى إطلاق النقابة حملة "أجر عادل للصحفيين"، لافتًا إلى أن النقابة خاطبت المؤسسات الصحفية لرفع الأجور يما يواكب الحزمة الاجتماعية التي أعلنها الرئيس 6000 جنيه، كما سترفع النقابة الحد الأدنى للراتب في العقد الثلاثي مع المؤسسات والنقابة والصحفي ليصل إلى المبلغ نفسه.
سنعتمد مدونة سلوك لمناهضة التحرش
تعاني الصحفيات من وجودهن في بيئات عمل غير آمنة وعدم توافر ضوابط للترقي ومناهضة التحرش الجنسي وضبط علاقات القوة داخل المؤسسات الصحفية، بينما يوضح خالد البلشي أن مشكلات الصحفيات على أجندة اهتمامات النقابة.
"ناقشنا مدونة سلوك إنساني أعدتها الحكومة طبقًا لقانون العمل ونتفاوض بشأنها مع عدد من الجهات المختلفة لتكون جزءًا من التطور التشريعي لدينا"، يوضح خالد البلشي أن هذه المدونة محل نقاش في مجلس النقابة.
يشير إلى دعوة عدد من الصحفيات لمناقشة المدونة "لكن ناس كتير ماجتش"، ويلفت إلى أن هذه المدونة معنية بحقوق العاملين والعاملات وتتضمن مفاهيم متعددة وتدافع عن حق العمل والترقي والمساواة في الأجر ، كما تعتمد التعريفات الدولية لمفهوم التحرش في أماكن العمل، وتنظم أدوات التحقيق الداخلي.
يؤكد نقيب الصحفيين "في كل الأحوال سنعتمد المدونة ونحولها لآلية داخلية ونسعى لتحويلها للوائح داخلية في المؤسسات الصحفية".
غادر البلشي مقر المنصة، قبل أن يعلن في وقت متأخر من مساء ذلك اليوم إخلاء سبيل رنا ممدوح، بينما لا تزال اتصالاته قائمة لإخلاء سبيل جميع الزملاء، ومحاولة تحسين أوضاع الصحافة المأزومة والحصول على المزيد من النقاط في معركة تفاوض يبدو أنها طويلة.