في كل مرة ترتب نورهان حجرتها تتأمل فيها ملفًا أخضرَ يضم قصاصات أرشيفها الصحفي، من دون أن تعرف متى يحين أوان استخدامه.
اعتاد الصحفيون جمع أرشيف قصصهم المنشورة في الجرائد تمهيدًا لتقديمه كأحد مسوغات قبول انضمامهم لنقابة الصحفيين، لكن نورهان أشرف محررة الشؤون السياسية في موقع "القاهرة 24"، التي حلمت منذ طفولتها بالانتساب للمبنى الكائن في شارع عبد الخالق ثروت، لم تسنح لها تلك الفرصة حتى الآن.
تقول للمنصة "لما كنت أعدي في الشارع عند النقابة مع بابا واحنا في وسط البلد كنت بقوله عايزة أبقى هنا، كان بيقولي ذاكري واشتغلي.. طيب أنا ذاكرت واشتغلت، ليه أنا لسة برة؟ ليه مش معترف بيا صحفية؟".
تحسب نورهان التي تخرجت من كلية الآداب قسم الإعلام في جامعة بنها عام 2020، عمرها الصحفي منذ عام 2016 "بدأت من سنة أولى تدريب في المصري اليوم. كان دخول الجرنال حلم بالنسبة لي، في كل مرة كان بينزلي شغل في العدد الورقي كان بابا بيشتري نسختين ويعملي أرشيف علشان أقدمه للنقابة".
محررة القاهرة 24 واحدة من عشرات الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية المحرومين من الانضمام لنقابة الصحفيين، بموجب قانونها ولائحة القيد فيها، فرغم كل التطور التكنولوجي الذي طرأ على العمل الصحفي عبر أكثر من عشر سنوات، فإن النقابة لم تتفاعل مع مستجدات المهنة، ولم تعترف حتى الآن بحق الصحفيين في المنصات الإلكترونية في القيد بها.
تعديل قانون أم لائحة
أزمة نورهان وزملائها تتطلب ما يعرف بـ "تكويد" المنصات الإلكترونية، لتنال اعتراف النقابة، وهو ما لا يتضمنه قانون النقابة أو اللائحة، اللذين اقتصرا على تنظيم تكويد الصحف الورقية فقط.
خالد البلشي، المرشح على مقعد نقيب الصحفيين، وهو في الوقت نفسه رئيس تحرير موقع درب، يطرح رؤية جديدة لاستيعاب الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية المرخصة. ويوضح المرشح الذي شغل منصب وكيل نقابة الصحفيين سابقًا أنه في عام 2015 نوقشت الفكرة لكن لم يتم حسمها.
يعتبر البلشي أن تعديل قانون نقابة الصحفيين غير ضروري "الأفضل تعديل اللائحة فتكون الجمعية العمومية طرفًا بشكل أساسي في وضع ضوابط القيد للمواقع".
التحقت نورهان فور تخرجها في عام 2020 بموقع القاهرة 24، الذي رغم حصوله على الترخيص الرسمي من المجلس الأعلى للإعلام في يونيو/حزيران 2022، يظل وغيره من المواقع غير التابعة لصحف ورقية، مستبعدين من حقهم في قيد العاملين بهم.
يشير البلشي إلى أن القانون الصادر سنة 1970 كان يغلق الباب على الصحف القومية فقط، وأحد شروط القيد الانتماء للاتحاد الاشتراكي، لكن تم تعديل اللائحة في السبعينيات لتشمل الصحف الحزبية التي ظهرت في ذلك الوقت، وهو ما تكرر مع التطور اللاحق بظهور الصحف الخاصة. لافتًا إلى ما يعده التغيير الأهم "عدلنا اللائحة لقيد الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية التابعة للصحف الورقية المرخصة".
أما بشأن المنصات الإلكترونية غير التابعة للصحف فيوضح البلشي "لم يكن لها قانون ينظم عملها حتى 2018"، مشيرًا إلى قانون المجلس الأعلى للإعلام "اللي طلع ينظم عمل المواقع"، فلماذا لا يعرض على الجمعية العمومية ضوابط لقيد المواقع المرخصة يحكمها القانون"، محذرًا من إرجاء كل شيء لتعديل القانون فتخرج الضوابط عن قرار الجمعية العمومية.
توضح نورهان أن هناك أبوابًا خلفية لدخول النقابة رغم ذلك، من خلال الانضمام الصوري لبعض "الصحف الورقية اللي اعتمدتها النقابة مؤخرًا، وبيدفع الصحفيون أموالًا مقابل قيدهم في النقابة على ذمة تلك الصحف"، لكنها تستطرد "مش عايزة أعمل كده أنا حقي أدخل النقابة باسم مؤسستي".
أنا حتى الآن مجهولة الهوية غير معترف بيا مش عارفة أكتب في البطاقة صحفية، لا ليا تأمين ولا حياة عادلة، حرفيًا في الشارع
ضوابط مطمئنة
يتخوف كثيرون من أعضاء النقابة الحاليين من أن انضمام المواقع الإلكترونية إليها قد يؤثر على بدل التكنولوجيا الشهري الذي يتحصل عليه عضو النقابة وتبلغ قيمته الحالية 3 آلاف جنيه، لكن البلشي يرفض اعتبار ضم زملاء جدد بمثابة تهديد لمكتسبات الجمعية العمومية، بل يعتبره "بابًا لمساحات تشغيل جديدة"، مشددًا على إمكانية "الوصول لضوابط تفتح السوق ولا تضيقه وتضم ممارسي المهنة بشكل حقيقي بدل ما نقبل قيد من صحف مغلقة وتكون باب للابتزاز".
يطرح البلشي فكرة أخرى في حال عدم اتفاق الجمعية العمومية على ضوابط القيد "يمكن منح حماية نقابية من خلال فتح جداول أخرى مثل جدول الانتساب"، وهي جداول تسمح بانتساب الصحفي إلى النقابة ومنحه الحماية القانونية دون مزاياها المادية الأخرى مثل بدل التكنولوجيا.
لا تسعى نورهان إلى النقابة من أجل البدل، وإنما من أجل "هوية" تحميها "أنا حتى الآن مجهولة الهوية غير معترف بيا مش عارفة أكتب في البطاقة صحفية، لا لية تأمين ولا حياة عادلة، حرفيًا في الشارع، لو صاحب المكان قالي سلام عليكم يبقى سلام عليكم"، وتضيف "عندنا كارنيه صحافة من المكان اللي بنشتغل فيه لكن في النهاية الكارنيهات دي غير رسمية، مؤتمرات كتير كنت محتاجة أحضرها ويشترط إني أكون صحفية نقابية، المنتديات اللي بتتعمل ما ينفعش أشارك فيها مافيش حاجة رسمية تثبت إني صحفية غير كارنيه مؤسستي".
يعول المرشح على مقعد النقيب على الجمعية العمومية في العمل على حل يضمن ما ترجوه نورهان وزملاؤها "في رأيي لن تخاصم ممارس مهنة لكن المهم ضبط الدخول بناء على قواعد، لو لم نواجه مشاكل مهنتنا هنقفل الباب على أصابعنا كلنا".
مجلس الإرجاء
دعاء النجار عضو مجلس نقابة الصحفيين التي انضمت إليه بعد انتخابات التجديد في 2021، توضح أنه أرجأ البت في تكويد المواقع الإلكترونية التي حصلت على ترخيص المجلس الأعلى للإعلام، فيما تؤكد أن مناقشة ضم العاملين في الصحف الإلكترونية لم تطرح خلال العامين الماضيين.
تقول للمنصة "أرجأنا مناقشة الأمر بعد تشكيل هيئة المكتب الجديدة. الموضوع متعلق بفحص أرشيف وأوضاع قانونية مع المجلس الأعلى للإعلام"، وبشأن عدم طرح الأمر للدراسة على مدار العامين الماضيين توضح النجار "ماكناش بنعمل اجتماعات كتير لم يكن في متسع من الوقت"، لكنها تؤكد "المجلس لا يمانع تكويد المواقع المرخصة".
.. وميري خارج الخدمة
حاولت المنصة التواصل مع المرشح لمقعد نقيب الصحفيين، خالد ميري، الذي أرجأ الرد على تساؤلاتنا بشأن الموضوع عدة مرات متعللًا بانشغاله. فعلى مدار أربعة أيام لم يُتَح لنا الحصول على ردود وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة القيد الحالي، بعدما أعطى مواعيد مختلفة للتواصل معه تليفونيًا لم يفِ بالرد علينا خلالها، مثلما لم يرد على رسالة تضمنت رغبتنا في عرض رؤيته بشأن صحفيي المواقع الإلكترونية، وموعد النشر.
لا تعول نورهان كثيرًا على انتخابات النقابة التي قد تحسم مقاعد التجديد النصفي لأعضائها والنقيب يوم الجمعة المقبل، رغم وعود المرشحين جميعهم بإيجاد حلول لمن هم في وضعها، وتراها "مجرد وعود تخلص بعد ما يخلصوا انتخابات".
ماحدش يقول بيطلع جرنال الناس تقراه ده كلام يضحك ويبكي، الصحف كلها حسب التقديرات لا تزيد عن 100 ألف نسخة
صائدو الجوائز خارج النقابة
علاء الغطريفي، رئيس التحرير التنفيذي لمجموعة "أونا" للإعلام، التي تأسست في 2016 بهدف الاستثمار في الإعلام الرقمي، أوضح حصول المؤسسة على ترخيص المجلس الأعلى للإعلام في يونيو 2022 رغم "أننا كنا أول مؤسسة تقدمت لتوفيق الأوضاع بعد صدور القانون في 2018".
مجموعة أونا التي تضم مواقع مصراوي، ياللا كورة، الكونسلتو، وشيفت، بخلاف الوكالة الإعلانية "جيمناي ميديا"؛ تضم أكثر من 150 صحفيًا غير مقيد في جداول نقابة الصحفيين. يشير الغطريفي إلى عدد من أسماء صحفييها الحاصلين على جوائز صحفية إقليمية ودولية وفي الوقت نفسه محرومين من الانضمام لنقابة الصحفيين. ويوضح للمنصة أن المشكلة تطرح في كل انتخابات "على أي حد يزورنا ونتكلم كإدارة تحرير مع أعضاء مجلس النقابة أو النقيب".
نتائج الكلام والوعود لا تثمر في النهاية "كان فيه وعود لكن في كلام آخر يقال إن الجمعية العمومية تخشى فتح قانون النقابة"، يشير الغطريفي إلى مخاوف لدى قطاع من الصحفيين من إجراء تعديلات على قانون النقابة تؤدي لخسارة عدد من المميزات والمكتسبات القانونية الحالية.
يعترف بوجاهة المخاوف، لكنه يلفت إلى تبرير آخر قد يكون سببًا في تعطيل انضمام ممارسي المهنة للنقابة "بعض أعضاء الجمعية العمومية مش عايزة حد يشاركها في البدل"، لكنه يشدد على أهمية استمرار البدل "المهن التي تحتاج الفكر والإبداع مفروض مجتمعها يدعمها ليساعد على بقائها وتطورها"، معتبرًا أن البدل "دعم مالي أكثر منه بدل تدريب".
يرى رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا أن الصحافة الورقية انتهت "ماحدش يقول بيطلع جرنال الناس تقراه ده كلام يضحك ويبكي، الصحف كلها حسب التقديرات لا تزيد عن 100 ألف نسخة والصحف أصبحت تصدر في 8 صفحات"، يضيف "هذه الصناعة انتهت، واستبعاد المنصات الإلكترونية يعكس "مخاصمة النقابة للواقع، النقابة أصبحت ماضوية ومن يديروها ماضويين بعيدين عن الواقع وتطور العمل".
علاقات عرفية
يتوقف الغطريفي أمام العلاقة بين المنصات الرقمية ونقابة الصحفيين، وفترات التلاقي "لحظات الجوائز ولحظات الخشونة"، موضحًا "نكون حاضرين في لحظات الجوائز"، يشير إلى عضو مجلس النقابة، محمود كامل الذي كان مسؤولًا قبل عامين عن جائزة نقابة الصحفيين "طرح مبادرة لاستيعاب الأعمال المنشورة على المواقع الإلكترونية، ووافق المجلس، فأصبحنا متواجدين من خلال مسابقات النقابة، لكن علاقتي بيك كأنها علاقة عرفية"، يستنكر "زملاء يمارسون عملًا صحفيًا يحصلون على جوائز نقابة وإقليمية ودولية وفي الوقت نفسه لا تعترف النقابة بهم".
يستطرد مشيرًا إلى لحظة أخرى لتعامل المنصات مع النقابة "إذا تعرض زميل لتوقيف أو أسلوب خشن أثناء ممارسة عمله، فيحدث تدخل أيضًا بمبادرة من محمود كامل ثم تدخل النقيب".
النقابة الموازية فكرة مرفوضة
وبشأن تكوين كيان بديل يجمع العاملين في الصحف الإلكترونية، يشير الغطريفي إلى طرح دعوات سابقة في ذلك الشأن، لكنه يؤكد أنه حل مرفوض "الالتحاق بنقابة كبيرة مثل نقابة الصحفيين بتاريخها ومجدها وعراقتها مسألة مختلفة"، يشدد على ضرورة استيعاب النقابة للتغيرات الجديدة "المفروض أن الصحافة لم تنته كصحافة لكن انتهى الوسيط الورقي، غير مقبول أنك تتعامل مع المنتهي وترفض التعامل مع الصحافة الحاضرة فما يحدث هو ما يؤدي لانتهاء الصحافة"، مضيفًا "الممارسون الحقيقيون خارج النقابة لا يعترف بهم القانون المصري".
الكيان البديل أيضًا فكرة مرفوضة من جانب نورهان "أنا مش عايزة كيان موازي أو نقابة بديلة أنا حقي أدخل نقابة الصحفيين، أنا عايزة أكون تحت جناحك"، تلفت إلى أزمات لجان القيد في الفترة الأخيرة "في إداريين دخلوها وفي ناس شغالين بقى لهم سنين مش عارفين يدخلوا".
الانضمام إلى المبنى الكائن في 4 عبد الخالق ثروت بالنسبة إلى نورهان مسألة مصيرية، زارته مرة وحيدة لتناول الغداء رفقة زملائها، لكنها تنتظر مرة ثانية تدخلها فيه هذه المرة رفقة ملفها الأخضر الذي جهزته على مدار السنين، لتحصل على حقها في الاعتراف بها صحفية مصرية، فهل تسفر الانتخابات المقبلة وهيئة مجلس النقابة الجديد عمن يحقق لها ذلك الحلم المشروع؟