تصوير: عمرو عادل بإذن للمنصة
كشك صحافة بوسط القاهرة

نقابة الصحفيين.. تحتمي بقانون "الاتحاد الاشتراكي" وتوصد أبوابها أمام صحفيي المواقع

منشور الخميس 17 أكتوبر 2024

"خطوة عظيمة ومقدرة، لكنها لا تكفي"؛ لم يكن قرار نقابة الصحفيين، الذي صدر قبل أيام قليلة، بتفعيل المادة 12 من قانون النقابة التي تنظم القيد بجدول الانتساب للسماح بقيد العاملين في الصحف الإلكترونية كافيًا لسارة عادل، أدمن جروب عضوية النقابة حق للصحفيين الإلكترونيين على فيسبوك.

خاضت سارة وزملاؤها حملة في يوليو/تموز الماضي، تطالب بفتح القيد النقابي لصحفيي المواقع الإلكترونية، مستغلة أن نقيب الصحفيين الآن هو خالد البلشي، الذي كانت آخر مهامه قبل توليه منصب النقيب هي رئاسة تحرير موقع درب الإلكتروني.

كانت تصريحات البلشي قبل انتخابه نقيبًا للصحفيين في مارس/آذار 2023 كاشفة عن إيمانه بحقوق الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية، الذين يقف قانون نقابة الصحفيين حائلًا يمنع انضمامهم لجداول النقابة بعضوية كاملة، إذ يشترط القانون الحالي لقيد الصحفي أن يكون عاملًا في صحيفة يومية أو دورية "تُطبع" في مصر، أو وكالة أنباء مصرية أو أجنبية تعمل داخل البلاد. 

وتتيح ضوابط القيد في النقابة انضمام الصحفيين العاملين في المواقع التابعة للمؤسسات الحاصلة على رخص صحف مطبوعة، ولكن ليس للمؤسسات التي يقتصر إصدارها على الإنترنت فقط.

أثار قرار مجلس النقابة جدلًا واسعًا في أوساط الصحفيين، ومنهم أعضاء بالمجلس نفسه يعارضون فتح جداول الانتساب، مثل أيمن عبد المجيد وعبد الرؤوف خليفة، للدرجة التي دعت النقيب نفسه إلى التشكك في "مرور القرار داخل النقابة، في ظل موجة الاعتراض من قطاع كبير من الصحفيين النقابيين" خلال حديثه مع المنصة.

الانتساب وحده لا يكفي

"العضوية الكاملة من حقي. أنا مش عارفة أدخل نقابة الصحفيين، وفي المقابل بلاقي ناس خريجي كليات أخرى كالتجارة والمعاهد، وداخلين النقابة عادي وموجودين فيها بصفة رسمية" تقول سارة التي لم تحصل بعد على عضوية النقابة رغم دراستها الإعلام وممارستها العمل الصحفي منذ 2008.

تنتقد سارة في حديثها مع المنصة غموض بيان النقابة الذي أعلن تفعيل المادة التي تنظم القيد بجدول الانتساب "خالي من أي معلومات عن الشروط والضوابط، هو قال هيشكل لجنة لوضع الشروط ولم يحدد مدى زمنيًا لانتهاء عملها".

ورغم الانتقادات التي وجهها صحفيون غير نقابيين للخطوة المرتقبة أيَّد آخرون الخطوة مثل الصحفي ماجد عاطف الذي سبق والتقى النقيب ضمن مجموعة صحفيين يعملون في مواقع صحفية لمناقشة اقتراحات حل الأزمة. 

تعديل قانون النقابة لضم صحفيي المواقع يفتح الباب لتدخلات الحكومة والبرلمان

"النقابة فعّلت المادة 12 وشكلت لجنة لوضع الشروط والضوابط" يقول عاطف لـ المنصة مستنكرًا تحفز البعض "إزاي الناس عايزة تعرف الشروط قبل عرض الموضوع على لجنة القيد؟".

ويرى عاطف أن المطالبة بالعضوية الكاملة "تستدعي تعديل القانون 76 لسنة 1970 الخاص بتأسيس النقابة، وليس مجرد تفعيل بند من اللائحة"، وهذه خطوة تتطلب إجراءات كثيرة "من بينها موافقة الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، ونروح البرلمان، والدولة تبقى طرف في الموضوع، وبالتالي لو حد قادر يعمل ده دالوقت يتفضل. وإللي عايز يستفيد من تفعيل المادة 12 يتقدم، واللي مش عايز بلاش براحته".

وبينما تبدي سارة استياءً من ترحيب زملائها بقرار النقابة "كأنهم بيقولوا احمدوا ربنا، بيصدّروا تصور بأن الانتساب بينهي الأزمة، ودا عكس الواقع"، يعتبر عاطف أن القرار "خطوة اتاخدت. وبعدها نبدأ الخطوة الثانية، ونصل لهذا من خلال القعدة والكلام. إحنا بقى لنا أكثر من 10 سنين ماخدناش أي خطوات، دلوقتي أخدنا خطوة أحسن من مفيش، وبالتالي فعَلَاَمَ الاعتراض؟".

يتفهم البلشي غضب الصحفيين غير النقابيين من عدم إتاحة العضوية الكاملة لهم، لكنه يشدد على أن مجلس النقابة لا يملك في الوقت الحالي سوى فتح جداول الانتساب لتوفير حماية قانونية ونقابية للصحفيين العاملين في المواقع "هناك مخاوف كبيرة داخل الجمعية العمومية للنقابة من تعديل القانون"، ويشير إلى تجربة تعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي خرج من البرلمان بنسخة أسوأ من القانون الحالي، لاقت اعتراضات جوهرية من المحامين والحقوقيين.

"لو حد فكر يعدل القانون دالوقت ربما نخسر القانون الحالي"، لافتًا إلى قلقه على النصوص الحالية المتعلقة بحقوق وحريات الصحفيين في القانون.

خلاف في مجلس النقابة

في موقف مُغاير لرغبة النقيب وأغلبية أعضاء مجلس النقابة، طالب عضو المجلس أيمن عبد المجيد بتعديل قانون نقابة الصحفيين، واعتبر أن تفعيل جدول الانتساب لحل مشكلة صحفيي المواقع "تضليل للجمعية العمومية".

يقول عبد المجيد إن قيد صحفيي المواقع كمنتسبين "افتئات عليهم، بقيدهم في جدول لن يحصلوا فيه على الخدمات والمزايا النقابية من علاج وبدل تدريب والتصويت في الانتخابات أو الاستفادة من المشروعات السكنية".

ويحصل الصحفيون النقابيون على بدل شهري تحت اسم "التدريب والتكنولوجيا" من النقابة، وصلت قيمته بعد آخر زيادة إلى 3900 جنيه، ويرى الصحفي ماجد عاطف أن مخاوف الصحفيين النقابيين من فتح جدول الانتساب جوهرها القلق على مصير البدل "هم عندهم تصور إن صحفيين المواقع جايين علشان ياخدوا البدل أو أن وجودهم مؤثر على استمرار صرفه"، مؤكدًا  أن ذلك التخوف ليس في محله لأن المنتسبين لن يصرفوا البدل.

بينما يتهم عبد المجيد المتخوفين من تعديل القانون بالحرص على مقاعدهم داخل مجلس النقابة "البعض يخشى إن تم تعديل القانون من إجراء انتخابات جديدة على كامل مقاعد أعضاء المجلس الاثني عشر، فيفقد مقعده الذي كان مقررًا له تركه بعد عامين في التجديد النصفي".

"أنا باسمع التخوفات من إدخال تعديلات على القانون منذ عام 2005، وكان وقتها في عهد مبارك يقال إن الحزب الوطني مسيطر على البرلمان، وبعده الإخوان"، يتحدى عبد المجيد مخاوف النقيب من تعديل القانون.

نقيب الصحفيين خالد البلشي في مكتبه، 22 أبريل 2023.

قانون الاتحاد الاشتراكي أفضل

وعلى الرغم من وجود نصوص بقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 تجاوزها الزمن، كاشتراط حمل عضو النقابة لجنسية الجمهورية العربية المتحدة، وضرورة إبلاغ الاتحاد الاشتراكي العربي ووزارة الإرشاد القومي بأسماء راغبي القيد بالنقابة لإبداء الرأي، فإن أغلبية مجلس نقابة الصحفيين ترى في استمرار تلك المواد البالية ضمانًا أفضل للنقابة من المغامرة بتعديل القانون، قد تنتهي بالعصف بما فيه من ضمانات وحريات.

ودفاعًا عن وجهة النظر تلك، يؤكد وكيل النقابة ورئيس لجنة القيد بها هشام يونس، وهو ضمن أغلبية المجلس الداعمة لخيار الانتساب "ليس لدينا ثقة في أن يتم تعديل القانون بالطريقة التي تُرضي الجماعة الصحفية، ولدينا مثال على ذلك في قانوني الهيئة الوطنية للصحافة والمجلس الأعلى للإعلام الصادرين عام 2018".

ويضيف يونس لـ المنصة "هذا مثال منذ 6 سنوات، ولدينا مثال آخر منذ 6 أسابيع في قانون الإجراءات الجنائية، فبينما انتهى الحوار الوطني إلى تعديلات محدودة تتعلق بالحبس الاحتياطي، فوجئنا بقانون جديد لم يأخد بمقترحات الحوار الوطني، ويضم 550 مادة لم يتم طرحها للنقاش المجتمعي، ولم تأخذ حظها من الحوار، وسببت تراشقًا بين نقابة الصحفيين والبرلمان".

ويعتبر يونس أن الضغط من أجل تعديل القانون حاليًا هو "كلمة حق يراد بها باطل"، لأن تعديل القانون لا يضمن الإبقاء على مكتسبات القانون الحالي، ومنها عدم جواز القبض على الصحفي أو حبسه احتياطيًا بسبب مواد صدرت عنه أثناء ممارسة المهنة".

يرفض بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين والجمعية العمومية ضم صحفيي المواقع الإلكترونية للنقابة كمنتسبين.

ولكن أيمن عبد المجيد ليس الوحيد في مجلس النقابة الذي يتخذ موقفًا معارضًا لتفعيل الانتساب، إذ انضم إليه عبد الرؤوف خليفة "الناس مش بتفهم الفرق بين المشتغل والمنتسب. وهيقولوا على المنتسب ما هو معاه كارنيه نقابة"، مستخلصًا أن هذا "سيتسبب في فوضى بسوق الصحافة".

يرفض خليفة منح حماية لصحفيين المواقع "أنا مالي ومال اللي ما دخلش النقابة؟ هذه الحماية ستكون غير شرعية وغير قانونية".

موقف خليفة، عبر عنه كذلك محمد فتحي عبد العال، الذي بادر بتشكيل جبهة مناهضة للقرار من الصحفيين النقابيين عبر جروب واتساب، منطلقًا من أن فتح جدول الانتساب "مش وقته".

كما لفت عبد العال في حديثه إلى المنصة إلى أن "القرار يضيف أعباءً على النقابة فوق أعبائها الموجودة فعليًا، من بينها ما يشوب عمل لجنة القيد العادي من عوار مرتبط بقيد صحفيين من صحف عمرنا ما سمعنا عنها، وما يثار عن دفع من لا يمتهنون المهنة أموالًا لتلك الصحف من أجل دخول النقابة"، مضيفًا "أنت فاشل أصلًا في معاجلة مشاكل القيد، وجاي تضيف أعباء أخطر". 

ولكن البلشي يؤكد "بالعكس ضوابط القيد بجدول الانتساب ستضيق في هذا المفهوم الواسع، مراعاة للتخوفات المرتبطة بدخول منتحلي الصفة، لأننا حريصون على وجود ضوابط".

القرار لا يهدد الصحافة المطبوعة

وتتعدد المخاوف بشكل لافت، ويكون مبالغًا فيها أحيانًا، إذ يرى عضو مجلس النقابة عبد الرؤوف خليفة أن فتح جدول الانتساب لصحفيي المواقع الإلكترونية هو "نهاية الصحافة الورقية".

يرفض البلشي هذا الطرح "إذا كانت الصحف الورقية هي الأساس في القيد إلى الآن، أين شهادة الوفاة إذن؟"، مضيفًا "إذا كانت العضوية الكاملة والحق في التصويت ما زال مكفولًا لصحفيي الصحف الورقية فكيف يميت القرار الصحف المطبوعة؟".

"هل الجرائد الورقية تموت علشان النقابة فتحت للآخرين؟ ولا علشان مهنة الصحافة نفسها فيها أزمة" يتساءل البلشي، مضيفًا "بالعكس إحنا هدفنا إن المهنة تنتعش على كل مستوياتها، وبدل ما يبقى عندنا مئات العاطلين، سوف يجدون أماكن للعمل في المواقع".

وتنص المادة 12 من القانون 76 لسنة 1970 على قيد الصحفيين العرب والأجانب العاملين بصحف مصرية أو أجنبية أو وكالات تعمل في مصر بجدول الانتساب إضافة إلى "الذين يسهمون مباشرة في أعمال الصحافة متى توافرت بالنسبة إليهم شروط القيد العادي المنصوص عليها بالقانون عدا شرط احتراف المهنة".

ويجادل الفريق الرافض لانتساب صحفيي المواقع للنقابة في تفسير هذه المادة، من بينهم عضو مجلس النقابة أيمن عبد المجيد، الذي يقول إنها تقصر القيد على غير المحترفين لمهنة الصحافة، كالأطباء وأساتذة القانون الذين تُنشر لهم مقالات طبية وقانونية بالصحف، في حين أن صحفيي المواقع يحسبون من ضمن محترفي المهنة، بالتالي لا يمكن ضمهم كمنتسبين.

وإزاء ذلك، لا يمانع البلشي في فتح نقاش حول تفسير النص، لا سيما وأن جدول الانتساب قائم حاليًا، ويتم قيد صحفيين محترفين به بالفعل بموجب قرارات لجنة القيد الاستئنافي، التي يلجأ إليها من ترفض لجنة القيد بالنقابة طلبات قيدهم للاستئناف على قرار الرفض.

ضوابط منتظرة

تعمل لجنة من نقابة الصحفيين على وضع ضوابط القيد بجدول الانتساب، لذا يطالبها الصحفي ماجد عاطف بتضمين الشروط والضوابط في لائحة النقابة، بحيث تصبح قواعد عامة مجردة يجري تطبيقها على الجميع، ولا يصبح تفعيل الأمر مرتبطًا بوجود نقيب بعينه أو مجلس نقابة محدد.

كما يوصي بالقيد في جدول الانتساب عبر التعامل المباشر بين الصحفي ولجنة القيد، دون تدخل من إدارات تحرير المواقع "لأن جزءًا كبيرًا من أزمة هؤلاء الصحفيين مرتبط بإدارات تحرير صحفهم ومواقعهم، وبالتالي مفترض إنه الصحفي يروح بنفسه ويتقدم للانتساب للنقابة دون تزكية أو اشتراط ترشيح من إدارات التحرير".

ويؤكد عاطف وجود حاجة مُلحة لعدم اقتصار القيد بجدول الانتساب على الصحفيين العاملين بالمواقع الصحفية المرخصة "يجب أن يشمل الصحفيين بالمواقع التي قدمت أوراقها للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للحصول على ترخيص وسددت الرسوم". 

"لابد من تدارك أزمة تعليق المجلس الأعلى للإعلام لتراخيص المواقع المستقلة مثل المنصة ومدى مصر ومصر 360 وغيرها من المواقع التي تقدم محتوى صحفيًا مختلفًا ولديها عدد كبير من الصحفيين والمحررين" يقول عاطف.