تصميم أحمد بلال، المنصة
عقبات كثيرة في طريق الصحفيين لتحقيق حلم الانضمام لنقابتهم

بين الحلم واليأس.. رحلة الصحفيين الشاقة للوصول إلى 4 عبد الخالق ثروت

منشور الثلاثاء 15 أكتوبر 2024

قضت تهاني سليم 6 سنوات من عملها الصحفي في قسم الرياضة بجريدة الأهرام، قبل أن تفقد الأمل في الالتحاق بنقابة الصحفيين، وتتوقف عن العمل بالصحافة المطبوعة، البوابة الوحيدة لعضوية النقابة.

بدأت تهاني عملها في جريدة الأهرام في 2015 وأنهته في 2021 "ماكنش فيه تعيين وحسيت إني ماليش حق أدخل النقابة رغم كل السنين دي"، تقول تهاني التي اتجهت للعمل في إحدى المنصات الرياضية، بعدما خفت حلمها، الذي طالما راودها منذ التحاقها بكلية الإعلام ودراستها فنون الصحافة المختلفة، كما توضح لـ المنصة.

حسب قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، يحق قيد الصحفي الذي يعمل في صحيفة يومية أو دورية تُطبع في "الجمهورية العربية المتحدة أو وكالة أنباء مصرية أو أجنبية تعمل فيها، وكان يتقاضى عن ذلك أجرًا ثابتًا". 

لم يطرأ على قانون النقابة أي تعديلات تتسق مع مستجدات الواقع والتطور التكنولوجي الذي شهدته الصحافة، كما تتباطأ إدارات الصحف في تعيين المتدريبن وطلب قيدهم في النقابة، بينما تحاول النقابة تعديل لائحة القيد، وقرر مجلسها فتح جدول الانتساب للصحفيين العاملين في المنصات الإلكترونية، وما زال يبحث ضوابط الالتحاق بجدول الانتساب.

أجيال ورا أجيال

لا تقتصر عقبات الانضمام للنقابة على تجربة جيل تهاني التي بدأت العمل الصحفي منذ 2014، بل تمتد إلى أجيال سابقة خاضت التجربة نفسها في هذه المنظومة بعقبات مشابهة لم تتغير منذ عشرات السنين.

"أنا شخصيًا قعدت سبع سنوات إلى أن التحقت بالنقابة" يقول عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق لـ المنصة. يتذكر بداياته التي تخللها العمل في جريدتي صوت العرب ومصر الفتاة خلال حكم مبارك "الحكومة أغلقت الصحيفتين، وعانيت كثيرًا، لذلك أشعر بمعاناة زملائي".

لكن تجربة رنا شوقي تجاوزت السبع سنوات التي قضاها حسين في انتظار اعتراف النقابة به صحفيًا "أمارس الشغلانة من 2016 خايفة عمري يجري وأنا واقفة مكاني" تقول رنا لـ المنصة.

مر عامان ونصف العام على التحاق رنا بصحيفة المصري اليوم، تتساءل "هل سيأتي يوم التعيين قريبًا؟ أم سأنتظر لسنوات طويلة مثل بعض الزملاء الذين يروون حكايات تأخر انضمامهم للنقابة على السوشيال ميديا".

أجرى العديد من الصحفيين Career Shift خلال السنوات الأخيرة

بينما صمدت رنا ومعها مئات الصحفيين في طابور الانتظار، دفع فقدان الأمل آخرين للبحث عن بدائل ومجال عمل آخر فيما يُعرف بـ career shift، فأصبحت الصحافة مهنة طاردة. 

ترك عبد الله محمد العمل الصحفي بعد 6 سنوات من العمل بجريدة الأهرام. واتجه للعمل في مجال الدعاية والإعلان يقول لـ المنصة "مابقتش عارف إزاى أدخل النقابة؟ وكنت محتاج شغل بمرتب يكفيني وحسيت إنه 6 سنين كتير أوي بدون تعيين".

كان محمد بدأ عمله الصحفي بمكافأة شهرية تدرجت من 200 جنيه في 2016، حتى وصلت إلى ألف جنيه "زادت المكافأة الضعف بس برضه ألفين جنيه مايعملوش حاجة، وماكنش فيه تعيين يخليني أتحمل، خفت عمري يضيع ومعرفش أكون نفسي ولا أوفر احتياجاتي".

الدفع مقابل الحلم

مع جمود القانون وغياب الحقوق النقابية، باتت الأبواب الخلفية طريقًا يسلكه البعض للوصول إلى حلم القيد في نقابة الصحفيين. يلفت عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، إلى أن أمل الانضمام للنقابة دفع بعض الصحفيين العاملين في المواقع للانضمام لبعض الإصدارات المطبوعة "التي تستغلهم بطلب مبالغ ضخمة منهم كتسعيرة لدخول النقابة". 

"وقعت عقدًا بدون أجر ودفعت حوالي 12 ألف تأمينات" كان هذا المقابل الذي دفعته إيمان محمد(*) مقابل تعيينها في جريدة حزبية محسوبة على المعارضة، لتحقيق حلمها في الالتحاق بالنقابة بعد مرور 10 سنوات على عملها في الصحافة. 

يبدو أن بورصة الأسعار مختلفة تقول إيمان لـ المنصة "في زميلة دفعت 35 ألفًا وواحدة تانية دفعت 50 ألف جنيه، المبالغ بتختلف حسب كل شخص"، ولا يقتصر الدفع على مقابل التأمينات فقط، توضح إيمان أن "الجريدة تطلب من بعض الزملاء مبالغ مقابل نشر الموضوعات الصحفية، قد تصل إلى ألفي جنيه مقابل المساحة التي سيُنشر بها، ومن يدفع أكثر يحصل على مساحة وفرصة أكبر للنشر".

لم تجد إيمان طريقة أخرى تمكنها من الالتحاق بالنقابة والاعتراف القانوني بها صحفية تمارس المهنة "كانت الفرصة الوحيدة اللي بنلجأ ليها رغم خبرتنا".

كيف نعالج الأزمة؟

بعد انتقال عماد الدين حسين إلى مقاعد رؤساء التحرير يرى المشهد من زاوية مختلفة "الأمر متداخل بين جهات كثيرة منها المؤسسات الصحفية والنقابة ومجالس الإدارة وغيرها، لذلك لا نستطيع لوم أحد بعينه"ـ

مع ذلك يقدم حسين اقتراحات في محاولة لتخفيف الأزمة "ألا تزيد فترة العمل بين الجريدة والصحفي تحت التدريب عن عامين، وهي مدة كافية لتظهر الجوانب المهنية والأخلاقية والنفسية للمتدرب، بالتالي لا بد أن تتحول علاقة العمل لتعاقد رسمي، وإن لم يكن مناسبًا على الجريدة إنهاء تلك الفترة، لتتيح فرصة للصحفي ليبحث عن مكان آخر يوفر له فرصًا أفضل حتى لا ينتظر لسنوات دون أن يعرف مصيره".

تبحث النقابة وضع آلية تجبر الصحف على إخطارها بأسماء المتدربين وغير المعينين

نقابة الصحفيين تحاول الحد من الأزمة "من خلال مراسلة الصحف المعتمدة، المكودة، لديها وطلب إخطارها بشكل دوري بأعداد وأسماء المتدربين وغير المعينين"، يوضح عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل لـ المنصة.

"لم يستجب إلا عدد قليل جدًا من رؤساء التحرير " يضيف كامل، موضحًا أن المجلس يعمل حاليًا على اعتماد لائحة جديدة للقيد، لحل هذه الأزمة "أتمنى أن يتم وضع آلية تُجبر الصحف على إخطار النقابة بأسماء المتدربين". 

يشير كامل إلى أن هذا الإخطار يحمي حقوق العاملين في الصحف "حين نستقبل كشوف المتقدمين للجنة القيد، وإن لم تتضمن أسماء الزملاء القدامى يتم اتخاذ إجراء بوقف القيد عن هذا الإصدار".

في 3 سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر نقيب الصحفيين خالد البلشي بيانًا صحفيًا حول أزمة القيد بالنقابة، لافتًا إلى ضرورة التحرك، والعمل المشترك لتطوير لائحة القيد بما يناسب التطورات في المهنة، مع توسيع قاعدة اختيار الزملاء الجدد عبر إدخال ممثلين للجمعية العمومية من أساتذة المهنة؛ للمعاونة في أعمال لجنة القيد، بحيث تكون الجمعية العمومية حاضرةً في جميع تفاصيل النقابة.

لكن خطاب النقيب لم ينجح في إعادة الأمل لتهاني التي فقدت شغفها في السعي للالتحاق بالنقابة "إحنا في عصر الديجيتال الدنيا اتغيرت، مش منطقي أكون شغالة في موقع إلكتروني وأتحرم من دخول النقابة لإن معنديش إصدار ورقي".

هل يحل جدول الانتساب الأزمة؟

رغم الطفرة التي شهدتها صناعة الصحف على مدار نحو 20 عامًا، لم تتجاوب النقابة مع متغيرات المهنة ووجود مئات من الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية لا تنطبق عليهم شروط القيد. 

وأمام الضغوط على مجلس النقابة، قرر المجلس تفعيل نص "المادة 12" من قانون النقابة بفتح طلبات القيد بجدول المنتسبين، وتشكيل لجنة لوضع لائحة للقيد بالجدول، تضمن توفير مظلة نقابية لممارسي المهنة الحقيقيين، وحماية النقابة والمهنة من منتحلي الصفة.

لم يتلق الصحفيون قرار النقابة بالترحيب بل بمزيد من التساؤلات وبعض الانتقادات "البيان الأخير يعد استمرارًا للتعامل غير الشفاف من النقابة مع الملف، وصولًا إلى إقرار النقيب وأعضاء المجلس به كمسار وحيد لحلحلة الأزمة، رغم وعود النقيب في تصريحات صحفية أن هناك مسارًا آخر يتعلق بتغيير مواد القيد بالقانون الحالي، وهو المسار الذي لا نعرف إلى أين وصل أو إلى أين انتهى؟"، يتساءل الصحفي محمد زكريا لـ المنصة.

القانون منفصل عن الواقع وتتخوف نقابة الصحفيين من تعديله في ظل البرلمان الحالي

يتوقف زكريا أمام الإقرار بحق ممارسي المهنة في الانتساب باعتباره انتصارًا، مؤكدًا أن صُلب القضية السماح بأن يكون جميع ممارسي المهنة أصحاب عضوية كاملة، ولهم من بين الحقوق حق الانتخاب.

رغم الاعتراف بحقوق الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية، فالحديث عن تعديل القانون يثير مخاوف عضو مجلس نقابة الصحفيين، محمد سعد عبد الحفيظ، الذي يقرُّ  بـ"انفصال القانون عن الواقع"، لكنه يلفت إلى أنه "لا يزال يحمل ضمانات وحقوقًا للصحفيين، وأظن إذا دخل هذا القانون للمجلس التشريعي فهذه الضمانات والحقوق ستكون مهددة بالضياع"، ويعتبر أن معظم التشريعات التي تتعلق بالصحافة والحقوق والحريات التي صدرت عن البرلمان في آخر سبع سنوات "سيئة السمعة".

"العقبة الوحيدة التي تواجهنا الآن هي إدخال الصحفيين الذين يمارسون المهنة من مواقع إلكترونية ليس لديها إصدار ورقي، وسيكون الأمر محل نقاش في المؤتمر العام للنقابة بعد أسابيع لاتخاذ قرار بتعديل اللائحة الداخلية، وإدراج هؤلاء الزملاء تحت جدول الانتساب ليستظلوا بالمظلة النقابية القانونية لحين إعادة النظر في القانون" يقول عبد الحفيظ لـ المنصة.

بينما يشدد الصحفي محمد زكريا على أن استمرار تلك المخاوف يعد عائقًا أمام التغيير قد يؤدي إلى أن التعديلات لا تحدث أبدًا "الحل في التواصل الجاد من النقيب ومجلس النقابة مع الحكومة ومجلس النواب للوصول لصيغة تفاهم بشأن المواد التي تحتاج تعديلًا مع عدم المساس بالمواد الخاصة بالحريات النقابية".

تترقب تهاني قرارات مجلس النقابة بشأن جدول الانتساب "نص البيان ضبابي لم يوضح ضوابط أو شروط الانتساب ينطبق على مين؟".

تحلم رنا وتهاني وزكريا وغيرهم بالانتقال من خانة منتحلي الصفة إلى ممارسي المهنة باعتراف القانون، والتحرر من تعسف الإدارات الصحفية التي تقايضهم على حقوقهم في التعيين، والتخلص من قوانين السبعينيات التي ما زالت تحكم الصحفيين في عصر الـ AI.


(*) هذا الاسم مستعار بناء على طلب المصدر