لا زالت آية عبد الكريم* تتذكر جيدًا عندما استيقظت قبل سبع سنوات على اتصال من زميلتها تخبرها أن حلمها في الحصول على عضوية نقابة الصحفيين بات مهددًا، لأن رئيس التحرير الجديد ينوي شطب اسمها من قائمة التعيينات ما لم تقطع إجازة الوضع وتعود إلى العمل.
في اليوم التالي، حملت آية طفلها الرضيع إلى مقر الجريدة الخاصة التي تعمل بها، وقطعت إجازة وضعها قبل نهايتها "خفت شقا السنين يضيع، اضطريت أنزل. مكنش فيه قدامي حل تاني" تقول للمنصة.
ورغم أن عمر تلك الانتهاكات التي تعرضت لها آية سنوات، ولا زالت تواجهها أخريات، فإنها تظل غائبة عن برامج المرشحين والمرشحات في الانتخابات، والتي تجري على مقعد النقيب وستة من أعضاء المجلس الشهر الجاري.
تتذكر الصحفية كيف كادت ثلاث سنوات من العمل تذهب مهبَّ الريح، لمجرد أنها أصبحت أمًا في إجازة الوضع التي يكفلها القانون.
تهديدات رئيس التحرير بفصل آية من عملها ما لم تقطع إجازتها، تمنعها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي صدّقت عليها مصر لتصبح جزءًا من قوانينها المُلزمة. وتنص الاتفاقية على "حظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة والتمييز في الفصل من العمل على أساس الحالة الزوجية، مع فرض جزاءات على المخالفين".
ولم تنتهِ أزمة آية بمجرد قطع الإجازة، فبعدها "مكنتش عارفة أسيب ابني اللي عمره شهرين بس فين، وخصوصًا أن أهلي في الصعيد، ومفيش حضانة مواعيدها بتتوافق مع مواعيد شغلي. شيفتي بخلصه بالليل متأخر، والحضانات اللي جنب الجرنال آخرهم 5، مكنش قدامي حل غير إني أوديه حضانة في شارع القصر العيني كانت مواعيدها ماشية مع مواعيد شغلي".
لأنهن نساء
تشير الصحفية إلى المعاناة التي تحملتها وقتها "شغلي في الدقي، وساكنة في فيصل، كان مجهود كبير جدًا عليا.. تأثرت نفسيًا وصحيًا، ده غير مصروفات المواصلات والحضانة اللي تقريبًا كانت بتاخد كل مرتبي".
ما واجهته آية من حرمان من حقها في الإجازة ليس الشكل الوحيد من التمييز الذي تواجهه الصحفيات. فمثلًا؛ واجهت إيناس كمال نوعًا آخر حين تركت البحيرة منذ ما يقرب من 10 سنوات، وكان عمرها حينها 26 عامًا، لتبدأ مشوارها الصحفي في القاهرة، لأن أغلب الصحف والمواقع في بلد مركزي مثل مصر مقرها في العاصمة.
طالبت حملة صحفيات مصريات بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضايا العنف والتمييز ضد الصحفيات، وتوفير حماية لمقدمات الشكاوى
تروي إيناس للمنصة "اشتغلت في موقع سعودي، حصلّي مشكلة في الشغل وطلبت من رئيس التحرير التدخل، وكان راجل سبعيني. بالفعل حلها وطلب مني أروح المكتب علشان أقبض مرتبي، وبعد ما اتكلمنا وشكرته، مد إيده بالظرف واتفاجئت أنه بيشدني من إيدي، جالي ذهول ومعرفتش اتصرف، بعدها قام من مكانه وحط إيده على ضهري".
خرجت إيناس من مكتب رئيس تحريرها بعد أن تعرضت للتحرش، يغلب عليها التوتر والحزن والارتباك ولا تعلم ماذا تفعل. قررت أن تترك العمل رغم احتياجها الشديد له، إذ كان مصدر رزقها الوحيد لدفع إيجار منزلها في القاهرة.
ومنذ ذلك الحادث الذي واجهته إيناس في 2016، لم تعمل في مكان ثابت، وتعتمد على العمل الحر/freelancing، ما يضعها أمام صعوبة توفير مصدر ثابت لتوفير احتياجتها، مشيرة إلى أنها رغم مرور سنوات على الواقعة، لا زالت تترك في نفسها أثرًا كبيرًا، تتعامل بحذر مخافة أن يتكرر.
وإلى جانب التمييز والتحرش، واجهت داليا أبو المكارم* تمييزًا ثالثًا. تقول الصحفية الثلاثينية للمنصة "بعد ما رجعت من مؤتمر المناخ في نوفمبر (تشرين الثاني) اللي فات، كان فيه متدرب بيرسم شغل الورقي، لخبط الصور مع المواضيع لأنه مقراش المتن، ولما اعترضت وعاتبته تعدى عليّا لفظيًا بشكل مهين".
تضيف "لما رديت عليه لقيت الموضوع بيزيد، وكانت النتيجة إني قدمت شكاوى ضد الزميل للنقابة والهيئة الوطنية للصحافة، وبلغت إدارة الجريدة أني هعمل محضر في القسم".
تخيلت داليا أن الشكاوى ستنصفها لكن "لما رحت لرئيس التحرير وحكيتله اللي حصل اتفاجئت بتعنته ضدي وكلمني بعنف شديد مش مبرر. قدمت شكوى ضده وبعدها إجازة مفتوحة، ورغم مرور أكتر من 3 شهور على الشكوى مفيش أي جديد".
تشير داليا إلى أن "ده مسببلي أذى نفسي رهيب، خلاني مش طايقة أرجع الشغل وأنا عارفة إن ليا حق ومش عارفة أجيبه".
الهموم في صالة التحرير.. لا الانتخابات
تتابع آية الانتخابات المرتقبة، وتنوي التصويت، وإن كانت منزعجة من غياب قضايا الصحفيات عن البرامج الانتخابية. وباستثناء بضعة إشارات لأوضاع الصحفيات، تهيمن الوعود الاقتصادية والخدمية على برامج المرشحين والمرشحات.
ويعدُّ الصحفي عيسى جاد الكريم، المرشح على عضوية المجلس تحت السن، الوحيد الذي تناول برنامجه الانتخابي نقطة تخص الصحفيات المغتربات، باقتراحه تخصيص دار ضيافة لهن في وسط القاهرة، قريبة من النقابة، بالإضافة إلى إنشاء حضانة بمنطقة وسط البلد قريبة من النقابة لأبناء الزملاء والزميلات تسهيلا عليهن.
ولا يعد غياب البرامج المهتمة بالصحفيات المؤشر الوحيد على الهيمنة الذكورية، بل أيضًا عدد المرشحات مقارنة بالمرشحين. فعلى مقعد النقيب هناك 11 مرشحًا، بينهم امرأة واحدة. فيما قدّم 40 مرشحًا لعضوية المجلس النقابة، بينهم ست نساء.
وسبق ولفت مركز نظرة للدراسات النسوية، في ورقة بحثية، إلى غياب تمثيل النساء عن المجلسين المنتخبين للتجديد النصفي، الأول في 24 مارس/آذار 2017، رغم ترشح 14 صحفية، والمجلس الثاني المنتخب في 15 مارس/آذار 2019، رغم ترشح 11 صحفية.
وأشارت الورقة إلى عدم تمثيل الصحفيات في هذين المجلسين رغم أن نسبة العضوات في النقابة تبلغ 35% من إجمالي أعضاء الجمعية العمومية، دون توضيح مصدر هذه النسبة.
تواصلت المنصة مع محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين، لسؤاله عن نسبة النساء داخل الجمعية العمومية، فأوضح عدم وجود إحصائية صادرة عن النقابة بنسبة الذكور إلى الإناث.
مرشحات تبررن الغياب
وتقر وفاء بكري، المرشحة على عضوية مجلس نقابة الصحفيين فوق السن، بـ "الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات، مثل العنف اللفظي والتحقير والتفاوت في الأجر والسطو على أفكارهن نظرًا للنظرة المتجذرة لكثير من الصحفيين بعدم قدرة المرأة على إنجاز أعمال معينة لأنها ست"، لكنها تتحفظ على أن تخصص البرامج الانتخابية وعودًا خاصة بالنساء.
تبرر وفاء ذلك بأنه نوع من التمييز "بدل التمييز في البرامج الانتخابية، ممكن نطالب المجلس القادم بمجموعة من الخطوات الهامة لخلق بيئة عمل أفضل للصحفيات، مثل تفعيل لجنة المرأة، وعمل آلية لتلقي الشكاوى من الصحفيات واتخاذ مواقف جادة تجاه شكاويهن".
الأمر نفسه رأته أسماء حسنين، المرشحة على عضوية المجلس تحت السن، "هناك أولويات خاصة بالجانب الاقتصادي والجانب المهني لأنهما المشكلتان الأكثر تأثيرًا على الصحفيين عمومًا، وبالتالي كل المرشحين وضعوا برامجهم في حدود تلك النقاط".
وتعرب أسماء عن سعيها لإضافة مادة خاصة بالإيذاء، سواء تحرش أو عنف، في لائحة النقابة إذا ما نجحت في الانتخابات. كما تقول أنها ستسعى لوضع آليات للقضاء على ظاهرة تفاوت الأجور داخل المؤسسات الصحفية، بحسب حديثها للمنصة، وإن كانت لم تدرج ذلك في برنامجها.
بينما ترى منى عزت، الصحفية ومؤسِّسة مؤسَّسة النون لرعاية الأسرة، أن المرشحين يتجاهلون مطالب الصحفيات في برامجهم الانتخابية إما لأنهم غير مهتمين بها أو لا يدركونها. لكنهم يتبنون خطابًا متحفظًا إزاء الحديث عن مطالب النساء داخل النقابة وكأنه تقسيم وإضعاف لصفوف العمل النقابي، وهذا خطاب موجود لدى كثير من النقابيين في النقابات الأخرى وليس الصحفيين فقط.
وترى عزت أن وضع الصحفيات لن يتغير إلا بوجود تمثيل نسائي عادل داخل مجلس النقابة، متمنية أن يتم إقرار كوته للمرأة داخل النقابة بالمماثلة مع كوتة الشباب.
نصف مكسب
انكسرت الهيمنة الذكورية على مجلس نقابة الصحفيين في الانتخابات الماضية خلال التجديد النصفي عام 2021، والتي تأثرت بحملة أطلقتها عدد من الصحفيات في 2020 تحت اسم "صحفيات مصريات" نشرت من خلال هاشتاج "بيئة عمل آمنة للصحفيات"، شهادات لصحفيات تعرضن لانتهاكات داخل المؤسسات الصحفية.
دفعت تلك الحملة بعض المرشحين والمرشحات آنذاك لإدراج مقترح تدشين لجنة للمرأة ضمن برامجهم الانتخابية، ومن بين هؤلاء الصحفية دعاء النجار التي فازت بعضوية المجلس، كما ترأست لجنة المرأة التي تم تدشينها في أول اجتماعات المجلس اللاحقة للانتخابات، في أبريل/نيسان 2021، ورغم مرور عامين على إطلاقها لم تُحدث التأثير المرجو.
لكن حتى ذلك لم يكن كافيًا بحسب الكاتبة الصحفية حنان فكري، عضوة مجلس النقابة سابقًا، والتي تعتبر أن ما يحدث داخل قلعة الحريات هو صورة مصغرة للوضع العام غير الداعم للمرأة "أكبر دليل على ذلك أنه خلال أكثر من 80 عامًا، لم يدخل المجالس المختلفة سوى 10 عضوات فقط".
وترى حنان أن المجالس السابقة لم تكن لديها نية حقيقة لحل أزمات الصحفيات، "وأبرز مثال على ذلك عدم تفعيل لجنة المرأة حتى الآن رغم قرار تشكيلها منذ عامين"، متسائلة "أين النقابة من تسليع الصحفيات واستخدامهن في جلب الإعلانات، وتشويههن، وانخفاض أجورهن؟".
لكن رئيسة لجنة المرأة في مجلس النقابة دعاء النجار، رفضت ذلك، قائلة للمنصة إن اللجنة "تعمل على قدم وساق لحل أزمات الصحفيات، وتعاملت مع كافة الشكاوى التي وصلت إليها". مشيرة إلى أن تقرير اللجان سيصدر خلال أيام قليلة "ومن ضمنهم تقرير لجنة المرأة وإنجازاتها".
وعند سؤالها عن عدد الشكاوى التي وصلت إليها ولماذا لم يتم الإعلان عنها وتوضيح مسارات التدخل فيها، أفادت بأنها لا تتذكر عدد الحالات أو الشكاوى، وأن "الشاكيات يفضلن مبدأ السرية في الشكوى لذا لا يُعلن عنها".
وردت النجار على سؤالنا عن العقوبات أو القرارات التي تتم مع المشكو في حقهم، "على حسب الشكوى، فإذا كانت من متدربين غير نقابيين لا نستطيع اتخاذ إي إجراء معاه"، لكن حتى الصحفية المعنّفة داليا أبو المكارم، ورغم أنها نقابية، تؤكد أن شكوتها "محصلش فيها تحقيق، ومفيش جديد حتى الآن رغم مرور حوالي 4 شهور ع الشكوى، ومحدش تواصل معايا سواء من لجنة التسويات أو حتى المرأة".
ومؤخرًا، أطلت حملة "صحفيات مصريات" مجددًا للتذكير بهمومهن قبيل الانتخابات. وطالبت الحملة في بيان عبر صفحتها على فيسبوك بـ"تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضايا العنف والتمييز ضد الصحفيات، وتوفير حماية لمقدمات الشكاوى، وإلزام المؤسسات بتوفير دور حضانة لأبناء الصحفيات في المؤسسات التي يصل فيها عدد الصحفيات لــ50 وفقًا لقانون العمل".
خلال أيام، ستتوجه آية التي أصبح طفلها في المرحلة الابتدائية، للإدلاء بصوتها في انتخابات النقابة بعدما استقرت على من ستختارهم، وإن لم يلتفت أيٌّ منهم لمشكلاتها، متمنية أن يأتي يوم لا يخشى فيه المرشحون تبني قضايا المرأة لعدم خسارة الأصوات.
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر.