أثناء يوم عمل عادي داخل صالة تحرير اليوم السابع، التي تتسم بمساحتها الكبيرة، دار نقاش بين عدد من العاملين وبعض قيادات الجريدة من مديري ورؤساء التحرير التنفيذيين، حول انتخابات نقابة الصحفيين. مزح أحد الصحفيين "هاكتب على الفيس أني هنتخب البلشي كاشتغالة وأشوف رد الفعل"، ليلقى تحذيرًا من أحد رؤساء التحرير التنفيذيين "ده مخالف لقرارات المؤسسة".
استفسر الصحفي، الذي كان ينوي بالفعل انتخاب قائمة من المرشحين المعروفين بتأييدهم للنظام، من اثنين من رؤساء التحرير التنفيذيين عن "مخالفة إعلان أي موقف على فيسبوك"، فكانت الإجابة "محدش هيشوفك عند الصندوق، بس بلاش تعلن أي حاجة غير اللي بيتبناها الجرنال، لربما الإدارة تاخد مواقف في ده"، وفق ما أخبر المنصة طالبًا عدم نشر اسمه.
الحديث الذي ظنه المصدر "نصيحة شخصية"، سرعان ما بدا وكأنه تعليمات عامة. ففي اﻷسبوع الماضي، وعقب اجتماع تحريري، نبّه عدد من القيادات الصحفية على المحررين في عدد من أقسام الجريدة، بعدم الإعلان عن تأييد أي مرشح خلاف "المرشحين الذين يحظون بدعم رسمي"، مع التأكيد "ده مش قرار من الإدارة لكن حرّص ولا تخوّن".
يتقاطع الموقف السابق مع ما أكده مصدر ثانٍ بالجريدة، شدد على عدم الإفصاح عن هويته، بقوله "وقت زيارة المرشح سامي عبد الراضي، وقف رئيس التحرير أكرم القصاص في وسط الصالة في الدور الخامس، وقال إحنا طبعًا بندعم محمد السيد، (صحفي المؤسسة) مع سامي عبد الراضي لعضوية المجلس، وخالد ميري على منصب النقيب، وده موقفنا اللي بنتبناه".
باستثناء صحفيين اثنين داخل المؤسسة، أحدهما صرح علنًا أنه لن يدعم زميله بالجريدة، نكاد لا نلحظ أي موقف معلن من العاملين بالمؤسسة خلاف المرشح الذي يحظى بتأييد حكومي، وهو رئيس تحرير جريدة اﻷخبار شبه الحكومية خالد ميري.
ومن المقرر أن يتوجه أعضاء النقابة بعد غد الجمعة، لاختيار نقيبهم وستة من أعضاء المجلس ضمن انتخابات التجديد النصفي التي تأتي في جو من الاستقطاب، وفي ظل سيطرة السلطات على النقابة من خلال النقيب الحالي، الذي يتولى مناصب منها رئيس هيئة الاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، وغالبية داخل المجلس تُعرف بتأييدها للنظام.
وتقام هذه الجولة الانتخابية تحت إشراف هيئة النيابة الإدارية، بناء على طلب رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات ضياء رشوان. وهي انتخابات دورية تُنظّم كل عامين، يُجدد فيها نصف أعضاء مجلس النقابة البالغ 12 عضوًا، بالإضافة إلى النقيب.
رقابة ذاتية
يفرض الموقف داخل اليوم السابع تساؤلات بشأن بقية الصحف والمواقع، خاصة "المستقلة". هنا يؤكد أحد الصحفيين بجريدة الدستور أنه تلقى "تعليمات من رئيس القسم بعدم إعلان أي انحياز لمرشح تيار الاستقلال خالد البلشي، بس المرشحين على العضوية عادي".
وتتناقض هذه التعليمات الداخلية مع تأكيد رئيس تحرير الدستور محمد الباز علانية في مقطع فيديو على صفحته بفيسبوك، أن الانحياز ﻷيٍّ من المرشحين ليس عيبًا، ومن الطبيعي أن ينحاز صحفي لميري وآخر للبلشي وثالث لسيد الإسكندراني، وغيرهم. مؤكدًا على "حرية الصحفي في الانحياز والاختيار، امال هي اسمها انتخابات إزاي؟".
وعلى الصعيد ذاته، قالت صحفية بجريدة الوطن إن "المناخ العام بالجريدة يميل نحو تأييد خالد ميري لقربه من السلطات". وفي الوقت الذي نفت فيه تلقي أي تعليمات من رؤسائها بشأن إعلان انحيازاتها على السوشيال ميديا، أشارت إلى ما يعرف بـ"سياسة السوشيال ميديا" المنصوص عليها في عقود الصحفيين مع المؤسسة.
وأوضحت أن هذه السياسة تنص على أن حساب الصحفي على السوشيال ميديا "يوضع تحت رقابة الجريدة، ويشترط أن يتوافق مع التوجهات السياسية للصحيفة، وفي حال مخالفة ذلك يتعرض للجزاء"، مشددة على اشتراط المؤسسة على الصحفيين الذين يتبنون آراء معارضة "إن أرادوا التعبير عن رأيهم فليعبروا من خلال أكاونتات شخصية مفيهاش أي داتا عن شغلهم".
فيما أكد مصدر ثانٍ أيضًا داخل جريدة الوطن، يتولى منصبًا تحريريًا قياديًا، أن عدم إعلان أي صحفي دعمه لمرشح تيار الاستقلال أو المعارضة، خاصة على مقعد النقيب ليس قرارًا مؤسسيًا، إنما "نابع من رقابة ذاتية يمارسها الصحفي على نفسه ويتجنب بها أي أذى يتوقعه".
وعود واستقطاب
ومع بدء العدّ التنازلي ليوم التصويت، يزداد الاستقطاب اشتعالًا، بين تيار المعارضة داخل النقابة المعروف باسم "تيار الاستقلال"، وآخر يؤيد النظام السياسي. وأعلن خالد ميري أن الحكومة أبلغته بأن زيادة بدل الصحفيين والمعاشات بقيمة 600 جنيه ستُفعَّل مع بداية الشهر المقبل، بدلًا من تطبيقها بداية السنة المالية في يوليو/تموز، وذلك بغض النظر عن نتائج الانتخابات.
الوعد الحكومي لميري، دفع البلشي إلى إرسال خطاب إلى مجلس الوزراء يطلب فيه إقرار زيادة سنوية لبدل التدريب والتكنولوجيا الذي يحصل عليه كل أعضاء النقابة، بقيمة تتناسب مع حجم التضخم السنوي. مطالبًا بتحديد قيمة الزيادة الوشيكة، حتى لا تؤثر على قرارات الناخبين.
التوجيهات المباشرة أو غير المباشرة، والوعود الحكومية التي يراها البعض دعمًا لمرشح بعينه، لم تكن بعيدة عن جولة الاستقطاب الانتخابي. لكن البطل هذه المرة لم يكن أي من المرشحين، إذ أطلّ الإعلامي أحمد الطاهري عبر فضائية إكسترا نيوز، ليرد على بوست لنقيب الصحفيين اﻷسبق يحيى قلاش، انتقد فيه ما اعتبره تدخلًا في انتخابات النقابة، من خلال استضافة "مرشح واحد بلا منافسين"، وهو خالد ميري.
وقال الطاهري خلال برنامجه كلام في السياسة "أسامة أنور عكاشة، في رائعته ضمير أبلة حكمت طرح سؤالًا. المعلم الذي يجب أن نعهد إليه بتربية أبنائنا.. من المسؤول عن تربيته؟"، وتابع "بالقياس السؤال نفسه ينطبق على الصحفي عضو نقابة الصحفيين اللي المفترض يوجه رأي عام ويخاطب رأي عام ويشكل وعيه".
وبرر استضافته لميري دون استضافة أي من منافسيه، بقوله "مع وافر الاحترام لـ11 مرشح على مقعد النقيب، المرشح الأهم هو رئيس تحرير جريدة الأخبار، وبمناسبة التاريخ، ياريت كاتب السطور (يقصد قلاش) يعرفنا أضاف إيه لمهنة الصحافة؟ أضاف إيه لنقابة الصحفيين لما كان نقيب؟ هذه اللغة تؤكد حقيقة فترة توليه نقابة الصحفيين وأنه كان نقيبًا لمجموعة بعينها، وليس لجموع الصحفيين في مصر".
من جهته، ركز قلاش على ما اعتبره عدم انتماء الطاهري، الذي يترأس قطاع الأخبار في شركة المتحدة وكذلك تحرير مجلة روزاليوسف، للمهنة. واصفًا الوضع بـ"المأساة، خاصة لمسؤول في موقع كبير"، وشدد على أن دور الإعلام "لا أن يقول آمين طول الوقت وبالوضع الحالي جريدة الوقائع الرسمية تغني عن دور الإعلام".
محاصرون بالتوجيه
وتوقع قلاش في حديثه مع المنصة أن تتسبب تصريحات الطاهري في استفزاز الجمعية العمومية، رافضًا ما أسماه بـ"لغة التخويف" التي تدعي أن انتخاب مرشح على غير وفاق مع الدولة قد يؤدي لصدام يضر بالنقابة والصحفيين. وقال "السوابق تؤكد أن النقباء من تيار الاستقلال لم يتصادموا مع الدولة، بل المكاسب الأكبر لا تتم إلا مع المجالس القوية مش المجالس اللي هدفها الفتات".
وبرهن قلاش على توقعه بأوضاع الصحفيين على مدار السنوات الستة الأخيرة التي أدارت فيها النقابة "مجالس مهادنة" على حد وصفه، مضيفًا "لو كلامهم صحيح (بشأن رعاية الدولة لمجالس مؤيدة لها) كان زمانّا بنعوم في بحور من العسل".
ولفت إلى أن الست سنوات الماضية أسفرت عن أزمات ضخمة من تردي أوضاع الصحفيين المعيشية وقلة فرص العمل "أنا بسميه ركام نقابي، والجمعية العمومية أمام اختبار حقيقي في انتخابات استثنائية".
من جانبه رفض الطاهري التعليق على حديث قلاش، وقال للمنصة "أنا اللي عندي قلته، وأنا لا أصرح للإعلام عمومًا"، متابعًا "لو عايز أقول حاجة بكتبها في مقال رأي أو بقولها في البرنامج بتاعي".
لا يتفق المصدر الأول الذي تحدث إلى المنصة من اليوم السابع مع الطرح الذي يقدمه قلاش، لكنه بعد أن كان ينوي انتخاب ميري نقيبًا، يرى أنه بات الآن محاصرًا بالتوجيه، "مش متفق مع تيار الاستقلال، بس كمان حاسس أن فيه موقف مفروض عليّا، وده شيء ضد كرامتي المهنية"، قائلًا أنه غالبا سيخرج من صراع الاستقطاب حين يدلي بصوته في صندوق الانتخابات، "محدش يفرض علينا، هاصوت ﻷي حد تاني فُرصه في النجاح معدومة".