منشور
الاثنين 27 مارس 2023
- آخر تحديث
الاثنين 27 مارس 2023
لا يقف فوز الكاتب الصحفي خالد البلشي بموقع نقيب الصحفيين المصريين في الانتخابات التي جرت قبل أيام عند حدود شارع عبد الخالق ثروت (مقر نقابة الصحفيين وسط القاهرة)، بل ستمتد تأثيرات تلك النتيجة على المشهد السياسي الذي يترقب الفاعلون فيه استحقاقات انتخابية مهمة خلال العامين المقبلين، تبدأ بالمعركة الرئاسية في 2024 وتنتهي بالبرلمانية في 2025.
لم يفز البلشي وحده في تلك المعركة التي جذبت أنظار المراقبين والمتابعين في مصر وخارجها، إذ فاز من معسكره المعروف بعدم ولائه للسلطة الحاكمة 4 مرشحين، تنافسوا على مواقع العضوية البالغ عددها 6 في انتخابات التجديد النصفي للنقابة، وهي نتيجة تحمل أيضًا دلالات بالغة الأهمية.
تمكن البلشي ورفاقه من نيل ثقة أكثر من نصف أصوات أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين الذين شاركوا في الانتخابات رغم ما مارسته الحكومة من ضغوط وما قدمته من إغراءات ومزايا، سعيًا منها لحشد أصوات الجماعة الصحفية لصالح المرشحين المقربين منها.
معركة صعبة
النقيب المنتخب ومرشحو معسكره لم يحصلوا خلال المعركة على فرص متساوية في منصات الإعلام، ولم يُمكنوا من التواصل مع الناخبين بالقدر ذاته الذي سمح به لمنافسيهم، وبطيعة الحال لم يكن في استطاعتهم أن يعدوا جمهورهم بتسهيلات أو مزايا عرضها المرشحون الذين عرضوا أنفسهم باعتبارهم "مرشحي الدولة"، فقط تعهدوا بمحاولة عَدْل الأوضاع المقلوبة، والدفاع عن حق الصحفيين في أداء عملهم دون وصاية أو ملاحقة أو ضغوط من السلطة التي سيطرت بممارساتها على وسائل الإعلام، ما جعل معظمها يقدم محتوى لا يختلف كثيرًا عن النشرات والبيانات الحكومية الترويجية.
رغم إمكانياتها الفقيرة ماديًا استطاعت حملة البلشي إقناع الناخبين بضرورة تغيير الأوضاع البائسة، ورغم تقديرات البعض بأن مهمة تلك المجموعة المحدودة المؤمنة بقضايا الحرية شبه مستحيلة فإنهم حققوا المستحيل، ليس لأنهم الأفضل تنظيمًا أو الأكثر عددًا وقدرة على الحشد، بل لأنهم قدموا خطابًا مغايرًا للخطاب الحكومي الذي روجه منافسوهم.
فبينما كان بعض المرشحين يروجون أو يُروج لهم على أنهم "قائمة مرشحي الدولة"، طرح البلشي ورفاقه أنفسهم على زملائهم باعتبارهم مرشحي الجمعية العمومية، يعبرون عن همومها وأزماتها التي نتجت بشكل مباشر عن تدخل السلطة في تفاصيل صناعة وإنتاج المحتوى الصحفي.
انحاز الصحفيون إلى المجموعة التي أعلنت بوضوح أنها غير محسوبة على السلطة وعبرت في دعايتها وخطابها عن أوجاع الصحفيين المهنية والاقتصادية، والأخيرة مرتبطة بالأولى، فتدهور الأحوال المعيشية للعاملين بالمنصات الصحفية هو نتيجة مباشرة للتردي الذي طال المهنة في السنوات الأخيرة إثر سيطرة النظام على وسائل الإعلام وتحكمه في تحديد الأجندة التحريرية، ورفعه لمجموعة محدودة من المحاسيب إلى مراتب ومواقع لا يستحقوها ولا تتناسب مع كفاءاتهم وقدراتهم وتاريخهم المهني.
انتخابات نقابة الصحفيين وما آلت إليه ألقت بظلالها على فضاء العمل السياسي، فهناك من ربط بين نتائجها ونتائج انتخابات نقابتي المهندسين والأطباء التي جرت العام الماضي، وانتهت بفوز مرشحين مستقلين في مواجهة مرشحين مدعومين من الحكومة، وبين ما يمكن أن يتحقق في الاستحقاقات الانتخابية السياسية المقبلة قياسًا على تلك التجارب، فيما يرى فريق آخر أن اعتبار نتائج انتخابات النقابية المهنية بوصلة أو مؤشر على ما يمكن أن يجرى في الانتخابات العامة، رئاسية كانت أم برلمانية، بمثابة "تعميم مخل ومقاربة ليست في محلها".
الإرادة الشعبية
في صباح اليوم التالي لإعلان نتيجة فوز البلشي ورفاقه أصدر السياسي المعارض والنائب البرلماني السابق محمد أنور السادات بيانًا عدَّ فيه النتائج رسالة قوية إلى الدولة المصرية، تؤكد أن "الإرادة الشعبية تنتصر في النهاية مهما كان حجم الدعم أو المساندة لمرشح الدولة ومهما كان حجم المعوقات المباشرة أو غير المباشرة التى يواجهها بعض المرشحين".
السادات وهو قيادي في الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، يرى أن تجربة البلشي تحمل معها أملًا جديدًا في تحقيق مزيد من النجاحات وتؤكد أن "المعارضة إذا آمنت بقدراتها وأعادت شحن طاقاتها ربما تصنع معجزات، فلم يكن الكثير يتخيل فوزه وهو يرأس أحد المواقع الإلكترونية المحجوبة".
لا يمكن إنكار أن نتائج تلك الانتخابات فتحت بابًا للأمل في التغيير السلمي الديمقراطي
هذه الرؤية قابلها تصور آخر يدعو إلى عدم تحميل تجربة انتخابات نقابة الصحفيين أكثر مما تحتمل، ويرى أصحاب ذلك الرأي أن مقاربة انتخابات النقابات المهنية بالاستحقاقات السياسية العامة هي معادلة مختلة، فعناصر المنافسات الانتخابية النقابية تختلف تمامًا من وجهة نظرهم عن الانتخابات العامة، بدءًا من الجمهور ومطالبه ودرجة وعيه وصولًا إلى المنافسين المترشحين وخطابهم، فضلًا عن آليات التنظيم وأدوات الحشد ومستوى التدخل الأمني.
ويبقى لكل رأي من الرأيين وجاهته، فلا يمكن إنكار أن نتائج تلك الانتخابات فتحت بابًا للأمل في التغيير السلمي الديمقراطي، ويمكن اعتبارها درسًا للمعارضة المدنية التي تستعد لخوض معارك انتخابية خلال العامين المقبلين. وبنفس الدرجة، لا يجب أن نغفل عن أن معطيات وعناصر المنافسة تختلف بعض الشيء عن الاستحقاقات السياسية وبالتالي لا يمكن الجزم بأن النتائج ستكون واحدة.
ما بين هذا الرأي وذاك، يبقى أن نقف عند العنصر الحاسم الذي رجح الكفة في ذلك الاستحقاق، فما حسم المعركة هو التصويت العقابي الذي استخدمته "الكتلة الحرجة" من أعضاء الجمعية العمومية كرسالة احتجاج على سوء إدارة السلطة لملف الإعلام، وعلى سياستها وتوجهاتها الاقتصادية التي أدت إلى وقوفهم على حافة الفقر ليتساوى معظمهم مع غالبية الشعب المصري الذي اكتوى بنار التضخم.
حسم الغضب في تلك الانتخابات المعركة لصالح مرشح بلا مؤسسة صحفية، وبلا حملة بالمعنى التنظيمي للحملات الانتخابية، وبلا دعاية تقريبًا.
رغم اختلاف الجمهور في المعركة الانتخابية النقابية عن الجمهور العام، فإن الغضب من سوء الإدارة وما سيتبعه من رغبة في العقاب سيظل العنصر الذي سيتحكم في نتائج أي استحقاق مرتقب.
ففي أي منافسة انتخابية يكون بها حد أدنى من النزاهة والشفافية، إلى جانب وجود بديل يملك خطابًا مقنعًا وحملة مؤمنة به وبضرورة التغيير، يخسر أي مرشح للسلطة أيا كانت وعوده وإغراءاته ومهما بلغت ضغوط الأجهزة ورجالها لحشد الناس للتصويت له.
التصويت العقابي ضد ممارسات السلطة سيكون العنصر الحاسم للنتيجة، فالضجر من الإخفاق وسوء ترتيب أولويات الإنفاق بلغ مداه. ولو فُتح الباب أمام الناس للتعبير عن غضبهم بشكل ديمقراطي ومن خلال الصناديق فسيأتي الناس إلى لجان الانتخابات أفواجًا، ولن يضيرهم وقوفهم في طوابير التصويت بالساعات حتى يتخلصوا من الواقع بكلفة أقل من نزولهم إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لمجمل السياسات.
لا يجب أن نُسقط من الاعتبار أن ما جرى في محيط نقابتي الصحفيين والمحامين ونادي القضاة كان أحد إرهاصات ثورة 25 يناير، فالوقفات والمظاهرات التي لم تتوقف على مدار نحو 6 سنوات كانت بروفة لخروج الناس إلى الشوراع بالملايين عندما ضاقت أمامهم سبل التغيير عبر آلية الصندوق. في هذه المرة ما جرى في انتخابات النقابات قد يكون بشارة لما بعده، فالأمل تجدد في تغيير الأوضاع بوسيلة سلمية ديمقراطية وبكلفة أقل لا يضطر معها الناس إلى التعبير عن غضبهم على النحو الذي جرى قبل 12 سنة.