في مايو/أيار الماضي فوجئت مي المرسي، ولية أمر طفلين في مدرسة لغات بمدينة الفردوس، بحي حدائق أكتوبر، بزيادة أكثر من 30% في مصاريف ابنيها للعام الدراسي الجديد.
انضم ابنا مي للمدرسة منذ 10 سنوات "لكن ماكنش عندنا الوعي بالقانون إن المفروض المدارس تعلن الزيادة بعد قرار الوزارة أو طريقة الإعلان أو أننا ممكن نشتكي، وإن المفروض الأقساط تكون على أربع مرات".
كونت مي ومجموعة من الأهالي "جروب واتساب وعملنا شكوى في الوزارة في يونيو (حزيران) اللي فات" تقول لـ المنصة.
كانت وزارة التربية والتعليم أبقت على الحدود القصوى لزيادات الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة والدولية دون تغيير في العام الدراسي الجديد 2025/2024 الذي ينطلق في سبتمبر/أيلول الحالي، وذلك للعام الدراسي الثاني على التوالي، وفق بيان وزارة التربية والتعليم.
وتتدرج نسب الزيادة المقررة من الوزارة نزولًا كلما ارتفعت قيمة المصروفات، حتى تصل إلى 6% للمدارس المحلية التي تتجاوز مصاريفها 35 ألف جنيه سنويًا، لكن العديد من الأهالي يقولون إن المصروفات الفعلية تجاوزت هذه النسبة بقيم كبيرة.
تبدو قدرة الوزارة على التسعير الجبري محدودةً للغاية أمام قدرة المدارس على فرض زيادات مضاعفة، وهو ما دفع الأهالي إلى تنظيم أنفسهم في جماعات للضغط لتطبيق قرارات الوزارة؛ وهي التحركات التي حاولنا رصد بعضها في هذه القصة.
الحراك الأهلي في مواجهة الزيادات
تدفع مي مصروفات المدارس على ثلاثة أقساط، متقبلة ما تطالبهم به المدرسة من زيادات، لكن مع انفلات معدلات التضخم خلال السنوات الأخيرة بدأت الأم تتقصى ضوابط زيادة المصروفات "عرفنا أن المصاريف المفروض تبقى ورقة متعلقة، معاها تعليمات رئيس الوزراء، شفنا الكلام ده في المدارس القومية وغيرها، لكن مدرستنا بتحط ورقة مالهاش سند قانوني".
توجهت مجموعة مي إلى الإدارة التعليمية "عملنا شكوى إن المدرسة بتطالبنا ندفع 60% من المصاريف بحلول سبتمبر (أيلول)، والزيادة قربت على 30%".
كانت مي تدفع لابنتها في المرحلة الابتدائية وابنها في المرحلة الإعدادية 35 ألف جنيه لكل طالب "لكن مع الزيادة وصلت 47.5 ألف".
وتعاني البلاد من تفاقم معدلات التضخم في ظل تذبذب أزمة شح الدولار التي أثرت في نشاط القطاع الخاص، وبينما هبط التضخم من ذروته في سبتمبر الماضي عند 40.3%، لا يزال فوق مستوى الـ20% بسبب إجراءات أوصى بها صندوق النقد الدولي لزيادة أسعار البنزين والكهرباء.
مجموعة مي ليست الوحيدة على مستوى الجمهورية، حيث طالب في يونيو الماضي أيضًا ائتلاف أولياء أمور بتدخل وزارة التربية والتعليم للحد من زيادات مصروفات العام الجديد 2024-2025، التي وصلت إلى 100% في بعض الحالات، حسب قولهم.
مع اتساع نطاق التعليم الخاص بلغ عدد الطلاب المنضمين لمدارس خاصة نحو 2.8 مليون طالب
وائتلاف أولياء الأمور هو جروب على فيسبوك تأسس في 2020، لديه قدرة على التواصل مع وزارة التعليم والظهور في وسائل الإعلام، ويضم نحو 20 ألف عضو.
من جانبها، تنصح وزارة التعليم الأهالي بالتوجه بشكواهم إلى أجهزة التوجيه المالي والإداري بالإدارات التعليمية، وفي حال ثبوت قيام أي مدرسة بمخالفة الحدود القصوى المقرة من الوزارة سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها.
وهي طريقة غير عملية في نظر داليا الحزاوي، مؤسسة ائتلاف أولياء الأمور، التي تقول لـ المنصة "إحنا في عصر الإنترنت والموبايل، لذا نرجو من الوزارة توفير وسيلة سهلة لتوصيل شكاوى أولياء أمور المدارس الخاصة مثل خط ساخن أو إرسال الشكاوى إلكترونيًا".
لكن بالمشاركة مع أولياء أمور آخرين، حاولت مي السير في الطريق الصعب، فتوجهوا للوزارة بالشكوى وفق المسار المحدد لهم.
تكشف تجربة مي صعوبة إثبات المخالفة، فرغم تلقيها وغيرها من الأهالي إخطارات من المدرسة بالإيميل بخصوص مصروفات السنة الجديدة، لم تعتمد وزارة التعليم على شهادات الأهالي كدليلٍ كاف، واتجهت بالسؤال للمدرسة التي نفت الأمر.
لذا كان حكم الوزارة النهائي بأن المدرسة ملتزمة بالمستويات القانونية المحددة للزيادة، واستشعر الأهالي القلق من رد فعل المدرسة "كنا خايفين يعاملوا الأولاد وحش" تقول مي.
لكن مي لم تخرج خاسرة تمامًا، فالمدرسة خفضت المصروفات للأهالي، وأبلغتهم بعد هذه الواقعة أنها لن تتعدى الـ41 ألف جنيه.
الحرب مستمرة
المعركة ذاتها خاضتها مروة البنا، التي تعمل طبيبة أسنان، تقول لـ المنصة "قررت أحول بنتي من قسم اللغات في المدرسة للقسم الدولي، لقيت الفرق أقل من 10 آلاف جنيه، كانت بـ36 ألف جنيه، من سنتين بقيت 45 ألف جنيه، السنة اللي فاتت وصلت لـ67 ألف جنيه".
هذا العام شهدت المصروفات زيادة ملحوظة أخرجت المدرسة التي تقدم نفسها باعتبارها غير هادفة للربح من القائمة، تقول مروة "المصروفات تخطت 88 ألف جنيه بنسبة زيادة تجاوزت 30%".
تتحايل المدارس بإعلان الزيادات بعد انتهاء فترة التحويلات كنوع من تدبيس الأهالي
بررت إدارة المدرسة، التي تقع في محافظة الجيزة، الزيادة بتغير سعر صرف الدولار رسميًا، وأيضًا اختلاف سعر الكتب المدرسية بعد أن تخطت رسومها 15 ألف جنيه "السنة اللي فاتت ما حدش استلم كتب، ما كانش فيه غير كتاب والباقي مذكرات المدرسين عاملينها"، ترد مروة على تبرير المدرسة.
لا تجد مروة، التي لديها ابنتان في المدرسة، مبررًا لزيادة مصروفات الباص التي وصلت لـ30 ألف جنيه للطفل الواحد "مصاريف حفلة آخر السنة 17 ألف جنيه للطفل الواحد عشان يلبس شابوه التخرج وأهله يفرحوا بيه".
صاحبت شكوى مروة 105 شكاوى أخرى لأولياء أمور توجهوا بها إلى رئاسة مجلس الوزراء، كما تقدموا بشكاوى للرقابة الإدارية للتحقيق في تحصيل رسوم حفلة التخرج من الطلاب وأولياء أمورهم رغم أن المدرسة غير هادفة للربح "خفنا المصاريف توصل لـ150 ألف جنيه، لأن كده نسبة الزيادة وصلت 100% من المبلغ المدفوع من سنتين بس" توضح مروة. نجحت الشكاوى في دفع المدرسة إلى التراجع عن الزيادة، لتلتزم بالقرار الوزاري الذي ينص على زيادة 10%.
تؤثر هذه المعارك الصغيرة على شرائح واسعة من أهالي طلاب المدارس، مع اتساع نطاق التعليم الخاص، حيث بلغ عدد الطلاب المنضمين لمدارس خاصة نحو 2.8 مليون طالب.
وتمثل المدارس الخاصة الملاذ لقطاعات كبيرة من الطبقة الوسطى تطمح أن يتلقى أبناؤها مستوى تعليم أفضل من الحكومي حتى وإن كان بمصروفات أعلى، وفقًا لتقرير لـ البنك الدولي، لكن الضغوط التضخمية الأخيرة جعلت الطبقات الوسطى أقل قدرة على تحمل الزيادات الكبيرة في المصروفات التعليمية، فالتعليم لا يمثل أكثر من 6% من متوسط إنفاق الأسرة، بينما تعاني العائلات من انفلات أسعار المكون الأكبر في الإنفاق، الغذاء.
الكتب خارج نطاق الرقابة
خارج نطاق تعليمات الوزارة، تستطيع المدارس زيادة أسعار بنود أخرى غير المصروفات الأساسية، مثل الكتب والمستلزمات التعليمية ورسوم الأنشطة.
تقول يمنى محمود والدة بنتين في المرحلة الثانوية بمدرسة نصف دولية/semi-international في التجمع الخامس لـ المنصة "أسعار الكتب في مدرسة بناتي ارتفعت من 10 آلاف إلى 20 ألفًا للطالب، مع إن البنات في فرع السيمي إنترناشونال". ويتوسط هذا النوع الفئة السعرية بين المدارس الخاصة، وهي تعتمد على الجمع بين المناهج الحكومية والدولية.
حاولت يمنى ومجموعة من الأهالى اقتراح "نصور الكتب أو يتم استلام الكتب بنظام التأمين وتُرد آخر العام، كمان البنات عندي في سنوات متقاربة ليه أشترى الكتب مرتين؟". رفضت المدرسة، وأصبح شراء الكتب إجباريًا، "وكمان الأنشطة، مع إن في رحلات كتير البنات مش بتشترك فيها".
حققت شركة سيرا التعليمية أرباحًا صافية خلال التسعة أشهر المنتهية في مايو الماضي بقيمة 424.5 مليون جنيه
تتحايل المدارس بإعلان الزيادات بعد انتهاء فترة التحويلات، فيما أسمته ندى التونسي "تدبيسة"، تقول لـ المنصة "لما جيت أقدم للمدرسة قالولي المصاريف 23 ألف جنيه ولو فيه زيادة مش هتزيد عن 2000 جنيه، سددت نصها، ورحت أدفع الباقي لقيت المصاريف وصلت لـ 30 ألف جنيه بزيادة تتخطى 30%".
المدرسة التي تقع في منطقة زهراء المعادي أرجعت سبب الزيادة إلى "طباعة الكتب وزيادة أسعار المطبوعات" تقول ندى.
بسبب توقيت الإبلاغ بالزيادة، لم تتمكن ندى من اتخاذ قرار تغيير المدرسة، مثل غيرها من أولياء الأمور الذين لم تكن لديهم قدرة على اتخاذ أي إجراءات سوى الشكوى على "الجروبات" الخاصة بالمدرسة.
المدارس ترى الزيادات منطقية
فيما ينفي المستشار بدوي علام، رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة، لـ المنصة خروج أي مدرسة خاصة عن إطار المصروفات المدرسية المقررة من وزارة التعليم "الزيادات مقررة ومنشورة في كتاب دوري للوزارة وبنفس نسب العام الماضي".
دعا علام أولياء الأمور المتضررين من الزيادات غير القانونية إلى تقديم شكاوى لكل الجهات المختصة "كل الشكاوى يتم بحثها وحلها بشكل فوري من قبل وزارة التربية والتعليم وأيضًا مجلس الوزراء".
وكان علام اعتبر في تصريح سابق له أن الزيادة طفيفة في مواجهة موجات الارتفاع الأخيرة في الأسعار، متمنيًا لو كان المسموح به أكبر بحيث تتماشى مع معدلات التضخم.
تنقل تصريحات المستشار بدوي انطباعًا بأن أرباح المدارس تحت ضغط قوي، لكن البيانات المتاحة عن أرباح هذا القطاع، التي تتمثل في نتائج أعمال شركة سيرا للتعليم المقيدة في البورصة، تخبرنا أن الشركة حققت أرباحًا صافية خلال التسعة أشهر المنتهية في مايو/أيار الماضي بقيمة 424.5 مليون جنيه، بزيادة بنحو 13% عن الفترة نفسها من العام السابق.
لا ترضى مي المرسي عما وصلت إليه رغم تخفيض المدرسة للمصروفات قليلًا "الزيادة واصلة لـ 35% برضه وبعيدة عن النسبة اللي حددتها الوزارة"، مناشدة الوزارة بأن يكون لها دور أكثر فاعلية في حماية الأهالي من مخالفات المدارس، فيما تعتبر مروة أنها ومجموعتها حققوا انتصارًا ليس فقط لهذا العام ولكن للأعوام القادمة كذلك، إذ حققوا بشكواهم سابقة يمكن الاستناد إليها في الأحوال المشابهة.