هل جربت أن تحسب دخلك بالدولار ؟ إذا قمت بذلك ربما تكتشف أنك فقدت موقعك بين أبناء الطبقة الوسطى. وبحسب تقرير فيتش سوليوشنز فقد كانت الأسر التي تتمتع بدخل متاح للاستهلاك يتجاوز 5000 دولار سنويًا، تمثل 39% من إجمالي عدد الأسر في مصر في 2021، ما يجعلها تقع في مكانة الطبقة الوسطى، وانخفضت هذه النسبة إلى نحو 12% في 2023.
ماذا فعل الدولار في الطبقة الوسطى؟
تقسم مؤسسة فيتش سوليوشنز الأسر بحسب الدخل المتاح للاستهلاك سنويًا إلى أربع طبقات رئيسية، تلك التي ينخفض دخلها السنوي عن 5000 دولار، والتي يزيد عن 5000 دولار، والطبقة الثالثة هي التي يزيد دخلها عن نحو 10 آلاف دولار ، ثم الطبقة العليا التي يزيد دخلها عن 50 ألف دولار.
وبحسب بيانات التقرير، الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول واطلعنا على نسخة منه، كانت الأسر التي يزيد دخلها
عما يساوي 5000 دولار ركيزة أساسية للطبقة الوسطى، حيث كانت تمثل ما يتراوح بين 33.5 و 39% من إجمالي عدد الأسر في الفترة بين 2020و2022، بينما كانت الطبقة الأعلى، أي التي يزيد دخلها عن 10 آلاف دولار تتراوح بين 4.5 و5.5% من الأسر، والطبقة التي يزيد دخلها عن 50 ألف دولار موجودة بنسب هامشية، وفقًا للتقرير.
لكن سرعان ما انهارت الطبقة الوسطى، بالحسابات الدولارية، لتتقلص نسبة من يتجاوز دخلهم 5000 دولار إلى 12.1% في 2023، كما تراجعت نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها 10 آلاف دولار إلى 1.2% مقابل 4.5% 2022.
ويقول محلل القطاع الاستهلاكي ببنك الاستثمار نعيم، هشام حمدي، لـ المنصة، إن هذه التغيرات السريعة في توزيع الدخول في المجتمع المصري تعزى إلى "الانخفاض القوي في قيمة الجنيه مقابل ثبات الأجور أو ارتفاعها بمعدلات ضئيلة".
وبحساب متوسط الدخل المتاح للاستهلاك لكل الأسر المصرية بالدولار، يظهر انخفاضه من 5 آلاف دولار في 2021 إلى 3.2 ألف دولار في 2023.
وتختلف حسابات دخول المصريين بالجنيه، حيث تعكس بيانات فيتش نمو متوسط دخل الأسرة المصرية الصالح للاستهلاك سنويًا من 79.2 ألف جنيه إلى 112 ألف جنيه بين 2021 و2023.
لكن محللًا اقتصاديًا في أحد بنوك الاستثمار، طلب عدم ذكر اسمه، قال لـ المنصة إن بيانات الدخل المقومة بالجنيه لا تعكس حقيقة الدخول الحقيقية في ظل معدلات التضخم الراهنة، مع ارتفاع الأسعار وثبات معدلات الدخل تقريبًا لدى أغلب الموظفين.
تقشف في الاستهلاك
وتؤكد تقديرات فيتش على أن حجم ما تنفقه الأسر المصرية، مقوم بالدولار، انخفض خلال الفترة الأخيرة، من 337.7 مليار دولار في 2021 إلى 262.3 مليار دولار في 2023.
ويقول حمدي إن "التقشف أو الأنماط الاستهلاكية الجديدة أصبحت واضحة على أحجام مبيعات السلع الاستهلاكية، وعلى رأسها الأغذية والمشروبات مثل الأجبان والزبادي واللحوم والدواجن".
ويضيف حمدي"رغم أن بعض الشركات المنتجة تمكنت هذا العام من تحقيق قيم مبيعات مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار البيع، لكن حجم مشتريات المستهلكين تراجع بمعدلات تقارب 30% حتى منتصف العام الجاري، ما يعني أن معدلات إنفاق الأسر المصرية آخذة في الانخفاض بالفعل".
"الطبقة الوسطى هي الأكثر تأثرًا بالأزمة الحالية، ومعدلات التضخم كانت أكبر مؤثر في ترتيب أولوياتها الاستهلاكية، مع تأثيرها الواضح في القدرة الشرائية لهذه الأسر"، كما تقول المحللة الاقتصادية بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، منى مصطفى، لـ المنصة.
وتضيف مصطفى "هناك بعض السلع كانت تعد أساسية أصبحت رفاهية حاليًا، مثل السيارات والمعدات التكنولوجية التي انخفض الطلب عليها بمعدلات تخطت 75% منذ أواخر عام 2021".
وتشير مصطفى إلى أن الضغوط التضخمية القوية دفعت الطبقة الوسطى للتوسع في الاعتماد على حلول تمويلية بديلة للتعايش مع مستويات الأسعار الحالية، "هناك إقبال واضح من الأسر المصرية على التمويل الاستهلاكي وشركات التقسيط، فالاثنان يمثلان حاليًا نسبة تخطت 50% من المشتريات الاستهلاكية، وفقًا لتقديراتنا، كما تشمل عمليات التمويل سلعًا متنوعة منها أساسية وغير أساسية رغم معدلات الفائدة الكبيرة، نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية".
أحوال الدخول في الفترة القادمة
وعن رؤيتها المستقبلية، تقول فيتش إن النمو المتوقع في الدخول لن يلاحق التضخم خلال السنوات المقبلة.
حيث يقدر التقرير أن متوسط الدخل القابل للاستهلاك للأسرة المصرية، المقوم بالجنيه، سينمو سنويًا بمتوسط
14.1% وهو أقل من متوسط التضخم الذي تتوقعه فيتش خلال نفس الفترة والمقدر بـ 15.4%، "وهذا يعني أن المستهلكين لن يشهدوا زيادة في دخولهم الحقيقية (..) ما يقلص من الإنفاق الاستهلاكي في المدى المتوسط"، وفقًا للتقرير.
وينبه حمدي إلى أن من أكثر الآثار الاقتصادية الضارة لضعف الدخول الحقيقية للأسر هو أن أنماط الاستهلاك الجديدة باتت تهدد استمرارية الشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
ويقول حمدي إن "الشركات المتوسطة والصغيرة صارت تحت ضغوط ارتفاع تكاليف الإنتاج مع انخفاض الطلب من المستهلكين".