هل تؤثر أزمة الدولار في مشروعات البنية الأساسية المصرية؟
السكك الحديدية أعلى تكلفة من الكباري
بقدر ما بدت مشروعات البنية الأساسية في مصر فرصة هائلة للربح في أنظار الشركات المحلية والعالمية المساهمة في تنفيذها، يناقش المراقبون حاليًا تأثير أزمة ضعف تدفقات النقد الأجنبي في معدلات تنفيذ المشروعات أو سداد المستحقات.
في هذا السياق استعرض تقرير لوكالة فيتش، صدر في يوليو/تموز الماضي مشروعات البنية الأساسية الكبرى التي يجري تنفيذها في مصر حاليًا، والمخاطر المتعلقة بها.
وكشف التقرير عن أن أكثر من نصف تمويلات المشروعات الكبرى يأتي من مصادر محلية، وهو ما يحد من مخاطر تعثر هذه المشاريع، بالرغم من ذلك حذر من أن تؤثر الأزمة الحالية على نشاط الإنشاءات في مصر.
ما هو حجم المخاطر ؟
تُقدر مؤسسة فيتش، وهي واحدة من ثلاثة أسماء عالمية شهيرة في مجال التصنيف الائتماني، حجم أنشطة الإنشاءات في مصر خلال 2023 بقيمة 668.3 مليار جنيه، وهو رقم على قدر ضخامته لكنه يعكس تباطوءًا في أداء القطاع.
بحسب تقديرات فيتش فإن معدل نمو استثمارات الإنشاءات في مصر خلال العام الجاري سيبلغ 6.8%، وهو معدل أقل من معدل نمو القطاع في العام السابق والبالغ 7%.
وتقول المؤسسة، في تقريرها غير المنشور للجمهور، واطلعت المنصة عليه، إن "الضغط المرتفع للديون يُثقل حركة الإنفاق العام على البنية الأساسية"، وتُراهن فيتش على أن تتحسن الأوضاع مع تطبيق إجراءات الإصلاح الاقتصادي مثل الخصخصة.
وفي محاولة لوضع تقديرات أدق لتأثير العوامل المحيطة بمشروعات البنية الأساسية، تضع فيتش مؤشرات لمخاطر هذا القطاع، وتمنح كل دولة درجة من مئة، وكلما اقترب التقييم من مئة يعكس ذلك انخفاض المخاطر.
وفي المؤشر المتعلق بالمخاطر الاقتصادية،السياسية، والتشغيلية، جاء تصنيف مصر عند درجة 33.8 درجة، وهو ما يقل عن متوسط المنطقة، البالغ 44.8 درجة.
درجة المخاطر | الدولة |
---|---|
33.8 | مصر |
73.9 | السعودية |
81.7 | الإمارات |
23.6 | الجزائر |
من أين يأتي التمويل ؟
تُركز فيتش في تقريرها، الذي يصدر عن الربع الأول من عام 2023، على المشروعات التي تتجاوز تكلفتها 30 مليون دولار، وتُقدر أن 48% من تمويلات هذه المشاريع، سواء ما هو تحت الإنشاء أو في طور التخطيط، تأتي من مصارد حكومية محلية، في حين أن 6% تأتي من تمويل خاص محلي.
وفي المقابل تقول فيتش، إن 20% من تمويلات هذه المشاريع تأتي من تمويل خاص أجنبي، و15% من تمويل تنموي من مؤسسات دولية، و11% من تمويل تنموي ثنائي (أي مع بلد واحد).
وتُشير فيتش إلى دور بارز للتمويلات الأجنبية الصادرة عن جهات تنموية في تمويل البنية الأساسية في مصر، وهي المؤسسات التي يُفترض أن تمنح القروض بعائد منخفض أو شروط ميسرة.
"الإنفاق الحكومي هو مصدر التمويل الرئيسي للبنية الأساسية، ولكن البلد لا يزال يعتمد على تمويلات جهات التنمية والتي تعد أكثر ممول غير حكومي فاعل في سوق البنية الأساسية"، كما تقول فيتش في تقريرها.
وتشمل الجهات التنموية التي تُشير إليها فيتش الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والذي يُعد أكبر ممول أجنبي لمشروعات البنية الأساسية في مصر في الوقت الراهن، من حيث عدد العمليات التي يشترك فيها، يأتي بعد ذلك البنك الأوروبي لإعادة الإعمار، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الإفريقي للتنمية.
كما تلعب البنوك الخاصة دورًا هامًا في التمويل أيضًا، ومن أبرزها دويتشه بنك، وإتش إس بي سي، وبي إن بي باريبا، الذين يُمولون عمليات لشركات إنشاء دولية تعمل في مصر، وفقًا لفيتش.
"نسبة التمويلات الدولية المقدمة لمشروعات البنية الأساسية بأكثر من 30% تعد معدلًا كبيرًا خاصة مع استمرار تفاقم أزمة توفير السيولة الدولارية في مصر وعدم ظهور أي حلول لها حتى الوقت الراهن"، كما قالت محللة الاقتصاد الكلي، منى بدير للمنصة.
وكانت بيانات صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي والبنوك المصرية أظهرت ارتفاع العجز إلى 837.3 مليار جنيه في يونيو/حزيران الماضي، بزيادة 343 مليار جنيه عن نهاية العام الماضي.
ما هي أكثر المشروعات تكلفة؟
يُعد إنشاء الكباري والطرق السريعة واحدًا من أكثر المشروعات التي يرى البعض أنها أحد المصادر الرئيسية للعبء المالي على الدولة.
لكن فيتش تقول إن "الطرق والكباري تمثل نسبة صغيرة نسبيًا من مشروعات النقل في مصر".
وتُقدر فيتش إجمالي قيمة مشروعات الطرق والكباري الكبرى، تحت الإنشاء أو التخطيط، بـ 4 مليارات دولار.
في المقابل، يرى التقرير أن مشروعات السكك الحديدية تهيمن على استثمارات النقل، مقدرًا تكلفتها الإجمالية بـ55.6 مليار دولار، وتأتي بعدها مشروعات المواني بـ 8.3 مليار دولار.
حالة المشروع | طول المشروع بالكيلو متر | تكلفة المشروع بالمليار دولار | درجة المخاطرة (من عشر درجات، صفر الأعلى مخاطرة) | اسم المشروع |
---|---|---|---|---|
في مرحلة التخطيط | 1087 | 9.7 | 4.3 | قطار الإسكندرية-القاهرة- أسوان السريع |
تحت الإنشاء | 660 | 9 | 4.4 | قطار العين السخنة-مرسى مطروح السريع |
تحت الإنشاء | 48 | 6.1 | 7.1 | الخط الثالث من مترو القاهرة |
في مرحلة التخطيط | 30 | 5 | 4.7 | الخط السادس من مترو القاهرة |
في مرحلة التخطيط | 300 | 4.3 | 4.4 | قطار الغردقة-الأقصر السريع |
حالة المشروع | حجم الطاقة بالميجاوات | تكلفة المشروع بالمليار دولار |
درجة المخاطرة (من عشر درجات، صفر الأعلى مخاطرة) |
اسم المشروع |
---|---|---|---|---|
في مرحلة التخطيط | 4800 | 30 | 3.9 | محطة الضبعة بمطروح |
تحت الإنشاء | 6000 | 11 | 0 | محطة فورويندس لتوليد الطاقة بالفحم |
تحت الإنشاء | 3167 | 2.9 | 7.8 | محطة سمالوط للطاقة الحرارية في المنيا |
في مرحلة التخطيط | 2400 | 2.7 | 4.4 | محطة جبل عتاقة للطاقة الكهرومائية |
وتتوقع فيتش أن "تظل السكك الحديدية هي المحرك الأساسي لنمو إنشاءات البنية الأساسية المرتبطة بالنقل في مصر في ظل الحاجة لتنويع شبكة النقل والاعتماد بشكل أقل على شبكة طرق مزدحمة بالفعل"، كما يقول التقرير.
وبجانب مشروعات النقل، يغطي تقرير فيتش أعمال البنية الأساسية في مجال مياه الشرب والطاقة.
لكن محللون يحذرون من تأخر تنفيذ بعض هذه المشروعات في ظل تراكم المديونيات الخارجية على البلاد، "سداد مستحقات المشاريع الضخمة بقطاع البنية التي بدأت الحكومة في تنفيذها بالفعل مثل المونوريل قد يتأثر بشكل كبير، كما أن تنفيذها قد يتعطل أيضًا"، كما تتوقع بدير، في حديثها للمنصة.
وكانت المنصة ذكرت في تقرير سابق أن وزارة النقل مددت فترة تنفيذ الأعمال الإنشائية لمشروع المونوريل "العاصمة الإدارية الجديدة – 6 أكتوبر" لعام إضافي، بسبب نقص العملة الصعبة في السوق المحلية، وعجز الشركات العاملة في المشروع عن استيراد بعض المهمات اللازمة.
أكبر الفائزين بكعكة البنية الأساسية
بحسب تقديرات فيتش فإن الفائز الأكبر بعقود مشروعات البنية الأساسية في مصر هو الشركات المحلية، وعلى رأسهم شركة أوراسكوم كونستركشن والمقاولون العرب.
وتقول فيتش إن 45% من الشركات المنفذة قائمة بمصر، ولها حضور قوي في مشروعات الطرق ومحطات الطاقة.
و كما يظهر في تقرير أوراسكوم كونستركشن عن نتائج أعمالها، خلال الربع الأول من العام الجاري، فإن الشركة تُركز على التعامل مع الجهات الحكومية، حيث يُمثل العملاء ذوو الصفة العامة 73.1% من إجمالي عملائها. وتتركز أنشطة الشركة القائمة في مصر، بنسبة 69.4%.
وتقول فيتش إنه بعد الشركات المصرية المشاركة في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية، تأتي الشركات الفرنسية ثم الصين ثم إسبانيا ثم أمريكا.
لكن التركز الكبير لاستثمارات بعض الشركات في مصر قد يحمل معه قدر من المخاطرة في تصاعد أزمة النقد الأجنبي في البلاد.
لا تقتصر هذه المخاطر فقط على تأخر الدولة عن سداد مستحقات الشركات، ولكن أيضًا مخاطر انخفاض قيمة مستحقاتهم إذا كانت العقود مقومة بالعملة المحلية، وتعرّض الجنيه لانخفاض جديد.
لكن أوراسكوم كونستركشن تبدو أنها تؤمن نفسها جزئيًا ضد هذه المخاطر لأن جزءًا كبيرًا من الأعمال الجديدة أو القائمة في مصر مقومة بالعملات الأجنبية، كما تقول في تقريرها الأخير.
"تكرار ظهور أزمة نقص العملة الأجنبية في مصر قد يدفع الشركة للتحوط من هذه المخاطر عبر إبرام عقود تحوط مع الحكومة في ظل التقلبات الشديدة في قطاع البنية الأساسية على كافة الأصعدة"، كما يقول مصدر متخصص في تغطية الشركة طلب عدم ذكر اسمه.
في النهاية، يظل تقليل مخاطر مشروعات البنية الأساسية في مصر مرهون بتحسن أزمة النقد الأجنبي في البلاد.
وتُرجح بدير أن يتم تيسير الأزمة نسبيًا مع نهاية العام الجاري، في حالة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتفقت عليه مصر مع صندوق النقد الدولي، بجانب استقرار الاقتصاد العالمي وتوقف سياسات التشديد النقدي بشكل كبير، مما يسمح بعودة مصر للأسواق الدولية والحصول على تمويلات جديدة.