تصوير رافي شاكر، المنصة
البنك المركزي المصري

الدولار في 2025.. الطريق إلى الـ54 جنيهًا مفروش بالتوترات

منشور الاثنين 9 ديسمبر 2024

يبقى مصير الجنيه أمام الدولار خلال عام 2025 رهن العوامل الضاغطة عليه، وفيما توقع 5 خبراء اقتصاد أن يواصل مسارَه الهبوطي، ويهوي إلى المنطقة من 54 حتى 58 جنيهًا، فإن هذه التقديرات قد تتغير حال حدوث تطورات إيجابية مثل توقف حرب غزة الإقليمية، وما سيكون لذلك من أثر على إيرادات قناة السويس.

وانخفض الجنيه لأدنى مستوياته التاريخية على الإطلاق في تعاملات البنوك، الخميس الماضي، بعد أن فقد ما يزيد عن 30 قرشًا تقريبًا ليتجاوز حاجز الـ50 جنيهًا للدولار، لأول مرة، وذلك منذ تصريح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأن سعر الصرف قد يشهد ارتفاعًا أو انخفاضًا في حدود 5% خلال الفترة المقبلة، وفق حركة العرض والطلب.

كان الدولار في بداية عام 2024 عند مستوى 30.9 جنيه، قبل أن يرتفع خلال تعويم مارس/آذار إلى نحو 49 جنيهًا، لكن المركزي استطاع أن يحافظ على استقراره تحت هذا المستوى بفضل تدفقات الاستثمار الأجنبي ورأس الحكمة، قبل أن يعاود الصعود هذا الشهر قبل إتمام المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.

اتجاه هابط للعملة المصرية 

يتوقع عمرو حسين الألفي، رئيس استراتيجيات الأسهم بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، تراجع الجنيه تدريجيًا على مدار العام المقبل، وليس دفعةً واحدةً، في إطار آلية مرونة سعر الصرف التي تنتهجها الحكومة المصرية، ويقول لـ المنصة إن العملة المحلية ستنخفض خلال الربع الأول من العام المقبل ليسجل الدولار 52.06 جنيه، على أن يواصل الجنيه الهبوط حتى مستوى 58.24 للدولار في الربع الأخير من العام.

"المناخ الاقتصادي العام في مصر يسمح الآن بهبوط سعر صرف الجنيه، وهو ما تجلى خلال الشهرين الأخيرين في تراجع سعر صرف العملة المحلية من قرابة 48 إلى 50 جنيهًا مقابل الدولار"، وفق هاني جنينة، رئيس قسم البحوث بشركة سي آي كابيتال لإدارة الأصول، الذي رجح لـ المنصة أن يصل سعر العملة الأمريكية إلى 54 جنيهًا في 2025.

من المتوقع أن يكون التضخم في مصر في حدود 19% خلال العام المقبل مقابل 2.1% في السوق الأمريكية

رؤية مماثلة تقريبًا يتبناها كبير الاقتصاديين بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية، عبدالحميد إمام، يقول لـ المنصة "كافة المؤشرات تدعم سيناريو استمرار الاتجاه النزولي لسعر صرف الجنيه في 2025 ولكن بشكل تدريجي"، مؤكدًا تراجع الجنيه إلى 52 للدولار في الربع الأول قبل أن يهوي إلى 55 مع نهاية العام.

واستشهد إمام بارتفاع عقود الجنيه المصري الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرًا إلى 58.85 للدولار، "هذا يعطي رؤية لكافة المستثمرين الأجانب لمستقبل الجنيه مما يضغط عليه بشكل أكبر".

الأمر ذاته أكدته دينا الوقاد، محللة الاقتصاد الكلي والباحثة في معهد مؤشرات الأداء الرئيسية تقول لـ المنصة "تقديرات سعر صرف في العام المقبل تتراوح بين 50 و55 جنيهًا للدولار في ضوء الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تؤثر سلبًا على مصادر النقد الأجنبي للبلاد".

عوامل ضاغطة على سعر الجنيه

هناك العديد من العوامل المحلية والدولية التي تدفع المحللين لرسم هذه السيناريوهات السلبية لسعر الجنيه خلال العام المقبل، ويقول الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن أبرزها التوترات المستمرة في المنطقة بسبب حرب غزة واتساع نطاقها الإقليمي، التي تحد من نمو إيرادات قناة السويس.

"لا توجد مؤشرات على انحسار اضطرابات الشرق الأوسط التي تشكل صداعًا للاقتصاد المصري، بل إن تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تحمل بين طياتها رسائل بأن الأوضاع في المنطقة قد تتفاقم، فهو يهدد بتحويل المنطقة إلى جحيم". 

وتراجعت إيرادات القناة بنسبة 23% على أساس سنوى خلال العام المالي الماضي 2023-2024 مسجلةً 7.2 مليار دولار، جراء تحويل العديد من السفن مسارها للدوران حول إفريقيا على أثر هجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن، حسبما أعلن الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس في وقت سابق.

فيما يشير الألفي إلى أن ثمة عوامل داخلية تؤثر أيضًا على قيمة الجنيه أمام الدولار، في مقدمتها استمرار الضغوط التضخمية خلال العام المقبل. 

ويقول الألفي "من المتوقع أن يكون التضخم في مصر بحدود 19% خلال العام المقبل مقابل 2.1% في السوق الأمريكية"، مستنبطًا من هذا الاختلاف أن الدولار  يجب أن يرتفع بفارق يصل إلى 17%.

وانخفض التضخم عن مستوى 30% بدءًا من مايو/أيار الماضي، بعد نجاح البنك المركزي في توحيد سوقي الصرف الرسمي والموازي في مارس/آذار، لكنه عاود الارتفاع خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول متأثرًا بإجراءات رفع أسعار الطاقة ليستقر عند 26.3%. وبينما يُرجح المحللون انخفاضه دون هذا المستوى في 2025 سيظل فوق المستوى المعتدل للتضخم، أي أقل من 10%.

ويؤكد هاني جنينه أن زيادة الطلب على الواردات وأقساط خدمة الدين الخارجي ستساهمان أيضًا في زيادة الضغط على السيولة الأجنبية ومن ثم إضعاف الجنيه.

وحسب آخر التوقعات المنشورة للبنك المركزي، ستصل قيمة الأقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال عام 2025 إلى نحو 22.4 مليار دولار، وشهدت مصر قفزات كبيرة في خدمة الدين الخارجي خلال الخمسة أعوام الماضية بعد أن كان في حدود 6 مليارات دولار سنويًا.

"رقم خدمة الدين الخارجي كبير، وسيضع الجنيه تحت الضغط، لا سيما أن اتفاق مصر مع صندوق النقد يقتضي الالتزام بمرونة سعر الصرف" كما يقول كبير الاقتصاديين في بايونيرز.

وأبرمت مصر اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022، وتأخر صدور المراجعات الأربعة الأولى للاتفاق لمنح مصر مُهلة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

ويسلط نافع الضوء على تأثير السياسة الاقتصادية الحمائية، التي سيطبقها ترامب، على سعر صرف العملة المصرية شأنها شأن مختلف العملات في العالم، حيث إن الاتجاه لوضع قيود جمركية جديدة سيدعم الدولار في وجه عملات الأسواق الناشئة.

 ما الذي يجنبنا انخفاض الجنيه؟

وسط هذه الضغوط، تُلمح دينا الوقاد إلى أن هناك بارقةَ أمل تدعم وضعية الجنيه المصري على خلفية ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية ليصل إلى 46.9 مليار دولار أمريكي في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مشيرة إلى أنه حال النجاح في تنمية الاحتياطات بمعدلات أكبر سنتمكن من تغطية الطلب الدولاري، ومن ثم السيطرة على سعر الصرف.

ويتفق مع هذا الرأي عبد الحميد، إذ يشير إلى أنه في حال إيقاف الحرب على قطاع غزة، وعودة معدلات الملاحة بقناة السويس إلى طبيعتها، قد نتجنب سيناريوهات انخفاض الجنيه.

ويشير عمرو الألفي إلى الحاجة للحد من تفاقم العجز في حساب المعاملات الجارية، وتعظيم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بجانب التوسع في برنامج الطروحات الحكومية من أجل جذب سيولة نقدية أجنبية جديدة.

وقد اتسع العجز في ميزان المعاملات الجارية لمصر إلى 20.8 مليار دولار في العام المالي 2023-2024 من 4.7 مليار دولار في العام المالي السابق، استنادًا إلى بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.

كما يشير رئيس قسم البحوث بشركة سي آي كابيتال إلى الدور المهم لتنمية عائدات السياحة وتحويلات المصريين من الخارج في تعزيز قوة الجنيه مقابل الدولار. وشهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزات متتالية خلال الفترة التي أعقبت الإجراءات الإصلاحية في مارس 2024، إذ تضاعفت خلال شهر سبتمبر 2024 لتسجل نحو 2.7 مليار دولار مقابل نحو 1.3 مليار دولار خلال شهر سبتمبر 2023.

أمام السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة فإن الحكم على مستقبل عملتنا المحلية بات أكثر تعقيدًا مع سقوط النظام السوري، ما جعل مستقبل المنطقة أكثر غموضًا، خاصة إذا عجزت الدول الكبرى عن استيعاب القلق الإيراني من انحسار نفوذها والدخول معها في مواجهات قد تُشعل أسعار النفط العالمية وتزيد من فاتورة واردتنا من الطاقة.