موقع أميرة سعد للتعليم الذاتي
أنشطة للأطفال تهدف للتعلم ذاتيًا

"التعليم الموازي" مغامرة لترقيع ثوب التعليم

منشور الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

عقدة من نظام التعليم التقليدي المثقل بمناهج تكثف بطريقة غير آدمية قرب انتهاء العام الدراسي، من أجل اللحاق بـ "المواعيد الرسمية" للامتحانات والإجازات دفعت إسراء وائل للبحث عن طريقة مختلفة، لتعليم طفليها، علي وياسمينا، في أكاديمية خاصة بالقاهرة، يرتادها الطفلان يوميًا.

تعتبرها إسراء مغامرة تستحق، تقول لـ المنصة "الدراسة مش مقيدة بتوقيت ضيق، فهي مقسمة لثلاثة فصول دراسية، وكمان فيه اهتمام بالجانب النفسي السلوكي والتربوي للأطفال"، وهما ميزتان تفتقدهما نظم التعليم التقليدية بأنواعها.

في محاولة للهروب من نظم التعليم القائمة، أو الالتفاف عليها، رغم تنوعها، ظهر ما يسمى بـ "التعليم الموازي" وهي "خدمة" توفرها عدد من الكيانات التعليمية تقدم نفسها باعتبارها حلقة "وسط".

تقدم مناهج المدارس الرسمية التجريبية من جهة وتلبي احتياجات العائلات بتوفير نظام "الثلاث ترمات" على طريقة المدارس الدولية من ناحية أخرى، ولكنها لا تمنح شهادات رسمية موثقة، لهذا يتوجب على أولياء الأمور تسجيل التلاميذ في مدارس مرخصة سواء كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم، أو قطاع المعاهد الأزهرية، هكذا يدرس الطفل في مكان، ويمتحن في مكان آخر، ليربح التعليم ولا يخسر الشهادة.

معانٍ عديدة

حسب أطروحة لمايكل بيتا آموس، تمت مناقشتها بجامعة موناش الأسترالية، يشير مصطلح "Parallel education" أو التعليم الموازي، إلى نوع من التعليم في أستراليا، يقوم على الفصل بين الذكور والإناث داخل المدارس في مرحلة المراهقة، لكنه لا يشير إلى المعنى ذاته في مصر، فحسب معجم المصطلحات التربوية والنفسية لحسن شحاتة وزينب النجار، يعرَّف التعليم الموازي بأنه شكل من الخدمات التعليمية الخاصة، يتوازى في مناهجه وأهدافه مع التعليم المقدم في مدارس التعليم العام، ولا يتقيَّد بقواعد القبول أو النظم أو الأساليب المتبعة فيها، ويستغرق مدة أقصر أو أطول من المدة المقررة في التعليم الرسمي.

مساحة بديلة للمدرسة تهدف إلى تغيير مفهوم التعلم لدى النشء من حفظ وتلقين إلى البحث والاستكشاف

 قد يُعتبر التعليم الموازي حلًا فعالًا في سد قصور النظام التعليمي الذي لا يزال قائمًا على الحفظ والتلقين، ويقيس تقدم التعليم بزيادة أعداد المعلمين والطلاب، حيث الاهتمام بالكم دون الكيف، فضلًا عن كثافة الفصول والرسوب والتسرب، والتراجع في أعداد المعلمين، حسب ورقة عمل بعنوان "بدائل للحد من الدروس الخصوصية على ضوء تجارب بعض الدول" للدكتورة  هادية محمد رشاد أبو كليلة، أستاذة اقتصاديات التعليم المتفرغة والمنشورة في 2021.

مساحات بديلة

تطلق تلك الكيانات التعليمية على نفسها "أكاديميات" وتقول إنها "مساحة بديلة للمدرسة تهدف إلى تغيير مفهوم التعلم لدى النشء من حفظ وتلقين إلى البحث والاستكشاف"، فيما تحدد مقصدها "هدفنا تعليم ممتع".

لكن تجارب الأمهات تكشف عن الكثير من المشاكل التي تظهر خلال الرحلة، سالي أسامة، الأم، والمرشدة الأسرية والتربوية قررت منح ابنها البكر تجربة تعليم مختلفة، تضمنت العديد من المحاولات منها افتتاح أكاديمية للتعليم الموازي في مدينة دهب، وهي التجربة التي لم تستمر.

سالي أسامة وسط أطفال أكاديمية دهب للتعليم الحر

تقول سالي لـ المنصة "هي محاولات فردية تمامًا لأشخاص لديهم رؤية يحاولون تنفيذها، في كثير من الحالات يكونون هم أنفسهم أصحاب المشكلة كأولياء أمور، زيي أنا بعلم ولادي منزلي، بحاول أعلمهم الحرية والاستقلالية والاستكشاف، المدرسة بشكلها النمطي بتقضي على ده كله".

أسست سالي أكاديميتها لتهيئة بيئة مناسبة لأولادها للتعلُّم، توضِّح "أسست بيت دهب للأنشطة، واعتمدت على المنهج البريطاني، بنشتريه وندرسه، إنجليزي، وماث، وساينس وعربي، وتاريخ بيتشرح بطريقة لطيفة، فمثلًا نحاول أن نعرف تاريخ الفخار، فنبدأ رحلة الطين مثلًا من النوبة، أو أن نتناول التاريخ الروماني من خلال الخزف والأواني".

الدراسة في أكاديمية بيت دهب خمسة أيام في الأسبوع في شكل حصص، لكن بشكل مرن، بما في ذلك طريقة الجلوس، وصيغة التعامل بين المعلم والطالب، التي كانت أقرب إلى الصداقة منها إلى العلاقة الرسمية التقليدية، حيث يمكن للطفل أن يتحدث عن تجربته ويضيف لما يقدمه المعلِّم، حسب سالي.

تجربة فاشلة

مي عامر، أم وباحثة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية، قطعت رحلة طويلة مع التعليم بدأتها بمدرسة "ناشونال"، "من السنة التانية في المدرسة ابني كان بيتزعقله وببيتطرد من الفصل، غيرت المدرسة لواحدة تانية، كانت بتدرس بطريقة مختلفة، نص الحصص منهج رسمي، والنص التاني برامج تدريبية وتجارب عملية، بس الأمهات حسوا إن ولادهم مش بيتعلموا، فاعتمدوا الطريقة التقليدية، والمذكرات، ساعتها قررت أتجه للتعليم الموازي" تقول مي. 

رغم البداية العظيمة لكن "النهاية كانت سواد" على حد تعبير مي، التي رغبت في أن يتعلم ابنها الوحيد العلوم بطريقة عملية بعيدًا عن التلقين، وهو ما وعدتها به الأكاديمية التي ألحقت ابنها بها، "أكاديمية في دهب، صاحبتها ست أجنبية، وقفلت بعد سنتين". 

تجارب كثيرة تبدأ ثم تغلق دون مقدمات، بسبب "غياب الخطة والتمويل المستدام، وخطط التقييم، والمؤشرات". تتساوى مصاريف الأكاديميات الموازية، مع المدارس الخاصة، أو التجريبية، إذ تتراوح ما بين 12 إلى 40 ألف في بعض الأكاديميات بحسب الخدمات والموقع والكثافة، إذ لا يزيد عدد الطلاب عن 20، ولكنها في الوقت نفسه، لا تقدم خدماتها لطلاب التعليم الثانوي، حسب ما رصدت المنصة، تتوقف الأكاديميات عند المرحلة الإعدادية.  

تقول مي "لما بنبدأ معاهم بيكون في وعود إننا هانفضل معاهم لحد المرحلة الثانوية، ويوصلونا لمدارس بره مصر، وتنزل لنا شهادات معتمدة، والولد يمتحن كأنه كان بره مصر ويعادل شهادته هنا، لكن كلها طموحات وأماني، مفيش حد وصل للحظة دي".

تجارب مي ودائرتها تقتصر على عدة سنوات في الابتدائي "كل ما كبرنا كل ما كان الخوف بيكبر لأنها فعلًا مخاطرة كبيرة، مفيش أي حاجة قانونية، مسجلين من تحت لتحت في مدرسة، وبندرس في مكان مختلف ممكن يقفل في أي وقت، ومع أي تغيير لوزير التربية والتعليم بيكون في خوف هايعمل معاهم إيه".

فيما تعتقد سالي أن السبب في ذلك هو الخوف، تقول "بالدخول في المراحل المتقدمة أو ما يعرف بـ "الجد" نستحضر كل تجارب الماضي الأليم، الجد هو قتل المرح، طالب الإعدادي لازم يذاكر ليل نهار وطالب الثانوي لازم يحس بقلق وتوتر وضغط، فبرجعوا العيال تاني للمدارس النظامي أو حتى الأونلاين".

جريمة دستورية

طلاب في إحدى المدارس المصرية

تعتبر وزارة التربية والتعليم هذه الكيانات "كيانات غير قانونية"، حسب توصيف مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم لـ المنصة. ربما لذلك رفضت العديد منها الحديث مع المنصة مفضلة الابتعاد عن الصحافة.

يقول المصدر بالوزارة والذي طلب عدم نشر اسمه "ليست تابعة للوزارة، وغير مرخصة، ولو عندنا علم بمكانهم هنقفلهم فورًا"، يبدو ذلك متسقًا مع رأي الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، الذي وصف التجربة لـ المنصة بأنها "جريمة دستورية وتجاوز للدستور والقانون لا يمكن السماح به سوى في دولة فوضوية".

لكن يبدو أن هناك بابًا خلفيًا للالتفاف على الشق القانوني، توضحه سالي "وزارة التربية والتعليم تتيح التراخيص لثلاثة أنواع من المؤسسات، حضانات، أو مدارس، أو مراكز تنمية مهارات، أغلب الأكاديميات بتسجل نفسها كحضانة أو مركز تنمية مهارات"، قبل أن تستدرك "الأمور هتكون أفضل لو أقرت الدولة الهوم سكولينج". ترى سالي أن الخضوع للوزارة سيعيد المدارس إلى النقطة صفر، لما تفرضه من تقويم فاشل في تدريس المناهج.

وفسر مغيث وجهة نظره بقوله "التعليم بالمعنى المؤسسي يجب أن يكون وظيفة الدولة فقط، ولا أحد سواها لأن الهدف منه، هو إعداد المواطن، الدولة هي التي تحدد مفهوم المواطنة" مضيفًا أن ذلك هو الهدف من التعليم.

لا يوجد سوى استثناء وحيد يحدده القرار الوزاري 93 لسنة 1993 الذي يسمح بإنشاء مدارس خاصة على أن تلتزم بالمنهج الموازي في المدارس الحكومية وباللوائح الإدارية المعمول بها في المدارس الحكومية، وعليه يتم معاقبة المدارس المخالفة، وحتى المدارس الدولية يتم إلزامها بتدريس قيم المواطنة.

يرصد مغيث تاريخ انهيار العملية التعليمية "ظلت الدولة المصرية مسؤولة عن التعليم بشكل أساسي حتى منتصف السبعينيات، حين بدأت العملية التعليمية الرسمية في الانهيار".

يحدد مغيث أسباب الانهيار في تراجع رواتب المعلمين وأعدادهم، وظهور المدارس الخاصة، ومن بعدها اللغات، وصولًا إلى الأجنبية التي تُعّد الطفل كي يصير مواطنًا يابانيًا أو أمريكيًا أو غير ذلك.

يرى الباحث المتخصص في التعليم أن منشأ هذه الأكاديميات كانت سناتر الدروس الخصوصية، التي يعتبر ظهورها "أمر منطقي بعدما اشترط البنك الدولي على وزارة التربية والتعليم وقف تعيين المعلمين".

حالة تمثيلية

صفحة وزير التعليم الأسبق، طارق شوقي، على فيسبوك

وجهة النظر ذاتها تبناها الدكتور سلامة صابر العطار أستاذ أصول التربية والتخطيط التربوي بكلية التربية، جامعة عين شمس، الذي رغم خبرته الطويلة في دراسة أنماط التعليم الموازي، وأن رسالته العلمية للدكتوراة، المنشورة عام 1989 تحمل عنوان "التعليم غير النظامي وتحقيق تكافؤ الفرص التعليمية في مرحلة التعليم الأساسي في مصر" فإنه وصف أكاديميات التعليم الموازي بـ "النتؤات".

يقول العطار لـ المنصة "هذه الأكاديميات لا تتوفر بها اشتراطات التعليم الموازي، من ناحية إشراف الدولة عليها وعلى مناهجها، لذا فهي مجرد شكل من أشكال التجارة بالتعليم، لا تختلف كثيرًا عن السناتر التعليمية للدروس الخصوصية، والتجارة شطارة، وأنا أقول إن أي نظام تعليمي خارج عن النظام الرسمي ليس تعليمًا أصلًا".

يرفض العطار الذي شارك في تطوير المناهج في جدة، ما يحدث باعتباره "حالة من التمثيل، كأننا بنتعلم، وكأننا بنقدم خدمة تعليمية، وكأن ده طبيعي". يشرح الحالة "كثافة الفصول في المدارس الرسمية عالية، والواقع أنه مافيش حد بيروح، ونقول فيه عجز في المعلمين، ونعلن إن خريجين 2000 بيدوروا على شغل".

يعتبر العطار أكاديميات التعليم الموازي "مجرد أعراض مرضية لما يعانيه النظام التعليمي للدولة، لو أننا منحناه اهتمامًا منذ العام 1974 لكان الوضع مختلف الآن"، فالاستثمار في التعليم هو أفضل أشكال الاستثمار ، حسب العطار ضاربًا المثل بـرواندا.

لا تزال مشاعر مي تتأرجح بين الندم والرضا عن التجربة خاصة عقب قرارها الحاسم بإنهائها، تقول "آمنت بفشلها تمامًا، وحاليًا ابني في مدرسة مرخصة من الوزارة".

بينما لم تندم إسراء على التجربة التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، حيث يدرس ابنها الأكبر بالصف الأول الابتدائي، بينما ابنتها لا تزال بعد في عامها الأول برياض الأطفال. وتحاول تأمين نفسها باعتمادها خطة بديلة، فكما يمنح التسجيل في مدرسة، الدارسين بالأكاديميات الموازية شهادة معتمدة، يمنح ضامنًا للمغامرة التعليمية. 

هذه القصة من ملف  التعليم في الزمن الصعب


السپلايز.. ذخائر التلميذ وكابوس أهله

أحمد الصادق_  على رأي مرسي الزناتي؛ "أجيب تختة من عند أمي؟ هاصرف على الحكومة بقى ولا إيه؟!"، هذه جملة هزلية، مبالغة قيلت على سبيل الفكاهة، لأنها لا يمكن أن تصبح أمرًا واقعًا، لكنها أصبحت كذلك.