تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
شخصية زكريا الدرديري من فيلم الناظر، أشهر مدرس فرنساوي في السينما المصرية.

"مدرسين الفرنساوي" يبحثون عن "هيبة" ضاعت وتصاريح للاحتجاج

منشور الأحد 22 سبتمبر 2024

تختلف بداية هذا العام الدراسي عن الأعوام الـ25 التي عايشتها رشا غنيم، مُعلمة اللغة الفرنسية، إذ كانت تأتي بشائرُه مصحوبةً باتصالات لا تتوقف من الطلبة الراغبين في حجز دروس خصوصية، لكن هذه السنة لم تتلق رشا سوى مكالمتين، إحداهما من ولية أمر تفاوضها في ثمن الحصة، وأخرى تُملي عليها طريقة معينة لتدريس اللغة لابنتها بالمنزل.

لا يمكن فصل ذلك عما حدث بداية العام الدراسي الحالي، حيث قررت وزارة التربية والتعليم تحويل اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية إلى مادة نجاح ورسوب خارج المجموع. فتحولت اللغة الأجنبية الثانية إلى مادة غير أساسية بالمدارس الرسمية الحكومية، الإعدادية والثانوية. 

قابل معلمو اللغة الفرنسية القرار بانتقاد شديد، وحاول بعضهم تبني حراك مناهض له، قبل أن يُجهض الأمن وقفة احتجاجية لهم أمام نقابة المعلمين بالقاهرة، مطلع الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر/أيلول الجاري.

الأمن حذر المشاركين من تنظيم وقفة دون تصريح أمني

ولا تعتبر رشا، التي تعلمت اللغة الفرنسية من خلال دورات تدريبية ومارستها كمترجمة بمصلحة الشهر العقاري، تأثُّر مصدر دخلها بنقص الدروس الخصوصية الأمر الأكثر ضررًا من قرارات وزير التربية والتعليم الأخيرة، فقد أبدت حسرتها على تهميش اللغة الفرنسية كمادة دراسية باعتبارها خارج المجموع، تقول لـ المنصة "ضاعت هيبة مدرسين الفرنساوي وقيمتهم قلّت في المدارس".

لا تُخفي رشا، المُدرسة بإحدى مدارس المرحلة الثانوية بمحافظة القاهرة، شدة انزعاجها من اختزال أزمتهم في مسألة وقف الدروس الخصوصية فقط "أو زي ما بعض البوستات على فيسبوك بتقول إننا زعلانين علشان السبوبة"، تقول مضيفة "بنتي في تالتة ثانوي عام السنة دي وكنت معتمدة على الفرنساوي باعتباره المادة اللي هترفع مجموعها".

تصاريح للاحتجاج

كانت رشا إحدى الداعيات إلى وقفة نقابة المعلمين، التي كان مقررًا لها الاثنين 10 سبتمبر الجاري، غير أنها تراجعت عن المشاركة فيها خوفًا من القبض عليها وتأثر مصير بناتها الثلاثة، بعدما أُشيع على جروبات واتساب الخاصة بالمعلمين أن بعض الداعين للوقفة تعرضوا لضغوط من الأمن للتراجع عن تنظيمها "اتبعتت مقاطع صوتية على الجروبات لناس بتقول فيها إن الأمن أخد البطايق الشخصية بتاعتهم، بعدها الناس ابتدت تخرج من الجروبات".

غير أن زميلها إيهاب عبد الخالق، مدرس اللغة الفرنسية بإحدى المدارس الثانوية ببني سويف، الذي ذهب لمقر النقابة للمشاركة في الوقفة، أكد أن الأجهزة الأمنية كانت على علم بالتحضير للوقفة وأجهضتها "رحنا لقيناهم مستنيينا، وتدخلوا ومنعوا الوقفة، قالولنا لازم تصريح أمني الأول".

ويروى عبد الخالق لـ المنصة وقائع مع حدث "بمجرد ما وصلنا بدأ الأمن يسحب مننا اتنين اتنين ويدخلوهم يتكلموا مع قيادات أمنية في مكاتب جوه النقابة. كانوا بيحذروهم من تنظيم وقفة دون تصريح أمني، وجمعوا بطايقنا الشخصية، وفضلت معاهم من الساعة 12:30 ظهرًا وحتى الساعة الرابعة عصرًا".

يسترجع عبد الخالق، الذي شارك في الدعوة للوقفة الاحتجاجية، ما حدث معه "اتنين من الأمن أخدوني لداخل النقابة وخلوني أقابل واحد اسمه اللواء سعيد، قالي مش هينفع تنظموا وقفة بدون تصاريح أمنية، وقالي لازم تجيبوا تصريح من الأمن الوطني، ووفروا على نفسكم التعب علشان مش هيصرحوا لكم".

"جم على لقمة عيشنا ودمرونا"، يقول عبد الخالق، موضحًا "المدارس الخاصة تخلت عن عدد كبير من زمايلنا بعدما بلغوهم شفويًا إنهم مش عايزينهم تحت بند تقليل العمالة. استغنوا عنهم رغم إن بعضهم كان شغال في المدارس دي من 15 سنة".

معاملة أولياء الأمور اختلفت

تقول رشا إن الدروس الخصوصية "عمرها ما كانت مصدر رزقنا الوحيد. أنا طورت نفسي في اللغة وبدأت أدور على فرص عمل، واشتغلت في الترجمة، وكنت بادرّس كورسات لطلبة كليات الحقوق والآداب والتربية، وكنت بترجم رسائل ماجستير ودكتوراه، وكنت بترجم قانون جنائي ومدني".

ولكنها لا تتبرأ منها "انتهى بيا الأمر إني أدّي دروس.. آه أنا مش هنكر، العيشة صعبة، والموضوع عرض وطلب، خصوصًا وإن المدارس ماعدش فيها انتظام ولا اهتمام".

هيخشوا حصص احتياطي ومش هيبقى ليهم قيمة في المدرسة

بل ولا ترى رشا أزمة في دفاع بعض المعلمين عن الدروس، متسائلة "هل كانت الدولة وفرت لنا سبل تانية نعيش منها؟ هل أنا ضغطت على ولي الأمر أو أجبرته؟".

مع ذلك تؤكد رشا أن الضرر النفسي والمعنوي من القرار كبير جدًا "أنت لا تتخيل أولياء الأمور إزاي بيكلمونا، لما ولية أمر في دبي بتكلمني عايزة درس لبنتها في أولى ثانوي وتقولي إنتي آخرك 350 جنيه في الشهر مقابل 8 حصص، دا انتي مادة نجاح ورسوب لا تضاف للمجموع، وكأن ده سبب للمعاملة بقلة قيمة".

لا يقتصر الأمر على أولياء الأمور ولكن في المدارس كذلك، تقول رشا "مدرسين الفرنساوي هيدوا الحصص الاحتياطي، وهتتخفض نسبهم، ومش هيبقى ليهم قيمة في المدرسة، اللي هو تعالى الحصة دي فاضية ادخل".

دعاوى قضائية

بخلاف مسار الاحتجاج، لجأ عدد من معلمي المواد الدراسية المتضررة من قرارات وزارة التربية والتعليم لمحاكم مجلس الدولة بالقاهرة والمحافظات، للطعن على تلك القرارات، ومن بينهم معلمون لمواد علم النفس والفلسفة والجيولوجيا واللغة الفرنسية.

وحددت محكمتا القضاء الإداري بطنطا والمنصورة جلستي 22 سبتمبر الجاري، وأول أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لنظر دعويين من الدعاوى التي أقامها المحامي علي أيوب وكيلًا عن عدد كبير من المعلمين المتضررين بالمحافظتين.

تطالب الدعوى رقم 58000 لسنة 40 قضائية، والمقامة أمام محكمة القضاء الإداري بطنطا، بصورة مستعجلة، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير التربية والتعليم رقم 138 بتاريخ 14/8/2024، مع ما يترتب على ذلك من آثار بإعادة المواد الملغاة وهي الجيولوجيا وعلم النفس والفلسفة والفرنساوي كمواد مضافة للمجموع.

سيؤدي القرار إلى الاختفاء الحتمي لهذه الأقسام نظرًا لتوقف الطلاب عن الالتحاق بها

وأكدت الدعوى، التي حصلت المنصة على صورة منها، مخالفة القرار لمواد الحق في التعليم بالدستور المصري، فضلًا عن مخالفته لنص المادة رقم 26 قانون التعليم، بوصف القرار لم يعرض على المجلس الأعلى للجامعات.

تنص تلك المادة على أن "تتكون مقررات الدراسة فى التعليم الثانوي العام من مواد إجبارية ومواد اختيارية، ويصدر بتحديد هذه المواد وعدد المواد الاختيارية التي يتعين على الطالب أن يجتازها بنجاح قرار من وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بعد موافقة المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي وموافقة المجلس الأعلى للجامعات". 

وعددت الدعوى مما وصفته بالنتائج الضارة، من بينها البطالة الجزئية بين المعلمين غير المعينين والذين كانوا يجتهدون دون انتظار حقهم فى التعيين، بالإضافة إلى تأكيدها على تسببه في تغيير المسار والمسمى الوظيفي لهم، وهو ما اعتبرته "قمة الإهانة لتخصص أفنى عمره كله فى دراسته، فضلًا عن تأثر دخولهم، على النحو الذي لن يكفل لهم حياة كريمة دون دروس خصوصية على أساس هذا عام 2024". 

تمد الدعوى الخط على استقامته، إذ "سينعكس القرار على تعيين أساتذة جامعيين في هذه التخصصات، بما سيؤدي إلى الاختفاء الحتمي تدريجيًا للأقسام الخاصة بهذه التخصصات بالتعليم الجامعي، نظرًا لتوقف الطلاب عن الالتحاق بها وهو ما بدأ يحدث".

ورغم كل ما سبق، ما زال معلم اللغة الفرنسية إيهاب عبد الخالق يرى أن الفرصة سانحة لتدارك الأزمة وحلها، بالنظر إلى أن المواد الأخرى التي تضررت من القرار، وهي الفلسفة وعلم النفس والجيولوجيا، تم حذف مناهجها واعتبارها غير مقررة على الطلاب. أما مادة اللغة الفرنسية فبقيت كما هي ولكن تم اعتبارها من المواد التي لا تضاف إلى المجموع، مطالبًا بإعادة احتسابها مرة أخرى ضمن مجموع الثانوية العامة لإنقاذهم.

تتذكر رشا التزاماتها المالية الشهرية تجاه أسرتها وابنتها الكبرى طالبة الثانوية العامة، التي تحتاج لدروس خصوصية بقيمة 4 آلاف جنيه شهريًا، متسائلة "أجيب منين؟!".

هذه القصة من ملف  التعليم في الزمن الصعب


السپلايز.. ذخائر التلميذ وكابوس أهله

أحمد الصادق_  على رأي مرسي الزناتي؛ "أجيب تختة من عند أمي؟ هاصرف على الحكومة بقى ولا إيه؟!"، هذه جملة هزلية، مبالغة قيلت على سبيل الفكاهة، لأنها لا يمكن أن تصبح أمرًا واقعًا، لكنها أصبحت كذلك.