
استدعاء "الكتاتيب".. بديل الحكومة لتخفيف أحمال التعليم
"مع مشاكل التعليم اللي عندنا في البلد، والمدرسة اللي خلاص مبقاش ليها دور حقيقي في تعليم الأولاد" قررت هبة رياض إلحاق ابنها بالكُتّاب.
ورغم أن ولية أمر الطفل ياسين بالصف الأول الابتدائي بقرية الخوالد بمركز أبو تشت في محافظة قنا تعي من البداية إن الكُتّاب "مش نظام تعليمي أساسي يُمكِّن الطالب من الإلمام بكل العلوم، لكنه على الأقل هيتعلم القراءة والكتابة" تقول لـ المنصة.
يتماشى قرار هبة مع توجه للدولة، إذ كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مايو/أيار الماضي عن توجيهات رئاسية بدراسة مقترح قدمه وزير الأوقاف أسامة الأزهري بشأن عودة الكتاتيب، مؤكدًا أن "أهم النقاط التي سيتم الحرص على تدريسها هي ثوابت الدولة المصرية التي تقوم على الوسطية والتسامح واحترام الآخر وحب الوطن واحترام كل الأديان".
وأطلق الأزهري في ديسمبر/كانون الأول الماضي مبادرة عودة الكتاتيب، وذلك خلال تفقده أول نموذج لمشروع "كُتّاب وحلقات القرآن الكريم" بقرية كفر الشيخ شحاتة التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، معتبرًا هذا المشروع يعيد الدور الريادي للكتاتيب التي لم تكن مجرد مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، بل صروح تعليمية وتربوية تسهم في بناء الهوية الدينية والوطنية للأجيال القادمة، وتحميهم من "مخاطر الفكر المتطرف والإلحاد".
الحل السحري
تستهدف مبادرة "عودة الكتاتيب" وجود كتَّاب في كل قرية من القرى الأم التي يبلغ عددها 4 آلاف و500 قرية على مستوى الجمهورية، ثم بقية القرى ضن خطة تستغرق ما بين عام إلى عام ونصف العام لتغطية ورعاية جميع الكتاتيب. هذه المبادرة تطرح أسئلةً بخصوص مدى قدرة الكتاتيب على توفير تعليم عصري يتخلص من الميراث القديم للفكرة المنحصرة في التعليم الديني.
هل يمكن أن توفر الكتاتيب بديلًا للمدارس؟ أو تساعد في دعم النظام التعليمي، خصوصًا وأنها تأتي في وقت يُدرك فيه الجميع وجود أزمة تعليم غير قابلة للحل، وهو ما يدفع رقية محمد، والدة الطفل مصطفى، التلميذ في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة الشيخ أحمد الأمير في أسيوط، لوضع خطة لتعليم ابنها بنفسها فالمدارس غير قادرة على تقديم خدمة تعليمية جيدة.
وتحرم الكثافة العالية بالفصول في المدارس الحكومية الطلاب من التحصيل الأكاديمي، فـ"العدد يتجاوز الـ80 طالبًا في فصل مصطفى" ، كما تقول والدته لـ المنصة.
تضيف "ابني مكنش قادر يفهم شرح المعلمين في الفصل، واللي أغلبهم كان غير قادر على توصيل المعلومة في ظل العدد الكبير للطلاب"، وهو ما هدده بضياع سنوات التأسيس الأولى.
وبحكم أنها خريجة كلية تربية قسم لغة عربية، قررت رقية أن تتابع مع ابنها في البيت، وتكون المعلمة الأولى والأخيرة له، مفضلة ذلك على إلحاقه بالكتّاب لأنها تعرف أنه "صعب يلم كل العلوم، خاصة اللغات".
التعليم.. عجز وضعف
لا تقتصر أزمات التعليم المصري على الكثافة الطلابية، وإنما ينخفض الإنفاق عليه بشكل مطرد. فعلى الرغم من تحديد المادة 19 من الدستور لنسبة الإنفاق بـ4% من الناتج المحلي الإجمالي فإنه اتخذ مسارًا نزوليًا حتى وصل إلى 1.94% من إجمالي الناتج، حسب تقرير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
الوزارة ماشية على إجراءات أشبه بالمسكنات كالاستعانة بمعلمي الحصة
تخفيض مخصصات الإنفاق على التعليم تعترف به الحكومة، وسبق وأدلى الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحات قال فيها "تقول لي استحقاق دستوري للصحة والتعليم، هل الدولة المصرية معاها هذه الأموال للـ100 مليون تعملهم تعليم فيه 25 مليون بني آدم في التعليم الأساسي عاوزين أكثر من 500 مليار جنيه؟".
يشدد الرئيس على أن الدولة لا تستطيع الوصول إلى الحد الأدنى من نسب الإنفاق على التعليم "الطالب عشان تديله تعليم في الدول المحترمة، محتاج 10 آلاف دولار، يعني محتاج 250 مليار دولار، أجيبله منين ومصر تجيب منين؟ الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة، ولازم كلنا نبقى موجودين على أرض الواقع".
يعاني التعليم من أزمة أخرى تتمثل في ارتفاع نسب عجز المعلمين في المدارس، الذي وصل لـ665 ألف معلم بعد إضافة فصول جديدة بلغت 98 ألف فصل دراسي بداية العام الدراسي المنصرم، الأمر الذي يصفه أشرف أمين عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، بـ"الكارثة التي تهدد الأجيال المقبلة".
ويحذر أمين من استمرار توقف تعيين المعلمين بالوزارة "الوزارة ماشية على إجراءات أشبه بالمسكنات كالاستعانة بمعلمي الحصة، وطلاب الخدمة العامة، وهو أمر يثير القلق على استمرار المنظومة التعليمية في مصر خلال السنوات المقبلة".
وتتفق حنان يشار عضوة لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب مع أمين في معاناة التعليم المصري من انخفاض نسب الإنفاق، والكثافة الطلابية بالفصول، وعجز المعلمين، وضعف رواتبهم.
ومع ذلك لا ترى حنان أن الحل في الاستعانة بأنظمة بديلة مثل الكتاتيب، وتؤكد لـ المنصة أن الأولى هو وضع حلول لجميع المشكلات التي تعاني منها المنظومة، بدلًا من التفكير في حل غير كافٍ وهو عودة الكتاتيب، فمهما كان حجم الدعم المقدم لها لن تؤدي دور المدارس.
الكتاتيب قادمة
يؤكد أسامة رسلان المتحدث باسم وزارة الأوقاف على أن الكتاتيب ستكون تحت إشراف وزارة الأوقاف ومديرياتها بالمحافظات، وأنها ستكون مكملة لدور وزارة التعليم، لكنها لن تتدخل في شؤونها.
يوضح رسلان لـ المنصة أن الكُتّاب أشبه بدُور الحضانة الموجودة بالمدارس، ولكن يختلف عنها حيث يقوم على تحفيظ القرآن الكريم، وبعض أساسيات القراءة والكتابة. وتستهدف الأوقاف إنشاء كُتّاب داخل كل قرية، وفتح بعض ملحقات المساجد، على أن يكون الكُتّاب مجهزًا بوسائل حديثة سواء من حيث العرض السمعي أو البصري، فكما يؤكد رسلان فالطالب لن يتلقى العلوم الدينية فقط، بل سيحصل أيضًا على بعض العلوم التي ندرس إضافتها مستقبلًا كعلوم التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع".
وفي فبراير/شباط الماضي، افتتح وزير الأوقاف كُتَّاب الشيخ أحمد نعينع بمسجد أحباب المصطفى بمدينة الشروق في مناسبة رسمية هي الثانية ضمن مبادرة عودة الكتاتيب بعد كُتّاب قرية تلا.
وبخصوص كيفية الإنفاق على الكتاتيب، أشار المتحدث باسم الوزارة لإمكانية تحديد قيمة اشتراك شهري للانضمام للكُتّاب "الانضمام حاليًا مجانًا، ولكن مستقبلًا قد يتم تحديد قيمة زهيدة لتغطية جزء من رواتب المحفظين، وشراء الأدوات التعليمية اللازمة، وتكاليف إنشاء الكتاتيب".
لا تعتمد الأوقاف على مواردها فقط، فإنشاء كُتّاب قرية تلا وكُتّاب الشيخ نعينع ورعايتهما تم عبر مساعدات من منظمات العمل الخيري، وتكفل مواطنون بها، فحسب بيانات وزارة الأوقاف تكفلت مؤسسة المنة الخيرية بإنشاء كُتّاب قرية تلا، فيما تكفل مواطنون بإنشاء كُتّاب الشيخ نعينع ورعايته.
لدى وزارة الأوقاف نحو 2872 محفِّظا معتمدًا يتم تأهيلهم عبر دورات تدريبية للتعامل مع التكنولوجيا
"نحن كوزارة سنقوم بإنشاء كتاتيب، ولكن لا نمانع من مشاركة المنظمات والجمعيات الخيرية في المبادرة، فقد تلقينا نحو 2000 طلب حتى الآن لإنشاء كتاتيب بالقرى، عبر تكفل هذه الجمعيات بالإنشاء والرعاية"، يصرح رسلان، مستدركًا لكننا "لا نقبل أي طلب لفتح كُتّاب حتى نتأكد من تحقيقه للعديد من الشروط سواء من السلامة الصحية والإنشائية للمقر، وتوافر الوسائل التعليمية الحديثة والتكنولوجية، فضلًا عن كفاءة المحفظ وقدرته على التعامل مع الطلاب".
لدى وزارة الأوقاف نحو 2872 محفِّظا معتمدًا يتم تأهيلهم عبر دورات تدريبية للتعامل مع التكنولوجيا بمراكز إعداد المحفظين التابعة لوزارة الأقاف، كما يؤكد رسلان، مشيرًا إلى أن هذه الدورات تشتمل على تدريبات لكيفية تعامل المحفظ مع الأطفال باستخدام أحدث الأساليب التربوية.
وبخصوص الكثافة في الكتاب، يفيد متحدث الأوقاف بأن "العدد لن يتجاوز 50 طالبًا داخل الكُتّاب الواحد، حيث إنه كلما كان عدد الطلاب أقل كانت الاستفادة أكبر".
حوار مجتمعي
تختلف آراء الخبراء التعليميين حول القيمة التي قد تضيفها الكتاتيب للتعليم؛ يرى أشرف الشيحي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق أن عودة الكتاتيب ستدعم القيم الدينية والوطنية للأطفال لمقاومة "ازدياد عمليات الاختراق الثقافي والعولمة التي ستكون سببًا في ضياع المجتمع كما أنها ستسهم في محو الأمية".
ويدعو الشيحي إلى طرح المقترح للحوار المجتمعي قبل بدء تطبيقه فإقناع أولياء الأمور حاليًا بالتقديم لأبنائهم في الكتاتيب تلاقي بعض الصعوبة، منوهًا لضرورة دعمها بـ"أساليب تعليمية كما في المدارس".
أما الخبيرة التربوية بثينة عبدالرؤوف فتستبعد أن تحقق الكتاتيب نجاحًا في ظل الثورة التكنولوجية الحالية، فحسب ما ترى "قد تُشكل الكتاتيب بيئةً أكثر تركيزًا للتعلم الأساسي، لكن المناهج التي تعتمد عليها وأساليب التدريس لا تجعل الطالب يواكب التغيرات العالمية".
ينحصر مستقبل الكتاتيب وفق رؤيتها "في رغبة بعض أولياء الأمور في تعليم أبنائهم العلوم الدينية، بالإضافة إلى استمرار تجاهل بعض القرى في دعم التعليم بها، وبالتالي لن يكون أمام أهلها سوى اللجوء للكُتّاب حلًا بديلًا للتعليم الأساسي".
وتنقد الخبيرة التربوية تهميش القرى "بدل ما وزارة التعليم تفتح كتاتيب في القرى، الأحسن إنها تدعم دور الحضانة هناك بأنها توفر البيئة التعليمية الصح، وتجيب مدرسين شاطرين يعلموا الأطفال أساسيات القراية والكتابة، وكده نطلع جيل تعليمهم عالي ومتميز"، تقول لـ المنصة.
تقف نجلاء أحمد، ولية أمر الطفلة تقى بالصف الثالث الابتدائي بإحدى مدارس محافظة سوهاج، في حيرةٍ، "أنا معنديش مانع بنتي تروح الكُتّاب في البلد، بس إزاي تروح الكُتّاب عشان تاخد علوم وهي أصلًا مبتخدهاش في مدرستها؟! والدولة إزاي تشَتِت أولياء الأمور في كذا طريق من غير فايدة للعيال؟".
وبينما ترى نجلاء أن دعم المدارس بالبنية التحتية والتكنولوجية اللازمة أولى، اتخذت هبة قرارها بأن "ياسين هيكمل في الكُتّاب لحد بداية العام الدراسي بحيث يطلع باستفادة كويسة".