في الرابعة من صباح كل يوم يستيقظ مصطفى عوض، المدرس بإحدى مدارس محافظة الشرقية، بادئًا يومه بتصوير محتوى قناته مستر إنجليزي على يوتيوب، قبل أن يذهب إلى عمله القريب من منزله. وما إن ينتهي اليوم الدراسي حتى يعود لبيته مسرعًا لمتابعة مجموعات تليجرام التي يتواصل عبرها مع الطلاب وأولياء الأمور.
التحق مصطفى بركب التدريس أونلاين قبل 4 سنوات، استغلالًا للعائد المادي الذي توفره مشاهدات يوتيوب، حتى زاد عدد مشتركي قناته عن مليون.
قناة مصطفى التي بدأها مع جائحة كوفيد-19 عام 2020 باتت رقم 658 على مستوى القنوات التعليمية على يوتيوب حسب موقع social blade، المتخصص في توفير بيانات حول أعداد المشتركين والإيرادات التقديرية في يوتيوب.
يقول مصطفى لـ المنصة "الحكاية بدأت من المدرسة بعدما جمعني لقاء مع مدرسين في الإدارة التعليمية لتعلّم بعض وسائل العروض الدراسية التقديمية باستخدام التكنولوجيا بسبب فيروس كورونا في 2020، واتجه بعض المعلمين لبث موادهم عبر الفيديوهات، فاتجهت أنا أيضًا".
في البداية لم يفكر مصطفى في احتراف تقديم المحتوى، حتى إن أول فيديوهات نشرها عبر قناته كانت سيئة. ولكنه كرر المحاولة حتى أسس قناته الحالية بهدف تجاري في يونيو/حزيران 2020. جاءت البداية بإمكانات بسيطة، فكانت أول وحدة إضاءة له مُصنعة منزليًا بواسطة أنابيب السباكة، إلا أن هذا كله تغير الآن، وأصبح هناك مكان مخصص للتصوير وكاميرا احترافية، ووحدتا إضاءة ومسجل صوت احترافي.
رغم ذلك يرى مصطفى نفسه معلّمًا وليس مقدم محتوى، ويعتقد أن أغلب المعلمين على يوتيوب ليس هدفهم الأساسي الربح، مدللًا بأن بعضهم يصرّ على تقديم فيديوهات بعض الصفوف الدراسية رغم عدم تحقيقها مشاهدات تدّر أرباحًا.
ولكنه لا ينفي أن أرباح يوتيوب دفعت العديد من غير المؤهلين لخوض تجربة التدريس أونلاين "كتير من خريجي كليات الهندسة والعلوم بيقدموا محتوى تعليمي في المواد الرياضية والعلمية".
تحقق قناة مصطفى متوسط أرباح ما بين 1.3 ألف و20.4 ألف دولار شهريًا، بحساب مشاهدات القناة التى تجاوزت 84 مليون مشاهدة.
ووفقًا لـsocial blade، الأداة التي تتيح إحصاءات عن قنوات يوتيوب، لا تضم قائمة أعلى 100 قناة تعليمية أي قنوات مصرية، بينما لا تضم قائمة أعلى 100 قناة مصرية أي قنوات تعليمية، بالتالي لم يكن من السهل معرفة أهم قنوات المدرسين.
لذلك اعتمدت المنصة على آراء مجموعة عشوائية مكونة من عشر أمهات، 3 لكل من المرحلة الإعدادية والابتدائية، و4 عن المرحلة الثانوية، واختارت الأمهات 6 مدرسين، ثم أضفنا ماجد إمام مدرس الجيولوجيا، صاحب واقعة صالة حسن مصطفى، كما أضفنا قناة مدرستنا، التي دشنتها وزارة التربية والتعليم أثناء أزمة كورونا، ضمن ما أطلقته من منصات للتعلم عن بعد.
وجاءت اختيارات الأمهات كالتالي: محمد عبد المعبود مدرس الفيزياء للمرحلة الثانوية، ورضا الفاروق مدرس اللغة العربية للمرحلة نفسها، وعطا زكي شحتو الذي يقدم محتوى لكافة المراحل في الدراسات الاجتماعية، وقناة happy house للرياضيات باللغة الإنجليزية لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، وكذلك قناة مستر أحمد الباشا لمنهج العلوم باللغة الانجليزية، ومنهج ICT للمرحلة الابتدائية والإعدادية.
في يونيو/حزيران الماضي، كانت مصر على موعد مع حدث أثار الكثير من الجدل، وهو ما عُرف بواقعة "مدرس الجيولوجيا" الذي استأجر صالة حسن مصطفى بمدينة السادس من أكتوبر لمراجعة ما قبل الامتحان للمادة، قبل أن يُقبض عليه، ثم يخلى سبيله.
المدرس هو ماجد إمام، صاحب قناة Geo maged emam، التي دشنها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 حسب social blade، ويصل عدد المشتركين فيها 900 ألف، وحسب إحصاءات الموقع خسر ماجد نحو 19 ألف مشترك خلال الشهر الماضي، وهو ما قد يرجع إلى اعتبار مادة الجيولوجيا خارج المجموع في الثانوية العامة، حسب قرارات وزير التربية والتعليم الأخيرة، بينما يتراوح متوسط أرباحه الشهرية ما بين 1.1 إلى 5 آلاف دولار.
كما تراوحت أرباح القنوات التي وقع عليها اختيار الأمهات بين 1200 إلى أكثر من 15 ألف دولار شهريًا حسب حجم المشاهدات التي تحصدها.
دفعة كورونا
قبل 3 سنوات وجدت سامية القرشي نفسها أمام مشكلة توفير مصاريف الدروس لابنتها بالصف الثاني الابتدائي، فالطفلة التي التحقت بالدراسة فيما يُعرف بـ"دفعة كورونا" لم تحصل على أساسيات التعليم مثل القراءة والحساب ومبادئ اللغة الإنجليزية بسبب توقف الدراسة، وهو ما جعل سامية تواجه خيارين؛ إما إلحاق ابنتها بدرس تأسيسي، وهو مجموعات تقوية خاصة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة والإملاء قبل بداية العام الدراسي، أو إلحاقها بدرس متابعة منهج، وهو مجموعات تقوية تُخصص للطلبة أثناء العام الدراسي.
"بسبب كورونا، بنتي مدرستش نظامي في المدرسة طول سنتين تقريبًا، كمان هي في مدرسة حكومية كثافة الفصل الواحد فيها أكتر من 80 طفل، وده يخليني معتمدش على التحصيل في الفصل. فالحل في الدروس الخصوصية وده عبء إضافي" تقول سامية لـ المنصة.
مع انتشار كوفيد-19 اتخذت وزارة التعليم قرارًا بتعليق الدراسة لأسبوعين، إلا أن التعليق استمر لنهاية العام الدراسي 2019-2020، ثم تكرر في بداية العام الدراسي 2020-2021، وبذلك ساد نظام التعليم عن بعد، ودشنت الوزارة منصة التعليم الإلكتروني كبديل للتعليم التقليدي في تلك الفترة.
وفي المقابل، دشن المدرسون قنواتهم على يوتيوب لشرح المنهج كبديل للدروس الخصوصية التي توقفت بصورة كاملة للمرحلتين الابتدائية والإعدادية، ولم يخضع طلابها للامتحانات النهائية.
حسبت سامية ميزانيتها الشهرية فوجدت أنها ستدفع ثُلث دخلها للدروس إذا التحقت ابنتها بدروس متابعة المنهج، خاصة وأن لديها ابنة أخرى ستلتحق بالمدرسة في السنة القادمة، فاحتارت. وأثناء تصفحها يوتيوب وجدت عددًا من الدروس المجانية فقررت أن تستفيد من هذا المحتوى المجاني.
"احترت في اختيار المدرسين، وكنت خايفة من إن بنتي ما تستوعبش الدرس، ولكن مع المتابعة بقى يوتيوب هو المصدر الأول للدروس، وما بناخدش درس خصوصي غير قليل أوي، خصوصًا إني اخترت قنوات ينفع تتفاعل مع المدرسين على تليجرام أو فيسبوك" تقول سامية.
وحسب سامية، يُتيح بعض المدرسون تحميل مذكرات وتدريبات، وكذلك امتحانات، وهو ما سهَّل المذاكرة على ابنتها، وجعلها توفر مئات الجنيهات شهريًا لبنود أخرى في ميزانيتها.
ولكن التفاعل المباشر مع الغرباء يشكل خطورة على الأطفال، وفي هذا الشأن قالت مؤسسة مشروع أمومة وطفولة داليا قنديل في تصريحات سابقة لسكاي نيوز عربية، إن على الأهل تخصيص جهد بسيط للقيام بالرقابة الإلكترونية على أطفالهم.
اقتصاد الدروس الخصوصية
حسب تصريحات لوزير التربية والتعليم السابق الدكتور طارق شوقي عام 2021، قدر حجم اقتصاد الدروس الخصوصية غير الرسمي بنحو 20 مليار جنيه. الرقم السابق يقل عن تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لسنة 2018/2017 عن حجم إنفاق 26 مليون أسرة على الدروس الخصوصية، والتي بلغت نحو 47 مليار جنيه، أي ما يعادل مليار دولار تقريبًا. وصدر تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حين كان سعر صرف الدولار 17 جنيهًا، قبل أن يصل عام 2024 إلى 48.7 جنيه.
وتُنفق الأسر المصرية نحو 5.7% من إجمالي دخلها على التعليم، ويحتل بند الدروس الخصوصية المرتبة الثانية في الإنفاق على التعليم بعد المصروفات الدراسية، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء.
دفع اقتصاد الدروس الخصوصية الرسمية مصلحة الضرائب إلى فتح ملفات ضريبية لمراكز الدروس الخصوصية، مطالبة القائمين عليها بإخطار مأموريات الضرائب بنشاطها سواء كانت جمعيات أو قاعات أو شقق أو تدريس أونلاين، وتحديد ما إذا كانت مملوكة أو مؤجرة.
الكهرباء والبنية التحتية أكبر العوائق
تقضي أمل صالح حياتها بين عملها كأخصائية تخاطُب، وحياة طفليها الممارسَين لرياضة السباحة، وينتظر أكبرهما الاشتراك في بطولة الجمهورية، لذلك فإن توفير الوقت اللازم للتنقل بين الدروس الخصوصية أمر صعب للغاية.
تقول أمل لـ المنصة "عندي طفلين في التعليم، الكبير في سادسة ابتدائي والتاني في خامسة. مع شغلي وشغل البيت بقى وقتي ضيق، لكن يوتيوب سهِّل المسألة"، غير أن أمل ترى ثمة عيوبًا في المحتوى "أهمها الإعلانات اللي محتاجة مراقبة حتى مع تفعيل خاصية مشاهدة الأطفال".
في المقابل، تُشكل أزمة البنية التحتية لشبكة الإنترنت، وكذلك تخفيف أحمال الكهرباء، عائقًا أمام أمل، "مواعيد انقطاعات الكهرباء مش ثابتة، وكمان باقة الإنترنت الأرضي ضعيفة ومبتكفيش أسبوعين".
في النهاية، بينما وجد بعض المدرسين في القنوات التعليمية فرصة لزيادة دخولهم المادية؛ فإن ذلك لم يوفر حلًا لمشكلة الدروس الخصوصية وسوء حالة العملية التعليمية في مصر.