الصفحة الرسمية لمدارس التكنولوجيا التطبيقية، فيسبوك
طالب وطالبة في إحدى مدارس التكنولوجيا التطبيقية، يناير 2025

"التكنولوجيا التطبيقية".. بطالة جديدة برعاية "التعليم"

الوزارة تتجاهل مطالب الخريجين وأولياء الأمور يلجؤون لمجلس الوزارء

منشور الاثنين 17 فبراير 2025

حصل مصطفى وليد على 250 درجة من 280 في الشهادة الإعدادية، ما يؤهله للالتحاق بالثانوية العامة، إلا أن أسرته قررت إدخاله إحدى مدارس التكنولوجيا التطبيقية تجنبًا لدوامة الثانوية وأنظمتها المتغيرة، لكنه لم ينجُ. 

تَعِد المدارس التي تُنشئها المصانع والشركات بتوفير فرص عمل للملتحقين بها في مؤسساتها بعد التخرج مباشرة، كما أن الكثيرين يحسبونها عتبة سهلة لدخول كلية الهندسة حال تحصيل مجموع مرتفع في السنة النهائية، وهو ما لا يتحقق على أرض الواقع.

"أغلب تجارب طلاب الثانوية العامة في العيلة متشجعش، عشان كده قدمنا في التكنولوجيا التطبيقية بمجموع أعلى من تنسيق الثانوي بـ35 درجة" تبرر أسماء رجب والدة مصطفى سبب تفضيلهم هذا النوع من التعليم.

كان أمام الأسرة خياران، أولهما مدرسة WE "لكن مصطفى اتقبل في فرع الشيخ زايد وإحنا ساكنين في شبرا، فدخلنا مدرسة فريش الدولية"، وكما تقول لـ المنصة فإن الخيار الثاني من المفترض أنه يضمن لمصطفى فرصة عمل في المصنع الذي تتبع له المدرسة، "وممكن تيجي له منحة برا مثلًا من الوكالة الأمريكية اللي هي شريك في المدرسة".

مطالب الأهالي

تخرجت دفعتان من مدارس التكنولوجيا حتى الآن، لكن لم تتحق أي من الوعود، كما أن الطريق إلى كلية الهندسة ليس ممهدًا كما تصور البعض، ما دفع والدة مصطفى وغيرها من أولياء أمور الطلاب للتحرك بإطلاق دعوات منذ سبتمبر/أيلول الماضي أملًا في إيجاد حلول للدفعة الجديدة في الحصول على فرصة عمل، وفتح تنسيق الجامعات الحكومية أمام طلاب التكنولوجيا التطبيقية، إذ يُعامل خريجو هذه المدارس معاملة الحاصلين على الدبلوم، ويضطرون إلى عمل معادلة للشهادة للالتحاق بالجامعات.

يطالبُ أولياء الأمور أيضًا باعتراف الجامعات الخاصة الهندسية بخريجي هذه المدارس من الراغبين في سلك مسار التعليم الخاص، ومنحهم الأولوية في الالتحاق بمعهد التكنولوجيا العسكرية الذي لا يعترف بخريجي هذه النوعية من التعليم، ما يفقدهم تعدد الخيارات أمامهم حال رغبتهم في استكمال تعليمهم الجامعي.

ورغم أحقيتهم في الالتحاق بالكليات التكنولوجية الخاصة، فإن خريجي المدارس التطبيقية الذين التحقوا بجامعة 6 أكتوبر التكنولوجية واجهوا مشكلة العام الماضي تتمثل في دخولهم أقسامًا بعيدة عن تخصصهم. يقول حسام سالم، وهو ولي أمر أحد الطلبة ومؤسس جروب مدارس التكنولوجيا التطبيقية على فيسبوك، الذي يضم 128 ألف عضو، إنْ "الدفعة الأولى اللي اتخرجت من المدارس ملقتش أماكن كافية ليهم في أقسام البرمجة والاتصالات، فرئيسة الجامعة دخلت الأعداد الزيادة أقسام سكة حديد وغزل ونسيج". 

غيابٌ لفرصة العمل وحرمانٌ من الجامعات الخاصة والعسكرية وتوقفٌ المنحة حتى إشعار آخر

يدرس مصطفى باللغة الإنجليزية ولذلك تعتبرها والدته "دراسة صعبة"، وهي من ضمن الأسباب التي يستند إليها هو وزملاؤه في المطالبة بفتح مسار ثانوي تكنولوجي مماثل للثانوي العام منفصل عن التعليم الفني، رافضين تسجيلهم كحاصلين على دبلوم فني في بطاقات الرقم القومي.

وتقدم أولياء الأمور بشكاوى رسمية تتضمن مطالبهم التي تمس مستقبل أبنائهم إلى مجلس الوزراء في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ووصلوا بها إلى مجلس النواب، يقول سالم إن "معظم أعضاء مجلس الشعب عارفين مطالبنا".

عرفت مصر هذا النمط من التعليم عام 2018، حين استحدث طارق شوقي، وزير التربية والتعليم السابق، مدارس فنية جديدة أطلق عليها اسم مدارس التكنولوجيا التطبيقية، بالتعاون مع شركاء صناعيين، بهدف تخريج فنيين يرقى مستواهم إلى المعايير الدولية، ممن تحتاجهم سوق العمل، وشهدت في البداية إقبالًا كبيرًا من الطلاب؛ لما توفره من تخصصات متنوعة.

تتبع هذه المدارس التعليم الفني. ويبلغ عددها 81 مدرسة على مستوى الجمهورية. وتضع وفق تنسيق 2024 شروطًا صعبة للقبول، منها أن يكون الحد الأدنى 225 درجة في الشهادة الإعدادية، وإجراء مقابلات شخصية مع الطالب وأسرته.

تبدو هذه الشروط مقبولة بالنظر إلى الوعود التي يتلقاها الراغبون حال الالتحاق بهذه المدارس، تقول أسماء "قالولنا لو استكفى بتالتة ثانوي بيشغلوه في مصنع فريش، واللي عايز يكمل يدخل المعهد التكنولوجي العالي لدراسة الهندسة وده بدون معادلة، وقالوا لنا في الحالة دي بنضمن لكم تشتغلوا معانا مهندسين في المصنع، والوكالة الأمريكية بتجيب للمتفوقين منح يسافروا يكملوا تعليمهم أو يشتغلوا برا وعشان كده اسمها شهادة دولية".

رغم هذه الوعود، ليس هناك ما يضمن لمصطفى فرصةَ الحصول على عمل بعد انتهاء عامه الدراسي الأخير، أو يمنحه الحق في التقدم إلى كليات الهندسة والحاسبات والمعلومات، وكما أن منحة الوكالة الأمريكية توقفت هي الأخرى حتى إشعار آخر، بناءً على قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف جميع المساعدات الدولية.

تعتقد أسماء  أن توقف المنحة يُفقد مدرسة ابنها ميزة مهمة وحافزًا للتفوق لأن "الأغلبية كانوا بيذاكروا على أمل تجي لهم منح برا"، موضحة أن "تعليمهم معتمد على العملي والمشاريع اللي بيشترك في كل منها 4 طلاب على مدار السنة مثلًا، فالوكالة بتتبناها وبتصرف عليها ولازم يقدموا حاجة مبتكرة وأفضل مشروع بيكون ليه جوايز".

التعليم في وادٍ والطلاب في وادٍ

محمد عبد اللطيف وزير التعليم والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يشهدان تخريج أول دفعتين من طلاب مدارس WE للتكنولوجيا التطبيقية، 27 يناير 2025

تتوسع وزارة التعليم في إنشاء مدارس التكنولوجيا التطبيقية بمختلف أنحاء مصر، وذلك "لاحتياجنا للعمالة الفنية الماهرة في كافة التخصصات الحديثة لسوق العمل كالذكاء الاصطناعي ومجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتخصصات الزراعية الحديثة وتصديرها للخارج" حسب شادي زلطة، المستشار الإعلامي لوزارة التربية والتعليم.

وحسب بيان لوزارة التربية والتعليم، وصف محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى تجربة مدارس التكنولوجيا التطبيقية بأنها حققت نجاحًا كبيرًا، وذلك لتوفيرها فرص عمل للخريجين داخل مصر وخارجها.

والتقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مجموعةً من المتدربين بمركز إبداع مصر الرقمية "كريتيفا" بالجيزة، تضم عددًا من الملتحقين ببرامج تدريبية مقدمة من معهد تكنولوجيا المعلومات، إلى جانب مجموعة أخرى من خريجي مدارس المصرية للاتصالات وخريجي مبادرة أجيال مصر الرقمية، ووجه بأن تكون الأولوية لخريجي المدرسة في الالتحاق بالكليات المتخصصة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

يتفق ذلك مع ما وعد به الدكتور أحمد الجيوشي، الأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات التكنولوجية، يقول حسام سالم "وعدنا يدينا فرصة كويسة في الجامعات التكنولوجية فقط، وإحنا بنطالب أيضًا بالجامعات الحكومية لأننا بندفع في التكنولوجي ما بين 15 لـ20 ألف جنيه في السنة".

ويقلل من حديث المسؤولين عن زيادة أعداد المدارس، يقول لـ المنصة "إيه أهمية المدارس الكتير ومافيش توظيف وكأنها مفرخة كتاكيت"، متهمًا إياهم بأنهم "بيحطوا راسهم في التراب زي النعام".

ويعتبر الأهالي أن مطالبهم لا تحظى بالأولوية بالنسبة للوزير، وأن محاولة تسويق التجربة في الخليج وسيلة للحصول على تمويلات خارجية فقط.

يتساءل مؤسس جروب مدارس التكنولوجيا عن أسباب تجاهل المطالب المشروعة للدفعات الجديدة، مستنكرًا تصريحات المستشار الإعلامي عن خلق فرص عمل بالداخل والخارج، يقول "لما تاخد 10 أنفار بالكتير من دفعة وتشغلهم، مش معنى كده إنك بتوظف، ده مجرد كلام، وكلها سنة ولا اتنين والخريجين هايكونوا كتير جدًا وهنبقى كدا عملنا بطالة".

ويضطر معظم الطلبة إلى الالتحاق بوظائف لا تناسب دراستهم، يقول مصطفى لـ المنصة إن "الدفعة اللي فاتت درسوا برمجة واشتغلوا في الغزل والنسيج وجزء تاني في السكة الحديد، عشان مالهمش مكان في شركة الاتصالات".

ويتنبأ سالم بانخفاض أعداد الملتحقين بهذه المدارس في العام الدراسي القادم بدليل "لما حد جديد بيسأل على الجروب عشان ولاده بيلاقي الرد إطفشوا بدل ما مستقبل ولادكم يضيع"، لينتظر هو وغيره من أولياء الأمور أن تستجيب الوزارة لمطالبهم، فيما تأمل والدة مصطفى أن ينجح ابنها "ويدخل هندسة من غير معادلة والمسؤولين ينصفوا ولادنا".