حساب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا على إكس
إحدى مدارس الأونروا التي تؤوي نازحين في غزة، 23 يونيو 2024،

"التعليم عن بعد" ملاذ أبناء غزة لاستعادة حياتهم الدراسية

منشور الأربعاء 25 سبتمبر 2024

وصلت نسرين(*) القاهرة منذ 10 أشهر، قضتها في محاولات مستمرة للتكيف على نمط الحياة في مصر، إذ تمكنت من الخروج من معبر رفح قبل إغلاقه، تاركة أمها وبقية أخوتها في قطاع غزة تحت نيران الحرب المستعرة منذ ما يقرب العام. 

نسرين الثلاثينية، صيدلانية عملت في عدة مؤسسات إغاثية في قطاع غزة ودخلت مصر مع زوجها الذي يحمل وثيقة سفر مصرية، بعد تسجيلها ضمن قوائم السفارة المصرية برام الله.

اختارت نسرين مع أبنائها الثلاثة السكن في مدينة نصر التي تعيش فيها مجموعات كبيرة من الفلسطينيين الوافدين من غزة، أملًا في الشعور بالأمان، راجية العودة لغزة لاستئناف الحياة التي قطعها العدوان الإسرائيلي، وحرم الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، من بينها التعليم. 

في محاولة للاستمرار في مسار التعليم، سجلت نسرين أبناءها في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالضفة الغربية لمتابعة عامهم الدراسي عن بعد.

منصة تعليمية رسمية

تمكنت ميار التي تدرُس في الصف الثامن، وشقيقها نادي الذي يدرُس في الصف الرابع، من إتمام السنة الماضية التي اقتطعت في بدايتها، أما الصغير عهد الذي لم تمهله الحرب ليبدأ عامه الأول في الحضانة فلم يستطع  اكتساب المعارف من خلال التعليم عن بعد، تقول نسرين لـ المنصة "أول أسبوع بدأت الحرب، ورغم إني سجلته مع أخواته بس ماقدرش يستفيد زي ما يكون التدريس مباشر". 

تستمر نسرين في الاعتماد على التعليم عن بعد في استكمال مسيرة أولادها التعليمية، تقول "الولاد بينشغلوا في الدراسة بعيد عن التفكير في الحرب وتأثيرها عليهم".

"يحتاج التقديم في المدارس المصرية إما وثيقة مصرية أو إقامة، ونحن لا نحمل أيها" توضح نسرين شروط الالتحاق بالمدارس في مصر. ورغم أن زوجها يحمل وثيقة سفر مصرية، لا يحمل أبناؤه أي وثائق، ما جعل التحاقهم بنظام التعليم المصري مسألة مستحيلة.

أوضاع اللاجئين من قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة لها خصوصيتها، إذ سمحت لهم السلطات المصرية بالدخول والحصول على إقامة سياحية من معبر رفح البري مدتها 45 يومًا فقط، وليست إقامة طويلة بغرض الدراسة أو أي غرض آخر.

كانت وزارة التربية والتعليم بالضفة الغربية وسَّعت مبادرة التعليم عن بعد، التي بدأتها منذ العام الماضي، لتشمل طلاب قطاع غزة بالداخل لاستكمال دراستهم بالتزامن مع بدء العام الدراسي في الضفة الغربية المحتلة بشكل مجاني.

يصف صادق خضور، المتحدث باسم وزارة التعليم الفلسطينية، التعليم عن بعد، بالمدارس الافتراضية لطلاب قطاع غزة، وذلك للمرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، مؤكدًا أنه يجري العمل بجدية لإنقاذ العام الدراسي الذي انقضى جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. 

أدى 1100 طالب فلسطيني موجودون في مصر امتحانات التوجيهي للعام الدراسي الماضي

"تأثرت 290 منشأة تعليمية من أصل 307 بالحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، كما أن 39 ألف طالب من غزة حُرموا من امتحانات الثانوية العامة، ومُنع 58 ألف طفل من الالتحاق بالصف الأول" يقول خضور، الذي وضَّح أنه سيتم دمج السنتين الدراسيتين في سنة واحدة لإنقاذ ما يمكن لطلاب قطاع غزة.

محاولة إنقاذ العام الدراسي هو ما يحاول فعله كذلك ياسر سعيد، الغزاوي الذي وصل مصر في بداية شهر مايو/أيار قبل غلق معبر رفح بأيام قليلة مع زوجته وابنته.

التحقت ابنته ألما ذات الـ12 سنة بالمدرسة عبر التعليم عن بعد، لاستكمال عامها الدراسي الخامس. يقول ياسر لـ المنصة "أول ما وصلت على مصر سجلتها في التعليم عن بعد"، اجتازت الفتاة الامتحان المؤهل للصف السادس الذي ستكمله عن بعد، إلى أن تتمكن من العودة إلى غزة.

يتيح نظام التعليم عن بعد للطلبة الذين لم يتمكنوا من إتمام العام الدراسي السابق، تحصيل ما فاتهم عن طريق دمج السنتين، بعد تسجيل أسمائهم في السفارة الفلسطينية بالقاهرة. 

نجحت السفارة الفلسطينية في القاهرة في إجراء امتحانات التوجيهي للطلبة الفلسطينيين ممن وصلوا مصر خلال العام الماضي بالتزامن مع بدء الامتحانات في الضفة الغربية.

الاحتلال يواصل قصف المدارس ويحاصر مستشفى الشفاء في غزة

وأشارت السفارة في بيانها إلى تقدم حوالي 1100 طالب فلسطيني موجودين في مصر لتأدية امتحانات التوجيهي للعام الدراسي 2023-2024، في شهر يوليو/تموز الماضي. عقدت الامتحانات تحت إشراف وفد من وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية وقسم الشؤون الثقافية بسفارة دولة فلسطين، وفريق من الكادر الإداري والأكاديمي لوزارة التربية والتعليم المصرية وفريق من الأكاديميين المتطوعين الموجودين في مصر.

مشكلات تقنية

لا تخلو تجربة التعليم عن بعد من العقبات، التي توضحها عنان(*) "في مشكلات تقنية، الخدمة بطيئة ولا توفر أي طريقة للاستفسار أو التواصل مع المسؤولين للرد على أسئلة أولياء الأمور".

تعمل عنان في إحدى المنظمات الدولية، ولديها طفلان، أحدهما في الصف الثالث والآخر في الصف الثامن، تمكنت من التسجيل لهما على منصة التعليم عن بعد، ليتابعا دراستهما بعد وصولهما مصر في فبراير/شباط الماضي، واجتازا الامتحان وحصلا على شهادة إتمام السنة الدراسية.

تضاءلت أحلام عنان "كان كل حلمي إني أطلع من غزة عشان أوفر تعليم أحسن لأولادي مشان هما استثماري الوحيد وماقدرتش حققه، صار بس أملي أشوفهم بأواعي المدرسة".

كانت عنان حاولت البحث عن مدرسة مصرية لتلحق بها أبناءها "الولاد طول اليوم قاعدين ع الأجهزة، المدرسة بتخليهم يبعدوا شوي ويمارسوا نشاط"، تقول قبل أن تستدرك "ويمكن كمان تحسسهم إنهم عايشين بشكل طبيعي بعد تجربة الحرب"، محاولةً الحصول على تجربة تعليمية متكاملة تشبه التي كانت لديهم في غزة، "اتفاجئت إن المدارس الحكومية ما بتقبلهمش، والمدارس الخاصة محتاجة إقامة سارية" تقول عنان. 

يبدو أن نظام التعليم عن بعد لم يعد قادرًا على استيعاب المزيد من الطلاب. تشكو عنان من عدم قدرتها على تسجيل أولاد شقيقتها الذين وصلوا مصر في أبريل/نيسان الماضي.

تحاول السفارة الفلسطينية بالقاهرة التوصل إلى اتفاق مع وزارة الداخلية لتوفير إقامات مؤقتة للنازحين

حسب بيانات السفارة، ستخصص الدراسة من سبتمر/ أيلول حتى نوفمبر  لاستكمال مناهج السنة الدراسية السابقة، ليبدأ الطلاب بعدها المنهج الجديد. 

من جانبها، تبذل السفارة الفلسطينية بالقاهرة جهودها في محاولة التوصل إلى اتفاق مع وزارة الداخلية لتوفير إقامات مؤقتة للفلسطينيين حتى يتمكنوا من تعليم أبنائها.

إذ يوجد "ما يقرب من 100 ألف من سكان غزة في مصر" حسب تصريحات سابقة للسفير دياب اللوح، سفير فلسطين لدى مصر، الذي ناشد السلطات المصرية توفيق أوضاعهم من أجل "تسجيل أطفالهم في المدارس أو فتح شركات أو حسابات مصرفية أو السفر أو الحصول على خدمات صحية"، تتفق هذه التقديرات مع الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة، إذ قدرت مغادرة 110 آلاف لقطاع غزة. 

لمواجهة الأزمة، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أنها بصدد إنشاء مراكز تعليمية تابعة لها في القاهرة بالتنسيق مع سفارتها، لتوفير بيئة صحية لأبناء جاليتها. 

مبادرات فردية ومؤسسية

أحمد الطيب شيخ الأزهر يهدي إحدى طالبات الأزهر بمعاهد غزة كوفية فلسطينية، 10 يونيو 2024

على الجانب الآخر، بدأت مؤسسات في فتح الباب أمام الطلبة الفلسطينيين منهم مشيخة الأزهر ، إذ أعلن أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن توفير منح دراسية كاملة لطلاب فلسطين المسجلين في المعاهد الأزهرية بغزة، مع الإعفاء من المصروفات الدراسية، والسكن داخل مدينة البعوث الإسلامية، إضافة إلى صرف راتب شهري. 

كما تشكلت عدة مبادرات، من بينها مدرسة أونلاين لتعليم أطفال غزة، التي أسسها تامر أنور، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.  

تعتمد المبادرة على تسجيل فيديوهات للمناهج الدراسية الفلسطينية، وبثها عبر الإنترنت، تقول سميحة وهي واحدة من المدرسات المتطوعات لـ المنصة "اتحمست للفكرة لأنها عمل خير".

اطلعت سميحة على المناهج الفلسطينية وأعدت دروسًا سجلتها بالتعاون مع المبادرة، التي تمتاز بأن المواد متاحة للرجوع إليها عند الحاجة. 

لم تكن هذه المبادرة الوحيدة، إذ دشن عدد من الشباب المتطوعين مبادرة أخرى في القاهرة باسم أحفاد الزيتون وأطلقوا موقعًا إلكترونيًا يوفر برنامجًا تعليميًا مباشرًا لأطفال غزة. يوفر الموقع للأطفال بيئة آمنة لتعزيز صحتهم العقلية وإعادة تأهيلهم بعد الصدمات التي تعرضوا لها خلال الحرب على غزة وفق ما جاء على الموقع.

تعتَبِر نسرين تجربة أولادها في التعلم عن بعد ناجحة رغم ما تواجهه من صعوبات، آملة أن تتوقف الحرب لتتمكن من العودة إلى غزة، ويستعيد أبناؤها مقاعدهم الدراسية في مدارسهم. 

هذه القصة من ملف  التعليم في الزمن الصعب


السپلايز.. ذخائر التلميذ وكابوس أهله

أحمد الصادق_  على رأي مرسي الزناتي؛ "أجيب تختة من عند أمي؟ هاصرف على الحكومة بقى ولا إيه؟!"، هذه جملة هزلية، مبالغة قيلت على سبيل الفكاهة، لأنها لا يمكن أن تصبح أمرًا واقعًا، لكنها أصبحت كذلك.