منشور
الجمعة 24 يناير 2025
- آخر تحديث
الخميس 30 يناير 2025
في ذكرى الثورة كل عام، تطرقُ المنصة أبواب بعض من احتلوا مواقع مهمة في مراحلها المختلفة من المجد إلى الأفول، لنتوجه إليهم بأسئلة: لو عاد بك الزمن ما الذي كنت ستفعله بشكل مختلف؟ وهل يمكنك مراجعة الماضي من أجل المستقبل وليس لمجرد النوستالجيا واجترار الأحزان؟ ألم يحن الوقت لتسجيل شهادتك؟
وفي كل مرة، غالبًا ما نتلقى اعتذارًا لطيفًا، بصيغة "لست مستعدًا للحديث الآن"، التي قد يعقبها "إيه لازمة الكلام؟ إنتو مش شايفين الوضع إللي إحنا فيه؟" في إشارة للبطش المتصاعد والقمع المُتسيِّد، حتى العام الماضي، عندما تشجع السياسي والبرلماني السابق، وأحد وجوه الثورة البارزين زياد العليمي، ونشر محاولةً للاشتباك لاقت الكثير من النقد.
هذا العام في الذكرى الرابعة عشرة، اتفقنا قبل أسبوعين على طرق الأبواب مجددًا. ولكن هذه المرة، أهدتنا الثورة مفاجأة على يد حمدين صباحي.. فقبل أن نطرق بابه، وكان اسمه في مقدمة قائمتنا، سعى هو إلينا، وفي يده وثيقة مراجعات جادة مطولة، لا تخلو من المكاشفة والاعترافات الواضحة والاعتذارات الصريحة، بالإضافة إلى شهادته على بعض أحداث ثورة يناير وأسباب هزيمتها.
لا شك لدينا، أو لديه، في أن أي مراجعات ستلقى الكثير من الهجوم. لكنه رغم ذلك قرر، وفي شجاعة، فتح دفاتره، وصدره، أملًا في فتح الباب، الذي حرَّكه زياد في العام الماضي، على مصراعيه.
عرف جيلنا حمدين سياسيًا محنكًا ونائبًا برلمانيًا منذ عام 2000 فيما كان اسمه "مجلس الشعب" عن دائرة الحامول والبرلس في كفر الشيخ، حيث دفع أنصاره، وبالذات في بلطيم مسقط رأسه، أثمانًا باهظة من أجل مقاعد تمثلهم في البرلمان، بل إن بعضهم فقدوا حياتهم وهم يدافعون عن أصواتهم وإرادتهم في انتخابات 2005. وشهد جيلنا على تاريخ حافل بالمواقف الجذرية في دعم العمال والفلاحين، ثم المشاركة في تأسيس حركة كفاية.
ولكنه قبل ذلك، كان أيضًا القيادي الطلابي البارز وأحد مؤسسي نادي الفكر الناصري، والحزب الناصري، إلى أن انشقَّ عنه وأسس مع أمين اسكندر وكمال أبو عيطة حزب الكرامة عام 1996. قاد صباحي ورفاقه معركة قانونية ضارية ضد نظام مبارك للحصول على الأهلية القانونية للحزب، ولم ينلها إلا بفضل انتصار الثورة التي رفعت شعار الحرية في يناير 2011.
بعد الثورة، نافس صباحي في أول، وآخر، انتخابات رئاسية تعددية نزيهة يشارك فيها الناخبون بنسب غير مسبوقة في مايو/أيار 2012، ونال فيها ثقة نحو خمسة ملايين مصري، أي 20.72% من أصوات الناخبين. وعقب فوز الرئيس الإخواني محمد مرسي، أسس صباحي التيار الشعبي المصري في سبتمبر/أيلول 2012 مع حسين عبد الغني وحمدي قنديل وكمال أبو عيطة، بهدف توحيد التنظيمات العلمانية المعارضة للأحزاب الإسلامية في حركة شعبوية لها جذور ناصرية.
وبعدها بشهرين فقط، شارك في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني مع محمد البرادعي وعمرو موسى، التي ضمت سياسيين بارزين وأحزابًا، لمعارضة الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
وَضَع إعلان مرسي قرارات الرئيس والجمعية التأسيسية؛ الهيئة المسؤولة عن كتابة دستور مصر الجديد بعد الثورة، خارج نطاق المراجعة القضائية، ما اعتبره معارضوه محاولة خطيرة لتكريس الاستبداد. فكانت جبهة الإنقاذ هي المرة الأولى التي يتوحد فيها ساسة علمانيون في مصر، في سياق المنافسة السياسية مع جماعة الإخوان والأحزاب الإسلامية الأخرى.
وبعدها، دعا صباحي وشارك في مظاهرات 30 يونيو التي أطاحت بمرسي في 3 يوليو 2013. ثم نافس في انتخابات الرئاسة التي أتت بالرئيس عبد الفتاح السيسي في 2014.
لماذا الآن؟
رغم قسوة اللحظة الراهنة واشتداد البطش وتأزم الاقتصاد واختناق المساحات العامة، والخاصة، وتغول الأجهزة الأمنية، وانهيار دولة القانون. لماذا يختار صباحي هذه اللحظة شديدة القتامة للخروج عن صمته؟
ربما لكل هذه الأسباب، وربما لأنه لم يعد هناك قاع يُخشى الانزلاق إليه، وربما لأن الصمت لم يعد يضمن بقاء الأنصار والأحبَّة خارج السجن. ولكن بالتأكيد، وبنص كلماته "حتى لا تنكسر ثورةٌ أخرى.. ومن أجل المعتصمين بالأمل".
في سبعة مقالات طويلة، ننشر يوميًا بداية من 25 يناير 2025 مراجعات حمدين صباحي لدوره في ثورة يناير وما تلاها. يعترف فيها، في شجاعة، بارتكابه خمسة أخطاء، آملين أن تثير شجاعته آخرين ليقدموا شهاداتهم عما حدث في الغرف المغلقة، أو مراجعة لأنفسهم فيما اتخذوا من قرارات.
في عيدِ الثورةِ نفتحُ دفاترَها، ونجدد للآخرين الدعوة للمشاركة.
إيمانًا مِنَّا بأن الحديث يجب أن يستمر.