مساء أمس السبت، تجمّع فريق المنصة حول مائدة طعام تتوسطها صينية مسقعة أعدها أحد الزملاء، بعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل، شهدت تدريبًا تقنيًا على التعامل مع النسخة الجديدة من الموقع، ووضعت فيه اللمسات الأخيرة على القصص والتحقيقات التي ستنشرها المنصة تباعًا خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
كان هناك حرص واضح من فريق العمل على إنجاز هذه المهمة قبل الثالث من يوليو/ تموز، الموعد الذي اخترناه منذ عدة أشهر لإطلاق النسخة الجديدة من موقعنا، بكل ما يحمله من دلالات لا تتعلق فقط بالتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر خلال السنوات التسع الماضية، منذ 3 يوليو 2013، لكن أيضًا لما أسسه هذا التاريخ من نقطة تحول كبرى في علاقة السلطة، ممثلة في أجهزتها الأمنية، بالصحافة والإعلام.
شَكّل الثالث من يوليو إذًا نقطة التحول نحو الصوت الواحد والمانشيت الواحد والمصدر الواحد. رويدًا رويدًا، غرقت الصحف والمواقع والقنوات، الخاصة منها قبل القومية، في الرقابة الذاتية، حتى قبل أن تحكم المؤسسات الأمنية سيطرتها على وسائل الإعلام عن طريق الملكية المباشرة أو تعيين رؤساء تحريرها ومجالس إدارتها من الموالين، ويتوغل التضييق والترهيب والرقابة كالسرطان حتى بات الإعلام في مصر يدار بالبيانات والتليفونات وجروبات الواتساب، وتوقف المتحدثون الرسميون عن الحديث.
نحن لا نحب الصوت الواحد، حتى في نقاشاتنا التحريرية اليومية حول ما ننشره وكيف ننشره. لا نتفق بالضرورة على رأي واحد، لكننا نمتلك القدرة على العمل الجماعي، وعلى إدارة حوار مهني نختلف فيه دون أن تقيّدنا التراتبية الإدارية، ينتهي في أغلب الأحيان إلى التوافق على رأي مهنيٍّ مُرضٍ. وقد شاركت المنصة مع قرائها عدة مرات أجواء ما يدور في صالة التحرير من نقاشات مهنية.
ولأن إطلاق المنصة عام 2016 حدث في تلك الأجواء التي تضيق بالأصوات الأخرى، فقد سعينا منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون المنصة ساحة للحوار ترحب بالأصوات المختلفة والمتنوعة، وملتقى للصحفيين المستقلين وأصحاب الرأي والمواطنين المهمومين بشؤون المجتمع والنساء والاقتصاد والجندر والثقافة والسياسة والمواطنة بشكل عام.
خلال السنوات الست الماضية نشرت المنصة آلاف الموضوعات، أكثر من نصفها أنتجه هؤلاء الناس، لهذا جاء شعارنا "ما رواه الناس".
وفي سبيل تعزيز قدرات "الناس" من الصحفيين وغيرهم، على المشاركة في الحديث والتعبير والصحافة على أسس مهنية، قدمت المنصة الدعم التحريري لمن يحتاجونه من المساهمين الذين شاركوا بالكتابة فيها، لضمان حصول القارئ على محتوى يستطيع أن يثق به ويطمئن لمصداقيته.
لكن هذا المجهود التحريري، الذي يُنتج في نهاية الأمر موضوعات صحفية نفخر بنشرها، يتطلب أن نطوّر آليات تواصلنا مع الصحفيين والكُتَّاب المتعاونين معنا. اليوم، في الذكرى التاسعة لتأسيس إعلام الصوت الواحد، تعيد المنصة إصدار موقعها بشكل جديد وتقنيات جديدة تتيح للقُراء تجربة أفضل في تصفح المحتوى ومشاركته والنقاش حوله بشكل أكثر سهولة وإمتاعًا، كما تتيح للكتاب والصحفيين المساهمين تواصلًا أسرع وأكثر سلاسة وتفاعلا مع فريق التحرير، آملين أن يعزز هذا من فرص استعادة مشاركة الناس في المجال العام وحرية التعبير والتفكير النقدي وإيجاد حلول قابلة للتنفيذ ومساءلة تضمن العدالة.
منذ صدورنا نعتمد في المنصة شعارًا داخليًا "نحقق الكثير بأقل الإمكانيات"، ولهذا اعتمدنا خلال السنوات الماضية على تقنية تشيك ديسك مفتوحة المصدر لإدارة ونشر المحتوى، من تصميم ميدان. وهي تقنية مصممة بالأساس لإدارة عمليات التحقق الجماعي من صدقية أخبار منشورة بالفعل. وخلال تلك الرحلة تحمل معنا كتابنا تبعات العمل بأقل الامكانيات، وتحمل معنا تشيك ديسك أكثر مما يحتمل خلال عملياتنا المتتالية لتطويعه ليكون منصة للكتابة والنشر التشاركي وليس فقط التحقق. نودعه اليوم شاكرين وننتقل معكم إلى تقنية دروبال 9 التي تتيح نظاما آمنًا وغنيًا بمزايا عرض وإدارة المحتوى الصحفي.
ولأننا منصة للصحافة التشاركية، يُدخل المساهمون موضوعاتهم الصحفية على الموقع، ويخضع أغلبها لمناقشات واستفسارات وطلبات تحريرية قبل نشرها. هذه المناقشات كانت تتم عبر الإيميل وتستغرق الكثير من الوقت. ومن أهم مميزات الإصدار الجديد للمنصة هو إتاحة التواصل مع المساهمين بشأن مسوداتهم الصحفية على صفحة القصة نفسها بشكل تفاعلي وسريع، من خلال تعليقات لا يراها سوى كاتب المسودة وفريق التحرير، دون الحاجة إلى الإيميل أو أي وسيلة تواصل أخرى.
في ثوبها الجديد، تتخلى المنصة عن الموتيف الذي رافقها منذ الصدور؛ مجموعة رؤوس أقلام الحبر التي تكتب معًا و كنا نراها تعبيرًا بصريًا عن الكتابة التشاركية، إدراكًا منا أنّها لم تكن واضحة لجمهورنا بشكل كاف. وتحتفظ بشعارها "ما رواه الناس" الذي يعكس فردانية وتنوع منتجي المحتوى من صحفيين وباحثين وفنانين وسياسيين ومواطنين متنوعي المهارات والاهتمامات، وتلحق بالشعار المؤشر الوامض blinking cursor الذي يظهر للمبرمجين على شاشاتهم السوداء، ويعبر عن سعي المنصة نحو تطويع التقنيات الحديثة من أجل العمل الصحفي الجماعي والإتاحة والاستمرارية.
كما تتخلى المنصة عن اللوجو الذي عبَّر عنها منذ الصدور استجابة لجمهورها من خبراء الخطوط، الذين أرسلوا لنا رسائل عدة خلال السنوات الماضية، موضحين أن طريقة كتابة اللوجو لا تتوافق مع قواعد خط الرقعة، حيث كان يجب أن تأتي الميم تحت اللام. بل ذهب بعضهم إلى التطوع بتصميم لوجو بديل. هؤلاء "الناس" نشكرهم من قلوبنا، ملكيتهم للمنصة هي ما بدأنا من أجله وما نسعى إليه.
يأتي اللوجو الجديد والخطوط الرئيسية لتصميم الموقع من تصميم شركة شفرة اللبنانية. يعكس اللوجو المرسوم يدويًا بالفرشاة مفهوم المنصة عن الصحافة كحرفة وفنًّ في آنٍ حرفة تستهلك صناعها في عمل يدوي ذهني ميداني مضن، وأحيانًا بطيء، لكنها في الوقت ذاته تنجي روح صانعها، وتبقيها مع كل قطعة جميلة حتى وإن قسا مضمونها. ويعبر الخط الخشن غير المهذب للفرشاة عن عدم الكمال، فالمنصة التي تفتح أبوابها للمواطنين الصحفيين تؤمن أننا لا نمتلك الحلول، لكننا جميعًا في سعي إليها.
وفي سبيل صقل مهارات المواطنين والصحفيين المبتدئين أو الراغبين في التخصص، افتتحت المنصة العام الجاري برنامج الإرشاد الصحفي. وهو تدريب ممنهج يقدم للمشاركين محاضرات مهنية ومواد تعليمية، وحجز لقاءات خاصة مع المدربين لمناقشتهم ، والاستزادة، أو الحصول على دعم محدد في إنتاج قصصهم الصحفية.
كانت دورتنا الأولى عن فن الفيشتر الصحفي، وفيها تلقى المشاركون محاضرات مكثفة في الصحافة عمومًا والفيتشر على وجه الخصوص ، بالإضافة إلى الأمان الرقمي ومبادئ التصوير الصحفي والفيديو. شارك فيها متدربون من خلفيات مهنية مختلفة، واستمرت لثلاثة أشهر، وأثمرت عن فيتشرات عدّة ومميزة تنشرها المنصة تباعًا. ومع الإصدار الجديد للموقع، تعلن المنصة قريبًا عن دورات تدريبية مختلفة الموضوعات والمدة، بما يشمل مهارات الصحافة والفيديو والبودكاست.
وتستمر المنصة في إصدار خدمتها الإخبارية اليومية من خلال نشرة أخبار ع السريع، التي تحتل الآن مكانًا ثابتًا في صفحة الموقع الرئيسية، وتزوِّد القارئ المحلي والمصري المغترب بأهم اﻷحداث، في كبسولة موضحة للسياقات وملتزمة بالمصداقية دون مبالغة أو تهويل.
ولا يغيب عن إصدارنا الجديد المقال الصحفي، ذلك الفن المتفرد الذي حاز تاريخيًا اهتمام القارئ للحد الذي جعله يطلق اسمه على أنواع القصص الصحفية جميعها، فيصير كلّ شيء تضمه الصحيفة مقالًا في عُرفه. لكنّ هذا الفنّ، وفي ظلّ ما تعانيه الصحافة عمومًا، شهد تضييقًا كبيرًا، فلا يكاد يمر أسبوع إلا واشتكى كاتب من منع أو اجتزاء مقال له، ما حول تلك النوافذ إلى مقالات رأي فارغة من الرؤية حتى تستطيع الحفاظ على ما تملكه من مساحة.
لذا، تتضمن خطة المنصة التحريرية في انطلاقتها الجديدة مقالات رأي دورية، لمجموعة من الكتاب من أصحاب الوعي والتأثير، يطرحون رؤاهم فيما يستجد وما يؤثر على الساحة المصرية والإقليمية.
وفي السياق نفسه، وانطلاقًا من مسؤوليتنا تجاه تمكين القارئ من المعرفة والمساءلة، وكشف ما يحجب عنه، تستعد المنصة لنشر مجموعة من التحقيقات، ونود هنا دعوة زملائنا من الصحفيين الجادين للتعاون معنا في هذا المجال.
نتمنى لكم تجربة ممتعة في التصفح والكتابة، شاركونا رأيكم لأن الحديث يجب أن يستمر.