دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى حوار وطني في شهر إبريل/ نيسان الماضي، برعاية الأكاديمية الوطنية للتدريب، سيتطرق إلى أوضاع الصحافة والصحفيين ومطالبهم. تأتي هذه الدعوة بعد ثمانية أعوام شهدت الصحافة المصرية خلالهم عملية تدجين ممنهج، تعاونت فيها سلطات الدولة الثلاث ومؤسساتها على نحو دؤوب، بدءًا من رئيس الجمهورية الذي اتهم في تصريحات علنية الصحفيين والإعلاميين الذين ينتقدونه بالجهل، مرورًا بمجلس النواب الذي أقر حزمة قوانين تفرّغ الحق في تداول المعلومات من مضمونه وتحوله إلى "حدٍّ من تبادل المعلومات"، انتهاءً بسلطات قضائية استثنائية توسعت في حبس الصحفيين إما احتياطيًا على ذمة قضايا نشر أو نهائيًا بعد إدانتهم في هذه القضايا.
واللافت أنه لا توجد منهجية معلنة تحدد المشاركين في الحوار الوطني المزمع، ولم يتحدد بعد موعد عقده، وعلى الرغم من عدم وجود ضمانات لجديته وجدواه، إلا أن فريق المنصة عقد حوارًا داخليًا، أجمع فيه على أولويات ضرورية يوفر تحقيقها حدًا أدنى من المناخ الذي يتمكن فيه الصحفيون من أداء عملهم بحرية وكرامة.
أولا: كفُّ يدِ الحجب
حجب المواقع الصحفية هو المعادل لمصادرة الصحف المطبوعة. ووفقًا للمادة 71 من الدستور "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها"، وعلى الرغم من ذلك، وبالمخالفة للدستور، حُجب موقع المنصة للمرة الأولى في 16 يونيو/ حزيران 2017 لينضم - حينها- إلى أكثر من 600 موقع محجوب. ومنذ ذلك الحين حُجب الموقع أكثر من 13 مرةً من خلال تقنيات شديدة التطور تستخدمها سلطة ما لا تفصح عن نفسها، ولا تعلن قراراتها، فتظل بالتالي بعيدةً عن المساءلة.
تنكر جميع المؤسسات الرسمية التابعة للسلطة التنفيذية في مصر، من الجهاز المركزي لتنظيم الاتصالات إلى المؤسسات الأمنية رفيعة المستوى، مسؤوليتها عن حجب المواقع، وتنفي صلتها به، وكأن طرفًا ثالثًا يملك قدرة منع المستخدمين من داخل مصر من الوصول إلى مواقع بعينها.
وتطالب المنصة السلطة التنفيذية بأجهزتها الأمنية شجاعة الإعلان عن قرارات الحجب وتحمل مسؤوليتها.
ثانيا: الرد على طلبات الترخيص
تقدمت المنصة في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 مع تأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وإسناد مهمة ترخيص المواقع له، بطلب للترخيص، وسددت الرسوم، ولم تتلقَّ ردًا بشأنه.
والمنصة ليست استثناءً، فهناك عشرات المواقع الصحفية الأخرى التي حاولت الالتزام بالقوانين التي سُنّت، دون رد من المجلس المنوط به تنظيم عمل الصحف والمواقع الصحفية.
تطالب المنصة وضع المجلس الأعلى للإعلام أمام مسؤولياته القانونية، بأن يبت في الطلبات التي قدمت إليه بالموافقة أو بالرفض المسبب، الذي يمكن للمتضررين الطعن عليه أمام القضاء.
ثالثًا: إلغاء تشريعات مقيّدة
منذ عام 2014 هناك توسع في إصدار وإقرار تشريعات تقيّد وتجرّم حق الصحفيين في الحصول على المعلومات ونشرها، بدلًا من التوسع في سن قوانين تقر حق الصحفيين في الحصول على المعلومات كما كان يليق ببلد شهد ثورةً أسقطت نظامًا مستبدًا.
يقيد قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 في المادة 35 حق الصحفيين في الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة، وكذلك التحقق بشكل مستقل مما تصدره السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الدفاع من بيانات ومعلومات، ما يحوّل الصحفي من ناقل أمين لمعلومات تحقق بنفسه من صحتها إلى بوقٍ مُلزمٍ قانونًا بترديد رواية طرف واحد، مع تجريم حقه في التحقق من مصداقية هذه الرواية من مصادرَ أخرى، بما ينسف مبادئ صحفية راسخة تتعلق باستقلالية الصحفي عن مصدره.
ويقيد قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 80 لسنة 2018، عمل الصحفيين ويهدد تكافؤ الفرص بين الصحفيين أنفسهم في المادة 10 التي علّقت توفير المعلومات وإتاحتها، على عدم "الإخلال بمقتضيات الأمن الوطني، والدفاع عن الوطن". وهي عبارة فضفاضة، لا تصح أثناء صياغة المواد القانونية الملزمة. كما وضع القانون نفسه في المادة 11 قيدًا فضفاضًا آخرَ على حق الصحفي في الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية؛ وهو أن تكون هذه المعلومات "سرية بطبيعتها"، دون تقديم تعريفٍ لمعنى وحدود هذه العبارة.
رابعًا: سنُّ تشريعات ضامنة
رغم أن المادة 68 من الدستور تؤكد صراحةً حقوقنا كمواطنين مصريين في الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية، وتلزم الدولة بإتاحتها من خلال قانون ينظم ضوابط الحصول عليها وسريتها وقواعد التظلم من حجبها، فإن هذا القانون إلى الآن لم يعرف طريقه إلى النور.
وتتصور المنصة أن أي حوار جاد يحاول التطرق إلى أزمات الصحافة المصرية خلال السنوات الأخيرة، سيضع إقرار قانون الحق في تداول المعلومات على رأس أولوياته.
وينبغي أن تشدد التشريعات التي نطالب بسنها على إلزام المؤسسات الرسمية بالرد على أسئلة الصحفيين، وعلى ضمان الحق في حضور ونقل وقائع أحداث علنية بطبيعتها وفق ما قرره الدستور، كجلسات المجالس النيابية المنتخبة، والمحاكمات، التي بات محظورًا نقلها للعامة في السنوات الأخيرة.
كما ينبغي النص صراحةً على عدم جواز حبس الصحفيين في قضايا النشر سواء الحبس الاحتياطي أو الحبس كعقوبة.
ولا يكفي سن التشريعات التي تضمن ممارسة الصحفيين عملهم بحرية ما لم يصاحبه تغيير في الممارسات الأمنية التي تضيّق على الصحفيين الميدانيين أثناء أداء مهامهم في الشارع، وتحظر عليهم التصوير والتسجيل، وتوجيه الأسئلة إلى المصادر والشهود.
خامسًا: الإفراج عن المحبوسين وحسم القضايا
يقبع في السجون الآن أكثر من عشرين صحفيًا على ذمة قضايا مختلفة، يشمل غالبيتها اتهامات بلا وقائع، ويواجه الزملاء المحتجزون قائمة التهم المعتادة بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية أو مشاركتها أهدافها.
ورغم الإفراج عن عدد من الزملاء خلال الأسابيع الماضية، فإن من كانوا محبوسين احتياطيًا من بينهم ما زالوا يواجهون اتهامات في القضايا التي حبسوا على ذمتها، أي أن سيف هذه القضايا ما زال مسلطًا على رقابهم.
من بين الصحفيين الذين قبض عليهم وجرى التحقيق معهم دون حسم قضاياهم الزميلة نورا يونس، رئيسة تحرير المنصة، التي احتجزت ليلتين في يونيو 2020 وواجهت تهمًا تتعلق بإدارة موقع بدون ترخيص، قبل الإفراج عنها بكفالة.
تطالب المنصة ليس فقط بالإفراج عن الزملاء المحتجزين، ولكن أيضًا بسرعة البت في القضايا التي يواجهون فيها هذه التهم، إما بحفظها أو بإحالتها إلى قضاء عادل تتوافر فيه ضمانات الدفاع التي يكفلها الدستور والقانون للمتهمين.
وبما أن نقيب الصحفيين، الزميل ضياء رشوان، أعلن مشاركته في الحوار الوطني، ودعا بدوره زملاءه الصحفيين الشهر الماضي لإرسال مقترحاتهم إليه؛ تقدمت له المنصة بمطالبها الخمسة بشكل تفصيلي في رسالة، تضمنت مطلبًا سادسًا موجه للسيد النقيب، بالإفصاح عمّا سيجري في جلسات الحوار الوطني.