صفحة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي على منصة إكس
قوات عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان، 5 أكتوبر 2024

من التهجير القسري إلى التطبيع القسري

منشور الاثنين 7 أبريل 2025

لا يمكن فصل تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابلته المطولة التي أجراها مع الصحفي تاكر كارلسون، حول رؤية إدارة دونالد ترامب لمستقبل المنطقة و"فرص تطبيع العلاقات بين إسرائيل وسوريا ولبنان"، عمَّا يجري على الأرض في الأسبوعين الماضيين من عمليات عسكرية استهدفت فيها إسرائيل مواقع في لبنان وسوريا، كما لا يمكن فصله عن المخطط الأمريكي الإسرائيلي لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط.

فخلال رئاسته الأولى، تبنى ترامب مشروعًا لتحويل إسرائيل من كيان منبوذ مكروه في الشرق الأوسط إلى دولة طبيعية تربطها بدول المنطقة علاقات واتفاقيات سياسية واقتصادية، ثم في مرحلة لاحقة عسكرية، ومع مرور الوقت يدخل الشرق الأوسط بأكمله عصر السيادة الإسرائيلية. ونجح ترامب في جر عدد من الدول العربية (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان) للالتحاق بقطار "التطبيع المجاني" مع إسرائيل، فيما عُرف حينها بالاتفاقيات الإبراهيمية، التي تهدف حسب ما أُعلن حينها إلى وضع "أجندة استراتيجية لأمن واستقرار الشرق الأوسط".

كان مفترضًا أن يمضي قطار التطبيع الإبراهيمي في مساره الذي يشمل كل دول المنطقة؛ لتكون محطته التالية الرياض، إلا أن طوفان الأقصى نسف المحطة وأفسد المخطط بالكامل، إذ كان من المقدَّر أن تنتهي مفاوضات التطبيع التي بدأت في مطلع 2023 باتفاق يوقَّع في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل برعاية إدارة جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن.

تعمل إسرائيل على فرض التطبيع قسرًا والدول العربية تدرك ذلك لكنها تقف معظمها موقف المراقب

لكن هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر أعاد دولة الاحتلال إلى موضعها الطبيعي، كيانًا مكروهًا منبوذًا مجرمًا في نظر الشعوب التي لا يمكن تجاوزها بعد أن شاهدت وعلى الهواء مباشرة المجازر الإسرائيلية وأدركت أن هذا الكيان الذي تقوده مجموعة من مجرمي الحرب، لا يمكن أن يصبح دولة طبيعية مقبولة في الشرق الأوسط.

اشترطت الرياض، كغيرها من دول المنطقة، وقف العدوان الإسرائيلي والشروع في إجراءات إقامة الدولة الفلسطينية، قبل أن تبدأ مفاوضات التطبيع مجددًا، وهو ما لم تقبله حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي اختارت أن تفرض استراتيجيتها على المنطقة عبر القوة والضغط العسكري والمزيد من الضغط العسكري.

في مواجهة ذلك، تضع إسرائيل معادلةً جديدةً تسعى إلى فرضها بدعم أمريكي كامل فإذا كانت فرص التطبيع الطوعي مع باقي دول المنطقة في تراجع، فلنفرض التطبيع قسرًا على الدول الهشة التي نهيمن على أجوائها ونستبيح أراضيها وبإمكاننا تشكيل نظامها السياسي.

رغم فشلها على مدار 15 شهرًا في تنفيذ مخطط التهجير القسري لأهل غزة، لم تيأس حكومة اليمين الديني الصهيوني من فرض مخططها لإخلاء القطاع من سكانها وترحيلهم إلى دول الجوار، فقد أطلَّ المخطط برأسه مجددًا بعد عودة القصف والعدوان الوحشي على القطاع قبل أسابيع. ولكن هذه المرة بهدف واضح يتجاوز أهداف إسرائيل المعلنة باستعادة أسراها والقضاء على حركة حماس، بل احتلال أراضي القطاع، وفق ما نقل موقع أكسيوس عن مسؤول إسرائيلي الأسبوع الماضي.

أكسيوس ذكر أن إعادة احتلال غزة قد تُستخدم ذريعةً للضغط على الفلسطينيين لتهجيرهم من القطاع، خصوصًا وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن صراحة هذه الرغبة لتنفيذ المقترح الذي قدمه ترامب سابقًا.

ونقل الموقع الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إعادة احتلال غزة خطوة نحو تنفيذ خطة تهجير سكانها، التي تصفها الحكومة الإسرائيلية بـ"الخروج الطوعي للفلسطينيين".

وكما تسعى إسرائيل، بدعم أمريكي فاضح، إلى فرض مخطط التهجير القسري عبر استهداف السكان المدنيين في قطاع غزة لدفعهم إلى القبول بما أُطلق عليه "الرحيل الطوعي"، فإنها تعمل بالتوازي على فرض مخططها وبذات الدعم الأمريكي إلى تنفيذ خطتها لفرض التطبيع القسري على كل من لبنان وسوريا، وذلك بزيادة الضغط العسكري على البلدين اللذين استباحتهما إسرائيل ولا يملكان أي أوراق للمقاومة، فحزب الله خرج من دائرة الصراع ولو مؤقتًا، أما النظام السوري الجديد الذي بعث بالعشرات من رسائل الطمأنة لتل أبيب فقراره بيد أنقرة التي تجيد، رغم خلافها المعلَن مع إسرائيل، عقد الصفقات حفاظًا على مصالحها.

سأل تاكر كارلسون في مقابلته ويتكوف عن شكل الخريطة النهائية التي تطمح إسرائيل إلى رسمها في الشرق الأوسط، فقال المبعوث إن إسرائيل "تتحرك داخل لبنان وسوريا، ورغم أن هاتين الدولتين ليستا جزءًا من إسرائيل، فإنها تسيطر عليهما ميدانيًا".

يرى المبعوث الأمريكي أن هذه السيطرة ستفتح الباب أمام تطبيع شامل في حال تم القضاء على الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، مثل حزب الله وحماس، لافتًا إلى أن تطبيع سوريا ولبنان مع إسرائيل، ثم توقيع السعودية اتفاقية سلام مع تحقق الهدوء في غزة، سيضعنا أمام مشهد جديد بالكامل في الشرق الأوسط.

هكذا تعمل إسرائيل وبدعم أمريكي مطلق على تنفيذ مخطط التطبيع القسري، كما تعمل على فرض مخطط التهجير القسري، يحدث ذلك والدول العربية تدرك تمامًا ما يجري، وللأسف تقف معظمها موقف المراقب، رغم النيران المشتعلة التي تطوق الجميع.

تقاوم مصر التي يمارس أعداؤها وخصومها وبعض حلفائها ضغوطًا عليها لتقبل بفتح الحدود أمام فلسطينيي غزة بدوافع إنسانية، تناور سياسيًا ودبلوماسيًا وترفع من جاهزيتها استعدادًا للحظة قد تُفرض عليها، لكنها تحتاج إلى تصليب موقفها بدعم عربي، أما أهلنا في غزة الذين دفعوا كل غالٍ فقدرتهم على الصمود تنفد، والوقت ليس في صالحهم، وإذا لم تستخدم دول المنطقة كل أوراقها لإنقاذهم وتطويق المخططات الإسرائيلية فالنهاية ستكون كارثية على الجميع.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.