في خطاب تأميم قناة السويس عام 1956 أراد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التأكيد على رفض سياسة الأحلاف المعروضة عليه من بريطانيا (ثم لاحقًا من أمريكا) فقال "مش ممكن نخش حلف إلا الحلف الذي يضم الدول العربية وحدها.. هل ستستطيع مصر أن يكون لها رأي بجانب بريطانيا؟ وإذا قعدنا على ترابيزة واحدة وكان فيها مستر إيدن بيمثل بريطانيا العظمى وإحنا بنمثل مصر، إزاي تتحالف دولة كبرى مع دولة صغرى زينا؟ هذا لن يكون حلفًا ولكنه يكون تبعية. وكنت باقول لهم إن دى تبعية".
ربما لو ظل عبد الناصر محايدًا وغير منحازٍ في سياسته الخارجية تجاه واشنطن وموسكو، على السواء، بعد أن أجبر الأمريكيون والسوفييت قوات العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956 على الانسحاب من الأراضي المصرية، ولو لم يقترب عمليًا من الكتلة الشيوعية أو يغير اتفاق 1956 بقوات حفظ السلام وإبقاء الملاحة بالبحر الأحمر مفتوحة، لربما قدمت مصر عبد الناصر نموذجًا لجدوى وسلامة أمن أراضيها بفضل الحياد وعدم الانحياز.
لكن بعد أن احتلت اسرائيل أراضي خمس دول عربية وابتلعت كل فلسطين لم يعد الحديث عن دفاع عربي تجاه خطر خارجي بل خطر داخلي هو اسرائيل، بل وتعهدت الولايات المتحدة حتى بعد توقيع مصر ودول عربية اتفاقات سلام معها بأن تظل لإسرائيل القدرة العسكرية الأعلى من أي دولة أو مجموعة دول عربية معًا، وكذلك الانفراد بحيازة السلاح النووي دون أي من "جيرانها" أصدقاء أمريكا بالمثل!
يوم الاثنين الماضي، اجتمع في البحرين ممثلو أربع دول عربية: مصر والإمارات والبحرين والمغرب مع مسؤولي الخارجية من أمريكا وإسرائيل للتأكيد على استمرارية ما أصبح يُعرف بحلف أو قمة النقب، التي عقدها وزراء خارجية الدول الست في ضيافة إسرائيل قبل ثلاثة أشهر وتشابكت أيديهم معًا. بيان المنامة أوضح أننا أمام تكتل إقليمي حيث أوضح التالي "قرر المجتمعون عقد اجتماع وزاريّ سنوي لدول المنتدى، على أن تستضيف إسرائيل لقاءً تنسيقيًا آخرَ هذا العام، في ظل استمرار رئاستها للدورة الحالية".
بل وقرر المجتمعون تشكيل ست مجموعات عمل لتطوير التعاون والتكامل الإقليمي في مجالات: الطاقة النظيفة، التعليم والتعايش السلمي، الأمن الغذائي والمائي، الصحة، الأمن الإقليمي، والسياحة.
وأعرب الجانب الإسرائيلي عن الأمل في انضمام السعودية لاحقًا الى هذا التكتل، وكذلك الأردن.
من جانبه، كان للعاهل الأردني تصريحات مهمة يوم الجمعة الماضي وقبل ثلاثة أيام من لقاء تكتل النقب في المنامة. إذ قال الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع قناة CNBC الأمريكية، إنه يؤيد إقامة حلف "شرق أوسطي" في المنطقة على غرار حلف شمال الأطلنطي (ناتو).
واكب هذه التصريحات، ما قاله وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس بأن إسرائيل تبني "تحالفًا للدفاع الجوي في الشرق الأوسط" بقيادة الولايات المتحدة، وأن التحالف أحبط بالفعل محاولات لشن هجمات إيرانية وقد يستمد مزيدًا من القوة من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر المقبل.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول إسرائيلي قوله عن تنسيق إسرائيل شبكة دفاعاتها مع دول عربية (الإمارات والبحرين حاليًا) إن "الدول المشاركة تنسق تشغيل أنظمة الدفاع الجوي الخاصة بها من خلال الاتصالات الإلكترونية عن بعد، لكنها لا تستخدم نفس المنشآت".
وحين أكد جو بايدن منذ شهر على أنه سيزور السعودية في منتصف شهر يوليو/ تموز، حاول أن يحفظ ماء وجهه بعد تحول موقفه السابق ضد الحاكم الفعلي للسعودية فلم يقل إنها من أجل تخفيض أسعار البترول، ولكن أعطى أولوية لخطط الأمن الإقليمي المزمع تفعيلها، حيث قال بايدن إن "الالتزامات (المطلوبة) من السعوديين لا تتعلق بأي شيء يمت بأي صلة بالطاقة (البترول).. لكن الأمر يتعلق باجتماع موسع أكبر يتم عقده بالسعودية (القمة الخليجية). ولهذا السبب أنا ذاهب هناك.. وهو أمر متعلق بالأمن القومي لهم، وللإسرائيليين.. إنه يتعلق بمسائل أكبر بكثير من مجرد مسألة الطاقة".
اجتماع قمة جدة التي سيتوجه إليها بايدن بعد زيارة إسرائيل والتوقف في بيت لحم، سيكون اجتماعًا موسعًا يضم الى جانب زعماء دول مجلس التعاون الخليجي رئيسي مصر والعراق مع العاهل الأردني.
وسبق التحضير للزيارة، إعداد أصدقاء إسرائيل من المشرعين الأمريكيين في مجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مشروع قانون يلزم هذه الإدارة ومن يأتي بعدها بترتيبات دفاع مشترك بين إسرائيل والدول العربية، بما فيها الدول التي لم تقم بعد علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وينص على أن تعمل وزارة الدفاع الأميركية مع إسرائيل وعدد من الدول العربية من أجل دمج الدفاعات الجوية لإحباط "التهديدات الإيرانية".
إدخال العرب ومنهم مصر في حلف عسكري مشترك مع إسرائيل لم يبدأ بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا أو مع إدارة بايدن، بل وضع لبنته الأولى الرئيس السابق دونالد ترامب قبل خمسة أيام فقط من رحيله عن البيت الأبيض. ففي الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 2020 وقّع ترامب على قرار بإدخال إسرائيل تحت نطاق القيادة الوسطى للقوات المسلحة الأمريكية بدلًا من الأوروبية التي كانت فيها منذ تأسيس هذه القيادة العسكرية في الستينيات، بينما تأسست القيادة الوسطى أو المركزية الأمريكية منذ عام 1983 (بعد أربع سنوات من سقوط حكم شاه ايران) لتضم إلى جانب أفغانستان الدول العربية من الخليج إلى مصر مرورًا بالعراق والأردن، ومقرها الرسمي في ولاية فلوريدا، والاقليمي في قاعدة العديد بقطر.
منذ أُدخلت اسرائيل الى المجموعة العربية للقيادة الوسطى الأمريكية لا يمكن لأي من هذه الدول، سواء كانت السعودية أو غيرها، الاعتراض على مشاركة المسؤولين العسكريين الإسرائيليين في المناورات العسكرية المشتركة مع الأمريكيين لديهم والتعاون المتبادل.. مما يجعل الخطوات التالية مجرد اعتراف رسمي بواقع فعلي!