السلاح الناري هو الأداة المستخدمة في كل حوادث اغتيال الرؤساء الأمريكيين، منذ الرئيس السادس عشر أبراهام لنكولن عام 1865، حتى المحاولة الأخيرة للرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت الثانية في غضون شهرين.
كان سلاح محاولة هذا الأسبوع، التي أجهضها الأمن قبل إطلاق النار، بندقية نصف آلية من طراز Sk-S سيمينوف الروسي. ولم تُظهر التحقيقات بعد كيف حصل المتهم الأمريكي ريان روث (58 سنة) عليها، لأن أرقامها ممسوحة. وربما المفارقة استخدامه سلاحًا روسيًا بينما هو نفسه مؤيد للحرب ضد الروس في أوكرانيا، وقد يكون من دوافع استهدافه ترامب التوقعات بأن يتوقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا بعد غزو الروس لها إذا عاد للحكم!
أما سلاح محاولة الاغتيال الأولى في يوليو/تموز الماضي، التي أُصيبت خلالها أذن ترامب بجرح طفيف، بينما قُتل منفذها توماس كروكس (20 سنة) في الحال، فكان بندقية آلية أمريكية من طراز AR-15، وهي من أخطر الأسلحة النارية الرشاشة وأكثرها انتشارًا بين البنادق الآلية الهجومية، التي تطورت منذ استخدمها الأمريكيون سلاحًا حربيًا في منتصف الستينيات في فيتنام وعُرفت وقتها بـ"إم 16".
ورغم أن البنادق الآلية تمثل نحو 10% فقط من الأسلحة النارية التي يحوزها ويحملها الأمريكيون، فيما تمثل المسدسات 90%، فإن عدد الأمريكيين الذين يملكون بنادق آلية هجومية من طراز AR-15 يصل إلى 16 مليونًا، وهي نسبة تعادل واحدًا من كل 20 أمريكيًا بالغًا، يمنحه الدستور حق حمل السلاح.
كل مرتكبي اغتيالات الرؤساء الأمريكيين كانوا من الرجال البيض بدءًا من أبراهام لنكولن وحتى جون كينيدي
منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وازدياد خوف الأمريكيين على أنفسهم، وتأجج المشاعر الوطنية مع التعبئة السياسية والإعلامية للانتقام ولو بحروب خارجية، ازداد إقبالهم على حيازة هذه البندقية الآلية وغيرها من الأسلحة الهجومية شبه الحربية، بالمواكبة مع التوترات السياسية الداخلية ذات البعدين العرقي والعنصري.
زادت مبيعات هذه البندقية خصوصًا بين حامليها التقليديين من الرجال البيض، خلال حملة انتخاب باراك أوباما عام 2008 ليصبح أول ملون يحكم البيت الأبيض، ثم في انتخابات عام 2020 والهجوم الذي تلاها على الكونجرس، من العنصريين البيض أنصار ترامب، المقتنعين مثله حتى الآن بأن الانتخابات زُوِّرت وسُرقت!
البندقية الآلية AR-15 كانت السلاح المفضل لحالات إطلاق النار في المدارس، التي كان آخرها مطلع الشهر الحالي في إحدى المدارس الثانوية بولاية جورجيا، حين فتح تلميذ عمره 14 سنة نيران بندقية والده على كل من حوله، فقتل أربعةً؛ اثنان من الطلاب ومثلهما من المدرسين، وأصاب تسعة آخرين.
وبينما يعارض الديمقراطيون في حملاتهم الانتخابية انتشار الأسلحة النارية والرشاشة، ويطالبون برفع سن المسموح لهم بحيازة سلاح من 18 إلى 21 سنة، وتشديد شروط الترخيص وفق خلفية حامل السلاح، ويحاولون تنفيذ ذلك محليًا في الولايات التي يحكمونها، يقف الجمهوريون ضد أي قيود على حمل أي بالغ في الثامنة عشرة السلاح.
يرفض الجمهوريون أيضًا القيود على الذخيرة وعدد الطلقات التي يمكن لسلاح آلي أن يطلقها بضغطة واحدة دون تغيير وتعبئة الخرطوش، الأمر الذي يسمح للبندقية الآلية الحديثة المتاحة في السوق للمدنيين بأن تطلق مائة طلقة مرة واحدة، بينما تضع أربع ولايات فقط تتبع الديمقراطيين قيودًا على الحد الأقصى لخرطوش الطلقات بما يتراوح بين 8 إلى 16 طلقة في كل رشة!
لذلك كان تعليق السيناتور من ولاية أوهايو، جي دي فانس، المرشح الجمهوري نائبًا لدونالد ترامب في الفترة الثانية، على حادث المدرسة الأخير في جورجيا، بأن حوادث إطلاق النار في المدارس أصبحت "واقع الحياة" في أمريكا الآن. لم يشر فانس إلى انتشار السلاح الآلي والذخيرة، لكنه أرجع السبب إلى أن كل مختل نفسي أو عقلي يريد أن يتصدر اسمه عناوين الأخبار، يجد في المدارس هدفًا سهلًا. ودعا بالتالي إلى تشديد الأمن والحراسة في المدارس!
بالطبع لا توجد إشارة من ترامب أو نائبه المرشح إلى مخاطر وتبعات انتشار السلاح الآلي في أمريكا. يكفي أن عدد قتلى حوادث القتل الجماعي في أمريكا لهذا العام فقط، وأكثر من ربعه لم ينتهِ بعد، تجاوز 12 ألف قتيل في 393 حادث إطلاق نار. كما توثق وترصد كل عام ومنذ 2013 منظمة أهلية اسمها أرشيف عنف السلاح الناري.
ورغم أن أول اللذين حاولا اغتيال ترامب مسجل في حزبه الجمهوري، لكن المرشح لم يتردد في إلقاء المسؤولية على "خطاب الديمقراطيين" في الحملة الانتخابية ضده، خصوصًا بعد نشر ما كتبه المتهم بارتكاب حادث هذا الأسبوع على إكس بأن ترامب يهدد مستقبل الديمقراطية في أمريكا.
ومثلما لن يتحدث ترامب أو فانس عن السلاح الناري المستخدم في كل حوادث الاغتيال ومحاولاته، فلن يتحدثا أيضًا عن لون وعرق مرتكبي أعمال العنف تلك مثلما يتحدث المرشح الرئاسي عن لون وأصل منافسته على الرئاسة كامالا هاريس.
فكل مرتكبي اغتيالات الرؤساء الأمريكيين كانوا من الرجال البيض، بدءًا من لنكولن وبعده الرئيس العشرين جيمس جارفيلد ثم الخامس والعشرين وليام ماكنلي وأخيرًا الثالث والثلاثين جون كينيدي.
أما الاستثناء الوحيد في لون وأصل مرتكبي حوادث الاغتيال الرئاسية أو محاولاتها، فكان عملية اغتيال المرشح الديمقراطي الرئاسي روبرت كينيدي، شقيق الرئيس المغتال. فقد أُدين الشاب الفلسطيني سرحان بشارة سرحان من مواليد الطيبة قرب القدس بقتله خلال حملته الانتخابية في كاليفورنيا عام 1968 بعد خمس سنوات من اغتيال شقيقه جون.
لكن روبرت جونيور، ابن روبرت كينيدي، الذي خرج من سباق الرئاسة هذا العام مرشحًا مستقلًا، التقى بسرحان في سجنه عام 2018، وأعرب عن اعتقاده بأن سرحان استُخدم واجهةً عند قتل والده، لأن الرصاصة التي قتلته من الخلف لم تأتِ من مسدس سرحان الموجه أمامه.
وطالب روبرت كينيدي جونيور، دونالد ترامب، إذا عاد للبيت الأبيض، وبعد أن زكَّاه بإعادة فتح التحقيق في ظروف مقتل والده، بينما لا يزال سرحان، وعمره الآن 80 سنةً، مسجونًا، ويُرفَض العفو القضائي عنه، كلما حل موعد النظر في إخلاء سبيله.