في 5 يونيو/حزيران 1968 أطلق المهاجر المقدسي سرحان بشارة سرحان الرصاص على روبرت كينيدي في ولاية كاليفورنيا، وكان ذلك مباشرة عقب فوز كينيدي بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة. قبلها بأشهر، كان الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون فاجأ حزبه وشعبه، في خطاب، بإعلان عدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية!
في اليوم التالي، مات المرشح المحتمل عن 42 سنة، وكان ذلك بعد شهرين من اغتيال القس مارتن لوثر كينج، مثلما اغتيل قبلهما بخمس سنوات شقيق روبرت الأكبر، جون كينيدي، وهو في السنة الثالثة فقط من فترته الرئاسية الأولى.
أشعل اغتيال مارتن لوثر كينج بالذات احتجاجات عنيفة في أحياء السود ضد الشرطة في واشنطن، امتدت لاحقًا إلى باقي العاصمة الأمريكية. لم تكن هذه الاحتجاجات سوى حلقة من سلسلة مظاهرات عارمة انطلقت من الجامعات وانتشرت في أمريكا منذ بداية 1968، احتجاجًا على التورط في حرب فيتنام، ما استدعى فرض التجنيد الإجباري على الأمريكيين.
امتدت المظاهرات المعادية للحرب إلى المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي في مدينة شيكاغو في أغسطس/آب 1968، وتحولت إلى اشتباكات مع الشرطة. في ذلك المؤتمر، كان هوبرت همفري نائب الرئيس وقتها، هو مرشح الحزب الديمقراطي الأقوى بعد انسحاب الرئيس جونسون، واغتيال المرشح الأقوى روبرت.
حين قرر جونسون الانسحاب من السباق الرئاسي كان مهمومًا بورطته المتفاقمة في فيتنام وخسائر قواته مع ازدياد المعارضة الشعبية للحرب والتجنيد، بالإضافة إلى انخفاض شعبيته وزيادة الانقسامات في حزبه الديمقراطي، الذي كان بعض أقطابه في ولايات الجنوب يرفضون قوانين الحقوق المدنية واندماج السود في مدارسهم ومرافقهم ومواصلاتهم العامة ومطاعمهم!
لكنَّ الدافع الشخصي الذي لم يعلن عنه جونسون في خطاب انسحابه كان قلقه على صحته. كان جونسون تعرض قبل سنوات لأزمة قلبية جعلته مترددًا في الترشح لفترة ثانية. خاصة وأنه تحمل مسؤوليات الرئاسة منذ عام 1963 ليكمل فترة كينيدي عقب اغتياله، ثم انتخب في العام التالي لفترة أولى.
اختار جونسون التقاعد، وفاز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون على همفري الذي كان نائب جونسون.
كان يُفترض أن يظل جونسون في الحكم، لو خاض سباق 1968 وفاز بفترة ثانية، حتى 20 يناير 1973، أي قبل يومين من وفاته بأزمة قلبية، وعمره 64 سنة!
2024 والديمقراطيون في شيكاغو
مثل العام الانتخابي 1968، بدأ هذا العام بمظاهرات وحراك طلابي في الجامعات الأمريكية ضد الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا على غزة. كما شهد انخفاضًا في شعبية الرئيس جو بايدن، الذي كان من قبل نائبًا للرئيس الأسبق أوباما. وبدأت مشاكل بايدن الصحية والذهنية، كونه أكبر مَن تولى الرئاسة سنًا في التاريخ الأمريكي.
عاند الرئيس لفترة طويلة منكرًا شيخوخته وعدم قدرته على أداء مهامه أو تجميع أفكاره والتعبير عن نفسه، وعمره 81 سنة، في مناظرته التليفزيونية أواخر الشهر الماضي أمام منافسه الجمهوري والرئيس السابق، دونالد ترامب (78 سنة).
لكن خلافًا لاغتيال 1968، نجا ترامب بأعجوبة من محاولة اغتياله مطلع هذا الشهر. جرحت الرصاصة أذنه ومرت على بعد سنتيمترات من رأسه، فمنحته دفعة سياسية قوية، بعدما ترسخت صور سلبية عنه في الأسابيع الماضية التي شهدت إدانته بـ34 تهمة تتعلق بتزوير مستندات إحدى شركاته، وسماع شهادات ضحاياه من نساء تحرش بهن، وأخريات دفع لهم رشى للصمت عن منحه خدمات جنسية مدفوعة، بينما تنتظره قضايا فيدرالية أخطر.
على الجانب الآخر، أعطى انسحاب بايدن من السباق الرئاسي حزبه الديمقراطي فرصة للنجاة، وإن كان القرار متأخرًا، وعلى خلفية ضغوط المانحين بالإضافة إلى نواب حزبه وقياداته. ثم جاءت إصابته بكورونا لتكمل عليه وهنه واعتلال صحته، في وقت كان يُفترض به أن يظهر كشعلة نشاط مضادة لمزاعم الجمهوريين بشأن قدرته.
حرم انسحاب بايدن الجمهوريين من الحائط المائل الذي بنوا حملتهم على شيخوخته وضعفه الذهني، بل انقلب السحر عليهم، حيث تُشكل مسألة سن ترامب ووضعه الصحي نقطة قوة لكامالا هاريس (59 سنة)، نائبة بايدن التي أعلن تأييدها مع أغلب قواعد الحزب لتخوض الانتخابات، خاصة مع بدء ضغوط على ترامب للكشف عن تقاريره الطبية، ومطالبته بكشف قدرات ذهنية باعتبار أن آخر كشف أعلن عنه كان منذ 6 سنوات!
ربما كان الديمقراطيون من قادة الحزب مثل نانسي بيلوسي وباراك أوباما يريدون من بايدن إلى جانب ترك السباق، عدم تزكية بديل له وترك الباب مفتوحًا للمنافسة الحزبية. لكنه حين قرر الانسحاب متأخرًا أصر على تزكية ودعم نائبته.
يخشى قادة الحزب ونوابه من أن خبرة هاريس وشعبيتها قد لا يسمحان لها بهزيمة ترامب، لكن خشيتهم الأكبر من الانقسامات في مؤتمر الحزب الشهر المقبل، جعلت أغلبهم يؤيدون هاريس رغم ذلك، بمن فيهم أقوى الشخصيات التي كانت مطروحة للترشح، مثل حكام ولايات كاليفورنيا وبنسلفانيا وميتشجان.
بالتالي، ربما تتشابه عناوين أخبار عام الانتخابات الحالي مع تلك في 1968. وقد تنتهي بالمثل أيضًا؛ أن يخسر نائب الرئيس الانتخابات التي انسحب منها الرئيس بسبب انخفاض شعبيته.
لكن قد يكون من حسن حظ الديمقراطيين هذه المرة أن منافسهم الجمهوري ليس ريتشارد نيكسون قبل انتشار فضائحه، بل دونالد ترامب؛ المسن والمدان صاحب السوابق الجنائية، الذي يعادي مع حزبه كل ما تمثله المحامية والمدعية العامة السابقة لولاية كاليفورنيا كامالا هاريس، المرأة السمراء ابنة المهاجرين.