برخصة المشاع الإبداعي: حساب المرشح جو بايدن، فليكر
جو بايدن يلقي كلمة لأنصاره من مجموعة "أمريكيون سود من أجل بايدن" في كلية جيرارد، فيلادلفيا، بنسلفانيا. 29 مايو 2024.

ورطة الاصطفاف خلف شيخوخة رئيس عنيد

منشور الأربعاء 3 يوليو 2024 - آخر تحديث الأربعاء 3 يوليو 2024

بعد تشتت أفكار الرئيس الأمريكي جو بايدن (81 سنة) في مناظرته التليفزيونية الأسبوع الماضي أمام منافسه عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب (78 سنة) وتراجع قدرته على الحديث والمناقشة، تأكد للحزب الديمقراطي أن مرشحه للحفاظ على مقعد الرئاسة لفترة أخرى بلغ من الشيخوخة والضعف الذهني مرحلة واضحة شهد عليها نحو مائة مليون أمريكي.

لم تعد انتقادات خصوم بايدن الجمهوريين لكبر سنه، وتهكم ترامب على بطء حديثه وطريقة مشيه، مجرد دعاية انتخابية مغرضة، بل باتت عقبة حقيقية ستحول دون انتخابه لسنوات أربع أخرى، في وقت تزايدت فيه المخاوف من عدم قدرته على إكمال أربعة أشهر أخرى حتى موعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

لكن المعضلة التي تواجه الديمقراطيين ذات شقين: أولهما عناد بايدن ورغبته في إثبات جدارته لقيادات حزبه، وثانيهما نهاية الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب دون وجود بديل واضح يمكن طرح اسمه بجدية.

تعود جذور عناد بايدن المتشبث بقدرته على إنجاز المهمة إلى عام 2015، عندما تجاوزته قيادات حزبه مع نهاية فترتي الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي أظهر بدوره تفضيلًا ودعمًا لهيلاري كلينتون، رغم أن التقليد المعهود هو أن يدعم الرئيس بعد فترته الثانية والأخيرة نائبه ليكون مرشح الحزب للرئاسة بعده.

وجد أوباما في وفاة الابن الأكبر لبايدن متأثرًا بمرض السرطان عام 2015 فرصة لإقناع الأب المكلوم بأن يستريح ويدع هيلاري تخوض المعركة الانتخابية، التي انتهت بفوز ترامب عليها عام 2016. بالتالي، يرى بايدن أنه هو من فاز للديمقراطيين على ترامب في الانتخابات التالية. وها هو الآن يواجه من جديد تشكيك الحزب وأنصاره في قدراته خشية فوز ترامب مرة أخرى، وهو يريد أن يثبت لهم العكس!

لكن مشكلة بايدن أن أداءه في مناظرات انتخابات 2020 لم يكن بهذا التواضع. ويكفي أنه قضى أسبوعًا كاملًا قبل هذه المناظرة الأخيرة معتكفًا في منتجع كامب ديفيد الرئاسي مع نحو عشرين من مساعديه، يتدرب معهم وعليهم على مناظرة ترامب، وعلى حفظ بعض الردود القوية على الاتهامات والانتقادات المتكررة والمعروفة التي سيواجهها، ظهرًا عن قلب!

وحين أجمع أنصار بايدن على سوء أدائه في المناظرة بعد كل هذه الاستعدادات، تحجج مديرو حملته الانتخابية في البداية بأنه كان يعاني ليلتها من نزلة برد، مما تسبب في حشرجة صوته، وعدم تركيزه بعض الشيء. ولكن حين استغرب منتقدوه بعد تخلصه في اليوم التالي مباشرة من البرد وحشرجة الصوت وهو يلقي خطابًا أمام حشد من أنصاره، قدم البيت الأبيض عذرًا بديلًا، وهو أن الرئيس كان مرهقًا ليلة المناظرة بسبب رحلاته الطويلة لأوروبا في الفترة الأخيرة!

كان بإمكان بايدن ليس فقط طلب تأجيل المناظرة الأولى، بل حتى عدم خوضها من الأساس. فقد كان طلب المناظرة مبادرة من فريقه الذي اعتقد ربما أنهم سيُحرجون ترامب الذي رفض الدخول في مناظرات مع منافسيه على ترشيح حزبه الجمهوري في الانتخابات الأولية، لأنها لم تكن تفيده وهو يضمن قاعدته الشعبوية.

كما أن المناظرات الرئاسية مجرد تقليد وليست من إجراءات أو قوانين العملية الانتخابية، وكان بوسع بايدن التحجج بأنه حين خاض مناظرات الانتخابات السابقة ضد ترامب، كان يعترف به وقتها رئيسًا، أما هذه المرة، فإن ترامب لا يعترف برئاسته ولم يحترم حتى تقليد تسليمه السلطة آنذاك وهو يغادر البيت الأبيض!

أما الشق الثاني في معضلة الديمقراطيين، فهي انتهاء الانتخابات الأولية لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات، التي لم يشهد فيها بايدن منافسة تذكر، وبالتالي فهو يضمن غالبية أصوات المندوبين الأربعة آلاف الذين سيجتمعون من كل الولايات في المؤتمر القومي للحزب في شيكاغو الشهر المقبل، للتصديق رسميًا على مرشح الحزب.

وما يعقد الأمر أكثر، هو أن الخطوة التي تبدو أكثر منطقية، وهي أن تُستبدل ببايدن نائبته كامالا هاريس، لن يشكل حلًا، لأن استطلاعات الرأي أظهرت انخفاض شعبية هاريس حتى عن بايدن، الذي لم ينزل أحد من الرؤساء قبله إلى مستوى شعبيته المنخفض حاليًا، سواء لدى الناخبين بشكل عام، أو بين ناخبي حزبه الديموقراطي!

هل يفعل بايدن مثل جونسون وترومان؟

من المفارقات التاريخية، أنه مثلما ساهمت حرب غزة في خفض شعبية بايدن، أودت حربان من قبل بشعبية رئيسين أمريكيين سابقين، من الحزب الديمقراطي، قبل انتخابات الفترة الرئاسية الثانية لكلٍّ منهما، ما اضطرهما للخروج من سباق الرئاسة في سنة الانتخابات.

ففي عام 1968، اضطر الرئيس ليندون جونسون للخروج من سباق الرئاسة مع انخفاض شعبيته على وقع  المظاهرات الطلابية والشعبية ضد حرب فيتنام، تاركًا نائبه هوبرت همفري يخوض السباق ضد الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي فاز في النهاية.

قضى بايدن 36 سنة في مجلس الشيوخ جعلته يحظى بتأييد أعضائه لكن في مجلس النواب يختلف الأمر

أما هاري ترومان الذي اعترف بدولة إسرائيل فور إعلانها، فتولى رئاسته الأولى عام 1945 باعتباره نائب الرئيس فرانكلين روزفلت الذي توفي بعد أقل من ثلاثة أشهر من انتخابه لفترة رابعة، قبل التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي بتحديد ولايتين فقط لكل رئيس.

كان بإمكان ترومان الترشح لفترة ثالثة في انتخابات 1952، لأن نص التعديل استثنى شاغل المنصب عند اقتراحه من الخضوع له. لكن مع انخفاض شعبيته بسبب دعمه ودخوله الحرب الكورية، بجانب التضخم وكذلك فضائح الفساد في إدارته، اضطُر لعدم الترشح، وفاز المرشح الجمهوري أيزنهاور بالرئاسة.

في هاتين السابقتين التاريخيتين ما يقلق كبار الديمقراطيين، فكلما انسحب الرئيس من الانتخابات في مرحلة متأخرة خسر الحزب ليس فقط الرئاسة ولكن أيضًا مجلسي الكونجرس، مما يسهل على شخصية مغرمة بالنموذج الديكتاتوري مثل ترامب تمرير أي قوانين وسياسات، تقوض ما تبقى لأمريكا من مؤسسات ديمقراطية، خصوصًا وأنه يضمن أغلبية ثلثي قضاة المحكمة العليا المحافظين.

ولاء الشيوخ وتململ النواب

قضى بايدن ست فترات متتالية في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، مدة كل منها ست سنوات. أي أنه قضى 36 سنة استطاع خلالها بناء علاقات وصداقات قوية وحاز ثقة الكثيرين حتى من خصومه الحزبيين. لذلك حظي بتأييد أغلب زعماء مجلس الشيوخ وأعضائه الديمقراطيين ووجدهم يتلمسون له الأعذار.

حتى منافسه السابق في الانتخابات الأولية للرئاسة مرتين، السيناتور بيرني ساندرز، اليهودي الذي ينتقد سياسة بايدن في دعم إسرائيل، التزم الصمت حتى الآن بشأن المطالبة بانسحابه من السباق. 

وحتى حين قرر عضو واحد من الائتلاف الديمقراطي بمجلس الشيوخ، وهو السيناتور المستقل جو مانشن، أن يخرج عن الصمت ويطالب بايدن بعدم الترشح مرة ثانية، كما نقلت واشنطن بوست عن مصادر قريبة منه، سارع زعيم الأغلبية الديمقراطية بالمجلس تشاك شومر إلى إثنائه عن الكلام والانتقاد، ونصحه زملاؤه من الحزب "ألَّا يكون صاحب أول طعنة خنجر لقيصر"!

لكن بدا الأمر مختلفًا نسبيًا بين أوساط الديمقراطيين في مجلس النواب، فقد طالب النائب لويد داجيت من ولاية تكساس في مقابلات تليفزيونية بايدن بالخروج من السباق الرئاسي. ونقلت الصحافة عن نواب آخرين قلقهم من أن تأخر اتخاذ رئيسهم للقرار سيصب في مصلحة ترامب.

كما دعا جيمس زغبي، وهو أحد الناشطين المخضرمين من العرب الأمريكيين في اللجنة القومية للحزب الديمقراطي، إلى ضرورة أن يتوج بايدن إنجازه بهزيمة ترامب الأولى بقرار الانسحاب هذه المرة وإفساح المجال لآخرين من حزبه الديمقراطي، بمن فيهم نائبته، للتنافس بشكل يحسمه التصويت في المؤتمر القومي للحزب الشهر المقبل.

تراجع ترامب عن عناوين الأخبار وشاشات التليفزيون، وهو سعيد على ما يبدو بذلك، لأن الأنباء تركز على خلافات الديمقراطيين فيما بينهم، والتشكيك في قدرة مرشحهم. لكنه رغم ذلك، لن يكون سعيدًا لو حسم بايدن أمره بالانسحاب لصالح مرشحين آخرين من حزبه، مثل حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم (56 سنة)، الذي سيكون بمقدوره أن يثير خلال مناظرة سبتمبر/أيلول أمام ترامب مشكلة الشيخوخة، حيث سيترك ترامب منصب الرئاسة، إذا فاز في الانتخابات، وعمره 83 سنة، أي أكبر من بايدن الذي نراه اليوم بسنتين.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.