اسمها: جيل ستاين، ديانتها: يهودية، مهنتها الأساسية: طبيبة باطنة، وهي خريجة جامعة هارفارد. تبلغ من العمر 74 سنة، أي أنها أكبر من المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بـ15 سنة، وأصغر من المرشح الجمهوري دونالد ترامب بـ14 سنة.
جيل ستاين مرشحة في انتخابات الرئاسة الأمريكية عن حزب ثالث هو حزب الخُضر، الذي تأسس صغيرًا منتصف الثمانينيات في ولاية مين، ثم انضم لحركة أكبر اسمها حركة الخضر، حاولت تشكيل ائتلاف من عدة أحزاب صغيرة ناشئة في منتصف التسعينيات أثناء مؤتمر قومي عقدته في العاصمة واشنطن، ضم حزب الإصلاح/Reform Party، وهو الحزب الذي أسسه الملياردير روس بيرو.
المرشح "المُفسد" للجمهوريين
رشح رجل الأعمال بيرو نفسه في الانتخابات الأمريكية عام 1992 مستقلًا، وكاد يصبح أول رئيس أمريكي من خارج الحزبين الاثنين الرئيسيين والتاريخيين، الجمهوري والديمقراطي، منذ عام 1853، مع نهاية ولاية الرئيس الثالث عشر ميلارد فيلمور من حزب اليمين.
فقد تمكن بيرو من وضع اسمه مرشحًا ثالثًا في كل الولايات الأمريكية الخمسين، كما تمكن من المشاركة مرشحًا ثالثًا في كل المناظرات الرئاسية التي جرت بين المرشحَين الجمهوري جورج بوش الأب، والديمقراطي بيل كلينتون. وفي التصويت، حصل بيرو على ثقة 20 مليون ناخب، بنسبة تقارب 19% من إجمالي الأصوات.
وبما أن رجل الأعمال والملياردير بيرو الذي أنفق على حملته وإعلاناتها بسخاء، كان أقرب في أفكاره إلى الحزب الجمهوري بتوجهاته اليمينية المحافظة، فقد حصل على أصواته خصمًا من ناخبي الرئيس الجمهوري ما جعله يخسر الانتخابات دون تحقيق فترة ثانية، رغم "انتصاره" في حرب العراق الأولى لتحرير الكويت عام 1991 بمشاركة مصر والسعودية. قبل أن يقود ابنه حرب العراق الثانية التي انتهت بغزوه واحتلاله في 2003.
مرشح الخُضر "المفسد" للديمقراطيين
ربما لم يكن الجمهوري بوش الابن ونائبه ديك تشيني سيصلان للبيت الأبيض مع فريق المحافظين الجدد، ويستخدمون حجج هجمات 11 سبتمبر/أيلول لشن حروبهم على العرب والمسلمين في أفغانستان والعراق، لو كان الفائز في انتخابات 2000 هو المرشح الديمقراطي آل جور، نائب الرئيس كلينتون وقتها.
ففارق الأصوات الذي رجح كفة بوش الابن على آل جور في ولاية فلوريدا كان حوالي 500 صوت فقط، بينما حصل مرشح ثالث نزل اسمه في 44 ولاية في تلك الانتخابات على قرابة ثلاثة ملايين صوت، بنسبة 2.7% من إجمالي الأصوات.
هذا المرشح الثالث كان المحامي رالف نادر عن حزب الخضر، وهو ابن مهاجر لبناني، تزعَّم حركة حقوق المستهلكين والدفاع عن حقوق المواطنين والمستضعفين. وبما أن أفكاره ومؤيديه وحزبه كانوا على يسار الحزب الديمقراطي، اعتبره الديمقراطيون العنصر "المُفسِد" لمرشحهم الذي كان أقرب للفوز، مثلما كان روس بيرو "المُفسد" للجمهوريين.
المرشحة "المُفسدة" لهيلاري كلينتون
تفوز الطبيبة والناشطة جيل ستاين منذ انتخابات 2012 بترشيح حزب الخضر لانتخابات الرئاسة. لكن اكتساح المرشح الديمقراطي باراك أوباما انتخابات ذلك العام بفارق 6 ملايين صوت عن منافسه الجمهوري ميت رومني، لم يجعل للنصف مليون صوت التي حصلت عليها ستاين أي تأثير .
لكن في انتخابات 2016 ظهر ما اعتبره الديمقراطيون الدور "المُفسِد" لمرشحة حزب الخُضر. فقد تقاربت نتائج المرشح الجمهوري دونالد ترامب مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في أصوات الولايات المتأرجحة التي يتبدل تصويتها بين الديمقراطيين والجمهوريين.
حصلت ستاين في ذلك العام على قرابة مليون ونصف المليون صوت، من 44 ولاية وضعت اسمها على بطاقة الترشيح بجانب مرشَّحي الحزبين الرئيسيَّين، وبالتالي وصلت نسبة التصويت لها نحو 1.7%.
الأهم، أن مجموع الأصوات التي حصلت عليها في 3 ولايات من الست التي حسمت السباق لصالح ترامب، وهي ويسكونسن وبنسلفانيا وميتشجان، كانت كفيلة بضمان انتصار كلينتون. فعلى سبيل المثال، خسرت هيلاري ويسكونسن بفارق 22 ألف صوت، بينما كان نصيب ستاين في الولاية نفسها 31 ألف صوت، كان يُفترض أن تذهب للحزب الأقرب لتوجهات الخضر، وهو الحزب الديمقراطي.
وفي انتخابات 2020 الأخيرة، لم تجد مرشحة حزب الخضر التفاتًا من أنصار اليسار، رغم تحفظاتهم على الحزب الديمقراطي، بعد ما رأوه من سياسات ترامب اليمينية وتحالفاته الداخلية لاستنهاض النزعات العنصرية للبيض. فالتفَّوا، وضمنهم الأفارقة والمسلمون والعرب، حول مرشح الديمقراطيين جو بايدن. ولم تتمكن ستاين حتى من وضع اسمها مرشحةً لحزبها على بطاقة ولاية ميشيجان لقلة مؤيديها.
2024: الجمهوريون يساعدون الخضر!
خلافًا لانتخابات 2016، لم تتمكن ستاين من تسجيل اسمها مرشحةً ثالثةً في الانتخابات المقبلة هذا العام سوى في 18 ولاية، أي أقل من نصف الولايات الـ44 التي وصلتها في أول انتخابات لترامب.
لكن أحد محاميِّ ترامب، مايكل دين، كان هو من دافع منذ أيام في محكمة الاستئناف عن حق مرشحة الخضر في وضع اسمها على بطاقة المرشحين في ولاية ويسكونسن، ونجح في إعادة اسمها رغم قبول محكمة أولى طعنًا على إجراءات تزكيتها. في حين أخفق محامٍ آخر لترامب، هو جاي سيكولو، في كسب قضية رفعها أمام المحكمة العليا (الدستورية) لإعادة اسم ستاين إلى بطاقة المرشحين في نيفادا.
ما تعبِّر عنه ستاين أكسبها تأييد 29% من المسلمين الأمريكيين وهي نفس نسبة تأييد هاريس
أي أن محامي ترامب، بأموال الجمهوريين وعلى نفقتهم، يريدون مِنافِسةً ثالثة على منصب الرئاسة، إلى جانب مرشحهم، ومنافسته كامالا هاريس. بل إن ترامب نفسه قال في يونيو/حزيران الماضي أمام أحد تجمعاته الانتخابية "إنني أحبذ جيل ستاين جدًا جدًا. هل تعرفون لماذا؟ لأن 100% من الأصوات التي تأخذها تأتي منهم (الديمقراطيين)"!
هذا التصريح، مع عدة دلائل على دعم محاميِّ الجمهوريين وبعض شركاتهم ولو بشكل مستتر لحملة ستاين، كان محور سؤال وجهته لها صحيفة وول ستريت جورنال، فردَّت بألا مشكلة لديها لو ساعدها الجمهوريون في وضع اسمها على بطاقة الترشيح في الولايات، لأن ذلك يعطي الناخب اختيارًا ثالثًا إضافيًا.
ستاين المرشحة المفضل لعرب أمريكا
في ولاية ميشيجان، حيث أكبر تجمع لمدن وبلدات العرب الأمريكيين، استطاعت حركة باسم غير المقررين/undecided لمن يصوتون، من حشد أكثر من مائة ألف توقيعٍ لناخبينَ أغلبهم من الحزب الديمقراطي، احتجاجًا على سياسة إدارة بايدن ونائبته هاريس في مواصلة إمداد إسرائيل بالأسلحة والمال والدعم الدبلوماسي لمواصلة القتل والإبادة الجماعية في غزة على مدى عام.
وبما أن بايدن فاز بأصوات هذه الولاية في 2020 بفارق 150 ألف صوت عن ترامب، فإن رفض ناخبيه السابقين من العرب والمسلمين الأمريكيين دعم مرشحة حزبه قبل وقف القتال في غزة ووقف مد إسرائيل بالسلاح يهدد حظوظها بالفوز، إذا ذهبت أصواتهم إلى الناشطة اليهودية التي تشارك في مظاهراتهم وتتعرض مثلهم لاعتقال الشرطة مع غيرها من المعتصمين.
وحين عقدت اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز مؤتمرها السنوي في مدينة ديربورن في ميشيجان، حرصت على دعوة المرشحة ستاين كمتحدثة رئيسية، فجاءت وهي تضع الكوفية الفلسطينية مؤكدةً على إدانتها حرب إسرائيل ومساندة إدارة بايدن وهاريس لها.
ما تعبر عنه ستاين، أكسبها تأييد 29% من المسلمين الأمريكيين في استطلاعات الرأي، وهي نفس نسبة تأييد هاريس بينهم، في حين لا تتجاوز نسبة مؤيدي ترامب 11%، مع 16.5% من "غير المقررين"، و10% لن يصوتوا بالمرة.
من يدفع ثمن عقاب المرشحة الديمقراطية؟
حين أفسدت مرشحة الخضر على الديمقراطيين انتخاباتهم عام 2016، جاء ترامب ليَفِي بوعوده الانتخابية لداعميه من اليمين اليهودي الصهيوني، كما أكدت مرتين علنًا المليارديرة مريم أدلسون، التي طلبت وزوجها منه نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
فعَّل ترامب القرار الذي اتخذه الكونجرس عام 1995 ولم يفعَّله حينها الرئيس بيل كلينتون ولا خلفاؤه الجمهوري بوش والديمقراطي أوباما، مثلما رفضوا جميعًا وقبلهم ريجان وبوش الأب طلب إسرائيل الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل عام 1981، حتى فعلها ترامب في 2019.
بقي وعده الجديد بتوسيع مساحة إسرائيل وضم الضفة الغربية لإسرائيل وإكمال التطبيع الخليجي الإبراهيمي دون مقابل للفلسطينيين، وبعد أن تبرعت له أرملة أدلسون بمائة مليار دولار، فهل من شك في أنه سيفعل؟!
ترامب استغرب الأسبوع الماضي، في ثاني مؤتمر تعقده له المليارديرة الصهيونية أدلسون، من استطلاعات الرأي التي تُظهر أن الناخبين اليهود لن يعطوه إلا 40% من أصواتهم رغم كل ما فعله لإسرائيل. هذا معناه، على حد وصفه، أن 60% منهم لا يزالون مؤيدين للديمقراطيين ومرشحتهم كامالا هاريس.
فهل يتحمل الناخبون العرب، بافتراض أنهم يشاركون ويتبرعون مثل اليهود في الحزب الديمقراطي، ثمن تأييد مرشحة ثالثة، تعرف ويعرفون ألا أمل لها في دخول البيت الأبيض، لعقاب الديمقراطيين وإدارتهم على دعم الإبادة الجماعية والتقاعس عن حماية غزة، بما يعنيه ذلك من عودة ترامب ليبادر بالقضاء على الضفة؟