بعد ثلاثة أشهر فقط من تولي جوزيف بايدن رئاسة الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2021، نشر ابنه هانتر مذكراته "أشياء جميلة"/Beautiful Things، ليسرد قصة حياته عبر النظر إلى الجانب المضيء له وعائلته، رغم كل المحن والمصاعب التي مروا بها.
فقد توفيت أمه نيليا مع أخته نعومي، وكان عمرها بضعة أشهر، في حادث سيارة عام 1972 قبل أن يبلغ هانتر عامه الثالث. كان جالسًا في المقعد الخلفي للسيارة بجوار أخيه الأكبر جوزيف (بو) عندما صدمت مقطورة لنقل الذرة سيارتهم، ونجا كلاهما. لكن بو توفي عام 2015 عن 46 سنة متأثرًا بالسرطان.
في مذكراته، لا يقصد هانتر بـ"الأشياء الجميلة" ما يتباهى به الناس عادةً مثل تخرجه في كلية الحقوق بجامعة ييل المرموقة، أو عمله محاميًا، بل أراد مصارحة الناس بكفاحه المرير لسنوات مع إدمان الخمور والمخدرات بشكل كاد يدمر حياته. وأنه لا يريد أن يبحث عن أعذار لنفسه في حادث موت أمه، رغم أنه لا يزال يتذكر وجهها وأخته بعد مقتلهما في المقعد الأمامي.
يحكي هانتر أنَّ إدمانه الخمور بدأ وهو في العشرين من عمره، لكنَّ الوضع تدهور بعد رحيل شقيقه الأكبر، فانغمس في المخدرات لدرجة شراء أردأ أنواعها من مشردة في الشارع، حتى وصل به الأمر إلى حد تعلم كيفية طبخ بعض أنواعها بنفسه!
كما يروي كيف دمر الإدمان حياته الزوجية وتسبب في طلاقه من زوجته الأولى كاثرين بوهل بعد عقدين رغم أطفالهما، ثم كيف تورط في علاقة غرامية مع أرملة أخيه بو لاعتقادهما أنَّ ارتباطهما قد يعوِّض كلًا منهما على خسارة حياته. ويعبر عن امتنانه لوالده الذي وقف بجواره في ذلك كله وساعده أكثر من مرة في دخول مصحات علاج الإدمان دون جدوى بعد كل محاولة.
ثم يصل إلى معرفته بزوجته الحالية ميليسا كوهين وهي من جنوب إفريقيا. ويقول إنه عندما أُعجب بها وصارحها بحقيقته الكئيبة المعروفة عنه بأنه "مدمن مخدرات"، ردَّت عليه: ليس بعد الآن! وهو الشيء الجميل الذي قادهما للزواج عام 2019، وأنه يحاول الإقلاع عن إدمانه منذ ذلك الحين.
هدية مجانية
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020 وقبل شهر من الانتخابات التي فاز بها بايدن، حرر هانتر محضرًا في الشرطة بسرقة مسدس من سيارته. كان هذا المسدس مرخصًا له منذ سنتين، أي في العام الذي سبق محاولاته الإقلاع عن الإدمان. كانت هذه واحدة من أشياء جميلة قدمها لخصوم أبيه في مذكراته.
كان خصوم بايدن من الجمهورين يحاولون الإيقاع به باتهامات الفساد لابنه منذ أن كان في إدارة أوباما نائبًا للرئيس بمزاعم تورطه بأعمال مشبوهة في أوكرانيا والصين، ونفى الأب الاتهامات بمساعدة ابنه في تقديم خدمات لرجال الأعمال، سواء في أوكرانيا أو الصين أو الولايات المتحدة.
غير أنَّ تعقب الابن انتقل إلى الأرباح التي جناها من شركات الوساطة والاستثمارات، وعدم دفعه ضرائب للحكومة عن مليوني دولار حصل عليها كأرباح في عامين خلال تلك الفترة ولم يبلغ عنها، وهذه قضية منفصلة لم يصدر الحكم فيها بعد.
لكن بمجرد نشر "أشياء جميلة" في أبريل/نيسان 2021، بعد عام واحد من خروجه من المصحة، بدأ التنقيب فيها وربط الفترات الزمنية التي أوضحها بجلاء، بالفترة التي حصل فيها على ترخيص سلاحه الناري في أكتوبر 2018، حيث يشترط للحصول على هذا الترخيص التوقيع على استمارة يقر فيها بأنه غير مدمن ولا يتعاطى المخدرات.
على مدى عام كامل، تواصلت التحقيقات عن طريق المحقق الخاص ديفيد فايس، الذي اختارته وزارة العدل في عهد ترامب محققًا خاصًا ضد هانتر ولم يتدخل بايدن حين تولى الرئاسة لتغييره. حاولت التحقيقات الربط بين اعتراف هانتر في مذكراته بالإدمان وكذبه في الاستمارة التي وقعها بأنه غير مدمن ولا يتعاطى المخدرات، وأيضًا تم ربط ذلك بالتحقيقات السابقة للشرطة التي اشترك فيها حرس الرئاسة بمجرد أن أصبح الأب رئيسًا منتخبًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعد شهر من بلاغ سرقة المسدس.
كشفت التحقيقات أنَّ هذا المسدس لم يبقَ في حوزة هانتر إلا 11 يومًا ولم يُسرق بعد سنتين كما أبلغ، بعد العثور على فيديو كاميرا مراقبة تظهر فيه زوجته السابقة وهي تلقي المسدس في سلة مهملات خارج محل تجاري، ووجده فيما بعد شخص مشرد وأبلغ شرطيًا به.
دراما قانونية مثيرة
هكذا وضع هانتر نفسه أمام محاكمة فيدرالية بهيئة محلفين من 6 نساء و6 رجال، يواجه 3 تهم جنائية بالكذب في وثائق فيدرالية، بإنكاره أنه كان مدمنًا للمخدرات عندما ملأ استمارة حيازة السلاح الناري.
أقوى أدلة استخدمها الادعاء الفيدرالي ضد ابن الرئيس لإثبات كذبه، كانت 290 مقطعًا صوتيًا من "أشياء جميلة"، بصوت هانتر نفسه الذي سجل النسخة المسموعة من الكتاب! استمعت المحكمة والمحلفون وكذلك عائلة بايدن كلها، باستثناء الرئيس الذي لم يحضر، إلى صوت هانتر وهو يعترف على نفسه.
كما استدعى الادعاء زوجته الأولى كاثرين، التي ورغم تعاطفها معه اضطرت للشهادة تحت القسم بأنها وجدت المسدس بالفعل في سيارتها بعد استخدامه لها، ووجدت أيضًا مخدرات في السيارة، فتخلصت من كل ذلك في سلة المهملات، خوفًا من أن يستخدمه أو أن يقع في يد بناتهما.
أما دفاع هانتر فاستعان للدفاع عنه بشهادة ابنته الكبرى نعومي من زوجته الأولى كاثرين، وعمرها 30 سنة، حيث أكدت للمحكمة أنَّ والدها كان واعيًا ويقظًا للغاية حين قابلته ثلاث مرات في تلك الفترة قبل شهر وبعد شهر من شرائه السلاح، ولم تكن لديه أي مشكلة أو ما يدل على أنه مدمن أو يستخدم المخدرات.
لكنَّ الادعاء لتفنيد قولها استخدم، بجانب مذكرات والدها، نصوص رسائل نصية هاتفية بينهما في تلك الفترة، ومنها ردها على أبيها وهو يطلب منها تبديل سيارة معه في الثانية فجرًا، باعتذارها له بعد قولها: أبي أريد أن ألتقي بك، لكنك لست في وضع يسمح بذلك.
جميع المحلفين في القضية من سكان مدينة وليمنجتون بولاية ديلاوير، أي المكان الذي عاشت فيه عائلة بايدن أبًا عن جد، وهم الذين قرروا بالإجماع أنه مذنب. ولو أنَّ واحدًا منهم فقط برأه وأدانه جميع الباقين، لفسدت القضية دون وصولها للقاضي للحكم.
أزمة جديدة تعقد الأوضاع
بعد أن أجمعت هيئة المحلفين على إدانة هانتر في التهم الجنائية الثلاث، يمكن أن تقرر القاضية في حكمها المرتقب في غضون أربعة أشهر سجنه 25 عامًا كحدٍّ أقصى، وإن كان السجن ليس إلزاميًا كونها أول سابقة جنائية له ولأن سجله يخلو من أي سوابق عنف.
من حق بايدن دستوريًا العفو الرئاسي عن أي مدان أو متهم في قضية فيدرالية، وإن كان ابنه، مثلما فعل دونالد ترامب في آخر أسبوع له في الرئاسة بالعفو عن عشرات من مساعديه السابقين وأيضًا تشارلز كوشنر، والد صهره جاريد، الذي أدين بالتهرب الضريبي.
لكنَّ بايدن أكد أكثر من مرة وقبل صدور الحكم أنه لن يعفو عن ابنه إذا أُدين، وبمجرد صدور قرار الإدانة، أكد البيت الأبيض في بيان مقتضب أنَّ الرئيس وزوجته يحبان ابنهما ويقفان معه لكنَّ الرئيس أيضًا يحترم القانون وحكمه.
وفور صدور الحكم، ألغى جو الأب جدوله لبقية اليوم ليعود إلى بلدته ويلمنجتون بجانب ابنه، واكتفى بمناسبة واحدة وهي إلقاء خطاب كان مقررًا عن ضرورة تشديد قوانين حيازة السلاح الناري.
نجحت مساعي خصوم بايدن في الإيقاع بنجله قبل أشهر قليلة من معركة انتخابية يواجه فيها المرشح الديمقراطي تراجعًا كبيرًا في شعبيته بين ناخبيه في الجناح التقدمي من الحزب الديمقراطي وكذلك مجتمعات العرب والمسلمين التي تصوت عادة للمرشح الديمقراطي، ونجحت في ذلك بفضل هدايا هانتر المجانية.
وسط تصفيق الحاضرين لبايدن وهو يلقي خطابه بشأن قوانين السلاح، وقفت شابتان وهما تصرخان "وماذا عن قتل الأطفال والإبادة الجماعية في غزة!"، لكن سرعان ما تم إخراجهما من القاعة فيما علت هتافات مؤيدي بايدن "أربع سنوات أخرى" للتغطية على صوتيهما. ولكن يبقى التحدي الأكبر لهؤلاء المؤيدين، هو النجاح في التغطية على أصوات مؤيدي ترامب في صناديق الاقتراع.