يحتاج الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى معجزة خلال الأشهر الستة المتبقية على الانتخابات لمنع منافسه الجمهوري دونالد ترامب من الفوز بفترة ثانية والعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
فرغم النقاط البسيطة المتأرجحة في استطلاعات الرأي بين كفتي المرشحين دون حسم واضح، تظلُّ القاعدة الانتخابية الجمهورية لترامب أكثر تماسكًا واتحادًا خلفه رغم كل مشاكله القضائية ومحاكماته، أو بسببها، مقابل الانقسامات في صفوف الديمقراطيين بشأن بايدن، خصوصًا بسبب انحيازه لإسرائيل، وما فجّره من احتجاجات طلابية.
المعجزة التي ينتظرها بايدن تتمثلُ في احتمال صدور حكم نهائي، بعد استنفاد كلّ سبل التقاضي، بحبس ترامب في إحدى القضايا العديدة المرفوعة ضده، وليس مجرد صدور حكم بإدانته. فأغلب ناخبي ترامب قالوا في استطلاعات الرأي إنهم سيصوتون له حتى أُدين جنائيًا، لأنهم يعتبرون القضاء مسيسًا ومنحازًا لمؤسسات "الدولة العميقة" ضد مرشحهم المفضل.
وبالتالي، لن يَمنع ترامب القيام فعليًا بمهام الرئاسة سوى حبسه، على اعتبار عدم وجود شروط تتعلق بسجل الرئيس الجنائي، لاعتقاد واضعي الدستور أنه أمر من المسلَّمات لمن سينتخبه الناس!
أما معجزة الديمقراطيين لكسب الانتخابات، فقد تكون بإخراج بايدن نفسه من السباق الانتخابي تاركًا الفرصة لديمقراطي آخر أفضل حظًا، ليكتفي بفترة واحدة مثلما فعل الرئيس ليندون جونسون قبل انتخابات 1968، حين كانت القاعدة الشعبية لحزبه ضد سياساته في حرب فيتنام، ومنها الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد الحرب. وإن انتهى الأمر حينها بفوز المنافس الجمهوري ريتشارد نيكسون.
وحتى في تلك الحالة فإن 6 أشهر قبل الانتخابات لا تكفي لإطلاق حملة انتخابية أولية من جديد لمرشح ديمقراطي، بافتراض أن سياساته تجاه الوحشية الإسرائيلية ستختلف عن بايدن.
ديكتاتور مثل "أصدقائه"
لا يُخفِ ترامب إعجابه بالحكام المستبدين، فقد وجَد فيهم قدرة على تنفيذ ما يَعدونه به أو يطلبه منهم في الحال، دون الحاجة إلى موافقة برلمان أو رقابة صحافة حرة أو تعطيل من المحاكم والقضاء.
حين يتحدث ترامب عما يريد فعله حين يصل إلى الحكم مرة أخرى يتضح أنه يريد التصرف كمستبدٍّ
لذلك لم يتردد ترامب في الإجابة بصراحة حين سأله المذيع اليميني شون هانيتي في قناة فوكس الإخبارية اليمينية قبيل الانتخابات الأولية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عمَّا إذا كان سيصبح ديكتاتورًا إذا فاز بفترة ثانية.
أجاب ترامب: نعم، في اليوم الأول (من تولي الحكم) أريد أن أغلق الحدود (أمام المهاجرين) وأُنقِّب، وأُنقّب، وأُنقّب (عن البترول)!
حاول ترامب بعد ذلك تهدئة مخاوف بعض الناخبين من خارج قاعدته الانتخابية المتشددة ضد المهاجرين، وضد القيود المفروضة لحماية البيئة ووقف التنقيب عن البترول الحجري، فقال إن الجمهور كان يضحك على إجابته لأنه لم يكن جادًا في نيته أن يصبح ديكتاتورًا بالفعل، رغم إعجابه ببعض الحكام الديكتاتوريين، لقناعته بأنَّ الديمقراطية واحترام الدستور أهم مميزات أمريكا في العالم.
لكن حين يتحدث ترامب بالتفاصيل عما يريد أن يفعله حين يصل إلى الحكم مرة أخرى، يتضح أنه يريد التصرف كمستبدٍّ باستخدام تفسيره ومساعديه لما تسمح به القوانين، أو استنادًا إلى سوابق تاريخيّة استثنائية فعلها رؤساء من قبله أو فعلتها أمريكا من خلال الكونجرس في الخمسينيات ضد ما سُمِّي بالخطر الأحمر لتعقب الشيوعيين، بانتهاك حريات وحقوق المواطنين الأمريكيين ومنتقدي الحكومة بتهمة أنهم طابور خامس يهدد أمن الدولة!
وبينما اكتفى البيت الأبيض بتأييد قمع الشرطة احتجاجات واعتصامات الطلاب بالصمت عنها، رحب ترامب صراحة ببداية قمع الشرطة للمظاهرات في جامعة كولومبيا الشهر الماضي، واعتبرها "مشاهد ممتعة" وطالب بمزيد من الشدة في قمع هؤلاء المتظاهرين الذين وصفهم بالمتعاطفين مع حماس، مثلما دعا إلى ترحيل الطلاب من المبعوثين المشاركين بتلك المظاهرات، وانتقد خطط إدارة بايدن بالسماح لبعض عائلات الفلسطينيين في غزة باللجوء مع أقاربهم بأمريكا للم الشمل، محذرًا من إدخال عناصر حماس فتهدد أمريكا بأكتوبر جديد مثلما فعلت بإسرائيل.
سِجِلُّ ترامب ضد المتظاهرين وهو في الرئاسة متناقض حسب لون المتظاهرين وضد أي لون يتظاهرون. ففي حين دافع عن مظاهرات العنصريين البيض ومنهم من يرفعون شعارات KKK العنصرية في مدينة شارلوتسفيل بالجنوب الأمريكي عام 2017 واعتبرهم مواطنين صالحين، دعا الشرطة ألَّا تتردد حتى في إطلاق الرصاص على أرجل المتظاهرين من حركة "أرواح السود مهمة" عام 2020، في أعقاب مقتل جورج فلويد برصاص الشرطة.
عاد لينتقم
في مقابلتين مطولتين الشهر الماضي مع مجلة تايم الأمريكية، حاول المرشح الرئاسي الأمريكي تهدئة مخاوف البعض من عودته للرئاسة، لكنه لم ينفِ خططه ليس فقط لفترة ثانية بل ربما لجمهورية جديدة.
وردًا على سؤال عما إذا كان ينوي الانتقام من منافسه الرئيس الحالي جو بايدن لو فاز عليه وعاد هو للحكم، وما إذا كان سيفعل مثل "جمهوريات الموز" التي يتعقب فيها الرئيس منافسيه ويسجن معارضيه بعد الفوز عليهم، يوضح ترامب أنه سيلتزم بالقانون وينتظر حكم المحكمة العليا بشأن مدى حصانة الرئيس قانونيًا عن أعماله خلال فترة حكمه.
إذا تحقق لوزارة العدل الأمريكية والادعاء، اللذين يعتبرهما ترامب أدوات بيد بايدن ضده، أن لا حصانة للرئيس، سيطلب المرشح الجمهوري من الادعاء والمحاكم تعقب بايدن وابنه على أفعالهما. وإن لم يحدث ذلك فمعناه أن تتوقف الدعاوى المرفوعة ضد ترامب. إنه لا يعتبر ذلك انتقامًا، كما أنه لا يعد بعدم ملاحقة بايدن في أي أمور أخرى.
يقر ترامب بأنه سيعفو رئاسيًا عن كل أو أغلب المتظاهرين ممن أُدينوا بالسجن في اقتحام الكونجرس لمنع تصديقه على فوز بايدن في الانتخابات التي لا يعترف ترامب بصحتها.
ولأن الجمهوري مايك سبنس نائب ترامب رفض مخالفة الدستور بعدم التصديق، كرئيس لمجلس الشيوخ، على نتيجة الانتخابات حتى بعد اقتحام مؤيدي ترامب جلسة الكونجرس، لم يشأ أحد المرشحين مع ترامب على منصب النائب هذا العام أن يجيب عن سؤال بشأن قبول نتيجة الانتخابات بغض النظر عمن سيفوز فيها.
السيناتور تيم سكوت من ولاية نورث كارولينا، وهو من السياسيين السود القلائل في الحزب الجمهوري، وأحد المرشحين للترشح مع ترامب نائبًا، أجاب عن السؤال بتأكيد قناعته أنَّ ترامب سيفوز ولا احتمال آخر يمكن أن يقدمه رغم تكرار السؤال عليه عدة مرات! من ناحيته، لم يؤكد ترامب أيضًا قبوله نتائج انتخابات لن يفوز فيها، مثلما لم يعترف حتى الآن بخسارته الانتخابات الأخيرة.
يؤكد ترامب أنه سيتعقب "المهاجرين غير الشرعيين" إلى أمريكا، زاعمًا أنَّ عددهم تجاوز 15 مليونًا، وأنه سيجمعهم في مراكز اعتقال، وسيلجأ للحرس الوطني، ولا مانع حتى من الجيش. وحين يسأله صحفي التايم عمَّا إذا كان اللجوء إلى الجيش لمواجهة مدنيين مخالفًا للقانون الذي يحظر تدخل الجيش في الحياة المدنية، أجاب بأنه لا يعتبر هؤلاء المهاجرين واللاجئين مدنيين باعتبارهم من دول أخرى تهدد الأمن القومي للبلاد. واستشهد بما فعله الرئيس أيزنهاور عام 1954 بتعقب المهاجرين عبر الحدود من المكسيك وترحيلهم بعيدًا عن الحدود لمسافات وصلت لآلاف الكيلومترات داخل المكسيك.
أيضًا، لن يكتفي ترامب بتغيير الأربعة آلاف موظف سياسي الذين يعينهم الرئيس الجديد في المناصب العليا حين يفوز بالانتخابات، وعلى رأسهم الوزراء ومساعدوهم، لكنه يرى ضرورة تغيير المديرين البيروقراطيين لجهاز الحكومة الذي يصل إلى مليوني موظف، باعتبارهم مَن يُديرون دولاب الدولة، ويجب محاسبتهم وإيجاد السبل لعزل المقصّرين منهم عن أداء أعمالهم بحيث يتحكم الرئيس في كل شيء! ويعد ترامب بأنه لن يطلب المرة القادمة من مساعديه وكبار الموظفين تقديم استقالاتهم، كما كان يفعل من قبل، لكنه سيعزلهم فورًا عند أي تقصير، غير عابئ بأي اعتبارات شخصية أو إنسانية أو وظيفية.