البيت الأبيض، فليكر
ترامب مع وجبات ماكدونالدز ودومينوز بيتزا وبرجر كينج.

أمريكا تخشى قضاة مدى الحياة ورئيس بلا حياء

منشور الأربعاء 31 يوليو 2024 - آخر تحديث الجمعة 2 أغسطس 2024

في مؤتمر بعنوان "قمة المؤمنين" عقده تجمع من قادة اليمين المسيحي المحافظ في ولاية فلوريدا الأسبوع الماضي، ناشد ترامب حشدًا من الأنصار الذهاب والتصويت له في الانتخابات المقبلة لكن هذه المرة فقط؛ "لن تُضطروا لفعلها مرة أخرى. عليكم الذهاب هذه المرة فقط، فبعد أربع سنوات لن تحتاجوا للتصويت مجددًا. فسنكون أصلحنا الوضع جيدًا بحيث لن تجدوا داعيًا للذهاب".

لاحقًا، حاول ترامب تبرير ما قاله بأنه كان يشجع قطاعًا من المتدينين الذين يعزفون عادةً عن الذهاب للاقتراع ليساعدوه هذه المرة في الفوز بفترته الثانية والأخيرة، وأنه لم يكن يقصد أنه سيحول دون إجراء انتخابات بعده.

لكن خصومه من الحزب الديمقراطي وجدوا في التصريح مؤشرًا جديدًا على التغييرات الجذرية التي قد يُحدثها ترامب إذا عاد للرئاسة، بعد حديثه قبل ثلاثة أشهر لمجلة تايم عن رغبته في أن يكون مستبدًا ولو ليوم واحد، وأنه يريد توسيع مفهوم الولاء السياسي للرئيس، فلا يعود مقتصرًا كما هي الحال اليوم على الوزراء ومساعديهم الذين يعينهم كل رئيس جديد، وعددهم لا يتجاوز الألفين، بل يشمل معهم نحو مليون موظف في الحكومة الفيدرالية!

محاكاة الاستبداد

زادت المؤشرات المخيفة مع خطط بعض مراكز الأبحاث اليمينية المحافظة، مثل تلك التي وضعتها مؤسسة Heritage، لتقليص الحريات التعليمية وإلغاء وزارة التعليم ومعها بعض إعفاءات قروض التعليم الجامعي، وإعادة ضبط المنظومة الحكومية بتقليص استقلالية وزارة العدل بالشكل الذي يتوقعه أنصار ترامب إذا ما عاد للرئاسة. ولكنه تنصل من الخطة نافيًا صلة حزبه بها.

لكن لأن بعض تصورات وتصريحات ترامب تشبه ما ورد في الخطة، التي تُشدد بطبيعة الحال القيود على المهاجرين، ولأن بعض مؤلفيها كانوا مسؤولين سابقين شاركوا في وضع برنامج وأهداف الحزب الجمهوري في مؤتمره القومي الشهر الماضي؛ اضطُر بول دانز، القائم على وضع خطة Heritage، إلى التنحي عن منصبه في المؤسسة ووقف مشروع الخطة، التي تهدد بزيادة حدة الاستقطاب السياسي.

تضمن اقتراح "لا أحد فوق القانون" نصًا يحظر منح أي حصانة قانونية لأي إنسان

المخاوف من 2025 دفعت بعض مراكز الأبحاث الحقوقية إلى وضع سيناريوهات لما يمكن أن يفعله رئيس سلطوي ومستبد، يسعى إلى استغلال صلاحياته بشكل يعصف بتوازن السلطات بدلًا من الحد من توغل السلطة. كان من بين تلك السيناريوهات جلسات المحاكاة التي نظمها مركز برنان للعدالة في كلية القانون في جامعة نيويورك خلال الشهرين الماضيين، ليوم تنصيب الرئيس الأمريكي في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، وسط مظاهرات واحتجاجات واسعة مفترضة على وصول هذا الرئيس للحكم.

المقارنة وقتها كانت بين بايدن وترامب، وكيفية تصرف كل منهما في هذا الموقف استنادًا إلى تصريحاته وسياساته ومواقفه السابقة، وأيضًا كيفية تصرف مساعديه ووزرائه عندما يُطلب منهم قمع المظاهرات أو تحريك قوات الجيش لمواجهة المتظاهرين في الشوارع، استنادًا إلى قوانين موجودة ولكن الولايات المتحدة تجاوزتها، مثل قانون مواجهة العصيان الذي أقرَّ عام 1792، عندما كانت الدولة وليدة، حقَّ الرئيس في استدعاء الجيش لمنع التمرد.

وعلى الرغم من أن الدولة ترسخت في أمريكا، واستقر نظامها السياسي لقرنين بعد ذلك على إهمال حق الرئيس في استدعاء الجيش، وأن مواجهة المتظاهرين لا تكون إلا بالشرطة، فإن هذا القانون المهمل قد يصبح بابًا خلفيًا، يمر منه أي رئيس سلطوي لتوسيع صلاحياته. وكما كان متوقعًا، خلصت جلسات المحاكاة إلى أن هذا السيناريو إذا وقع سيكون الرئيس هو دونالد ترامب.

احتكار اليمين للقضاء

القضاء الذي كان ترامب يشكو تسييسه ضده، مع تعدد التهم التي يواجهها في عدة قضايا أقلها خطورة ما أُدين فيه بالتزوير، هو نفس القضاء الذي منحت قمته منذ أشهر ترامب حصانة من كل ما ارتكبه أثناء أداء مهامه الرئاسية، مثل تهم تحريض المتظاهرين على اقتحام الكونجرس، والاحتفاظ بوثائق سرية بعد انتهاء فترته الرئاسية.

تتألف المحكمة العليا الأمريكية، التي حصنت ترامب وغيره من الرؤساء، من تسعة قضاة، يحتفظون بمناصبهم مدى الحياة، لضمان استقلاليتهم وعدم تمكين السلطتين التنفيذية والتشريعية من الضغط عليهم أو التأثير في أحكامهم، التي ترسي السوابق القانونية والقضائية وتعد مرجعيّة في تفسير الدستور والقوانين وقرارات الرئيس.

كان من حظ ترامب أن يملأ في فترته الأولى ثلاثة مقاعد في المحكمة، أحدها تركه أوباما، ليتغير التوازن لصالح الجمهوريين، الذين عيّنوا ستة من قضاة المحكمة التسعة، جميعهم من المحافظين. انعكس ذلك على قرارات المحكمة في السنوات الأخيرة، مثل تحصين الرئيس من القضاء وقبلها تقويض حق النساء في الإجهاض الذي كانت المحكمة نفسها أقرته في السبعينيات.

ولأنه لا توجد أي رقابة من أي سلطة أخرى على تصرفات قضاة المحكمة العليا، بجانب غياب أي آليات لاستبدالهم مثلما يحدث في الرئاسة والكونجرس، طالب الرئيس بايدن في مقال نشرته واشنطن بوست بعد نحو أسبوع من انسحابه من السابق الرئاسي بتعديل دستوري يضع حدًا أقصى لخدمة قاضي المحكمة 18 سنة، ما يعادل ثلاث فترات في عضوية مجلس الشيوخ، وأكثر من فترتي الرئاسة بعشر سنوات.

من شأن هذا التعديل الدستوري، الذي تحدث عنه بايدن أيضًا يوم الاثنين الماضي في مكتبة الرئيس جونسون الرئاسية، أن يُنهي على الفور خدمة ثلاثة قضاة مضى على تعيينهم أكثر من 18 سنة، كلهم محافظون عينهم رؤساء جمهوريون، أقدمهم وأكثرهم يمينية كلارنس توماس، أول قاضٍ عالٍ من السود الأمريكيين، وعينه بوش الأب عام 1991.

يواجه توماس أيضًا مزاعم فساد ورشى عينية من رحلات واستضافات وهدايا من أثرياء لهم مصالحهم الاقتصادية والسياسية، ربما كانت الدافع الذي جعل بايدن يدعو في تعديله المقترح إلى وضع ضوابط قانونية للكشف عن الذمم المالية لقضاة المحكمة. 

كما تضمن اقتراح التعديل المسمّى "لا أحد فوق القانون" نصًا يحظر منح أي حصانة قانونية لأي إنسان، خصوصًا رئيس الجمهورية، خلافًا لما قضت به المحكمة العليا مؤخرًا.

لكنّ إدخال أي تعديل على الدستور الأمريكي يتطلب إجراءات شبه إعجازية. لا يتعلق الأمر فقط بتوفير أغلبية كاسحة في مجلسي الكونجرس، بل أيضًا يجب تأمين موافقة ثلاثة أرباع أعضاء كل المجالس التشريعية في كل من الولايات الأمريكية الخمسين.

منذ صياغته عام 1787، بلغ مجموع التعديلات التي أُدخلت على الدستور الأمريكي 27 تعديلًا، أقرت أول عشرة منها، وتعرف باسم "وثيقة الحقوق"، مجتمعةً عام 1791، ثم استغرق تمرير 17 تعديلًا آخر قرنين وثُلُث القرن!

يحتاج أي تعديل دستوري إلى موافقة 60% من أعضاء مجلس النواب لمناقشته فقط، ثم 75% لإجازته والتصديق عليه في كل المجالس، وهو ما يستغرق عدة رؤساء. وبتوازنات اليوم، أعلن النائب الجمهوري مايك جونسون، بوصفه رئيس المجلس، أن اقتراح بايدن "ميت قبل وصوله"!

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.