البيت الأبيض، فليكر
ترامب مع وجبات ماكدونالدز ودومينوز بيتزا وبرجر كينج، 14 يناير 2019

ماذا تعني عودة ترامب للبيت الأبيض؟

منشور الخميس 7 نوفمبر 2024

بعد أشهر من المواجهات الحادة والاتهامات المتبادلة، حسم الأمريكيون الأمر وبات دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعين في تاريخ الولايات المتحدة.

تغلب ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس بعد حصوله على 295 صوتًا من المجمع الانتخابي مقابل 226 لها، وحسمه سباق الولايات السبع المتأرجحة لصالحه.

فشلت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في أن تصبح أول امرأة تحكم الولايات المتحدة. لكن الخسارة لم تكن تقتصر على البيت الأبيض، فالجمهوريون انتزعوا الأغلبية بمجلس الشيوخ الأمريكي لأول مرة منذ 4 سنوات بعد نجاحهم في الحفاظ على مقاعدهم وانتزاع مقاعد من الحزب الديمقراطي.

لماذا اختار الشعب الأمريكي ترامب؟

فوز ترامب بالسباق أمام هاريس عزته وسائل إعلام أمريكية إلى قدرته على حشد دعم المناطق الريفية، كما في مختلف أنحاء بنسلفانيا التي منحته 19 صوتًا في المجمع الانتخابي، إلى جانب تآكل الدعم الديمقراطي بين اللاتينيين، حيث تحولت مقاطعات ديمقراطية بأكملها لدعم الحزب الجمهوري.

قدم ترامب رؤية اقتصادية بديلة بينما دفعت هاريس فاتورة بايدن

غير أن ترامب بالنسبة لملايين الأمريكيين ليس مجنونًا، حسبما ذكرت صحيفة تليجراف البريطانية، التي أوضحت أن ما يهم الناخب الأمريكي في المقام الأول هو الاقتصاد، فالدجاجة المجمدة التي كان سعرها حوالي 11 دولارًا قبل عامين وصل إلى 20.

كما يحن الناخبون إلى فترة ولاية ترامب الأولى، قبل وباء كورونا، حين ارتفعت سوق الأسهم وتراجعت البطالة إلى مستويات متدنية تاريخية.

صورة أرشيفية لكامالا هاريس أثناء أدائها الصلاة خلال الحملة الانتخابية للمرشح جو بايدن في كليفلاند، أوهايو. 24 أكتوبر 2020

"المزاج العام للناخب الأمريكي أقرب لترامب، فهو رجل الصفقات الأول بحكم أنه رجل أعمال، حتى لو أدار العلاقات الدولية بالشكل نفسه فهو يتبع مبدأ براجماتيًا مقبولًا للأمريكيين، كما أنه يعجبهم الرئيس المتحرر من القيود الذي لا يخضع للمؤسسية. المواطن الأمريكي يبدو أنه يريد رئيسًا يقفز على المؤسسات والقيود" يقول الدكتور محمد سالمان أستاذ العلوم السياسية لـ المنصة.

فيما يشير الدكتور أحمد سيد أحمد المتخصص بالشأن الأمريكي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن الناخب الأمريكي انحاز للمرشح الذي قدم رؤية بديلة للاقتصاد فيما يخص الضرائب ومكافحة التضخم. 

ويضيف "على العكس تحدثت هاريس عن دعم الطبقة الوسطى، ولم تقدم روشتة لعلاج أزمات الاقتصاد"، موضحًا "الكثير من الأمريكيين عاقبوا هاريس على ارتفاع تكاليف المعيشة باعتبارها جزءًا من إدارة بايدن".

المهاجر العدو

يُتوقع أن تشهد سياسات الهجرة إلى أمريكا تحولًا كبيرًا في عهد ترامب، إذ جعل من تقييد الهجرة إحدى القضايا المحورية في حملته الانتخابية، باستهدافه ملايين المهاجرين غير النظاميين وإعادة تعريف نهج البلاد تجاه الوافدين الجدد.

لم يخلُ مؤتمر انتخابي أو مقابلة تليفزيونية من الهجوم على سياسة سلفه جو بايدن، التي اعتبرها ترامب منفتحة على الهجرة، ودأب على تصوير المهاجرين كأعداء للولايات المتحدة، كما دعا إلى فرض أشد العقوبات على المهاجرين الذين يقتلون مواطنين أميركيين أو عناصر من الشرطة.

دونالد ترامب في مؤتمر انتخابي في لاس فيجاس، 21 يونيو 2024

يتجلى التغيير في تعهداته بتفعيل قانون العدو الأجنبي الذي وُضع عام 1798، الذي يسعى لتنفيذ ترحيلات جماعية تستهدف المهاجرين غير الشرعيين ذوي الصلات الإجرامية، وهو القانون الذي يتيح للسلطات احتجاز وإبعاد مواطنين من دول معينة، تعتبر الولايات المتحدة أنها في حالة حرب معها.

لا عجب في ذلك، فحملة ترامب ضد الهجرة خلال ولايته الأولى أدت إلى انخفاض عدد العمال الأجانب وغيرهم من المهاجرين إلى أدنى مستوى منذ عقود.

ويقدر عدد الوافدين بنحو 15 مليونًا، وحسب مركز دراسات الهجرة، فإن السلطات الأمريكية يمكنها ترحيل ما يزيد على مليون مهاجر سنويًا حال إنفاذ ذلك القانون.

مستقبل السياسة الخارجية

في خطابه الأول بعد الفوز، أكد ترامب أنه لن يشن أي حروب وإنما سيعمل على إنهائها، في إشارة إلى نهج إدارة بايدن الذي انتقد سياساته في حرب غزة والحرب الروسية الأوكرانية.

سيواصل ترامب دعمه لحرب غزة وربما يدفع لتهدئة في لبنان

يرى الدكتور جمال سلامة أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يتغير  في عهد ترامب، فهو يتمتع بعلاقة جيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحثه أكثر من مرة على حسم الحرب، ما يعني أنه لن يوقف الحرب قبل أن تعلن إسرائيل تحقيق أهدافها كاملة. 

ويضيف "الدعم سيتواصل رغم أن ترامب شحيح الإنفاق عسكريًا ولا يريد أن يستنزف اقتصاده. ترامب يتعهد بإنهاء الحرب على غزة لأنها ستنتهي آجلًا أم عاجلًا، كما أن قدرة حماس تضاءلت على تهديد إسرائيل، لكن كل ذلك لن يحدث قبل مرور الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه".

ويتفق الدكتور سالمان أستاذ العلوم السياسية في عدم التهدئة على جبهة غزة تحديدًا "هو الرئيس الأكثر تطرفًا في تاريخ الولايات المتحدة، وفي عهده تم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لأول مرة في التاريخ".

ويلفت إلى أن ترامب لم يتحدث عن المستوطنات أو حق العودة، ولا يؤمن بحقوق الفلسطينيين، فضلًا عن علاقته الوثيقة مع نتنياهو الذي استبق نتائج الانتخابات الأمريكية بقرار إقالة وزيري الدفاع والخارجية وتعيين آخرين أكثر تطرفًا.

ومع استبعاد التهدئة في غزة، يتوقع سالمان هدوءًا في لبنان "يختلف المسار اللبناني من حيث الدول الفاعلة في هذا الملف وحضور الجانب الروسي على الجبهة السورية المتاخمة للبنان، فقد يدفع ترامب للتهدئة انطلاقًا من حسابات إعادة العلاقات مع الروس".

ترامب سيدفع السعودية إلى التطبيع مع إسرائيل والتغاضي عن إقامة دولة فلسطينية

على النقيض تمامًا، يرجح سالمان أن ترامب سيكون حادًا في تعاملاته مع إيران، متوقعًا أن تشهد العلاقات مع طهران توترًا على خلفية موقفه السابق بالانسحاب من مفاوضات البرنامج النووي، مشيرًا إلى أن ترامب قد يحشد الأوروبيين للضغط على طهران وفرض مزيد من العقوبات، كما أنه لن يكون مرتاحًا للتقارب السعودي الإيراني الذي حدث العام الماضي وسيضغط بقوة لفصل المسار الخليجي عن الإيراني من جديد.

وسبق أن انتقد ترامب الرئيس بايدن بسبب تصريحاته التي حث فيها إسرائيل على عدم استهداف المواقع النووية الإيرانية، مشيرًا إلى أن الهجوم الإيراني لم يكن ليحدث لو كان هو في السلطة.

أما سلامة فيرى أن تصريحات ترامب المعادية لطهران ما هي إلا وسيلة ضغط، مرجحًا أنه سيسعى أكثر إلى دفع السعودية إلى التطبيع مع إسرائيل والتغاضي عن فكرة إنشاء دولة فلسطينية.

قد تُغير سياسات ترامب حسابات الحروب والتهدئة في المنطقة، قد تنطفئ نيرانًا في مناطق وتشتعل في أخرى، ربما يدفع في تغيير خرائط عربية دعمًا لمخططات صديقه نتنياهو، وحتى تنصيب ترامب في يناير/ كانون الثاني المقبل يبقى بايدن بطة عرجاء، وتترقب منطقتنا تغييرات ما بعد العام الجديد.